Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيناريو حسم معركة الفاشر لمصلحة الجيش السوداني

القوات المسلحة تعتمد على خبرتها وخططها الاستراتيجية في إدارة العمليات العسكرية مقابل هشاشة بنية "الدعم السريع"

الجيش السوداني يعول على خبرته الانضباطية في إدارة قواته والقوات المتحالفة معه (أ ف ب)

ملخص

القتال الشديد والمتواصل فاقم الأوضاع الإنسانية المزرية لما تبقى من سكان الفاشر ونازحيها الذين يواجهون حالياً صعوبات بالغة في سيبل الحصول على أساسات الحياة مثل الماء والغذاء والدواء، فضلاً عن أنه أدى خلال الفترة الأخيرة بحسب تقديرات الأمم المتحدة، إلى فرار نحو 400 ألف مدني إلى منطقة طويلة (تبعد 64 كيلومتراً عن الفاشر).

على رغم سيطرة قوات "الدعم السريع" منذ الأشهر الأولى من اندلاع حربها ضد الجيش السوداني في منتصف أبريل (نيسان) 2023 على عواصم أربع ولايات في إقليم دارفور هي الجنينة ونيالا والضعين وزالنجي، فإنها فشلت في السيطرة على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي ظلت صامدة لأكثر من عام في وجه عشرات الهجمات التي شنتها "الدعم السريع" عليها في ظل دفاع الجيش وحلفائه عن هذه المدينة ببسالة متناهية.

هذا القتال الشديد والمتواصل فاقم الأوضاع الإنسانية المزرية لما تبقى من سكان الفاشر ونازحيها الذين يواجهون حالياً صعوبات بالغة في سيبل الحصول على أساسات الحياة مثل الماء والغذاء والدواء، فضلاً عن أنه أدى خلال الفترة الأخيرة بحسب تقديرات الأمم المتحدة إلى فرار نحو 400 ألف مدني إلى منطقة طويلة (تبعد 64 كيلومتراً عن الفاشر).

خبرة وتخطيط

يقول الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية معتصم عبدالقادر "دارفور وكردفان من المناطق التي يعمل الجيش جاهداً على استعادتها حتى تنضم لباقي الولايات التي استردها أخيراً من قبضة ميليشيات ’الدعم السريع‘ كالجزيرة والخرطوم، وفي اعتقادي أن المعركة في تلك المناطق بما فيها الفاشر ستكون أسهل بكثير مما حدث في معارك وسط البلاد (الجزيرة)، حيث يمتلك الجيش الخبرة الممتدة والتخطيط الاستراتيجي والعملياتي مقابل هشاشة بنية ميليشيات ’الدعم السريع‘، مما يمكنه من حسم هذه المعركة بكل يسر وسهولة".

وتابع عبدالقادر "ما يحدث في الفاشر عبارة عن معركة بين قوات محاصرة شكلياً داخل المدينة وهي قوات الجيش والقوة المشتركة المكونة من الحركات المسلحة، فضلاً عن المستنفرين، وبين قوات ’الدعم السريع‘ المتمردة والمنتشرة خارج المدينة والتي تقوم من وقت لآخر بقصف الأحياء السكنية بصورة عشوائية، وهو ما أسفر عن سقوط مئات القتلى والجرحى، وحاولت هذه الميليشيات خلال اليومين السابقين التسلل إلى داخل المدينة من الجانب الغربي، لكن تصدى لها الجيش وحلفاؤه وهربت تماماً".

وأردف عبدالقادر "المستجد حالياً هو أن الميليشيات المتمردة بدأت تفقد تدفق الإمداد البشري لها من مناطق دارفور وكردفان بسبب تخلي الحواضن الاجتماعية عنها لأسباب عدة من أهمها أن بعض أفراد تلك الميليشيات لمسوا في معركة وسط الخرطوم التي كسبها الجيش أخيراً أن هناك تمييزاً بين الجنود في التعامل الطبي خلال إجلاء القتلى، وما إلى ذلك من عدم مساواة في سداد حقوق المقاتلين، مما جعل كثيراً من القوات الموجودة في الضعين ونيالا ومناطق أخرى تطالب بحقوقها، فكل هذه المسائل وغيرها أحدثت إشكاليات اجتماعية أثرت في الإمداد البشري لقوات التمرد، فضلاً عن رفض مجموعات مواصلة القتال خاصة في جبهة الفاشر".

وواصل الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية حديثه قائلاً "في تقديري أن فك الحصار عن الفاشر أصبح مسألة زمن ووقت ليس إلا، فالآن بشائر النصر تلوح في هذه المدينة ولا توجد أي مقارنة أو تكافؤ بين قوة الجيش وهذه الميليشيات، فهناك هبة قوية من داخل مدينة الفاشر لاستعادتها وفك الحصار عنها، فضلاً عن انطلاق متحركات عديدة للجيش من جهتي الشمال والشرق وولايتي النيل الأبيض وكردفان صوب دارفور، وبالفعل وصل حالياً متحرك الصياد المكون من الحاميات والفرق العسكرية التي انسحبت انسحاباً تكتيكياً ومنظماً من ولايات دارفور إلى داخل إقليم كردفان بعدما تم تجميع قواته في الخرطوم وولاية النيل الأبيض، حيث يستهدف مدن الضعين ونيالا والجنينة وزالنجي باستردادها تماماً إلى حضن الوطن".

 

 

وأضاف عبدالقادر "بكل تأكيد أن الكفة الآن ترجح لمصلحة الجيش ولا يمكن مقارنة دولة بميليشيات، فالأخيرة كانت مؤتمنة على كثير من المواقع الاستراتيجية في العاصمة وسيطرت عليها مع اندلاع الحرب لأنها كانت أساساً موجودة فيها، لكن تم طردها من تلك المواقع، ويجري الآن اجتثاثها من البلاد، بخاصة أنها فقدت خطوط الإمداد من ناحية القوة البشرية، وكذلك الوقود بعد سيطرة الجيش على مصفاة الجيلي، كما أن هناك كثيراً من دول الجوار أصبحت تتردد في دعم الميليشيات مثل جنوب السودان وتشاد، إلى جانب الدول التي كانت ترسل لها الأسلحة".

ولفت الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية إلى أن كثيراً من أفراد هذه الميليشيات باتوا يشتكون من نقص المركبات والذخائر، فضلاً عن تناقص عدد المقاتلين، بالتالي أي استمرار في القتال سيكون بمثابة استنزاف للمليشيات، مما يعني قُرب نهايتها.

معركة فاصلة

من جانبه أوضح عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين "تضامن" وليد عزالدين بقوله "ما يلحظ في معارك الوسط (الخرطوم والجزيرة) أن صوت إعلام الطرفين كان أعلي من صوت المدافع، فضلاً عن تضارب تصريحاتهما في مسألة السيطرة، وظهر أن المعركة حُسمت لمصلحة الجيش بغض النظر عن أن هناك معارك دارت بين الجانبين وتمكن الأخير (الجيش) من هزيمة ’الدعم السريع‘ أو بالأحرى أنه انسحب انسحاباً منظماً تمهيداً للتحضير لمعركة أخرى، ومعروف عسكرياً أن الانسحاب في العمليات يكون لإعادة التنظيم وتكرار الهجوم بقوات أكبر وتخطيط مختلف (الخطة ب) أو الانسحاب للتنسيق مع قوات أخرى أو للفت نظر العدو والقيام بعمل آخر أو الانسحاب نتيجة لهزيمة ساحقة".

وأضاف عز الدين "في حال ’الدعم السريع‘ نجد أنها كانت تتبع في بعض المناطق أسلوب القتال التراجعي المتمثل في تغطية الانسحاب بالنيران، فضلاً عن اعتمادها على التدوين المدفعي والطيران المسير في منطقة أم درمان وبعض المدن في الولاية الشمالية، وهي خطة انسحاب جيدة تتركز بصورة أساسية على التغطية بالنيران ولفت نظر الجيش وتشتيت تركيزه لضمان الانسحاب من دون خسائر".

واستطرد "المعركة الآن انتقلت إلى غرب السودان، وستكون الفاشر الفيصل في توازن المعركة لأسباب عديدة من أهمها أنها تعد بالنسبة إلى قبائل الزرقة (القبائل ذات أصول أفريقية)، وهي الفور والزغاوة والبرتي والداجو وغيرها عاصمتهم التاريخية ومنطقة نفوذهم، وهو ما جعلها صامدة على رغم الحصار المحكم من قبل قوات ’الدعم السريع‘ المكونة من القبائل العربية في دارفور، وهنا يكمن الصراع التاريخي لذلك نجد أن كل أبناء الزرقة في حال استنفار ويدافعون عن هذه المدينة (الفاشر) بكل الوسائل إلى جانب الجيش والقوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة، والتي تضم أبناء المنطقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومضى عز الدين في القول "في المقابل تمثل سيطرة ’الدعم السريع‘ على الفاشر عاملاً معنوياً كبيراً في ظل تراجعها قتالياً من وسط البلاد، فضلاً عن إمكان اتخاذها منطقة قيادة وسيطرة لسهولة عملية الإمداد ووجود مطار جاهز، كما لا يستبعد أن تكون عاصمة للحكومة الموازية الجديدة، إلى جانب أنها قد تهيئ وضعاً تفاوضياً جيداً حال الجلوس في مائدة التفاوض والتي يدرك الطرفان حتميتها، بخاصة أن أحداث معسكر زمزم الدموية حركت الوجدان العالمي والدول التي تهتم بملف دارفور ونبهت إلى الصراع القديم وكوارثه الإنسانية المؤلمة".

وأكد أن "ما يلحظ في المعركة الدائرة الآن في الفاشر أن كفة ’الدعم السريع‘ هي المرجحة بالنظر إلى حصارها المحكم للمدينة من الناحية الغربية والجنوبية، إضافة إلى أن معارك الكومة والمالحة جعلت الجيش في وضع دفاعي صعب، إذ أصبح يعتمد على الإسقاط الجوي على أمل وصول القوات المساندة من أهمها متحرك الصياد الذي يواجه مقاومة شرسة من قبل ’الدعم السريع‘، بالتالي يتحرك ببطء، وكذلك متحرك أسود الصحراء التابع للقوات المشتركة القادم من الناحية الشمالية وهو أيضاً يواجه مشكلات لوجيستية وإدارية قد تؤخر تقدمه نحو الفاشر".

وأشار عزالدين إلى أن "كل هذه العوامل قد تجعل معاناة المواطنين في مناطق شمال دارفور تتفاقم، لكن التطور الأخطر هو أن قوات ’الدعم السريع‘ تحصلت قبل شهر على منظومة دفاع جوي، مما يشكل خطراً طيران الجيش، فضلاً عن إعاقة وصول أي نوع من الإمداد البري خاصة المتحركات القادمة من الشمال".

وختم عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين، "في تقديري أن سيطرة الفاشر من قبل أي طرف سيقود إلى مرحلة فاصلة، ففي حال انتصار الجيش سيكون الطريق ممهداً له لاستعادة كل مدن دارفور من دون أي مجهود أو خسائر، أما إذا تمكن ’الدعم السريع‘ من السيطرة على الفاشر فهذا يعني اتجاه دارفور للانفصال وإعادة الترتيب لحرب طويلة وشاملة وفتن قبلية وقودها الناس والوطن".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير