Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدبلوماسية الملكية ذراع للسياسة البريطانية الخارجية

زيارات ومشاركات للملك والأمراء تدعم مواقف المملكة المتحدة وتعزز تفاهماتها حول العالم

ملك وملكة بريطانيا في استقبال إمبراطور اليابان وزوجته خلال "زيارة دولة" إلى لندن عام 2024 (رويترز) 

ملخص

تلعب العائلة الملكية في بريطانيا دوراً دبلوماسياً ملحوظاً في السياسة الخارجية، إذ يدخل الملك والأمراء في فعاليات وزيارات واستقبالات تعزز مواقف المملكة المتحدة تجاه قضايا مختلفة، كذلك تخلق أجواء تساعد أعضاء الحكومة على المضي في تنفيذ أجندة البرلمان في ملفات سياسية واقتصادية وإنسانية مختلفة خارج الحدود.

في المملكة المتحدة يتعايش النظامان الملكي والبرلماني بانسجام قل نظيره حول العالم، فقد تقلص نفوذ العائلة الملكية تدريجاً خلال 800 عام لتتحول من الحكم المطلق إلى حضور رمزي في السياسة الداخلية وآخر كارزمي فعال في العلاقات الخارجية.

منذ 1689 أصبحت بريطانيا دولة ملكية دستورية، فيمثل الملك فيها رأس الدولة لكن رئيس الوزراء الذي يتزعم الحزب الأكبر في البرلمان يقود الحكومة ويضع السياسات، وكثيراً ما التزم الجالسون على العرش في لندن هذه المعادلة التي تجعلهم وعائلاتهم على الحياد سياسياً، من دون أن تغلق أمامهم أبواب أنشطة اقتصادية واجتماعية وحتى دبلوماسية.

من أبرز أدوات العائلة الملكية البريطانية في النشاط الدبلوماسي "زيارات الدولة" التي تطلبها الحكومة، إذ يدعو صاحب التاج قادة ومسؤولين إلى البلاد ليستضيفهم في القصور والقلاع التاريخية، ويجالسهم على الموائد الملكية الطويلة، ويقيم لهم اللقاءات والاحتفالات التي تجمعهم بالوزراء والشخصيات الرسمية ووجوه المجتمع الذين يمثلون المملكة المتحدة.

تخلق "زيارات الدولة" أجواء ودية بين الضيوف والحكومة البريطانية يمكن في ظلها إثارة قضايا خلافية يراد حلحلتها، أو إطلاق مرحلة جديدة من العلاقات مع الزائر الذي يحاط باهتمام كبير وتاريخ عريق لإمبراطورية كانت لا تغيب عنها الشمس يوماً، فيستشعر أهميته ويتلمس تقدير المملكة المتحدة له وللعلاقات مع بلاده أو المؤسسة التي يمثلها رسمياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تستعد بريطانيا لاستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارة دولة خلال مايو (أيار) المقبل، ومن المعروف أهمية تقارب لندن وباريس، بينما تدنو المملكة المتحدة من توقيع معاهدة جديدة مع الاتحاد الأوروبي تجعلهما أكثر قرباً اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وحتى شعبياً، مقارنة باتفاق "بريكست" الذي أبرم بين الطرفين في نهاية عام 2019.

ثمة دعوة ملكية مماثلة أوصلها رئيس الوزراء كير ستارمر في فبراير (شباط) الماضي إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ليحل ضيفاً على المملكة المتحدة في "زيارة دولة" خلال سبتمبر (أيلول) المقبل، يأمل البريطانيون في أن يرفعوا خلالها نخب اتفاق تجارة حرة بين البلدين وتشييد "جسر تفاهم" متين بين الولايات المتحدة والأوروبيين ترعاه المملكة المتحدة.

لن تكون تلك "زيارة الدولة" الأولى لترمب، فقد جاء بريطانيا في ولايته السابقة عام 2019 بدعوة من الملكة الراحلة إليزابيث الثانية عندما كانت الحكومة بيد حزب المحافظين وتقودها تيريزا ماي، لم يلق حينها استقبالاً شعبياً حاراً بسبب مواقفه من المرأة وقضايا أخرى، ويعتقد أن يجد هذه المرة أيضاً احتجاجات ضده في الشوارع لأسباب مختلفة.

يعرف عن الملك تشارلز الثالث اهتمامه بالسياسة منذ أن كان ولياً للعهد، ولكن اهتمامه هذا لا يتجاوز القوانين ولا يخالف التقاليد التي تعيشها المملكة المتحدة منذ وقت طويل، وحرصت الملكة الراحلة إليزابيث الثانية على صونها لنحو 70 عاماً، استقبلت خلالها 112 "زيارة دولة" حملت ضيوفاً مثلوا دولاً كثيرة حول العالم بين 1954 و2022.

 

منذ تولي تشارلز الثالث العرش في سبتمبر 2022، استقبل أربع زيارات دولة، أولاها أجراها رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام ذاته، ثم الرئيس السابق لكوريا الجنوبية يون سوك في نوفمبر 2023، وبعدها إمبراطور اليابان خلال يونيو (حزيران) 2024، تلاها أمير قطر بداية ديسمبر (كانون الأول) 2024.

واستقبال ضيوف المملكة المتحدة ليس الشكل الوحيد للدبلوماسية الذي تقوم به العائلة الملكية في سياق دعم علاقات الدولة، فصاحب التاج والأمراء يقومون بزيارات خارجية للمشاركة في مناسبات محددة أو فعاليات ذات أهداف إنسانية أو خيرية أو اقتصادية أحياناً، إضافة إلى تلبية دعوات لـ"زيارات دولة" يتلقونها من قادة وزعماء دول حول العالم.

عندما كان أمير ويلز زار تشارلز كثيراً من البلدان حول العالم بناءً على طلب الحكومة، واستمر في أداء هذه المهام بعدما توج ملكاً للمملكة المتحدة، إضافة إلى أنه يستقبل سنوياً كثيراً من قادة العالم والمسؤولين والسفراء وأعضاء المجتمع الدبلوماسي عبر "زيارات الدولة" أو ضمن مقابلات وفعاليات مختلفة تحتضنها المقار الملكية في عموم البلاد.

 

إضافة إلى الاستقبال أو الانتظام في الزيارات الرسمية والفعاليات المختلفة، تدعم العائلة الملكية الدولة عبر مكانتها في "الكومنولث"، إذ يقود تشارلز الثالث المنظمة المكونة من 56 دولة كانت في الماضي مستعمرات بريطانية، ويحرص على تعزيز علاقات المملكة المتحدة معها، حتى إنه يعبر أحياناً عن مواقف لا تفضل لندن المجاهرة بها لأسباب سياسية.

آخر الأمثلة في هذا الإطار وقع في مارس (آذار) الماضي، عندما استقبل الملك رئيس وزراء كندا التي تتبع التاج البريطاني، وأظهر له دعماً كبيراً في مواجهة مطالب ترمب بضم كندا إلى الولايات المتحدة، بينما اختارت حكومة المملكة المتحدة عدم مواجهة الرئيس الأميركي في هذا الشأن خشية تفاقم الخلافات بين البلدين في ملفات سياسية واقتصادية.

حدث سياسي آخر شمل العائلة المالكة أخيراً هو زيارة ولي العهد ويليام إلى إستونيا في الـ20 من مارس الماضي، حين بعث وجود أمير ويلز في دبابة قرب حدود روسيا برسالة قوية مفادها التزام المملكة المتحدة حلف "الناتو"، وعزمها على ردع اعتداءات الروس في أوروبا، وقد وقعت تلك الزيارة التي شهدت إحدى كبرى عمليات الانتشار العملياتي للجيش البريطاني في الخارج، بينما كانت الحكومة تحاول إقناع الأميركيين بإبرام اتفاق سلام وليس استسلاماً مع الروس في أوكرانيا، كي يضمن الجميع عدم عودة الحرب إلى القارة العجوز.  

الصيغة الحالية للملكية في بريطانيا لم تتشكل بين عشية وضحاها، بل مرت بمراحل عدة منذ توقيع ميثاق (ماجنا كارتا) عام 1215 لمنع الملك من معاقبة أي إنسان حر إلا وفق القانون، ثم الحرب الأهلية الإنجليزية (1642-1651) التي قلصت أكثر من نفوذ الملك، وتلتها ثورة 1688 ضد الملك جيمس الثاني، وهكذا توالت الأحداث على مدى أكثر من 330 عاماً حتى وصلنا اليوم إلى هذا الانسجام والتناغم بين العائلة الملكية والبرلمان/ الحكومة. 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير