ملخص
في ظل هذا المناخ المتوتر، حتى المقترحات الوسطية تواجه صعوبات جمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، المقترح المتعلق باستيراد اليورانيوم المخصب من الخارج، الذي طرحه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبیو كخيار محتمل، قوبل بالرفض من الجانب الإيراني.
بعد تعليق الجولة الرابعة من المفاوضات النووية التي كان من المقرر عقدها أمس السبت في العاصمة الإيطالية روما، وبينما دخلت المحادثات بين إيران والولايات المتحدة الأميركية مرحلة حساسة ومتوترة، فإن التصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين من الجانبين، بمن فيهم وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره الأميركي ماركو روبيو، أظهرت أن المسار الدبلوماسي لا يزال مفتوحاً جزئياً، إلا أنه محفوف بالعقبات الصعبة والخلافات العميقة.
وأكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ضمن مقابلة تلفزيونية له أول من أمس الجمعة، أن على إيران "التخلي كاملاً عن تخصيب اليورانيوم وتطوير الصواريخ بعيدة المدى ودعم الجماعات المسلحة الإقليمية، بما في ذلك الحوثيون في اليمن". ودعا إلى أن تسمح إيران للمفتشين الدوليين بإجراء عمليات تفتيش شاملة لجميع منشآتها، بما في ذلك المنشآت العسكرية. وبحسب روبيو، فإن الدول الوحيدة التي تقوم بتخصيب اليورانيوم هي تلك التي تمتلك الأسلحة النووية.
لكن إيران أكدت مجدداً حقها في امتلاك دورة الوقود النووي الكاملة، باعتبارها من الدول المؤسسة والموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT). وفي رده على تصريحات ماركو روبيو، كتب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، عبر منصة "إكس" قائلاً إن "تكرار الأكاذيب لا يغير الحقائق الأساس، إيران ترفض من حيث المبدأ الكشف عن تفاصيل المفاوضات في وسائل الإعلام، لكن من الواجب التأكيد أن التخصيب هو حقنا المشروع".
وأضاف عراقجي أن عدداً من الدول، سواء في آسيا أو أوروبا أو أميركا الجنوبية، أطراف في معاهدة عدم الانتشار النووي وتمارس تخصيب اليورانيوم دون أن تمتلك أسلحة نووية، ووفقاً لوزير الخارجية عراقجي فإن الشرط الوحيد للتوصل إلى اتفاق مستدام وموثوق هو "الإرادة السياسية الحازمة والرؤية العادلة".
الاختلافات الفنية والسياسية: أين تكمن نقطة الخلاف؟
بحسب تقرير لوكالة "رويترز"، وفي أعقاب تأجيل الجولة الرابعة من المفاوضات النووية، قال مسؤول إيراني إن تحديد الجدول الزمني الجديد للمفاوضات "مرتبط بموقف الولايات المتحدة"، ويقال أيضاً إنه طرحت مقترحات خلف الكواليس، من بينها أن تخفض إيران مستوى تخصيب اليورانيوم إلى حدود غير عسكرية، وتسمح لهيئات مستقلة بالتحقق من هذا الخفض.
ومع ذلك، أعلنت إيران أنها غير مستعدة للقبول بـنزع كامل للقدرات النووية. وفي تحليل نشر أمس السبت داخل صحيفة "كيهان" التي يشرف عليها المرشد علي خامنئي، جاء أن "الطرف الإيراني قد يكون مستعداً لخفض مستوى التخصيب إلى حدود غير عسكرية والسماح بالتحقق المستقل من ذلك، لكنه لن يرضخ أبداً لنزع كامل لقدراته النووية".
وأضافت صحيفة "كيهان"، "ربما بصيص الأمل الوحيد هو أن يكون الرئيس دونالد ترمب استخلص درساً من تجربة حكومته في المفاوضات غير المباشرة مع إيران، فما كان ترمب يبحث عنه حقاً لم يكن مجرد احتواء بل نيل الإعجاب، وأن يُرى كرجل استطاع، إذ فشل الآخرون، أن يحل أزمة دون حرب. وفي الحقيقة، أي زعيم عاقل يستبدل نار الحرب بحل دبلوماسي للحد من البرنامج النووي الإيراني، ما دام هناك نافذة، ولو ضيقة، ما زالت مفتوحة أمام التفاوض؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق، جدد الرئيس دونالد ترمب تهديده لإيران بفرض عقوبات أشد، معلناً أن أية دولة تشتري النفط أو المنتجات البتروكيماوية من إيران ستخضع لعقوبات ثانوية. وهذه التهديدات، التي تراها طهران "ابتزازاً علنياً" وتصفها واشنطن بأنها "خيارات مطروحة على الطاولة"، تعكس صعوبة مسار التوصل إلى اتفاق وتشكل عنصراً يفاقم الشكوك في شأن مآل المحادثات الأميركية الإيرانية.
نظرة مختلفة إلى مفهوم الاتفاق
ومن وجهة نظر واشنطن، يجب أن يتضمن الاتفاق الجديد وقفاً كاملاً لعمليات تخصيب اليورانيوم، وفترات زمنية أطول مقارنة بالاتفاق النووي السابق (خطة العمل الشاملة المشتركة)، وتوسيع نطاق وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المنشآت النووية الإيرانية. ووفقاً للتقارير، فإن هذا الاتفاق لن يؤدي إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني، بل سيفضي إلى "تجميده لمدة 25 عاماً".
وفي المقابل، تطالب طهران بالحفاظ على بنيتها التحتية للتكنولوجيا النووية، وحقها في تخصيب اليورانيوم على مستوى سلمي، ورفع العقوبات الدولية التي فُرضت عليها بصورة كاملة. وأكد النظام الإيراني وخلال أكثر من مناسبة أنه لا يسعى لتصنيع أسلحة نووية، وأن برنامجه النووي مخصص لأغراض غير عسكرية ومدنية فحسب.
وقال وزير الخارجية الإيراني عراقجي في أحدث تصريحاته إن "هناك اتفاقاً في متناول اليد، إذا تصرف الطرف الآخر بصدق وابتعد من الضغوط يمكن التوصل إلى نتيجة"، وأصدرت وزارة الخارجية الإيرانية بياناً أكدت فيه أنها "متمسكة بالمسار الدبلوماسي، ولكن الأساليب القائمة على التهديد والضغط غير مقبولة بالنسبة إلى إيران."
معادلة صعبة... تحدي الهيبة والأمن
هذا ويعتقد المحللون الدوليون أن ما يعوق الوصول إلى اتفاق الآن ليس فقط الأبعاد الفنية للبرنامج النووي الإيراني، ولكن القضايا المتعلقة بالهيبة والأمن لكلا الجانبين. بالنسبة إلى طهران، فإن التنازل عن حق تخصيب اليورانيوم يعد استسلاماً للضغوط الخارجية ومساساً بالاستقلال السياسي للبلاد. وأما بالنسبة إلى واشنطن، فإن قبول تخصيب اليورانيوم على مستوى حتى سلمي يعد تهديداً للنظام الإقليمي ومنح شرعية للنظام الإيراني.
وفي ظل هذا المناخ المتوتر، حتى المقترحات الوسطية تواجه صعوبات جمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، المقترح المتعلق باستيراد اليورانيوم المخصب من الخارج، الذي طرحه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبیو كخيار محتمل، قوبل بالرفض من الجانب الإيراني. وفي المقابل، فإن الضغوط الداخلية في الولايات المتحدة الأميركية، ولا سيما داخل الكونغرس وبين أوساط المحافظين الجدد، جعلت من أية مرونة سياسية خطوة باهظة الكلفة.
على رغم التوترات اللفظية والتهديدات المتبادلة بين الطرفين فإن المسار الدبلوماسي لم يغلق بعد بصورة كاملة، فكل من إيران والولايات المتحدة الأميركية يواصل عبر تصريحاته الرسمية تأكيد "الاستعداد للحوار". وعليه، يرى عدد من المحللين أن التوصل إلى اتفاق، على رغم صعوبته وحدوده الضيقة خلال الوضع الراهن، يبقى خياراً أفضل للطرفين من فشل المفاوضات بصورة كاملة. ومع ذلك، تتزايد الشكوك داخل فريق ترمب في شأن إمكانية التوصل إلى اتفاق مع النظام الإيراني.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"