ملخص
على مدى أكثر من ثمانية أشهر طلبت النيابة العامة تحريات المباحث، ومثول المشكو في حقه أمامها نحو 17 مرة وفقاً لمحاضر التحقيقات، حتى وردت إليها خلال الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وانتهت "إلى عدم التأكد من صحة الواقعة". لكن الواقعة فتحت من جديد بعدما تظلمت الأم.
على مدى الساعات الماضية، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي داخل مصر إثر واقعة هتك عرض طفل يدعى ياسين (ست سنوات)، على يد رجل ثمانيني يعمل مراقباً مالياً بإحدى المدارس الخاصة للغات التابعة لإدارة دمنهور التعليمية في محافظة البحيرة شمال مصر، في قضية عرفت إعلامياً بـ"طفل مدرسة دمنهور" وأثارت موجة غضب واستهجان كبيرين لدى الرأي العام المصري.
ودشن عدد من نشطاء منصات التواصل وأولياء الأمور حملة تضامن واسعة مع الطفل وأسرته بعنوان "حق ياسين لازم يرجع"، تزامناً مع انعقاد أولى جلسات المحاكمة للمتهم داخل محكمة جنايات دمنهور اليوم الأربعاء، التي انتهت بمعاقبة المتهم بالسجن المؤبد 25 عاماً.
وشهدت ساحة المحكمة إجراءات أمنية مشددة، قبيل بدء المحاكمة، وسط تجمهر كبير من أنصار الطفل، الذى حضر الجلسة مرتدياً "كاب وماسك وشنطة سبايدر مان" لإخفاء هويته، التي لطالما حرصت الأم إخفائها مطالبة مراسلي القنوات والصحف بعدم تصوير طفلها واعتباره ابناً لكل شخص يشهد الجلسة.
تفاصيل الواقعة
تعود تفاصيل ما جرى إلى فبراير (شباط) 2024، حينما تقدم والد الطفل ببلاغ إلى النيابة يتهم فيه محاسباً يدعى "ص" بالاعتداء على ابنه وهتك عرضه، بعدما لاحظت والدة الطفل رفض ياسين دخول "الحمام" منذ فترة، فاعترف لها الطفل باعتداء أحد الأشخاص عليه داخل "حمام المدرسة".
وفق التحقيقات، فإن والدة الطفل رأت آثار وعلامات بجسد ابنها فأبلغت والده، وطلب منها عرض الطفل على طبيب، الذي أكد حدوث اعتداء جنسي على الطفل أكثر من مرة، وتعرف الطفل على الموظف المتهم بالواقعة، بعدما عرضت عليه صور العاملين بالمدرسة. وأفاد الطفل بأن إحدى الموظفات بالمدرسة (عاملة نظافة) على علم بالواقعة.
وعلى مدى أكثر من ثمانية أشهر طلبت النيابة العامة تحريات المباحث، ومثول المشكو في حقه أمامها نحو 17 مرة وفقاً لمحاضر التحقيقات، حتى وردت إليها خلال الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وانتهت "إلى عدم التأكد من صحة الواقعة".
وفي الـ14 من يناير (كانون الثاني) الماضي، أعادت النيابة فتح التحقيقات في القضية بناءً على تظلم تقدمت به والدة الطفل، وخلال مارس (آذار) الماضي قررت النيابة إحالة المتهم إلى محكمة الجنايات المتخصصة بتهمة هتك عرض الطفل في القضية التي تحمل رقم 33773 لعام 2024 جنايات مركز دمنهور، وطلبت معاقبته وفقاً للمادة 268 قانون العقوبات، التي تنص على عقوبة السجن المشدد من سبعة إلى 15 عاماً.
وفي تعقيب رسمي على الواقعة، أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية أن مديرية التربية والتعليم بمحافظة البحيرة ستتخذ، مع الممثل القانوني والجهة المالكة للمدرسة، كل الإجراءات القانونية حيال الواقعة فور صدور حكم نهائي في شأن القضية، مؤكدة "حرصها على تحقيق الانضباط داخل المدارس واتخاذ كل الإجراءات القانونية تجاه أية وقائع من شأنها الإضرار أو المساس بالطلاب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فيما قالت وفاء إدوارد مديرة مدرسة الكرمة الخاصة بالبحيرة، التي ارتكبت داخلها جريمة هتك عرض الطفل، في تصريحات تلفزيونية "القضاء العادل سيقول كلمته، والنيابة استمعت إلى أقوالي مرات عدة، وجرت تبرئتي مرتين، والموضوع واضح وليس خفياً على أحد، وجميع الأطراف المعنية بالقضية جرى الاستماع إلى أقوالهم". مؤكدة أن "المراقب المالي لا يعمل في المدرسة بالأساس وليس على قوتها، فهو مراقب مالي من المطرانية على حسابات المدرسة الخاصة بمطرانية البحيرة، ووظيفته فحص الأمور المالية التي تخص المطرانية مالياً".
"اندبندنت عربية" تواصلت مع مدير خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة صبري عثمان، للحصول على مزيد من التفاصيل في شأن الواقعة، والذي أكد أن الإدارة تحركت فور تلقيها إخطاراً من النيابة العامة المصرية العام الماضي، في شأن واقعة الاعتداء الجنسي على الطفل، وأجرت مقابلة مع الطفل وأهليته لتقديم بحث الحالة للنيابة، إلى جانب جلسات الدعم النفسي للطفل للعبور من تلك الأزمة.
وفق عثمان، فإن المجلس القومي للطفولة والأمومة وجه "وحدة الدعم القانوني" لحضور أولى جلسات محاكمة المتهم بالتعدي جنسياً على الطفل، لضمان حصوله على كل الحقوق القانونية جراء ما تعرض له، وتمثيله قضائياً في تلك الواقعة وما يترتب عليها من آثار، استناداً إلى أحكام قانون الطفل رقم 182 لعام 2023، إلى جانب تقديم الدعم النفسي والإرشاد اللازم للأسرة، فضلاً عن تكليف وحدة حماية الطفل باتخاذ اللازم وإعداد تقرير في شأن الواقعة، وبالتوصية المناسبة وتسليمه إلى النيابة العامة.
يشار إلى أن القانون رقم 182 لعام 2023 الصادر بإعادة تنظيم المجلس القومي للطفولة والأمومة، يختص بتلقي ودراسة الشكاوى الخاصة بـ"انتهاك حقوق وحريات الطفل والأم"، وإحالتها إلى جهات الاختصاص، والعمل على حلها مع الجهات المعنية، وتوفير المساعدة القضائية اللازمة لضحايا الانتهاكات، والتنسيق مع الجهات المعنية لتوفير الإغاثات العاجلة للأطفال.
وفي تقدير مدير إدارة خط نجدة الطفل فإن الاعتداء الجنسي على الأطفال "لا يشكل ظاهرة"، موضحاً أن عدد الأطفال في مصر يتخطى الـ40 في المئة، وهناك صور من العنف تمارس ضدهم، لكن الأرقام الحالية "لا يمكن أن توصف بأنها ظاهرة". مناشداً كل الأسر توعية الأطفال بحماية أنفسهم من أي أشخاص غرباء، والتنبه في حال حدوث أية تغييرات على الطفل، وعرضه على متخصص نفسي لمتابعة حالته، وإبلاغ الجهات الأمنية في حال وقوع أي انتهاك له.
"لن نستبق الأحداث، وننتظر كلمة قضاء مصر العادل من أجل القصاص لحق الطفل ياسين وأسرته"، هكذا يعقب محامي أسرة الطفل ياسين المستشار عصام مهنا، مشيراً إلى أن الطبيب الشرعي مثل أمام النيابة العامة، وأكد وجود اعتداء جنسي متكرر على الطفل، وتقرير الطب الشرعي "أثبت اتساع فتحة الشرج نتيجة الإيلاج المتكرر".
ويؤكد محامي الطفل وأسرته، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أن "شهادات الطفل ووالدته في التحقيقات أظهرت أن واقعة الاعتداء داخل المدرسة كانت تحدث في دورة مياه وسيارة بجراج ملحق بالمدرسة"، مؤكداً أن النيابة تحتكم في مثل هذه القضايا إلى مصلحة الطب الشرعي والقول الفصل في النهاية لمحكمة الجنايات.
وبحسب مهنا، فإن تلك الجرائم تخضع لنصوص قانوني العقوبات والطفل المصري، وهي تمثل جناية هتك عرض تصل فيها العقوبة للأشغال الشاقة الموقتة لمدة 15 عاماً، نظراً إلى أن الطفل دون سن الـ18 سنة، مردفاً "نقبل ونرضى بما ستنطقه المحكمة أياً كان حكمها وقرارها في هذا الشأن".
أي عقوبة تنتظر الجاني؟
وتعقيباً على إذا ما كانت العقوبات في القانون المصري كافية لمواجهة تلك النوعية من الجرائم، يقول المحامي بالنقض أيمن محفوظ، إن العقوبات التي أقرها القانون المصري في جرائم البالغين ضد الأطفال "رادعة"، موضحاً أن المشرع كان لديه رغبة في حماية الأطفال الضعفاء في المجتمع ونشر الطمأنينة.
ويضيف محفوظ، خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "في الجرائم الموجهة ضد الطفل إذا كان الجاني البالغ له سلطة على الطفل، مثل الأب أو المتولي تربيته أو صاحب العمل أو المدرس، فإن العقوبات قد تصل إلى الإعدام شنقاً، حتى وإن ارتبط التحرش بطفل بجريمة أخرى رئيسة مثل الخطف، طبقاً لنصوص المادة 290 من قانون العقوبات".
وفي اعتقاد محفوظ، فإن هذا العجوز الذي ارتكب الواقعة تسلل إلى جسد الطفل لإشباع رغباته الجنسية، التي تقع تحت طائلة المادة 269 من قانون العقوبات، التي تنص على أن "كل من هتك عرض صبي أو صبية لم يبلغ سن كل منهما 18 سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالسجن، وإذا كانت سنه لم تتجاوز 12 سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبعة أعوام"، مشيراً إلى أنه في حالة الطفل ياسين المعتدى عليه تصل العقوبة في كثير من الأحيان إلى الإعدام شنقاً.
ووفق محفوظ، فإن المادة 116 من قانون الطفل أقرت أيضاً أن "يعاقب كل بالغ حرض طفلاً على ارتكاب جنحة أو أعده لذلك أو ساعده عليها أو سهلها له بأي وجه، ولم يبلغ مقصده من ذلك بما لا يجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة المقرر لتلك الجريمة".
هل هو هوس جنسي بالأطفال؟
وعن الدوافع النفسية والسلوكية وراء ارتكاب تلك الجرائم، يقول أستاذ الطب النفسي بكلية طب الأزهر الدكتور محمد محمود حمودة إن من يرتكبون تلك الجرائم يعانون أمراضاً نفسية، مثل "الهوس الجنسي" سواء للأطفال أو البالغين بصورة عامة أو ما يطلق عليها "البيدوفيليا" وهو اضطراب نفسي، لكن لا يعفي من المسؤولية الجنائية كونه يرتكب تلك الجرائم وهو يدرك تصرفاته وأفعاله.
وفي اعتقاد حمودة فإن انعكاسات تلك الجرائم لا تقتصر على مرتكبيها فحسب، لكن تترك بصمات سلبية في نفوس الأطفال المجني عليهم أيضاً، وتجعلهم يعانون ما يطلق عليه "اضطراب ما بعد الصدمة"، إذ سيظل هذا الموقف عالقاً في أذهانهم ويؤثر فيهم نفسياً مع مرور الوقت، وقد يؤدي إلى حدوث اضطرابات جنسية في مرحلة الكبر، مطالباً بضرورة متابعة الطفل مع أطباء نفسيين لعلاج تلك الآثار السلبية الناجمة عن تلك الجريمة الخطرة منعاً لانعكاساتها النفسية في المستقبل.
ويشير أستاذ الطب النفسي خلال حديثه إلى أن التطور التكنولوجي وانتشار الإنترنت سهل كثيراً الوصول إلى محتويات جنسية منحرفة، مشيراً إلى أن بعض الأشخاص يبدؤون بمشاهدة المواد الإباحية التقليدية، ثم يبحثون تدريجاً عن محتويات أكثر انحرافاً، قد تشمل الأطفال أنفسهم.
وفي السياق ذاته، ترى المتخصصة في علم الاجتماع بجامعة عين شمس الدكتورة هالة منصور أن تلك النوعية من الجرائم "شائكة ومعقدة"، ولها انعكاسات خطرة على الصعيد المجتمعي، مشيرة إلى أن الجاني يعتمد طوال الوقت على فكرة خوف الضحية وعدم البوح بتفاصيل ما يحدث معه لا سيما إذا كان طفلاً، وهو ما يجعل الجاني يتمادى في ارتكاب تلك الجرائم.
وترى هالة، خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية"، أن الجاني يرتكب تلك الجرائم ولديه شعور داخلي أنه سيفلت من جريمته، مشيرة إلى أن جناة تلك الجرائم هم أصحاب "فكر شاذ"، بحسب تعبيرها. مؤكدة أن الخطورة الأكبر في تلك القضية تكمن في تعدد الأطراف داخل البيئة المحيطة بمرتكبي هذه الجرائم ومن يساعدونه لتسهيل ارتكاب الجريمة، موضحة أن قضية الطفل "ياسين" أظهرت أن هناك ما يمكن أن يسمى "تشكيلاً عصابياً" تقوده عدة أطراف، تجمعهم المنفعة والمصلحة من أجل التستر على تلك الجريمة، وهو ما أظهرته تحقيقات القضية.
وتعتقد المتخصصة في علم الاجتماع أن أصحاب المال والسطوة دائماً ما يستسهلون ارتكاب تلك الجرائم، كونهم يعتقدون أن الأدلة لن تكون كافية ولن يكشف أحد جرائمهم، منوهة بأن تلك الجرائم موجودة في المجتمع لكن بصور مختلفة، مطالبة بضرورة أن يتنبه أولياء الأمور إلى تلك الجرائم وضرورة التوعية بخطورتها.