Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الملابس المستعملة المستوردة تهدد الصناعة التونسية

متخصصون يرون أن الحكومة تهاونت في مواجهة الاقتصاد الموازي مما أضر بالصناعات والمنتجات المحلية

توسع تونس في استيراد الملابس المستعملة تسبب في إغلاق 300 مؤسسة في قطاع النسيج وتسريح نحو 40 ألف عامل (اندبندنت عربية)

ملخص

مع مرور الأعوام أضحى بيع الملابس المستعملة المستوردة ظاهرة تجارية لافتة في تونس تثير الانتباه، خصوصاً في صفوف أصحاب مصانع الملابس الجاهزة التونسية وكذلك التجار

انتشرت محال الملابس المستعملة المستوردة في تونس متفوقة على المحال التقليدية التي تبيع الملابس والأقمشة المصنوعة محلياً والتي تعرف ركوداً لافتاً في الأعوام الأخيرة.

والمار من معظم شوارع العاصمة تونس والمدن والأحياء المحيطة بها يرى حتماً مدى توغل محال وأسواق بيع الملابس المستعملة والمعروفة في البلاد بكلمة "الفريب"، وكلمة "الفريب" مشتقة من كلمة إيطالية شهيرة في تونس "robba vecchia" التي تعني ملابس قديمة، إذ كان عدد من الباعة يتجولون في مدن تونس لشراء الملابس القديمة من السكان واستبدال أجهزة منزلية جديدة بها.

وتطور هذا المفهوم على مدى العقود الماضية ليأخذ أبعاداً تجارية وحتى صناعية من خلال وجود كثير من الوحدات الصناعية المتخصصة في توريد الملابس المستعملة المستوردة من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وتنظيفها وعرضها في الأسواق التونسية.

ظاهرة لافتة

ومع مرور الأعوام أضحى بيع الملابس المستعملة المستوردة ظاهرة تجارية لافتة في تونس تثير الانتباه، خصوصاً في صفوف أصحاب مصانع الملابس الجاهزة التونسية وكذلك التجار.

وصارت هذه المسألة تهدد باندثار صناعة تونسية عريقة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي باكتساب تونس مكانة متميزة في صناعة الملابس والنسيج لتترك مكانها في الأعوام الأخيرة إلى استعمال الملابس المستعملة على تنوعها وتعددها، ويرتفع الإقبال على هذه النوعية من الملابس في تونس بصورة لافتة في الأعوام الأخيرة، وأضحت محال "الفريب" وجهة محبذة لجل التونسيين ولا سيما الفتيات وكثير من الفئات الاجتماعية.

 

ومع طلوع النهار تزداد الحركة في وسط العاصمة تونس وتزداد معها وتيرة الإقبال على أكداس (محال) الملابس المستعملة وانتشار الباعة الذين ينادون بتوفير ملابس لا تقبل المنافسة بعرضها بسعر يصل إلى معدل دولار واحد أو أكثر بقليل.

فالمتجول في عدد من الأماكن في تونس العاصمة يلاحظ بالتأكيد في الأزقة المتفرعة من الشارع الرئيس في العاصمة "الحبيب بورقيبة" ظهور عدد من المحال المتخصصة في بيع الملابس المستعملة.

إغراق السوق

ويقر تيجاني الرقيق صاحب مصنع صغير للملابس الجاهزة بأحد أحياء تونس العاصمة أن "نشاطه تراجع في الأعوام الأخيرة بتقلص الطلبيات من المحال التجارية وحتى عدد من المواطنين الراغبين في خياطة بدلات أو ملابس نسائية".

وقال لـ"اندبندنت عربية" إن "رقم معاملاته تقلص بأكثر من 40 في المئة مقارنة بالعقود الماضية إلى جانب انتشار محال بيع الملابس المستعملة (الفريب)"، مشيراً إلى أنها تحولت إلى ظاهرة.

ويرى تيجاني الذي قضى زهاء ثلاثة عقود في صناعة الملابس الجاهزة وله دراية واسعة في الأقمشة، أن الصناعة التونسية المحلية في قطاع الملابس صارت مهددة، وعلى الحكومة إيجاد حلول عاجلة لإنقاذ هذا الموروث الصناعي تجاه "غزو" الملابس المستعملة المستوردة بكميات هائلة أغرقت السوق التونسية.

مظهر مألوف

انتشار أكداس الملابس المستعملة أو "الفريب" أصبح مشهداً مألوفاً لدى التونسيين، إذ إنه في الأعوام الماضية وقبل 2011 كانت محال بيع الملابس القديمة والمستعملة تقريباً مختبئة نوعاً ما عن الأنظار، إذ توجد بأماكن بعيدة من حركة وسط العاصمة، أما الآن فقد تغيرت الأمور ليشاهد المواطن الانتشار اللافت لهذه التجارة المربحة جداً بانتصاب محال في العاصمة، ووجود أكداس من "الفريب" قرب أهم نقاطة العاصمة حركة وهي منطقة "الباساج" المعروفة، إلى درجة أن المواطن يجد صعوبة في المرور لركوب المترو بسبب وجود كثير من الباعة في هذه المنطقة.

ومع مرور الوقت تغيرت المفاهيم ليصبح الظفر بملابس ذات جودة عالية من "الفريب" مفخرة ومصدراً للتباهي بين الأشخاص وتحول "الفريب" إلى مصدر لاقتناء ملابس محترمة بأسعار مناسبة تراعي المقدرة الشرائية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعرفها البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترتفع ذروة الإقبال على أسواق الملابس المستعملة في تونس يومي السبت والأحد باعتبار أن التجار يفتحون أكياساً جديدة من هذا الصنف من الملابس.

ومع تشعب الحياة المعيشية وتعقدها في الأعوام الأخيرة تغيرت النظرة أيضاً إلى محال الملابس المستعملة، لتتحول إلى ملاذ لآلاف من التونسيين باحثين عن ملابس لعائلاتهم بأسعار لا تقبل المقارنة، مع ما يقع ترويجه في المحال العادية في ظل وضع اقتصادي ومالي مترد جداً، جعلهم يهجمون على أسواق الملابس المستعملة إلى درجة الاكتظاظ والتدافع من أجل الفوز بلباس بجودة عالية وبسعر جد مناسب لوضعيتهم المالية.

تجارة قائمة بذاتها

وتظهر إحصاءات وزارة التجارة التونسية أن قطاع بيع الملابس المستعملة يوفر أكثر من 200 ألف فرصة عمل ووجود 45 شركة منتشرة في معظم المحافظات إلى جانب تعداد أكثر من 350 تاجر جملة يعملون في هذا القطاع ونحو 3300 تاجر تفصيل يعمل بالقطاع.

وتستورد تونس تقريباً بقيمة 70 مليون دولار سنوياً ملابس مستعملة إما لترويجها في السوق الداخلية أو إعادة تصديرها لاحقاً.

الأرقام والبيانات تؤكد أن نشاط تجارة الملابس المستعملة أصبح يمثل حجر زاوية في المشهد التجاري التونسي، نظراً إلى الإقبال المتزايد على اقتناء هذا الصنف من الملابس.

ولم تخلُ أية محافظة في تونس أو مدينة صغيرة من وجود عشرات أو مئات محال بيع الملابس المستعملة أو انتشار أكداس "الفريب" في الأسواق الأسبوعية كعلامة على مدى حاجة الناس إلى هذا الصنف من الملابس  حتى وإن ارتفع سعرها تظل في نظرهم "أرحم من أسعار الملابس الجديدة بسبب تراجع القدرة الشرائية".

في غضون ذلك يجمع عدد من التونسيين الذين تحدثت إليهم "اندبندنت عربية" على أن لجوءهم إلى محال بيع الملابس المستعملة لتدني قدرتهم الشرائية في ظل الارتفاع الصاروخي لعدد من المنتجات ومن ضمنها الملابس والأحذية التي فاق معدل بيعها 100 دولار،  وهو ثمن لا يقدر عليه التونسي ذو الدخل المتواضع، بحسب تصريحاتهم.

ويعتبرون أن الإقبال المتزايد على محال وأكداس الملابس المستعملة أملته الظروف الصعبة التي يمرون بها في الأعوام الأخيرة من أجر متواضع لا يفي بحاجات أسرهم.

وتفرض عليهم الأجور المتدنية التي لا تتعدى 500 دولار شهرياً تقديم تضحيات لأجل توفير متطلبات الحياة اليومية من أكل ونقل ومصاريف فواتير الكهرباء والماء والاتصالات، ليقتصر الشراء على الملابس المستعملة.

"الفريب" سيقضي على الصناعة التونسية

ومن جانبه أطلق رئيس الغرفة الوطنية لتجارة الملابس الجاهزة بمنظمة "الأعراف" محسن بن ساسي، صيحة فزع من الانتشار غير المدروس والمخيف لمحال بيع الملابس الجاهزة، مشدداً على أنه في حال توصل "غزو" هذا النوع من التجارة فإن صناعة النسيج التونسية مهددة بالاندثار بسبب توجه جل التونسيين إلى أكداس "الفريب" لاقتناء ملابس مستعملة.

وأكد أن "تجار الملابس الجاهزة في تونس وبخاصة العاصمة ذاقوا الأمرين وأن عدداً منهم أفلس وأغلق أبوابه بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها تونس، الأمر الذي أثر في الأوضاع المالية لجل التونسيين، مما دفعهم إلى عدم الإقبال على اقتناء الملابس والأحذية الجديدة".

كارثة إلغاء التراخيص

في وقت سابق، اقترحت حكومة هشام المشيشي المعفاة من مهامها في الـ25 من يوليو (تموز) 2021، حذف 30 ترخيصاً في كثير من الأنشطة التجارية والاقتصادية وتعويضها بكراسات شروط قبل أواخر عام 2021، ضمن الإستراتيجية المتبعة لمزيد من تنشيط الاستثمار ودفع المبادرة الخاصة والتقليص من القيود الإدارية وتعدد التراخيص.

ومن ضمن القطاعات المعنية بهذا الحذف إسناد بطاقة منتفع بحصة لبيع الملابس المستعملة بالتفصيل وحذف ترخيص لبيع الملابس المستعملة بالجملة.

ومن شأن هذه العملية أن تضاعف من عدد التجار والترفيع في عدد المحال، وهو ما ترفضه الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة، إذ اعترض رئيس الغرفة محسن بن ساسي على قرار إلغاء التراخيص للملابس المستعملة، وأبدى قلقاً شديداً، معتبراً أن هذا القرار من قبيل الفقر في إيجاد الحلول، وأضاف أن "الدولة بهذا القرار فتحت الباب على مصراعيه أمام الاستيراد بعيداً من الإنتاج والإنتاجية وتقنين تجاوزات وممارسات اقتصادية عدة منها قطاع الملابس المستعملة"، وتابع أن هذا القرار هو ترخيص للاقتصاد الموازي ليس ضرباً له، وهرب من الحكومة لاختيار الاستيراد كأبسط الحلول وأسهلها، بدلاً من تشجيع المؤسسات الاقتصادية المحلية والصناعات التونسية.

وخلص إلى دعوة التونسيين إلى الإقبال على المنتجات المحلية في خطوة تضامنية من أجل إنقاذ مئات آلاف من مواطن الشغل، والحفاظ على الصناعة التونسية العريقة في مجال الملابس الجاهزة.

 إشكالات عميقة

ويعاني قطاع النسيج والملابس في تونس كثيراً من المشكلات والصعوبات نتيجة الأزمة الهيكلية التي يشهدها القطاع منذ أعوام، فضلاً عن تنامي عدد الشركات المستوردة للملابس الجاهزة وبيعها داخل البلاد وتزايد ظاهرة التهريب.

هذه الأزمة التي يعيش على وقعها قطاع النسيج والملابس، منذ أكثر من 10 أعوام، أدت إلى غلق ما لا يقل عن 300 مؤسسة وتسريح نحو 40 ألف عامل خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، بحسب بيانات رسمية.

اقرأ المزيد