ملخص
"الحرب الدائمة هي بين أفكار ترمب الجيدة وأفكاره السيئة"، كما كتب البروفسور هال براندز في "فورين أفيرز"، أما الهرب من العولمة إلى الحروب التجارية والقومية بحجة الالتفات إلى معاناة الطبقة العاملة البيضاء في أميركا، فإنه لا يغطي كون أركان العولمة من الـ "أوليغارشيين" هم الأقرب إليه، ولا يؤذي الصين التي تتولى اليوم قيادة العولمة والحريات التجارية.
في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون روّج وزير خارجيته هنري كيسنجر، بالتفاهم معه، نظرية "الرجل المجنون" في البيت الأبيض، لإرباك خصومه وإخافتهم من سياسة رجل يمكن أن يفعل أي شيء، وأيام الرئيس جورج بوش الابن قال نائبه ديك تشيني إن الانطباع بأن "الرئيس كاوبوي" ليس فكرة سيئة.
والسلاح القوي في عهد الرئيس دونالد ترمب هو اقتناع الجميع في أميركا والعالم بأن سيد البيت الأبيض يمارس سياسة "الرجل الانفعالي والارتجالي" الذي يمكن أن ينتقل من رأي إلى عكسه بمنشور، فهو في وقت واحد رجل القومية ورجل الدخول في أزمات العالم ولو في إطار العمل للتسويات، ورجل إنهاء الحروب والعنف في الخارج، ورجل الترسمل على العنف السياسي الذي هو "مصدر الخطر على أميركا من خلال الصدام الثقافي حول طبيعتها وهويتها"، بحسب روبرت بابي، ورجل الوعد بجعل "أميركا عظيمة ثانية"، ورجل العمل مع بوتين وغزوه لأوكرانيا من دون رؤية إستراتيجية للتوصل إلى العكس، وهو ما جعل روسيا عظيمة ثانية.
روسيا أيام غورباتشوف ويلتسين أنهت الاتحاد السوفياتي الذي بنته، وترمب ينهي النظام العالمي الليبرالي الذي بنته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، و"الحرب الدائمة هي بين أفكار ترمب الجيدة وأفكاره السيئة"، كما كتب البروفسور هال براندز في "فورين أفيرز"، أما الهرب من العولمة إلى الحروب التجارية والقومية بحجة الالتفات إلى معاناة الطبقة العاملة البيضاء في أميركا، فإنه لا يغطي كون أركان العولمة من الـ "أوليغارشيين" هم الأقرب إليه، ولا يؤذي الصين التي تتولى اليوم قيادة العولمة والحريات التجارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما أعمق توصيف له فهو ما جاء في حديث لوزير الخارجية الفرنسي سابقاً دومينيك دوفيلبان، "ترمب رجل من القرن الـ 19 لكنه مرتبط بأناس من القرن الـ 22 مع أيديولوجيات إيلون ماسك وجيف بيزوس"، ذلك أن أميركا قوة عظمى تديرها أوليغارشية بأهداف التجارة، ولم يجد الرئيس جو بايدن بداً في خطابه الوداعي من التحذير من الـ "أوليغارشية" و"المجمع الصناعي - التكنولوجي"، بعدما حذّر الرئيس أيزنهاور من "المجمع الصناعي - العسكري"، لا بل إن آدم سميث، وهو رائد التنظير للرأسمالية في بداياتها، كتب "أن أسوأ أنواع الحكومات هي التي تدار بأهداف التجارة".
وأكثر من ذلك فإن هز الـ "ستاتيكو" ليس لعبة ارتجال ومزاج، فبسمارك هز الـ "ستاتيكو" في أوروبا خلال النصف الثاني من القرن الـ 19، لكنه كان يعرف سلفاً أين ستقع القطع المتناثرة وما الذي سيفعله بها؟ أما ترمب فإنه يهز الـ "ستاتيكو" داخل أميركا وفي عالم القرن الـ 21 من دون أن تكون لديه فكرة واضحة عن سقوط القطع المتناثرة، والقدرة على إعادة صوغ النظام الجديد، والأسئلة لا نهاية لها، فالرئيس الأميركي دخل في مفاوضات مع إيران تحت ضغط الخيار خلال شهرين بين الاتفاق أو الحرب، والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تراجع عن قوله إن التفاوض مع أميركا "ليس حكيماً ولا ذكياً ولا مشرفاً"، لكن خامنئي يعرف ما العمل في حال النجاح والفشل، ويعرف ماذا يفعل للفريق الداخلي الرافض للنجاح خوفاً على أرباحه من العقوبات، أما ترمب فإنه لا يعرف في حال النجاح ماذا يفعل مع بنيامين نتنياهو الرافض للتفاوض، ولا في حال الفشل وإمكان الذهاب أو عدم الذهاب إلى ضربة عسكرية لإيران، فضلاً عن أن "الاحتمالات هي إما فشل المفاوضات أو التوصل إلى اتفاق أسوأ من الفشل، ومن الاتفاق الذي جرى مع الرئيس أوباما عام 2015 وانسحب منه ترمب مما سمح لطهران أن تحقق مكاسب متقدمة في الملف النووي".
وماذا في مسار التفاوض مع الرئيس بوتين حول إنهاء حرب أوكرانيا؟ ماذا يفعل ترمب إذا واجه الفشل؟ وكيف يواجه خوف أوروبا وغضبها ومأساة أوكرانيا إذا توصل إلى اتفاق مع موسكو يعترف فيه بأن شبه جزيرة القرم روسية، ويعطي لروسيا أربع مناطق على أرض أوكرانيا ويأخذ هو ما تحت الأرض من معادن ثمينة؟
وماذا بعد إطلاق يد نتنياهو في التدمير الكامل لغزة وتهجير أهلها وضم الضفة الغربية؟ أي سلام ونظام أمني إقليمي في المنطقة؟ وهل يجد ترمب له عذراً في القول إن "الشرق الأوسط مكان قاس"؟ اللعبة أشد تعقيداً من أفكار ترمب البسيطة والمطامع الإسرائيلية اللامحدودة، وأخطر من تجاهل الحق الفلسطيني والوزن الإستراتيجي والجيوسياسي للعالم العربي، ففي مقالة بعنوان "العالم الذي يريده ترمب"، يرى مدير "معهد كينان في مركز ويلسون" مايكل كيماج عالم القوة الأميركية في عصر القومية الجديدة، لكن ما قاد إليه عصر القومية القديم هو كل أنواع الحروب وفي طليعتها حربان عالميتان، ولن يتغير الأمر في عصر القومية الجديد.