Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتصاد السعودية: أجندة تواجه التحديات في 2025

التحول الهيكلي يسهم في تعزيز الاستدامة على رغم تحديات تراجع الاستثمار الأجنبي للعام الثالث على التوالي

ارتفعت نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن إلى 65.4 في المئة بدعم برامج الإسكان (اندبندنت عربية)

ملخص

أشادت مؤسسات مالية دولية كبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالتقدم الذي أحرزته "رؤية 2030" في تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة

في وقت تسعى السعودية إلى تعزيز اقتصادها المحلي عبر أجندة منوعة، إلا أن تشابك الطموحات مع الإرادة، قد يصطدم بتحديات حقيقية، فيما الرياض تقود هيكلة الاقتصاد لمرحلة غير مسبوقة عبر "رؤية 2030" منذ انطلاقها قبل تسعة أعوام.

 تبقى هناك عقبات تلامس الأجندة، ولعل أبرز هذه التحديات ما أوردته وكالة "بلومبيرغ" اليوم من تراجع في  تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد للعام الثالث على التوالي عام 2024، في إشارة إلى أن الرياض لا تزال تواجه تحديات في جذب المستثمرين الأجانب.

وبحسب الوكالة، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل بنسبة 19 في المئة على أساس سنوي ليصل إلى 20.7 مليار دولار، وهو أدنى مستوى منذ عام 2020، وفقاً لتقرير حكومي سنوي يرصد التقدم المحرز في جهود الرياض لتنويع اقتصادها.

وتعني البيانات الأولية لعام 2024 أن البلاد تسعى إلى تحقيق هدفها السنوي البالغ 29 مليار دولار.

إنخفاض السيولة

وتشير الوكالة إلى أن الرياض حققت أهدافها في الأعوام الثلاثة السابقة، مع إقرارها بأن انخفاض السيولة العالمية وتشديد الأوضاع النقدية أسهما في التباطؤ.

وتشير الوكالة إلى أن السعودية تسعى إلى جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لدفع عجلة النمو في قطاعات مختلفة، وتأمل أن ترتفع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنحو خمسة أضعاف لتتجاوز 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030.

ويقول محللون إن الحاجة إلى مزيد من التمويل قد تصبح أكثر إلحاحاً إذا ظلت أسعار النفط العالمية منخفضة، مما قد يؤدي إلى تعميق عجز الميزانية الحكومية وإجراء تخفيضات في الإنفاق، وتؤكد السعودية أنها مستعدة لقبول عجز مالي أعمق ما دام يخدم أولويات الاستثمار في برنامج التنويع الاقتصادي المعروف باسم "رؤية 2030".

ومن المقرر أن تدخل أجندة التحول هذه مرحلتها النهائية في عام 2026، إذ سيُركز بصورة كبرى على استقطاب استثمارات القطاع الخاص بهدف تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي، بحسب تقرير "رؤية 2030".

وبعد مرور تسعة أعوام على إطلاق الخطة تحقق بعض الأهداف قبل موعدها المحدد، بما في ذلك خفض معدلات البطالة، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، ورفع نسبة تملك المواطنين المساكن، بينما لا تزال أهداف أخرى، مثل تعزيز الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، دون المستوى المأمول، لكنها تحقق تقدماً ملحوظاً.

وارتفعت الأصول تحت الإدارة لدى صندوق الاستثمارات العامة، المسؤول عن قيادة تنفيذ "رؤية 2030"، إلى نحو 940 مليار دولار في عام 2024، وتستهدف السعودية رفع الأصول إلى 2.67 تريليون دولار بحلول مطلع العقد المقبل.

عمق التحول

وأخيراً كشف التقرير السنوي لـ"رؤية 2030" عن إنجازات ملموسة تعكس عمق التحول في البلاد، إذ انخفض معدل البطالة إلى سبعة في المئة، محققاً الهدف المستهدف لعام 2030 مبكراً، فيما بلغت مساهمة القطاعات غير النفطية 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وارتفعت نسبة تملك الأسر السعودية للمساكن إلى 65.4 في المئة بدعم برامج الإسكان، بينما شهدت المملكة تأسيس 571 شركة عالمية لمراكزها الإقليمية، كما نما عدد المعتمرين إلى 13.56 مليون معتمر عام 2023، وتقدمت الحكومة الرقمية إلى المرتبة السادسة عالمياً في مؤشر الأمم المتحدة، مما يؤكد أن البلاد لا تكتفي بتحقيق أهدافها، بل تتجاوزها، ويعزز التفاؤل بمستقبل الرؤية.

وأظهر التقرير أن 93 في المئة من المؤشرات حققت مستهدفاتها أو قاربت تحقيقها بنسبة تراوحت ما بين 85 في المئة و99 في المئة.

وتشهد الرياض في بنيتها الاقتصادية والاجتماعية، بفضل "رؤية 2030" التي أعادت رسم أولويات التنمية ووضعت مساراً جديداً للنمو المستدام، مدعوماً بإرادة سياسية قوية وتخطيط استراتيجي محكم.

وتشير الأرقام إلى أن مؤشر مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي تجاوز مستهدفه لعام 2024، ليصل إلى 47 في المئة مقارنة بالمستهدف البالغ 46 في المئة، مما يدل على الفرص المشاركة في الاقتصاد المحلي.

تقييم عالمي لنجاح الرؤية

وأشادت مؤسسات مالية دولية كبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالتقدم الذي أحرزته "رؤية 2030" في تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة. وأشار تقرير لصندوق النقد إلى أن الإصلاحات قلصت الاعتماد على النفط، مع توقعات بنمو القطاعات غير النفطية بنسبة 5.9 في المئة عام 2025.

وأكد البنك الدولي أن تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية عززا التنافسية عالمياً، لكنه حذر من تحديات مثل تقلبات أسعار الطاقة وضرورة تسريع الإصلاحات الهيكلية لضمان استمرار الزخم.

تحول يلمسه كل مواطن

من جانبه قال المتخصص في الاقتصاد الدولي والتخطيط الاستراتيجي علي الحازمي إن ما تحقق يمثل نقلة نوعية غير مسبوقة في جودة الحياة لكل من المواطن والمقيم، مشيراً إلى أن التطور لم يقتصر على الأرقام فقط بل شمل مختلف مناحي الحياة.

وأوضح أن البلاد شهدت تقدماً في البنية التحتية والخدمات اللوجستية والقطاع الرياضي والمسارات الترفيهية والسياحية، مما أحدث فرقاً حقيقياً شعر به الجميع. 

وأضاف أن صندوق الاستثمارات العامة أصبح قوة اقتصادية كبرى بأصول تقارب 925 مليار دولار، كما تضاعف عدد المصانع ليبلغ أكثر من 12 ألف مصنع، بينما ارتفعت الاستثمارات الصناعية من 900 مليون دولار إلى نحو 26 مليار دولار.

ولفت الحازمي إلى أن التطور شمل الحكومة الرقمية التي حققت قفزة نوعية بوصولها إلى المرتبة السادسة عالمياً ضمن مؤشر الأمم المتحدة، كما شهد القطاع الصناعي قفزات كبيرة، إذ ارتفع عدد المصانع من 7200 إلى أكثر من 12 ألف مصنع، بنسبة نمو تجاوزت 66 في المئة.

وأردف أن الإنجازات تحققت على رغم التحديات العالمية الكبرى مثل معدلات التضخم المرتفعة وأسعار الفائدة والحروب التجارية والجمركية والتباطؤ الاقتصادي في الدول الكبرى. وأضاف أن البلاد على رغم هذه الأخطار المنتظمة الخارجة عن إرادتها، واصلت توسعها الاقتصادي بثبات، متعاملة مع هذه التحديات باحترافية ومضت قدماً في تنفيذ مشاريعها الاستراتيجية وحققت إنجازات تترجم الطموحات إلى واقع ملموس وسط بيئة اقتصادية عالمية مليئة بالتقلبات. 

تنويع الاقتصاد وتمكين المجتمع

إلى ذلك أوضح المستشار الاقتصادي محمد الشميمري أن "رؤية 2030" أطلقت تحولات هيكلية غير مسبوقة في الاقتصاد والمجتمع بحلول عام 2025، وأضاف أن تنويع الاقتصاد عبر السياحة والترفيه والطاقة المتجددة قلص الاعتماد على النفط مع مساهمة القطاعات غير النفطية بنحو 50 في المئة من الناتج المحلي.

وأشار إلى أن مشاريع مثل "نيوم" و"القدية" عززت جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية، لافتاً إلى أن تمكين المرأة وتحسين جودة الحياة عبر برامج مثل "سكني" و"موسم الرياض" عكسا نهضة اجتماعية شاملة.

وأضاف أن التحول الرقمي والبنية التحتية التقنية يدعمان الاستدامة، وختم بالقول إن التحديات، كالبطالة والمنافسة الإقليمية، تتطلب تسريع الإصلاحات لضمان استمرار الزخم.

 الاقتصاد الرقمي في صدارة الأولويات

من جهته قال الخبير في الاقتصاد الأخضر والبيئة محمد كرم إن المرحلة المقبلة ستتطلب من السعودية التركيز على الابتكار التكنولوجي والاقتصاد الرقمي، وأكد أن التحول الاقتصادي المثير للإعجاب يحتاج إلى دعم متواصل عبر تطوير أنظمة التعليم وزيادة الاستثمار في البحث العلمي والتقنيات الحديثة.

وأضاف أن البلاد نجحت في استقطاب شركات تكنولوجية عالمية مثل "أمازون" و"مايكروسوفت" لإنشاء مراكز بيانات متقدمة، مما يعزز استدامة الاقتصاد الرقمي.

وأشار إلى أن برامج مثل "مبادرة السعودية الخضراء" وتطوير الذكاء الاصطناعي ستعزز مكانة البلاد كمركز للابتكار، لافتاً إلى ضرورة تعزيز التعاون مع مراكز الابتكار العالمية وتحفيز ريادة الأعمال الوطنية لضمان استمرارية النجاح، وأكد أن الاستثمار في الشباب والتكنولوجيا سيظل مفتاحاً لتحقيق أهداف الرؤية.

إعادة صياغة المجتمع السعودي

 وقال المستشار المالي محمود عطا إن "رؤية 2030" لم تكُن مجرد مشروع اقتصادي، بل إنها مشروع حضاري يعيد تشكيل ملامح المجتمع السعودي، مضيفاً أن برامج جودة الحياة، من تطوير الأحياء السكنية إلى تعزيز الفضاءات العامة وتمكين المرأة والشباب، غيرت الإطار الاجتماعي العام.

وأشار إلى أن مبادرات مثل "سكني" وزيادة نسبة تملك المساكن، إلى جانب الطموحات البيئية كزراعة 10 مليارات شجرة، تعكس رؤية متكاملة للتنمية المستدامة.

السعودية محور التجارة والاستثمار

ولفت مستشار الاستثمار محمد مهدي عبدالنبي إلى أن "رؤية 2030" تسعى إلى ترسيخ مكانة البلاد كمركز اقتصادي عالمي، وقال إن تنفيذ مشاريع استراتيجية مثل "نيوم" و"البحر الأحمر" يؤكد طموح البلاد لتصبح محوراً إقليمياً للتجارة والسياحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأضاف أن توسع الشراكات مع آسيا وأفريقيا والتركيز على الطاقة النظيفة سيفتحان آفاقاً جديدة، شرط استمرار الإصلاحات والاستقرار السياسي والاقتصادي.

الإنسان في قلب الرؤية 

ورأى المتخصص الاقتصادي حسام الغايش أن أكبر مكسب حققته "رؤية 2030" هو الاستثمار في رأس المال البشري، مضيفاً أن تحسين التعليم والتدريب وتمكين المرأة استثمارات طويلة الأمد ستؤتي ثمارها على النمو الاقتصادي والاجتماعي.

وأشار إلى أن نجاح البلاد في تحسين بيئة الأعمال ورفع مساهمة القطاع الخاص يمثل ركيزة لتحقيق أهداف الرؤية.

تحديات كبرى

وأخيراً، مع اقتراب "رؤية 2030" من إكمال عقدها الأول، تقف البلاد على مفترق طرق تاريخي. من اقتصاد قائم على النفط إلى مركز عالمي للابتكار والاستدامة، ومن مجتمع تقليدي إلى نهضة اجتماعية شاملة، حولت البلاد طموحاتها إلى واقع يلهم العالم على رغم بروز تحديات كبرى يأتي في مقدمتها الاستمرار في خفض معدلات البطالة مع زيادة أعداد الخريجين الجدد، وتأمين التمويل المستدام للمشاريع العملاقة في ظل تقلبات الأسواق، وتعزيز تنافسية بيئة الأعمال لمواجهة المنافسة الإقليمية والدولية، إضافة إلى الاستثمار أكثر في الابتكار وريادة الأعمال لدعم تنمية الاقتصاد الرقمي.

اقرأ المزيد