ملخص
في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فمن المتوقع أن يبلغ النمو هذا العام 4.5 في المئة، بخفض قدره 0.5 نقطة مئوية، ففي الصين، من المتوقع أن يعوض التوسع المالي في موازنة 2025 جزئياً الأثر السلبي لزيادة الرسوم الجمركية والسياسات التجارية، وقد خفضت توقعات النمو في الصين إلى نحو 4 في المئة هذا العام والعام المقبل
مع إعادة ضبط النظام الاقتصادي العالمي، تعد الرسوم الجمركية الأميركية الأعلى منذ قرن، مع استهداف بعض من أشدها لدول آسيا.
وبصفتها رائدة في التجارة العالمية، شكلت آسيا ما يقارب من 60 في المئة من النمو العالمي في عام 2024.
ومع ذلك، يواجه نموذج النمو الناجح في المنطقة، القائم على تحرير التجارة والاندماج في سلاسل القيمة، تحديات متزايدة.
في حين تم تعليق بعض الرسوم، فقد تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة والصين بصورة ملحوظة، وكذلك حالة عدم اليقين في شأن السياسات التجارية بصورة عامة، في ظل هذه المعطيات، تضاءلت التوقعات بالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فمن المرجح تباطؤ النمو إلى 3.9 في المئة هذا العام من 4.6 في المئة خلال العام الماضي. ويعكس هذا الخفض بنسبة 0.5 نقطة مئوية، وهو الأكثر حدة منذ الجائحة، ضعف الطلب العالمي، وانخفاض التجارة، وتشديد الظروف المالية، وتزايد حالة عدم اليقين.
وتوقع الصندوق، نمواً بنسبة 4 في المئة في عام 2026، وهو أيضاً أبطأ مما كان متوقعاً سابقاً.
لكن هذا الضعف واسع النطاق، فمن المرجح أن يبلغ النمو في الاقتصادات المتقدمة بالمنطقة 1.2 في المئة هذا العام، بخفض قدره 0.7 نقطة مئوية مقارنة بشهر يناير (كانون الثاني) الماضي.
أما في اليابان، فمن المتوقع أن يرتفع النمو بصورة طفيفة إلى 0.6 في المئة من 0.1 في المئة خلال العام الماضي، إذ من المتوقع أن يدعم التحسن المتوقع في نمو الأجور الحقيقية الاستهلاك، ولولا العوامل الخارجية، لكانت الزيادة أقوى.
زيادة الاقتراض تثقل كاهل إنفاق المستهلكين
في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فمن المتوقع أن يبلغ النمو هذا العام 4.5 في المئة، بخفض قدره 0.5 نقطة مئوية، ففي الصين، من المتوقع أن يعوض التوسع المالي في موازنة 2025 جزئياً الأثر السلبي لزيادة الرسوم الجمركية والسياسات التجارية، وقد خفضت توقعات النمو في الصين إلى نحو 4 في المئة هذا العام والعام المقبل.
في الهند، الأقل انفتاحاً مقارنة بالاقتصادات الأخرى، يتوقع صندوق النقد تباطؤاً معتدلاً في النمو إلى 6.2 في المئة و6.3 في المئة على التوالي في عامي 2025 و2026.
وشهد النمو في دول رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) خفضاً حاداً إلى 4.1 في المئة في عام 2025 بسبب الصدمات الخارجية وضعف الطلب المحلي في بعض الاقتصادات.
في تعليقه، قال مدير تحرير مدونة صندوق النقد الدولي جيف كيرنز، إن "الرسوم الجمركية بثقلها على الاقتصاد العالمي، وستضعف الزخم الاقتصادي في المنطقة بعد الجائحة، ويعود ذلك إلى أن الصادرات قادت النمو في العديد من الاقتصادات الناشئة في ظل ضعف الطلب المحلي، وفي بعض الاقتصادات، أثقلت زيادة الاقتراض كاهل إنفاق المستهلكين، وأثقلت كاهل كثيرين بكلف خدمة ديون مرتفعة".
وقد شهدت الصادرات الآسيوية إلى الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى نمواً قوياً بفضل الطلب على المنتجات عالية التقنية، بما في ذلك الطفرة التي عززها الذكاء الاصطناعي. وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في قيمة المبيعات إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى زيادة مباشرة عبر سلاسل التوريد العالمية، مما جعل العديد من الاقتصادات الآسيوية أكثر عرضة لتقلبات الطلب الأميركي وتصاعد الحمائية.
ضغوط شيخوخة السكان وتراجع الإنتاجية
وتميل الأخطار التي تواجه التوقعات العالمية والإقليمية نحو التراجع، وتشمل هذه الأخطار تزايد التوترات التجارية، وتشديد أوضاع الأسواق المالية، وتزايد حالة عدم اليقين، أما على الجانب الإيجابي، فمن الممكن أن تؤدي فرص التجارة الجديدة، من خلال تنويع أسواق التصدير وعقد اتفاقيات تجارية جديدة، وتجديد زخم الإصلاحات الهيكلية، إلى تعزيز النمو.
تواجه آسيا أيضاً تحديات هيكلية، أبرزها ضعف نموذج نموها القائم على التصدير، هذا إضافة إلى الضغوط الناجمة عن شيخوخة السكان وتراجع الإنتاجية في بعض دول المنطقة، والاتجاه الأخير نحو انخفاض الإنتاجية. وتستدعي التحديات المحتملة الناجمة عن تصاعد التوترات التجارية نموذج نمو أكثر توازناً، يقوده طلب محلي أقوى وأكثر ديمومة هيكلياً في بعض الدول، وتنويع أكبر للصادرات، وروابط اقتصادية إقليمية أقوى على نطاق أوسع.
الصندوق أشار إلى أن تعزيز الطلب المحلي، وخصوصاً الاستهلاك الخاص، يتطلب إجراءات هيكلية على مستوى السياسات، ويمكن لشبكات الأمان الاجتماعي الأكثر فاعلية أن تسهم في الحد من المدخرات الاحترازية وتعزيز الثقة، لا سيما في الصين، حيث تعد خطط تعزيز الاستهلاك خطوة في الاتجاه الصحيح.
في الحالات التي ترتفع فيها ديون الأسر، من شأن اتخاذ تدابير منسقة لإعادة هيكلة ديون الأشخاص ذوي الأعباء الثقيلة، وتحسين الثقافة المالية، ومنع الاقتراض المفرط، أن يسهم في دعم الاستهلاك.
ففي تايلاند، على سبيل المثال، اتخذت السلطات خطوات مثل تقديم مساعدات لسداد الديون وتطبيق برامج إعادة هيكلة الديون. وبالمثل، سيتطلب تعزيز الاستثمار الخاص إصلاحات في سوق العمل، وتحسين بيئة الأعمال، والاستثمار في الصحة والتعليم لبناء رأس المال البشري.
وقال الصندوق، إن تعزيز تنويع أسواق التصدير والتكامل الإقليمي من شأنه أن يسهم في حماية الاقتصادات من الصدمات العالمية، حتى في منطقة تتسم فيها التجارة باستدامة أكبر من بقية العالم، فعلى سبيل المثال، هناك مجال واسع لتعزيز التجارة البينية في رابطة (آسيان)، استناداً إلى تكامل أكبر في المجالين التجاري والمالي.
وفي سياق مماثل، يمكن لمبادرات مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة أن تسهم في تعميق التعاون ليس فحسب في تجارة السلع، بل أيضاً في الخدمات، والاقتصاد الرقمي، والتنسيق التنظيمي.
ويعتمد النجاح في هذه المجالات بشكل متزايد على القدرات الرقمية، وهو مجال تحرز فيه آسيا تقدماً ملحوظاً، وتعد سنغافورة من بين أكثر الاقتصادات تنافسية رقمياً، وتتصدر كوريا والهند مجال الخدمات الحكومية الرقمية.
إعادة بناء هوامش مالية مع ارتفاع الديون
وفي ظل تزايد حالة عدم اليقين الحالية، يجب أن تكون السياسات معايرة مرنة ومصممة بما يتناسب مع ظروف كل دولة، فعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بالسياسة المالية، هناك مفاضلة دقيقة، فقد خلفت الجائحة ديوناً أعلى للعديد من الدول ومساحة أقل في الموازنات الحكومية، لذا، فإن إعادة بناء الهوامش المالية بعد ازدياد الديون بسبب الجائحة أمر بالغ الأهمية لتعزيز القدرة على الصمود.
مع ذلك، وبالنظر إلى الصدمة الكبيرة التي تعرض لها الطلب الخارجي، يجب على السياسة المالية أيضاً أن تخفف من وطأة الأثر على المدى القريب.
وينبغي دعم ذلك بتيسير نقدي، عندما يكون التضخم قريباً من المستهدف أو أقل منه، وبتمكين أسعار الصرف من امتصاص الصدمات، وينبغي إدارة الأخطار التي تهدد الاستقرار المالي نتيجة لتقلبات السوق بحذر، مسترشدة بإطار السياسات المتكامل.
من الناحية العملية، يعني هذا تقديم دعم مستهدف ومحدد زمنياً للأفراد والشركات الأكثر تضرراً، وخصوصاً في قطاعات التصدير الأكثر تضرراً، واختيار الاستثمارات العامة بعناية للحفاظ على الطلب.
في الوقت نفسه تحتاج الدول إلى استراتيجيات موثوقة لضبط أوضاعها المالية في السنوات المقبلة، وهو ما يستلزم عادة تعديلاً مالياً تدريجياً مرتكزاً على إطار متوسط الأجل محدد جيداً. ويشمل ذلك تحسين كفاءة الإنفاق العام، وإصلاحات ضريبية لزيادة الإيرادات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار الصندوق إلى أن الهند من الاقتصادات التي تسير في هذا الاتجاه، إذ اعتمدت سياسة جديدة لاحتواء الدين عند مستوى محدد، إلى جانب جهودها لزيادة الإيرادات من خلال تعزيز كفاءة الإدارة الضريبية وحماية الإنفاق الاجتماعي.
واتبعت دول أخرى مسارات مماثلة، فعززت منغوليا قواعدها المالية لتعزيز الشفافية والمساءلة والمرتكزات المالية طويلة الأجل.
وتهدف كوريا إلى إدخال قاعدة مالية رسمية لتوجيه السياسة المالية، على رغم أن التشريع لا يزال معلقاً في البرلمان، وأحرزت سريلانكا تقدماً ملحوظاً في الإصلاحات المالية في إطار برنامجها المدعوم من صندوق النقد الدولي.
ويشمل ذلك تعبئة الإيرادات بصورة كبيرة وخفض العجز، مع ارتفاع الإيرادات الضريبية وتضييق العجز المالي بصورة ملحوظة منذ عام 2022، مما يدل على تأثير جهود السياسة المستدامة، وتوفر هذه الجهود مجتمعة نماذج قيمة لكيفية موازنة الاقتصادات الآسيوية بين دعم النمو على المدى القريب وضرورة ضمان الاستدامة المالية على المدى الطويل.
الإصلاحات الهيكلية ستكون ضرورية للمرونة
إلى جانب سياسات الاقتصاد الكلي، ستكون الإصلاحات الهيكلية ضرورية للمرونة على المدى الطويل.
تباطأ نمو الإنتاجية في آسيا خلال العقد الماضي، لا سيما في الاقتصادات الناشئة.
يمكن أن يسهم اعتماد الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المتقدمة في عكس هذا الاتجاه إذا ما دعم باستثمارات في المهارات والبنية التحتية والأطر التنظيمية. ويمكن للرقمنة، التي تشهد تقدماً بالفعل في أجزاء كثيرة من آسيا، أن تساعد في زيادة الإنتاجية وتوليد فرص عمل جديدة، لا سيما في قطاع الخدمات.
وينبغي أن تصاحب الإصلاح المالي الهيكلي والتكامل الإقليمي جهود لتعميق أسواق رأس المال، وتعزيز الشمول المالي، وتحسين الحوكمة.
هذه ليست حلولاً سريعة، ولكنها حيوية لضمان استدامة النمو، بل وشموليته واستدامته، وبالنسبة لدول جزر المحيط الهادئ، تعد المرونة في مواجهة الكوارث الطبيعية وتغير المناخ أمراً بالغ الأهمية، وفي هذا السياق، سيكون الحصول على تمويل المناخ أمراً بالغ الأهمية.
وقد حقق نموذج النمو الآسيوي القائم على التصدير ازدهاراً غير مسبوق، لكن العالم تغير.
وأصبحت التجارة أكثر غموضاً، والموازنات الحكومية أكثر تقييداً، والطلب المحلي أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وقال صندوق النقد إنه يجب على صانعي السياسات التصرف بحزم، وهذا يعني استخدام السياسة المالية بحكمة لدعم النمو على المدى القريب حيثما تضرر بشدة، مع الالتزام بخفض العجز المالي في السنوات الخمس المقبلة، كما يتطلب ذلك إطلاق العنان لكامل إمكانات الأسواق المحلية من خلال الإصلاح، وإقامة روابط إقليمية أقوى لبناء المرونة الجماعية. وذكر الصندوق أن التحديات حقيقية، وكذلك الفرص. إن تبني خيارات سياسية ذكية سيساعد آسيا على كتابة الفصل التالي من قصة نموها، ليس فحسب كمصنع عالمي، بل كقوة اقتصادية ديناميكية ومرنة ومتكاملة.