ملخص
لا تزال إسرائيل قلقة من احتمال تنفيذ "حزب الله" عمليات ضدها، وتشير تقاريرها الأمنية إلى تلقيه مساعدة من إيران لإعادة بناء قدراته، ولذلك تسعى إلى الحفاظ على حريتها بالعمل على كامل الأراضي اللبنانية.
التهديدات التي أطلقها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس مساء أمس الأحد، بعد أقل من ساعة من مطالبة رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون الولايات المتحدة وفرنسا بوضع حد لعمليات القصف الإسرائيلي في لبنان، وضعت المنطقة أمام خطر تصعيد مفاجئ، فقد أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم الإثنين أنه قصف أكثر من 50 هدفاً إرهابياً في لبنان خلال الشهر الماضي، على رغم إعلان وقف إطلاق النار بينه وبين "حزب الله" في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقال الجيش في بيان إن "جيش الدفاع قصف خلال الشهر الماضي أكثر من 50 هدفاً إرهابياً في لبنان، ونُفذت هذه الضربات إثر انتهاكات لوقف إطلاق النار والتفاهمات بين إسرائيل ولبنان، شكلت تهديداً لدولة إسرائيل ومواطنيها".
أمام احتمال الرد
واعتبر أمنيون أن قصف الضاحية، ولا سيما في ظل عدم حسم مدى حقيقة أن المبنى المستهدف كان يحوي صواريخ دقيقة، يضع إسرائيل أمام احتمال رد "حزب الله" أكثر من أي وقت مضى، محذرين من خطر تجاهل الردود التي أعقبت العملية في وقت عمل الجيش الإسرائيلي على تعزيز انتشاره على طول الحدود والبلدات القريبة منه.
ويحمل القصف، وفق ما رأت جهات أمنية وعسكرية، أكثر من رسالة ومن أهمها أن إسرائيل تواصل الحفاظ على حرية طيرانها ونشاطاتها في كل لبنان، بل تكثف المراقبة بذريعة منع تعزيز القدرات العسكرية للحزب، وخلال جلسة تقييم عُقدت بعد تنفيذ القصف أثنى متخذو القرار على تهديدات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بعدم السماح بتعزيز قدرات الحزب وتكثيف العمل إلى حين ضمان عودة سكان الشمال.
واعتبر الخبير العسكري ألون بن ديفيد أن "حفاظ إسرائيل على حرية طيرانها أمر مركزي ويجب التمسك به، كما هو الحفاظ والتمسك باستمرار نشاط الجيش في لبنان ومنع 'حزب الله' من إعادة بناء قدراته وتعزيزها"، مضيفاً أن "الجيش ملزم بأن يأخذ في الحسبان تنفيذ مختلف العمليات في حال اكتشف تحركات ونشاطات لـ 'حزب الله' أو أي عمل يعزز القدرات العسكرية ويهدد إسرائيل، وبغض النظر عما سيكون رد الولايات المتحدة وفرنسا على طلب الرئيس اللبناني جوزاف عون، فما يقوم به الجيش وتنفيذ عمليات القصف وصولاً إلى الضاحية لا يشكل انتهاكاً لاتفاق وقف النار".
وبرأي بن ديفيد المقرب من قيادة الجيش والأجهزة الأمنية في إسرائيل، فإن "قصف الضاحية يبقي الشعور لدى من يخطط وينفذ نشاطات من شأنها تعزيز القدرات العسكرية، سواء تخزين أسلحة أو غيرها، بأن الضربة الإسرائيلية المقبلة ستكون غداً أو في أقرب وقت".
ويتوافق حديث بن ديفيد مع وجهات أمنية ترى أن القصف الذي ينفذه سلاح الجو الإسرائيلي وصولاً إلى بيروت يشكل ردعاً لـ "حزب الله" ولكل تنظيم يستعد ويخطط لمهاجمة إسرائيل، كما أشار إلى أن "معلومات استخباراتية دقيقة أكدت أن 'حزب الله' خزّن صواريخ دقيقة في المبنى المستهدف لاستخدامها في حال قرر الرد على إسرائيل، وهي صواريخ تشكل خطراً لا على الشمال فقط وإنما على مساحة واسعة من إسرائيل".
وادعى تقرير إسرائيلي حول الموضوع أن إيران تقف خلف استمرار تعزيز القدرات العسكرية والقتالية لـ "حزب الله" وتساعده في إعادة بنائها بعد الضربة القوية التي تلقاها خلال الحرب، وفي هذا الجانب يقول المحلل في "قناة 13" الإخبارية الإسرائيلية حازي سمنطوف إنه "من الواضح وفق تقرير إسرائيلي أن إيران تدعم وتساعد 'حزب الله' في ذلك، وهذا يسهم في إعادة تنظيمه من جديد وبسرعة"، مضيفاً أنه "من الواضح أيضاً أن 'حزب الله' يبحث كيف سيرد على إسرائيل، وهذا ما يتطلب اليقظة والاستعداد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إسرائيل قوة إقليمية مقررة
وتوجهت جهات أمنية وسياسية إلى متخذي القرار بمقترحات وتوصيات حول كيفية التصرف تجاه لبنان في أعقاب عدم حسم المعركة مع الحزب، والتقارير الاستخباراتية التي تشير إلى أنه يعيد تعزيز قدراته بما يهدد أمن سكان الشمال، فاعتبر المتطرفون في مواقفهم أن المواقع العسكرية الإسرائيلية الخمسة في لبنان خطوات غير كافية، ودعوا إلى نشر مزيد من الوحدات العسكرية الإسرائيلية في كل الجنوب اللبناني إلى حين ضمان انتشار الجيش اللبناني وسيطرته على المنطقة كلها، وهناك من رأى أبعد من ذلك بإبقاء إسرائيل على حرية قرارها في شأن هذه المنطقة، والعمل على تغيير الإستراتيجية بما يضمن أن تبقى قوة إقليمية قادرة على إدارة مختلف الجبهات وفق سياستها.
وتقول الباحثة في الشؤون السياسية الجماهيرية نوغا أربيل إنه "من دون أن تصبح إسرائيل قوة إقليمية كبيرة فلن يتحقق السلام"، وبرأيها فإن "كل ما يقوم به الجيش داخل لبنان لا يصل إلى نصف حاجة ما يجب القيام به، ويكفي أن ننظر إلى بلدات الشمال وعدم عودة النسبة الأعلى من السكان لبيوتهم، وبلدة المطلة هي المثل الأكبر حيث لا تزال شبه مهجورة، كل هذا لأن الجيش الإسرائيلي يعمل بنصف قوته".
وتقترح أربيل على قيادة الجيش ومتخذي القرارات "العمل بصورة مكثفة لضمان إحداث تغيير إستراتيجي جذري، وتغيير نمط توجهنا من دون الحاجة إلى تبرير ضرباتنا، سواء بقصف بيروت أو استهداف عناصر معادية، بل علينا أن نبقى طوال الوقت هناك ونعمل على أن تصبح إسرائيل القوة الإقليمية التي تحدد للجميع ما يفعلون، ومن دون ذلك سيكون من الصعب جداً تحقيق السلام".
سلام وترسيم الحدود
وفي الجانب الآخر من النقاش الإسرائيلي دعا عسكريون وسياسيون إلى منح الدولة اللبنانية فرصة للقيام بما أكد عليه المسؤولون من جمع السلاح كله وحصره بيد الجيش اللبناني، وبحسب المؤرخ العسكري ميخائيل ملشطاين فإن "إسرائيل حققت في لبنان أحد أهم الإنجازات الإستراتيجية في الحرب، وهي زعزعة التهديد الذي كان يقف أمامها لأعوام طويلة، وهو أمر يتطلب إجراء حوار بوساطة الولايات المتحدة للوصول إلى تسوية شاملة".
كما ورد في التوصية التي قدمها ملشطاين لمتخذي القرار حول ضرورة مناقشة قضايا إضافية وتفكيك سلاح "حزب الله"، وجوب سيطرة الجيش الإسرائيلي على القواعد العسكرية الخمسة على طول الحدود، وإعادة الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل، وحل النزاع حول 13 نقطة حدودية مختلف عليها، وكذلك مطالبة واشنطن بالعمل على تسريع نشر كامل للجيش اللبناني في الجنوب، لتكون خطوة تستبق انسحاب الجيش من المواقع الخمسة، إضافة إلى ضمان استمرار حرية العمل ضد ما يسميها الإسرائيليون التهديدات القائمة والمتطورة، مع ترسيم ثابت للحدود ضمن اتفاق كامل بين بيروت وتل أبيب يتضمن نزع سلاح "حزب الله"، وفي المقابل تقدم إسرائيل تنازلات في إطار النقاط المختلف عليها لترسيم الحدود.
وبحسب العضوة السابقة في مجلس الأمن القومي أورنا مزراحي فإن محدودية قدرة حكومة لبنان على تلبية جميع المطالب تستدعي أن تعمل إسرائيل على تحقيق ذلك تدريجاً وبتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، ومن جهته يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط البروفسور أماتسيا برعام أن "إسرائيل ملزمة باستمرار عملياتها في لبنان، والجيش يقوم بعمل مثير للإعجاب ولا ينتهك اتفاق وقف النار، بل على العكس تماماً فإن عدم إعادة انتشار الجيش اللبناني ومحاولات 'حزب الله' تعزيز قدراته وعودة بناء التنظيم انتهاك للاتفاق".
ويضيف برعام أن "ما يجب الضغط لتنفيذه ليس وقف عمليات إسرائيل في لبنان بل تنفيذ القرار (1701) وتفكيك سلاح 'حزب الله'، لكن حكومة لبنان لا تفعل ذلك والحزب لا يريد التخلي عن سلاحه بل ويحاول إعادة بناء نفسه وتعزيز قوته".
ويشير برعام إلى أن "مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة وإسرائيل المرفقة بالاتفاق تؤكد بوضوح أن لإسرائيل الحق في منع تعاظم قوة 'حزب الله'، وهذا ما يحدث خلال الضربات الأخيرة، فإسرائيل قادرة على منع تعاظم الحزب من جديد، وقد قامت بذلك أكثر من 100 مرة ضمن مناطق مختلفة من لبنان".