Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف وقع 7 ملايين أفريقي في شباك "العبودية الحديثة"؟

مهاجرون يتعرضون للاستغلال والابتزاز في ليبيا وأطفال يعملون في مناجم الكوبالت بالكونغو الديمقراطية والتغير المناخي يفاقم الظاهرة

تزايد استغلال القصر في مناجم الكوبالت في الكونغو الديمقراطية (الإذاعة الفرنسية)

ملخص

تُضاعف الصراعات من استهداف الضحايا، ففي بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا، تستهدف الجماعات المسلحة النازحين، وتجندهم كمقاتلين، أو تجبرهم على العمل القسري، أو تدفعهم إلى ممارسة الدعارة، إذ يجبر الأطفال على العمل القسري في مناجم معدن الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

تصاعدت مظاهر "الرق المعاصر" التي ترتكبها حكومات أو مجموعات مسلحة في أفريقيا، في غياب تنفيذ تشريعات تحارب جرائم الاسترقاق والزواج القسري والعمل الجبري والاتجار بالبشر، مما جعل أكثر من سبعة ملايين أفريقي تحت وطأة "العبودية الحديثة"، لكن بعض المراقبين يحذّرون من جمعيات مدنية تبالغ بهدف جذب التمويل الخارجي باسم حقوق الإنسان.

وتسلّم الأمين العام للأمم المتحدة أواخر الشهر الماضي، تقريراً من اللجنة العالمية المعنية بالعبودية الحديثة والاتجار بالبشر، برئاسة رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، حيث تشير إلى "حالات الاستغلال التي لا يستطيع الضحايا الهرب منها". وكشفت أن 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون في هذا الوضع، بما في ذلك 5.2 شخص من بين كل 1000 أفريقي.

ومن أبرز صور الظاهرة العمل القسري وهو الشكل الرئيس للاتجار بالبشر، حيث يشكل نزوح السكان عامل خطر، بينما أكثر من نصف الضحايا هم من الأطفال والفتيات.


ليبيا ممر للمهاجرين

يقول الناشط السياسي المقيم في الجنوب الغربي بدولة ليبيا حسان أغ بركة لـ"اندبندنت عربية"، إن المنطقة الصحراوية حاليا باتت بمثابة ممر للعمالة الوافدة التي تتوجه نحو السواحل باتجاه زوارة وطرابلس ومصراتة وغيرها من مدن الغرب والشرق، حيث يتوافر العمل قبل الانطلاق إلى أوروبا، لكن قد يتعرضون إلى الاستغلال، وهو ما كشفته أخيراً أجهزة وزارة الداخلية الليبية.

ووصف بركة "الرق الحديث" الذي يلاحق الوافدين الأفارقة بالظواهر الدخيلة التي تبدأ محاربتها بمحاسبة من يوفر لهم الحماية والمأوى بعيداً من أجهزة الرقابة.

وأكدت اللجنة العالمية المعنية بالعبودية الحديثة والاتجار بالبشر أنه في بعض حالات النزاع المسلح، يقع الضحايا في فخ التمييز والفقر والعنف الناجم عن النزاعات المطولة في مختلف المناطق. وضربت مثالاً بالنساء والفتيات النيجيريات اللواتي تعرّضن للاتجار عند انتقالهن إلى أوروبا، وجميعهن تقريباً قادمات من ولاية إيدو بنيجيريا عبر ليبيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتسبب انتشار الجماعات المسلحة في ليبيا بعد عام 2011، في ازدهار الاقتصاد غير المشروع، حيث يُعد تهريب البشر والاتجار بهم أحد أهم ركائزه. وقد فُوّضت سلطات حماية الحدود الأوروبية الجنوبية إلى جهات أمنية ليبية، وتبيّن أن الأخيرة تُموّل للقضاء على الأنشطة المتعلقة بالاتجار بالبشر.

لكن يؤدي هذا النمط إلى احتجاز المهاجرين وتعرضهم للابتزاز والاستغلال من قبل قوات الأمن بحسب اتهام اللجنة.

وأكد الحقوقي طارق لملوم اكتشاف السلطات الليبية مستودعات تحتوي على مهاجرات من الصومال وإثيوبيا تورطت فيها شبكات عابرة للحدود، تم بيعهم ونقلهم من مخزن إلى آخر، لافتاً إلى تعدد أشكال العبودية، وإن كانت الصورة النمطية عن الظاهرة تتمثل في احتجاز أشخاص في أماكن أو بيعهم، غير أنه في السنوات الأخيرة أخذ استغلالهم يتطور يوم بعد آخر بناء على ما تعرض له المهاجرون وطالبو اللجوء في ظل تزايد رقعة الخلاف في ليبيا.

ولم ينف الحقوقي، تورط جهات حكومية وشبه رسمية في أعمال ممنهجة سواء في شرق أو غرب ليبيا، أين يتم وضعهم داخل مراكز احتجاز، على رغم سن قوانين تحمي حقوق اللاجئين واتفاقيات بين الدول تم توقيعها مع الاتحاد الأفريقي لا يتم العمل بها.

ووفقاً لمؤشر الجريمة المنظمة العالمي، شكّل الاتجار بالبشر أكبر سوق إجرامية في العالم، وثاني أكبر سوق عام 2022. وكما أشار مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن الجماعات الإجرامية المنظمة مسؤولة عن 74 في المئة من حالات الاتجار بالبشر التي حققت فيها الوكالة.

وتُظهر بيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن 4 على الأقل من البلدان العشرة الأولى التي تشهد أكبر انتشار للعبودية الحديثة (إريتريا وموريتانيا وطاجيكستان وأفغانستان)، تُصنف ضمن أدنى 50 دولة عضو في الأمم المتحدة من حيث أقل البلدان نمواً.

وتنتمي الدول الخمس الأكثر عرضة للعبودية الحديثة في أفريقيا وهي إريتريا وجنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وموريتانيا، إلى هذه المجموعة أيضاً.

 

وعلى غرار ليبيا، كانت أكثر دولة عربية تتخذ فيها العبودية أشكالاً مختلفة هي موريتانيا، على رغم إلغائها في عام 1981، وكانت آخر دولة في العالم تلغي العبودية، فلم تصمد أمامها قرارات وقوانين لتجريم الرق، إذ يعد البلد الوحيد الذي توجد فيه محكمة معنية بمكافحة الظاهرة. بينما أصدرت البلاد قبل نحو عشر سنوات قانوناً ينص على تجريم الرق واعتباره "جريمة ضد الإنسانية"، وأفردت له عقوبات تصل إلى 20 عاماً، ومع ذلك يوضح حقوقيون أن الآفة لا تزال موجودة بنوع خاص وسط ذوي البشرة السمراء، لا سيما جماعات الولوف والبولار والسونينكي، الذين يُنظر إليهم على أنهم من نسل العبيد.

وشهدت موريتانيا عمليات إبادة بين عامي 1986 و1992 راح ضحيتها مواطنون سود، ومع ذلك لم تحاكم سوى قلة من الأشخاص المسؤولين عن الجريمة.

وتُضاعف الصراعات من استهداف الضحايا، ففي بلدان مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا، تستهدف الجماعات المسلحة النازحين، وتجندهم كمقاتلين، أو تجبرهم على العمل القسري، أو تدفعهم إلى ممارسة الدعارة، إذ يجبر الأطفال على العمل القسري في مناجم معدن الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وتؤكد منظمة العفو الدولية ارتباط التعدين الحرفي والضيق النطاق للكوبالت في جمهورية الكونغو، بالعمل القسري للأطفال وغيره من الانتهاكات في مناجم الكوبالت الحرفية.

العالم الخفي لتعدين الكوبالت

وثّق كتاب "أحمر الكونغو"، للمؤلف والأكاديمي بجامعة هارفارد سيدهارث كارا، تفاصيل العالم الخفي لتعدين الكوبالت غير الرسمي بقوله في أحد مقتطفاته، "إذا كنت تمتلك هاتفاً ذكياً، أو جهازاً لوحياً، أو كمبيوتر محمولاً، أو سيارة كهربائية، أو كل ما سبق، فأنت متواطئ مع نظام وحشي من دون قصد". ووفق تقديرات حديثة للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن الطلب على الكوبالت سوف ينمو أربعة أضعاف بحلول عام 2030.

 

كما يشكل تغير المناخ عامل خطر آخر، إذ إن انعدام الأمن الغذائي والفقر يدفعان البعض إلى اتخاذ طريق الهجرة المحفوفة بالأخطار. وفي عام 2021 وحده، أدت الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ إلى نزوح ما يقرب من 24 مليون شخص، ومن المتوقع أنه بحلول عام 2050، سينتقل 200 مليون شخص داخل حدود بلادهم للهرب من تأثيرات تغير المناخ. ويمكن أن تؤدي الكوارث الطبيعية المفاجئة، مثل الفيضانات، إلى دفع الأفراد إلى سلوكيات سلبية في استراتيجيات التكيف مثل الزواج القسري والعمل القسري والاستغلال الجنسي. وأخيراً شهدت الصومال أجواء مناخية شديدة السوء، مما أدى إلى انقطاع الوصول إلى المياه وتفاقم انعدام الأمن الغذائي والنتيجة الداخلية نزوح السكان الريفيين نحو مقديشو ما أدى إلى تأجيج التوترات العشائرية، وتصاعدت الأمور إلى صراع مسلح، واستعباد المدنيين من قبل الجماعات المسلحة.

بدوره، يؤكد السياسي النيجري عمر مختار الأنصاري، أن "الرق أُلغي رسمياً في أفريقيا منذ عقود، كما أن التعاليم الإسلامية تحث على العتق عبر وسائل مثل الكفارات التي أسهمت تاريخياً في الحد من هذه الظاهرة؛ وربما اختفت في بعض البلدان قبل قرار الأمم بسبب العتق الإسلامي" وفق تعبيره.

ونبه الأنصاري في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إلى مبالغة بعض التقارير المحلية في تصوير حالات معينة بشكل دراماتيكي لجذب التمويل الخارجي باسم حقوق الإنسان. وعليه، في رأيه، لا يُعد الرق سبباً رئيساً للهجرة غير الشرعية من النيجر أو أفريقيا جنوب الصحراء، بل إن انعدام الأمن ونقص التنمية هما السببان الأساسيان، داعياً إلى معالجة هذه التحديات بتعزيز التنمية وتأمين المناطق المتضررة.

وقال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيليمون يانغ، خلال فعالية عُقدت في مقر الأمم المتحدة لإطلاق التقرير، إن تحديات العبودية الحديثة والاتجار بالبشر تُمثل انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية، و"تُهين كرامة الإنسان وتُسيء إلى الإنسانية". وأضاف: "واحد من كل ثلاث ضحايا للاتجار بالبشر طفل. هذه حقيقة مؤلمة. ومعظم ضحايا الاتجار هم من النساء والفتيات، واللواتي غالباً ما يعانين من عنف وحشي وأشكال مختلفة من الاستغلال والاعتداء الجنسيين".

المزيد من تقارير