ملخص
تشهد ضواحي دمشق ذات الغالبية الدرزية ومحافظة السويداء اشتباكات عنيفة منذ أيام خلفت عشرات القتلى والجرحى بينهم مدنيون بعد توترات طائفية تدخلت فيها الحكومة السورية وأطراف إقليمية ودولية، إلا أن المشهد يزداد تعقيداً في ظل عدم الوصول إلى حل نهائي بين الأطراف.
بعد الأحداث الدامية التي هزت سوريا في الأيام القليلة الماضية، عقدت اجتماعات بين وجهاء وشيوخ من الطائفة الدرزية ومسؤولين حكوميين بمن فيهم محافظ السويداء المعين من قبل حكومة دمشق، وبحسب المصادر فإن الحضور شمل كلاً من محافظ ريف دمشق عامر الشيخ، ومحافظ السويداء الدكتور مصطفى البكور، ومحافظ القنيطرة أحمد الدالاتي، والشيخ يحيى الحجار والشيخ ليث البلعوس، والشيخ حمود الحناوي، والشيخ يوسف جربوع، وانتهى الاجتماع الذي نص على عدم وجود أي سلاح خارج جهاز الأمن العام في جرمانا، إضافة إلى تفعيل جهاز الأمن العام من أبناء السويداء حصراً.
كما تقوم الفصائل الدرزية بتسليم السلاح الثقيل لحكومة الشرع ونقله إلى خارج السويداء، ويتم تسليم السلاح المتوسط والخفيف إلى الشيخ يوسف جربوع والشيخ حمود الحناوي.
كما جاء في بنود الاتفاق أيضاً تفعيل مكتب تنفيذي من أبناء المحافظة وفتح باب الانتساب لقوى الأمن العام والجيش لأبناء المحافظة الراغبين في ذلك.
موقف الهجري
وعقب ذلك صدر عن مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز ووجهاء ومرجعيات السويداء بيان شدد على رفض التقسيم أو الانسلاخ أو الانفصال عن سوريا، مع المطالبة بتفعيل دور وزارة الداخلية والضابطة العدلية في محافظة السويداء من أبناء المحافظة وتأمين طريق السويداء- دمشق، إضافة إلى بسط الأمن والأمان على كل الأراضي السورية.
كما صدر موقف منفصل خاص بالشيخ حكمت سلمان الهجري، الرئيس الروحي لطائفة الموحدين وصف فيها الفصائل التي قاتلت الدروز بـ"الإرهابيين التكفيريين". وأشار الهجري إلى اهتزاز الثقة بالحكومة "لأن الحكومة لا تقتل شعبها بواسطة العصابات التكفيرية التي تنتمي إليها، وبعد المجازر تدعي أنها عناصر منفلتة". وعلى إثر ذلك طالب الهجري بفرض الحماية الدولية كـ"حق مشروع لشعب قضت عليه المجازر"، مضيفاً أن "الوضع يلزم أن تتدخل القوات الدولية لحفظ السلم، ومنع استمرار هذه الجرائم ووقفها بشكل فوري"، مستشهداً بما جرى في الساحل السوري ومؤكداً أنهم يعيشون التجربة نفسها.
رفض حكومي
من جهتها رفضت الحكومة السورية وعلى لسان وزير خارجيتها أسعد الشيباني، دعوة الشيخ الهجري إلى طلب الحماية الدولية. وقال الشيباني في حسابه على منصة "إكس"، إن أي دعوة إلى التدخل الخارجي، تحت أي ذريعة أو شعار، لا تؤدي إلا إلى مزيد من التدهور والانقسام، "وتجارب المنطقة والعالم شاهدة على الكلفة الباهظة التي دفعتها الشعوب جراء التدخلات الخارجية، والتي غالباً ما تبنى على حساب المصالح الوطنية، وتخدم أجندات لا علاقة لها بتطلعات الشعب السوري". وأضاف "إن من يدعو إلى مثل هذا التدخل يتحمل مسؤولية تاريخية وأخلاقية وسياسية أمام السوريين والتاريخ، لأن نتائج هذه الدعوات لا تنتهي عند حدود الخراب الآني، بل تمتد لعقود من التفكك والضعف والانقسام". وختم الشيباني بالدعوة إلى الحوار بين المكونات السورية.
في المقابل أعلن "المجلس العسكري في السويداء" تبنيه الكامل لبيان الشيخ الهجري متهماً القوات الحكومية بارتكاب "جرائم حرب ممنهجة ضد المدنيين الدروز في مدينة صحنايا من خلال القتل العشوائي لأبرياء عزل تحت ذرائع طائفية وشن الاعتقالات التعسفية وإهانة مشايخ الطائفة الدرزية ورموزها ومقدساتها". كما طالب "مجلس الأمن الدولي بفرض منطقة آمنة في السويداء والمناطق المحيطة، تحت إشراف قوات دولية محايدة، لوقف نزف الدماء"، بحسب بيان المجلس العسكري في السويداء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إصرار على الحماية
من جهته صرح قائد "المجلس العسكري في السويداء" طارق الشوي لـ"اندبندنت عربية" بأن "قوات مجلسه وتشكيلاته في استنفار وجهوزية كاملة جراء الأوضاع الحالية". ونفى حدوث أي إنزال جوي إسرائيلي في محافظة السويداء أو وصول مساعدات أو تجهيزات عسكرية إليهم من أي جهة. جاء ذلك عقب ورود أنباء عن تحليق مروحيات إسرائيلية وهبوطها في المنطقة أثناء شن الطيران الإسرائيلي ضربات جوية واسعة في مناطق عدة في سوريا، عدد منها قرب العاصمة دمشق. وذلك عقب قرار حكومي إسرائيلي بشن مزيد من الضربات عقب الغارة التحذيرية التي استهدفت المناطق الفارغة على جبل قاسيون ونقاط متاخمة للسور الخارجي لقصر الشعب الرئاسي حيث يستقبل الرئيس السوري أحمد الشرع الوفود والزوار.
وأثارت الضربات الإسرائيلية مواقف عربية ودولية منددة إلا أن الأحداث العسكرية في مناطق الدروز دفعت بالخارجية الأميركية إلى استهجان أعمال العنف والخطاب التحريضي ضد أفراد المجتمع الدرزي في سوريا. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركي تامي بروس، إنه "حري بالسلطات الموقتة وقف القتال الدائر، ومحاسبة مرتكبي أعمال العنف وملحقي الأذى بالمدنيين، وضمان أمن السوريين كافة". وأضافت أن "الطائفية لن تحقق شيئاً سوى إغراق سوريا والمنطقة في بحر الفوضى ومزيد من أعمال العنف". وشددت بروس على أن "لدى السوريين القدرة على حل خلافاتهم بشكل سلمي ومن خلال المفاوضات لذا ندعو إلى حكومة مستقبلية تمثيلية تحمي وتدمج كافة الأطياف السورية، بما في ذلك الأقليات الإثنية والدينية".
ورغم محاولات تطويق الأزمة الدرزية في البلاد من قبل أطراف عدة أهمها تدخل الزعيم الدرزي ورئيس حزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط ولقائه الرئيس السوري، ورغم تثمين جنبلاط اللقاء فإن التوتر يسود الأجواء. وقال بيان للحزب الاشتراكي حول اللقاء، إن الجانبين أعربا عن أسفهما للخسائر في الأرواح وشددا على ضرورة قيام الدولة السورية بمسؤولياتها في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين.
وكان تسجيل صوتي حمل كلمات مسيئة للنبي محمد مدته أقل من ربع دقيقة أشعل توتراً أمنياً بين السلطات السورية الجديدة وطائفة الموحدين الدروز في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، ليتحول الأمر لاحقاً إلى مواجهات عسكرية ثم أزمة إقليمية شهدت تدخلاً عسكرياً إسرائيلياً.
وبدأ التوتر في 28 أبريل بين فصائل موالية للحكومة وأخرى درزية في ضاحية جرمانا الواقعة جنوب شرقي العاصمة دمشق ثم تمدد إلى صحنايا وأشرفية صحنايا، وهذه الضواحي تقطنها غالبية درزية مع وجود مسيحي ومسلم، ليتحول التوتر خلال ساعات قليلة إلى مواجهات بالأسلحة واشتباكات انتهت بعد ساعات بدخول قوات وزارة الدفاع السورية والأمن العام إلى أشرفية صحنايا التي أصبحت محور الأحداث والاشتباكات على مدى يومين، حيث تخللتها محاولات التهدئة واتفاق قضى بإنهاء التوتر لمصلحة القوات الحكومية.
وفي موازاة تصريحات إسرائيلية سابقة حول حماية دروز سوريا، شن سلاح الجو الإسرائيلي ثلاث غارات على إحدى الضواحي الدمشقية قال إنها تحذيرية ضد تجمعات الفصائل وقوى الأمن العام التابعة للحكومة السورية، أسفرت عن مقتل عنصر من تلك القوات ومدني وجرح آخرين وفق السلطات الحكومية.
كما أن الفصائل الدرزية المتمركزة في محافظة السويداء حاولت التقدم نحو صحنايا إلا أنها جوبهت بقطع الطريق عليها من قبل فصائل موالية للحكومة والأمن العام التابع لوزارة الداخلية. وأسفرت الاشتباكات عن مقتل نحو 24 شخصاً غالبيتهم من الفصائل الدرزية في حين ذكرت مصادر أن أعداد ضحايا المواجهات منذ نشوبها تجاوزت الـ70 شخصاً من بينهم عدد من المدنيين إضافة إلى عدد من الجرحى. كما تعرضت القرى الدرزية في ريف السويداء الشمالي، منها بلدة الصورة الكبرى، إثر تقدم الفصائل الموالية للحكومة، لقصف بقذائف الهاون أدى إلى حركة نزوح بين المدنيين لتسيطر عليها قوات الأمن العام لاحقاً.