Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا وضع هتلر مكافأة على رأس ألبرت آينشتاين - واقتص من عائلته

حين تتداخل الأمور الشخصية في السياسة، قد يخلف هذا التماهي تبعات مدمرة على من يدفعون ثمن هذا الثأر المتوحش، ينظر توماس هاردينغ تالياً في مخططات هتلر من أجل مطاردة وإرهاب أحد أشهر العلماء في العالم

نينا آينشتاين، زوجة روبيرت، وابنتيها- والثلاثة قتلهن النازيون  (آنا ماريا بولدريني)

ملخص

يدق توماس هاردينغ ناقوس الخطر من أوجه شبه استبداداية بين نازية هتلر ومبادرة دونالد ترمب إلى خطوات تقتص من خصومه

منذ تولى الرئيس الأميركي دونالد ترمب منصبه، نرى كيف يقحم أموره الشخصية في السياسة على نحو استثنائي وبالغ القسوة. وكل يوم تقريباً، يقتص الرجل من أحد خصومه السياسيين. فقد وقع أمراً تنفيذياً يلغي التصريحات الأمنية الفدرالية لمكاتب المحاماة التي عملت ضده في السابق. وقطع المساعدات العسكرية عن أوكرانيا بعدما تجرأ الرئيس فولوديمير زيلينسكي على معارضته في البيت الأبيض، كما سحب التصريحات الأمنية من شخصيات بارزة من منتقديه، مثل الجنرال مارك آيه ميلي وهيلاري كلينتون وكامالا هاريس.

بعد انتهاج ترمب استراتيجية القصاص السياسي الذي لا يرحم، تفشى الخوف في دوائر السياسة وقطاع الأعمال الأميركية، وأسفر ذلك عن ظهور رقابة ذاتية وعدم رغبة في التصدي له.

وضع ترمب العالم الأكاديمي نصب عينيه أيضاً، فأبلغ جامعة كولومبيا أنها لو لم تقبل "بالوصاية الأكاديمية" على أحد أقسامها، ستخسر تمويلاً فدرالياً بقيمة 400 مليون دولار. كما عين روبرت كينيدي جونيور، المعارض للتطعيم [اللقاح] الذي كان موضع سخرية المجتمع العلمي طوال سنوات، على رأس وزارة الصحة وهيئة الخدمات الاجتماعية. ومنذ تلك اللحظة، اقتطعت إدارة ترمب مليارات الدولارات من تمويل معاهد [مراكز] الصحة الوطنية.  

وبلغ الوضع من السوء أن نشرت مجموعة من الباحثين الرائدين يوم الـ31 من مارس (آذار) رسالة مفتوحة، اتهمت فيها إدارة ترمب بشن "اعتداء شامل على العلم في الولايات المتحدة". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا تنحصر الهجمات على الخبراء في عصرنا الحديث على الولايات المتحدة، إذ يمكن ملاحظة حملات مماثلة في روسيا وتركيا والمجر، لكن التاريخ يبين لنا أنه من السهل أن يأخذ الانتقام السياسي منحى عنيفاً يخلف تبعات فظيعة. في عام 1989، أصدر آية الله روح الله الخميني في إيران فتوى إهدار دم الكاتب سلمان رشدي.

في غالب الأحيان، يكون الخبراء أول من تكم أفواههم في ظل حكم الشخصيات الاستبدادية، ولا سيما الخبراء العاملون في المجالات الأكاديمي ومجال العلوم. أستعرض أحد أقبح الأمثلة على ذلك في كتابي الأخير عن قضية الثأر بين أدولف هتلر وأحد أشهر العلماء في العالم: ألبرت آينشتاين. كان الفوهرر يطارد معارضيه وينزل بأعدائه شر قصاص سواء في دوائر السياسة أو الفنون أو العلوم، وقد تلقى آينشتاين هذه المعاملة بأبشع صورها.

بحلول الوقت الذي أصبح فيه هتلر المستشار الألماني في 1933، كان ألبرت آينشتاين فاز بجائزة نوبل، وكان موضع إشادات بلغت عنان السماء [عظيمة تغنت به] بفضل اكتشافاته العلمية، بما فيها نشر معادلته الشهيرة (المعادلة E=mc2) أي: الطاقة (E) تساوي الكتلة (m) مضروبة في مربع سرعة الضوء (c).

في ذلك العام، نشر في ألمانيا كتيب يحمل عنوان "اليهود يراقبونك"، وتضمن الكتيب الذي أجاز نشره وزير الدعاية النازي جوزيف غوبلز، السير الذاتية لبعض أشهر اليهود الألمان، ومن بينها صفحتان ومقطعان حول ألبرت آينشتاين، وألحق كل اسم من هذه الأسماء بعبارة Ungehängt  التي تعني "لم يشنق بعد".

لم يكن ذلك تهديداً فارغاً.

يوم الـ30 من أغسطس (أب) 1933، لقي الفيلسوف اليهودي الألماني ثيودور لسينغ مصرعه، وهو أحد المذكورين في الكتيب عينه، بعدما أطلق عليه نازيان الرصاص داخل شقته في ماريانباد في تشيكوسلوفاكيا (التي تسمى اليوم ماريانسكيه لازني الواقعة في جمهورية التشيك). كانت تلك العملية من أول عمليات الاغتيال السياسية التي ينفذها النظام النازي خارج الحدود الألمانية.

انتشر خبر مقتل لسينغ حول العالم فظهر أيضاً في صحيفة "نيويورك تايمز" التي خصصت صفحتها الأولى للخبر وعنونته "لسينغ، لاجئ ألماني قتل في براغ، يخشى تكرار الهجمات على آخرين في الخارج".

بعد مرور أسبوع على مقتل لسينغ، علم آينشتاين أن النازيين وضعوا اسمه على قائمة الاستهداف، وتصدرت عناوين الصحف الأوروبية أخبار سعي هتلر إلى اغتيال العالم. وكانت إحدى الصحف التي نشرت هذا الخبر دايلي تريبيون التي تتخذ من لندن مقراً لها، وزعمت في عنوانها "مكافأة لقاء رأس آينشتاين". حتى أنها نشرت رقماً محدداً، كانت المكافأة لقاء اغتياله 1000 جنيه استرليني، أي ما يعادل أكثر من 400 ألف جنيه استرليني في يومنا هذا.

خشي آينشتاين على حياته فاستقل المركب إلى إنجلترا وأقام في إيست أنغليا أياماً عدة، ولأنه لم يرغب في أن يبدو خائفاً، سمح للمصورين أن يلتقطوا صوراً له داخل مخبئه وهو يجلس في كرسي يقرأ كتاباً وبقربه رجلين يحملان بندقيتين. ثم أبحر على متن الباخرة برفقة زوجته إلسا إلى الولايات المتحدة وانتقل إلى منزل في برينستون، في نيوجيرسي. 

خلال العقد التالي، أصدر هتلر عدة أوامر بالاقتصاص من أعدائه. في يونيو (حزيران) 1934، نظم هجوماً انتقامياً ضد كتيبة العاصفة (الجناح شبه العسكري للحزب النازي) التي شكك في ولائها. وأسفرت عملية التطهير هذه، التي سميت لاحقاً 'ليلة المدي [السكاكين] الطويلة'، عن إعدام 80 شخصاً في أقل تقدير، بمن فيهم قائد الكتيبة إيرنست روم. 

وبعد 10 سنوات، عقب محاولة اغتياله في الـ20 من يوليو (تموز) 1944، اختار هتلر وسيلة انتقام أكثر دموية بعد لتلقين خصومه درساً لا يمكنهم أن ينسوه بسهولة.

قاد الكولونيل كلاوس فون شتاوفنبرغ مؤامرة حظيت بدعم عدد كبير من زملائه في الجيش، فأمر هتلر باعتقاله وإعدامه. ثم أمر بشنق شقيق فون شتاوفنبرغ، بيرتولد، الذي كان له يد في المؤامرة أيضاً، لكن العقاب لم يتوقف هنا. بل امتد إلى زوجة شتاوفنبرغ التي نفيت إلى معسكر رافنسبروك، فيما أودع أطفاله دوراً خاصة وتعرض عدد من أقاربه البالغين للاعتقال والإبعاد [النفي]، خصص هذا العقاب لأفراد أُسر أشخاص آخرين ممن تآمروا عليه.   

منذ العصور الوسطى، يستخدم الألمان مصطلح Sippenhaft، أو مسؤولية الأقارب، للدلالة على إيذاء أفراد الأسرة بسبب تصرف أو جريمة اقترفها أحد أقاربهم. بعد 11 عاماً في السلطة، ظل هتلر متعطشاً للانتقام.

وكان ألبرت آينشتاين ما يزال يتصدر قائمة أهدافه، بل إن الكراهية التي كنها للعالم تعاظمت بعد تهجم آينشتاين المتكرر على النظام النازي في الصحف الأميركية. ومما زاد الأمر سوءاً أن آينشتاين جمع تبرعات بصورة علنية جداً للجهد الحربي الأميركي عن طريق بيع مخطوطاته العلمية الشهيرة، كما وضع خبرته بتصرف الجيش الأميركي. 

لكن آينشتاين كان في ذلك الوقت في مكان بعيد على الضفة الثانية من الأطلسي بمنأى عن قوات الأمن الخاصة (SS) والشرطة السرية، الغستابو، لأنه سكن كل الوقت في برينستون في نيوجيرسي. أما أفراد أسرته الصغيرة، فكانوا أيضاً بعيدين من قبضة النظام النازي. إذ كانت زوجته إلسا وابنتها مارغو وشقيقته مايا وابنه الأكبر هانس ألبرت آمنين في أميركا، بينما اختبأت زوجته الأولى ميليفا وابنه الثاني ادوارد في سويسرا.

لكن بقي في أوروبا التي احتلتها النازية فرد واحد من عائلته المقربة وهو روبرت آينشتاين، كان روبرت وآلبرت ابني عم. وترعرعا معاً في مدينة ميونيخ الألمانية وعاشا في المنزل نفسه طوال 11 عاماً، وكانا كالشقيقين.

أدار والديهما، هرمان وجاكوب آينشتاين، معاً مؤسسة تجارية في ميونيخ في أواخر ثمانينيات القرن الـ19. وعملا على توفير الطاقة الكهربائية لقاعات الجعة [مرافق ترفيه تقدم فيها الجعة] وساحات البلدات والمقاهي، وسار العمل بصورة جيدة إلى أن وسعا نطاق العمل أكثر مما ينبغي وأفلسا عقب خسارة عقد مهم، انتقلت عائلة آينشتاين إلى ميلانو، إذ جرب أفرادها تأسيس عمل جديد لكن شركتها أفلست هذه المرة أيضاً. وفي تلك المرحلة، سلكت كل عائلة طريقها الخاص، وبقي هرمان في ميلانو فيما انتقل جايكوب إلى جنوة.  

وفي وقت الذي انتقل فيه ألبرت إلى ألمانيا، وذاع صيته هناك بسرعة، بقي روبرت في إيطاليا، إذ تخصص في الهندسة وتزوج سيدة إيطالية. ثم انتقل للعيش في فيلا جميلة خارج فلورنسا برفقة زوجته وابنتيه وبنات إخوته الثلاثة، وأداروا هناك عقاراً ريفياً مليئاً بالكروم وأشجار الزيتون وبساتين الخوخ.  

وكان روبرت رجل علم، مثل ابن عمه، غير أنه لم يكن ذائع الصيت، عرف كاهن المنطقة مكان سكنه، تماماً مثل أصحاب المتاجر الصغيرة وبعض المزارعين القريبين منه، لكنه ظل إجمالاً بعيداً من الأنظار ومنهمكاً بالعناية بمزرعته. وهو المكان الذي كان يسكنه في أغسطس 1944 حين صدر الأمر من دوائر القرار العليا في النظام النازي بتقفي أثره عقاباً لابن عمه على معارضته. 

تسبب ألبرت آينشتاين بأذى كبير للنظام النازي، وإن عجز النظام عن قتل العالم المشهور عالمياً، فسينتقل إلى الخطوة التالية: وهي مطاردة ابن عمه في إيطاليا.

لكن عندما وصلت الوحدة الألمانية المدججة بالسلاح إلى منزله بتاريخ الثالث من أغسطس 1944، لم يعثروا على روبرت آينشتاين في أي مكان. لذلك قتلوا زوجته وابنتيه، لوتشي وسيسي بهمجية بدلاً من ذلك.

بعد أسابيع عدة، استلم ألبرت رسالة تخبره بالمأساة التي حلت بعائلته الإيطالية. لم تنج أية وثائق تسجل رد فعله على الخبر، لكننا نعرف كيف استجابت مايا للحدث. كانت تعيش مع ألبرت حين وصله الخبر، وقالت إن الكوابيس بدأت تراودها وشعرت بأنها "محطمة" [منكسرة].

هذه هي الحكاية التي أقصها في كتابي الثأر من آينشتاين، إنها رواية قاتمة عن تحول العداوة السياسية إلى انتقام شخصي، وهي تصلح تحذيراً في يومنا هذا، تحذير مما قد تجلبه الأنظمة الاستبدادية إن أطلق لها العنان، من دون حسيب أو رقيب. 

وسواء تعلق الأمر بوفاة خصم بوتين ألكسي نافالني، الذي فارق الحياة بعد "جولة تريض" في مستعمرة "الذئب القطبي" العقابية التي كان يقضي فيها عقوبة سجن لثلاثة عقود. أو تسميم عائلة سكريبال التي أوشك أفرادها على الموت على إثر تعرضهم لهجوم بسم نوفيتشوك في 2018، فإن معاداة الرئيس الروسي تشكل خطراً مميتاً. وفي أماكن أخرى، ربما لا يفقد المعارضون حياتهم، لكننا رأينا بالفعل كيف أنهم قد يفقدون وظائفهم وحرياتهم أيضاً.

عندما يبدأ هذا المسار، يصبح من الصعب جداً وقف دورة الانتقام. وقد يتحول الرد إلى انتقام عنيف ولا يقتصر ذلك على روسيا. ليست محاولة طعن سلمان رشدي أو محاولات الاغتيال المتكررة التي تعرض لها دونالد ترمب والتمرد على مبنى الكونغرس الأميركي سوى ثلاثة أمثلة على ذلك. ولهذا أيضاً يجب ألا يطوي النسيان أبداً عملية مطاردة عائلة تحمل كنية آينشتاين. 

صدر كتاب "الثأر من آينشتاين" للمؤلف توماس هاردينغ (بنغوين مايكل جوزيف، 22 جنيهاً استرلينياً). يمكنكم أن تتابعوا توماس هاردينغ على منصة إكس/تويتر thomasharding@

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير