Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخيمات دارفور مأساة تكاد تغيب عن أنظار العالم

دعوات إلى التحرك العاجل لتقديم المساعدات الإنسانية وتوفير المواد الغذائية

تواجه الجهات الفاعلة الإنسانية تحديات غير مسبوقة بغية إيصال المساعدات إلى الفئات الأكثر هشاشة في السودان (أ ف ب)

ملخص

أدى ضعف السيطرة على الحدود إلى تدفق السلاح من تشاد وليبيا وإثيوبيا، مما مكن الجماعات المسلحة من تعزيز قوتها وخوض صراع تحركه المصالح القبلية والتنافس على الموارد.

في قلب الكارثة الإنسانية المتفاقمة نتيجة الحرب التي استمرت أكثر من عامين في السودان، تقف مخيمات النازحين في دارفور شاهدة على معاناة ممتدة ومأساة تكاد تغيب عن أنظار العالم، فلم تعُد هذه المخيمات مجرد ملاجئ موقتة للمدنيين الفارين من أتون الحرب، بل تحولت إلى فضاءات للبؤس المزمن وأماكن تشهد يومياً على فشل محلي ودولي في الاستجابة لحاجة إنسانية ملحة.

ويتمثل هذا الفشل في وضع مخيم زمزم الذي يقع جنوب مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور ومخيم أبو شوك شمال المدينة اللذين كانا مركزين لتدفق النازحين الفارين من تصاعد القتال والانتهاكات الواسعة ضد المدنيين. ووصل في الـ18 والـ19 من أبريل (نيسان) الجاري ما يقارب 7303 نازح، ليرتفع العدد الإجمالي للنازحين الفارين إلى منطقة طويلة إلى 700 ألف نازح، بعد تدفقات الأسبوعين الماضيين، بحسب ما أعلن "مجلس تنسيق غرفة طوارئ جبل مرة وطويلة" في دارفور. وهذا النزوح لم يتوقف عند حدود طويلة، بل امتد إلى جبل مرة وفنقا ودربات وروكرو وقولو ونيرتيتي ومناطق أخرى، ليرتفع عدد القاطنين إلى ما يزيد على مليون ونصف شخص، في بيئة تفتقر إلى الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة. وبحسب ما وصفتهم إحدى موظفات الإغاثة الدولية "هؤلاء لا يفرون من الموت فقط، بل يركضون إليه ببطء وهم يواجهون الجوع والعطش والمرض في أماكن أشبه بالمعتقلات المفتوحة".

والبيان الأخير الصادر عن "المنسقية العامة لمخيمات النازحين واللاجئين" يرسم صورة قاتمة لوضع إنساني بلغ حد الانهيار التام، ففي ظل غياب الغذاء والماء والرعاية الصحية، ومع استمرار الانتهاكات ضد النساء والأطفال، يتساقط الضحايا يومياً بصمت، بينما يواجه الناجون مزيجاً قاتلاً من الفقر والصدمة النفسية والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وطالبت المنسقية، المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكل المنظمات الإقليمية والدولية، بالتحرك العاجل لتقديم المساعدات الإنسانية وتوفير المواد الغذائية وغير الغذائية، محذرة من أن الوضع في هذه المخيمات لم يعُد يحتمل وأن بقاء السكان على قيد الحياة بات معتمداً كلياً على مساعدات طارئة طال انتظارها.

عسكرة المخيمات

وأعلنت قوات "الدعم السريع" عن سيطرتها على مخيم زمزم للنازحين في شمال دارفور، مبررة ذلك بأن المخيم كان يستخدم كقاعدة لما وصفته بـ"حركات مرتزقة مسلحة" موالية للجيش السوداني، وأكدت أنها قامت بتأمين المنطقة بعد بسط سيطرتها عليها.

من جانبها دانت وزارة الخارجية السودانية الهجمات التي شنتها قوات "الدعم السريع" على مخيم زمزم، ووصفتها بأنها "امتداد لحملة إبادة جماعية تستهدف غالبية سكان دارفور". وأشارت إلى أن هذه الهجمات أسفرت عن مقتل أعداد كبيرة من النازحين واستهدفت مجموعات قبلية محددة ومنعت الفارين من مغادرة المخيم. كما أحرقت الأسواق ومستودعات الغذاء والمياه ونقاط الخدمات الصحية قبل انسحابها.

وحول ذلك أشار المبعوث الأميركي السابق إلى السودان توم بيرييلو إلى أن عسكرة مخيم زمزم من قبل "القوة المشتركة" التابعة للجيش السوداني تمثل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، مشدداً على أن ذلك لا يبرر قصف المخيم من قبل قوات "الدعم السريع".

وأعربت مجموعة من المنظمات الحقوقية والمدنية السودانية والدولية عن قلقها العميق إزاء التصعيد العسكري في السودان، مشيرة إلى أن "القوات المشتركة" التي تضم جماعات متمردة سابقة تدعم القوات المسلحة السودانية، عززت وجودها في المخيم بصورة غير مسبوقة. واعتبرت هذه التحركات خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، خصوصاً المادة الثالثة المشتركة لـ"اتفاقيات جنيف" لعام 1949 والبروتوكول الثاني التي تفرض حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة. وطالبت هذه المنظمات بإنهاء الوجود العسكري في مخيم زمزم ووقف العمليات العسكرية، وحثت الاتحاد الأفريقي على قيادة جهود المجتمع الدولي لضمان حماية المدنيين.

وما يجري داخل هذه المخيمات يتجاوز المعاناة الإنسانية اليومية، ليكشف عن انهيار بنيوي في نظام الحماية الإنساني وعجز حاد في الاستجابة الدولية. كما يعيد للواجهة أسئلة أخلاقية وسياسية حول جدوى الآليات الأممية في حماية المدنيين، خصوصاً في حالات النزوح الجماعي المتفاقم.

وضع متجذر

لم يكُن العنف الذي نشهده اليوم في دارفور نتاجاً مباشراً للحرب الحالية، بل هو نتاج لتراكم سياسي واجتماعي وإنساني طويل الأمد تجذر منذ اندلاع النزاع عام 2003، إذ بدأت الأزمة عندما حملت "حركة العدل والمساواة" و"جيش تحرير السودان" السلاح ضد الحكومة السودانية، متهمين إياها بتهميش المجتمعات غير العربية وتسليح ميليشيات "الجنجويد" التي تعني "الجن على ظهور الخيل". وعلى خلاف الحرب الأهلية التي سبقتها بين الشمال والجنوب التي صُنفت في كثير من أدبيات الحروب بأنها دينية، كان النزاع في دارفور بين فصائل معظمها على قاعدة دينية واحدة، مما كشف عن عمق التصدعات القبلية والإثنية داخل الدولة نفسها.

وبحسب متابعين، أسهم غياب الدولة في تفاقم الأزمة، إذ أدى ضعف السيطرة على الحدود إلى تدفق السلاح من تشاد وليبيا وإثيوبيا، مما مكن الجماعات المسلحة من تعزيز قوتها وخوض صراع تحركه المصالح القبلية والتنافس على الموارد. وشهدت هذه المرحلة انتهاكات جسيمة بحق المدنيين من جميع الأطراف، فاستهدفت ميليشيات "الجنجويد" قرى بأكملها، بينما لم تتردد بعض الجماعات المتمردة في مهاجمة العاملين في منظمات الإغاثة الدولية.

وصنفت الأمم المتحدة تلك الانتهاكات كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأدت الجهود الدبلوماسية إلى توقيع اتفاقات عدة، من بينها اتفاق لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية وبروتوكول لتقديم المساعدات الإنسانية في دارفور عام  2004 وقعت عليه الحكومة و"جيش تحرير السودان" و"حركة العدل والمساواة". ودعا هذا الاتفاق إلى إنشاء لجنة لوقف إطلاق النار لمراقبة وقف الأعمال العدائية بدعم من بعثة مراقبة تابعة للاتحاد الأفريقي. أما أبرزها فكان اتفاق سلام دارفور عام 2006 الذي ألزم الحكومة نزع سلاح "الجنجويد". إلا أن الانقسامات داخل الفصائل المتمردة ورفض بعضها التوقيع، مثل "حركة العدل والمساواة" وفصيل عبدالواحد محمد نور، أضعفا فاعلية الاتفاق، وبدلاً من الاستقرار تجدد القتال وتوسعت رقعة النزوح، وبلغ عدد النازحين داخلياً أكثر من مليوني شخص ولجأ 230 ألفاً إلى تشاد.

انعدام غذائي

أصدر "النظام العالمي للمعلومات والإنذار المبكر" في أغسطس (آب) عام 2024 تقريراً عن الوضع الغذائي السيئ، مع تقييم ظروف المجاعة في مخيم زمزم للنازحين داخلياً في ولاية شمال دارفور، وتوقع استمراره في المناطق المجاورة. ووفقاً لنتائج تحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في السودان، قُدر عدد الأشخاص بنحو 25.6 مليون شخص (54 في المئة من السكان) لمواجهة المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (الأزمة) أو مستويات أسوأ من انعدام الأمن الغذائي الحاد بين يونيو (حزيران) وسبتمبر (أيلول) من عام 2024. وبُلّغ عن أعلى معدل انتشار لانعدام الأمن الغذائي الحاد الشديد الذي يراوح ما بين 60 و69 في المئة في ولايات النيل الأزرق والجزيرة وجنوب دارفور وغربه ووسطه وشماله. وكان نحو 755 ألف شخص يواجهون مستويات المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (الكارثة) من انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويقع أكثر من نصفهم في منطقة دارفور الكبرى. واستمرت ظروف المجاعة في مخيم زمزم للنازحين داخلياً في ولاية شمال دارفور، وكان مخيما أبو شوك والسلام القريبان يعانيان ظروفاً مماثلة.

ووفق تقرير صادر عن "اللجنة الأميركية للاجئين والمهاجرين"  في أبريل الجاري، "هناك أكثر من 11.3 مليون نازح داخلي في السودان ونزح أكثر من 8 ملايين منهم بعد اندلاع الحرب، كذلك فرّ أكثر من 3.9 مليون شخص عبر الحدود بحثاً عن ملاذ آمن في الدول المجاورة".

وأضاف التقرير أن "مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة أفادت بأنه خلال العام الثاني من الحرب في السودان، زاد عدد النازحين داخلياً بنسبة 13 في المئة وتضاعف عدد النازحين عبر الحدود تقريباً عن العام الأول من الحرب".

وأورد أن "الأطراف المتحاربة شنت هجمات استهدفت النازحين، مما أجبرهم في كثير من الأحيان على الفرار مرات عدة. وفي الـ11 والـ 12 من أبريل الجاري قُتل ما لا يقل عن 300 شخص في مخيمي زمزم وأبو شوك للنازحين خلال الاشتباكات. وفي الـ 16 من أبريل، قدمت منظمة إنقاذ الطفولة تفاصيل عن وضع آلاف العائلات التي وصلت إلى بلدة طويلة بعد فرارها من الهجمات في زمزم وأبو شوك".

دوامة الحاجة

وبرز السودان خلال عامي الحرب على رأس القوائم التي ينشرها "المجلس النرويجي للاجئين" والخاصة بأزمات النزوح الأكثر إهمالاً حول العالم، ويهدف من ذلك إلى "التركيز على محنة الأشخاص الذين نادراً ما يسلط الضوء على معاناتهم في عناوين الصحف الدولية والذين لا يتلقون سوى قليل من المساعدة أو لا يتلقونها على الإطلاق والذين لا يصبحون أبداً محور اهتمام جهود الدبلوماسية الدولية". وعدّ المجلس "الكارثة التي حلت بالسودان تحذيراً صارخاً لما قد يحدث عندما يتفاقم الإهمال ويدير العالم ظهره لأزمة ما".

وأورد أنه "في جميع أنحاء العالم، سُجل عجز قياسي في موازنات المساعدات بلغ 32 مليار دولار أميركي، مما ترك 57 في المئة من الحاجات الإنسانية من دون تلبية عام 2023. وتعد الكلفة البشرية لفجوة التمويل المتنامية باهظة، وهي تدمر حياة الملايين حول العالم".

من جهتها قالت نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة والمنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية خردياتا لو ندياي "على مدى الأعوام الماضية، تغيرت طبيعة ونطاق الحاجات الإنسانية بصورة كبيرة في جميع أنحاء السودان. واليوم، يعاني ملايين الأشخاص انعدام الأمن الغذائي الحاد ولا يستطيعون تلبية حاجاتهم الغذائية بالكامل، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية المحلية بسبب التأثير الممتد لجائحة كورونا والتحديات الاقتصادية العالمية المتمثلة في ارتفاع التضخم وتعطل سلاسل التوريد والصراع في أوكرانيا. وُضعت خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2023 وطورت بالتعاون مع الأمم المتحدة والشركاء في المجال الإنساني لتلبية الحاجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً في السودان".

وأفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) الذي وضع خطة الاستجابة الإنسانية الأخيرة، بأنه "ثمة حاجة في السودان إلى نهج جديد لكسر دوامة الحاجة الإنسانية وضمان استدامة أكبر للدعم المقدم لملايين الأشخاص الأكثر ضعفاً، بمن فيهم النساء والشباب الذين قضى كثير منهم حياته بأكملها في نزوح بسبب الصراع".

وأضاف أن "خطة الاستجابة الإنسانية في السودان هي استراتيجية قائمة على الحاجات، تركز على إنقاذ الأرواح وتخفيف المعاناة الإنسانية. ويظل تحديد أولويات الموارد بدقة وشفافية للوصول إلى الفئات الأكثر تخلفاً عن الركب والأكثر ضعفاً حجر الزاوية في عملية خطة الاستجابة الإنسانية في السودان".

خطة الاستجابة

وتشير تقديرات حديثة صادرة عن "التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي" إلى أن السودان يواجه واحدة من أخطر أزماته الغذائية على الإطلاق، مع اقتراب نحو 25.06 مليون شخص، أي أكثر من نصف السكان، من مستويات أزمة أو أسوأ من انعدام الأمن الغذائي. وتلفت التحليلات إلى تصاعد الجوع الطارئ لدى 8.5 مليون شخص، بينما يقف 755 ألفاً على حافة المجاعة".

وأوضحت الأرقام أن "المناطق الأكثر تضرراً تشمل ولايات دارفور الخمس وشمال وجنوب كردفان والنيل الأزرق والجزيرة والخرطوم، حيث تتفاقم الأخطار في ظل تصاعد النزاع وتقييد إيصال المساعدات وتراجع فرص الزراعة وسبل العيش. وأكدت لجنة مراجعة المجاعة أن مخيم زمزم في شمال دارفور يعيش فعلياً حال مجاعة منذ عام 2023، مع تحذيرات من اتساع رقعتها إلى أربع مناطق أخرى في شمال دارفور وخمس إضافية بحلول مايو (أيار) المقبل"، مضيفة أن "في زالنجي وسط دارفور، أفاد قادة المخيمات بأن بعض السكان يعيشون على أوراق الأشجار وبقايا الحبوب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقالت منظمة الصحة العالمية "ضمن خطة الاستجابة الإنسانية والتنموية لعام 2025، حُدد 20.3 مليون شخص على أنهم بحاجة إلى مساعدة صحية إنسانية، من بينهم 10.2 مليون امرأة وفتاة و10.6 مليون طفل ومليون شخص من كبار السن و7.4 مليون شخص نازحون داخلياً. إضافة إلى ذلك، صُنف 1.1 مليون شخص على أنهم يعانون حاجات كارثية و6.6 مليون شخص يعانون حاجات بالغة وشديدة على التوالي".

وأردفت المنظمة أن "غالبية السكان في ست ولايات (وسط  وغرب وجنوب وشمال دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق) من أصل 18 ولاية، يحتاجون إلى مساعدات صحية إنسانية، بينما في 10 ولايات (جنوب وشمال دارفور والخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض وشمال كردفان وغرب كردفان وشرق دارفور والقضارف وسنار) من أصل 18 ولاية، هناك أكثر من مليون شخص بحاجة إلى مساعدات صحية إنسانية".

وتابعت أنه "جرى وضع هدف الوصول إلى ما مجموعه 9.4 مليون شخص عام 2025 للحصول على مساعدات صحية إنسانية من خلال 40 شريكاً في مجموعة الصحة، مما يتطلب 262.3 مليون دولار أميركي".

مكامن التقصير

ظلت "هيئة محامي دارفور" تدعو إلى فتح تحقيق عاجل ومحايد في الانتهاكات المرتكبة في المخيم وتحديد المسؤولين عنها ومحاسبتهم، إضافة إلى تأمين وصول المساعدات الإنسانية وتوفير الحماية القانونية للنازحين.

ودانت لجان المقاومة في الفاشر الهجمات التي نفذتها قوات "الدعم السريع" على المدينة، كما اتهمت "الدعم السريع" بتنفيذ عمليات اختطاف واحتجاز مدنيين كرهائن، مطالبة ذويهم بدفع فدية مالية. وفي الوقت ذاته عبرت عن قلقها من تصرفات الجيش، متهمة إياه بالتقاعس عن حماية المدنيين في دارفور، وتساءلت عن أسباب عدم تحرك الجيش لصد هجمات "الدعم السريع" على الفاشر.

 وعدد عضو "لجان المقاومة" محمد مصطفى أبرز مكامن تقصير الحكومة، قائلاً إنها "أولاً، غياب الحماية الأمنية للمدنيين، ولا ينطبق هذا القصور على مناطق الاشتباكات فقط، فحتى المناطق الآمنة التي يلجأ إليها الفارون من الحرب أو مخيمات النزوح تتحول هي الأخرى إلى أرض صراع. ثانياً، فشلت الحكومة في صياغة أية تسوية سياسية لضمان وصول المساعدات الإنسانية، فالمعارك المستمرة أدت إلى تعليق عمليات الإغاثة. ونتج من ذلك تدهور الأوضاع الصحية والغذائية، وعلى رغم إعلان حال المجاعة في أغسطس عام 2024، لم تُتخذ أية إجراءات كافية لمعالجة الأزمة. ثالثاً، عدم اتخاذ إجراءات سياسية، فعلى رغم إعلان قوات ’الدعم السريع‘ تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها بما في ذلك دارفور، مما ينذر بتقسيم البلاد، وعلى رغم التحذيرات الدولية، فإن الحكومة السودانية لم تتخذ خطوات حاسمة لاحتواء الوضع أو استعادة السيطرة على هذه المناطق".

تفاقم العجز

وقدمت مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إديم ووسورنو وصفاً لتفاقم العجز الإنساني في ظل ظروف الحرب بأن "تحولت أجزاء من البلاد إلى جحيم"، خلال إحاطة قدمتها إلى مجلس الأمن نيابة عن وكيل الأمين العام توم فليتشر.

وأوضحت ووسورنو أن مخيم زمزم الذي يؤوي مئات آلاف النازحين قرب الفاشر، شهد تصعيداً مروعاً، مؤكدة أن الأقمار الاصطناعية أظهرت استخدام أسلحة ثقيلة، وأودى العنف بحياة كثير من الأشخاص بينهم عاملان في المجال الإنساني.

وعلى رغم الجهود المبذولة تواجه المنظمات الإنسانية صعوبات هائلة، إذ أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" التي كانت المزود الرئيس لخدمات الصحة والتغذية في زمزم، تعليق عملها في فبراير (شباط) الماضي بسبب انهيار الوضع الأمني. كما علق برنامج الأغذية العالمي المساعدات الغذائية المستندة إلى القسائم نتيجة انعدام الأمن وتدمير سوق المخيم.

وفي ظل هذا الانهيار، تبدو استجابة المجتمع الدولي غير كافية، فأعلنت الأمم المتحدة أن خطة الاستجابة لعام 2025 تتطلب 6 مليارات دولار لدعم 21 مليون شخص في السودان و5 ملايين آخرين في الدول المجاورة. ومع ذلك، فإن التمويل لا يزال بعيداً من التغطية الكاملة، على رغم دعوة ووسورنو أعضاء مجلس الأمن إلى "عدم ادخار أي جهد للتخفيف من هذه الأزمة".

وصرحت رئيسة الاستجابة الطارئة في السودان بمنظمة "أطباء بلا حدود" كلير نيكوليه بأن "الوضع في مخيم زمزم كارثي ومعاناة السكان هائلة، لكن على رغم معرفتنا بذلك منذ أشهر، لم تُتخذ إجراءات كافية لمساعدتهم". وانتقد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك التعديات على المخيم، مؤكداً أن "المدنيين والبنية التحتية المدنية محميان بموجب القانون الإنساني الدولي ويجب ألا يكونا هدفاً".

وقال الكاتب الصحافي تاج السر عثمان "مع أن مؤتمر لندن الذي عقد في الـ15 من أبريل الجاري فشل في إصدار بيان ختامي بسبب خلاف إقليمي، لكن صدور البيان من الرؤساء المشاركين يعتبر خطوة إلى الأمام لكنها تحتاج إلى إرادة".

وأضاف أنه "جرى استبعاد طرفي الحرب والتأكيد على الحكم المدني الديمقراطي، لكن ذلك يتطلب أوسع نهوض جماهيري لوقف الحرب واسترداد الثورة وخروج العسكر و’الدعم السريع‘ وكل الميليشيات من السياسة والاقتصاد، والترتيبات الأمنية لحل الميليشيات وجيوش الحركات".

عراقيل متعمدة

وتواجه الجهات الفاعلة الإنسانية تحديات غير مسبوقة بغية إيصال المساعدات إلى الفئات الأكثر هشاشة في السودان، ولا سيما في المخيمات المكتظة مثل زمزم وأبو شوك والسلام وغيرها، ومناطق نزوحهم الجديدة مثل طويلة، حيث تتقاطع المأساة الإنسانية مع انسداد الأفق السياسي وتفاقم الصراع المسلح.

وعبرت "اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات" خلال بيانها الصادر في مايو من عام 2024 عن إدانتها الشديدة لما وصفته بـ"العراقيل المتعمدة" التي تواجه القوافل الإنسانية، معتبرة إياها خرقاً فاضحاً للقانون الإنساني الدولي. وأكدت أن الهجمات على المرافق الصحية والمستودعات وفرق العمل الإنساني تشكل نمطاً متكرراً من الانتهاكات التي تؤثر في نطاق المساعدات وسرعتها.

وفي محاولة للاستجابة للحال الطارئة، أعلن مجلس السيادة الانتقالي في أغسطس 2024 عن إعادة فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد، إلا أن الشروط التعجيزية التي فُرضت عليه أفرغت القرار من مضمونه قبل أن تستأنف المحادثات مع الأمم المتحدة وتعتمد آلية مبسطة لتيسير تدفق المساعدات. لكن هذه الانفراجة بقيت هشة، إذ إن موسم الأمطار وما يرافقه من فيضانات، جعلا من التنقل مهمة شبه مستحيلة وأجبرا القوافل على اتخاذ مسارات أطول وأكثر خطراً.

وعلى رغم التوسع المحدود الذي شهده برنامج الأغذية العالمي في أواخر عام 2024 نحو مناطق مثل مخيم زمزم في شمال دارفور وجنوب الخرطوم وود مدني، فإن هذه الإنجازات بقيت عرضة للانتكاس بسبب استمرار العنف والقيود البيروقراطية المتزايدة. وأشارت منظمة "أطباء بلا حدود" إلى أن "الشروط البيروقراطية المفروضة من قبل أطراف النزاع تعرقل على نحو مستمر وصول المنظمات إلى المحتاجين"، في وقت تتفاقم الأزمة اللوجستية.

وعلى الجانب الاقتصادي، ألقت أزمة السيولة بظلالها على قدرة الوكالات على تنفيذ عمليات التوزيع النقدي والعيني، مما أدى إلى تأخير المساعدات لأكثر من أربعة ملايين مستفيد. وبدأت انفراجة جزئية بفضل تدخل البنك المركزي ووزارة المالية، إلا أن الاستجابة تبقى أقل من المطلوب مع تعقد المشهد الميداني وتكرار حوادث النهب والعنف.

ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، سقط 110 من عمال الإغاثة بين قتيل وجريح ومختطف منذ اندلاع الحرب، جلهم في إقليم دارفور، إضافة إلى حالات في مناطق أخرى. وفي حادثة أخرى، فقد برنامج الأغذية العالمي ثلاثة من موظفيه بقصف جوي استهدف منطقة يابوس بولاية النيل الأزرق في ديسمبر من عام 2024.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير