ملخص
انسحب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ومبعوث الرئيس ستيف ويتكوف من جولة محادثات كانت مقررة في لندن اليوم الأربعاء بين الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا من أجل إنهاء الحرب بين موسكو وكييف، وتبدو الهوة حول تصور الولايات المتحدة للسلام المنشود في أوروبا كبيرة، ولم يساعد على تضييقها أو ردمها استعداد الروس لتجميد خطوط التماس عند مستوياتها الحالية.
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الأربعاء إن التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في أوكرانيا صار "قريباً"، لكنه وجه انتقادات لاذعة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لرفضه التنازل رسمياً عن شبه جزيرة القرم لروسيا.
وجاءت تصريحات ترمب في وقت حذر نائب الرئيس جي دي فانس من أن الولايات المتحدة ستتخلى عن مساعيها ما لم تتوصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق سلام.
وأفادت وسائل إعلام أميركية بأن ترمب مستعد لقبول الاعتراف بالأراضي التي ضمتها موسكو في شبه جزيرة القرم بصفتها أراضي روسية، لكن زيلينسكي صرّح إلى الصحافيين هذا الأسبوع بأنها أراضٍ أوكرانية، وأن الاعتراف بها كأرض روسية "يتعارض مع دستورنا".
وهاجم دونالد ترمب اليوم في منشور طويل شديد اللهجة على منصته "تروث سوشال" زيلينسكي، قائلاً إن تصريحاته التحريضية هي التي تجعل إيجاد تسوية لهذه الحرب أمراً صعباً"، وأضاف أنها لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد "المجازر" في ساحات القتال.
وأردف "نحن قريبون جداً من التوصل إلى اتفاق، لكن على الرجل الذي ليست في يده ورقة يلعبها، عليه أن ينجز الأمر".
"زيلينسكي يسير في الاتجاه الخاطئ"
بدورها ذكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت اليوم أن ترمب يشعر بخيبة أمل تجاه وتيرة المحادثات الرامية إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا وأن زيلينسكي يسير في الاتجاه الخاطئ على ما يبدو بالنسبة إلى المفاوضات.
وقالت ليفيت للصحافيين في البيت الأبيض، "الرئيس يشعر بخيبة أمل وصبره ينفد. يريد أن يقدم خدمة للعالم وأن يرى السلام وأن يرى القتل يتوقف، لكن الأمر يتطلب رغبة في ذلك من طرفي الحرب".
في لندن التي أخذت على عاتقها أن تكون جسراً يربط بين أوروبا والولايات المتحدة، تعثر اجتماع لوزراء خارجية بريطانيا وأميركا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا لمناقشة إنهاء الحرب بين موسكو وكييف، واستبدل بلقاء مسؤولين أقل تمثيلاً من الدول الخمس لبحث ما يبدو أنها مهمة مستحيلة الحل من دون تقديم تنازلات من الدولتين المتحاربتين قبل أي طرف أخر.
وبحسب نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس يجب على موسكو وكييف الاتفاق على تبادل الأراضي إذا كانتا تسعيان إلى وقف إطلاق النار، لافتاً أثناء زيارة للهند "إلى أن الوقت حان لاتخاذ خطوة قد تكون الأخيرة، عبر تجميد خطوط السيطرة عند مستويات قريبة لليوم، أي يتعين على الأوكرانيين والروس التخلي عن بعض الأراضي التابعة لهما".
وقبيل اجتماع لندن اليوم الأربعاء بساعات فقط انسحب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ومبعوث الرئيس ستيف ويتكوف بحجة المشاورات الفنية، لكن تصريحات أطراف عدة بعدها أظهرت أن الخلافات حول السلام في أوكرانيا ما زالت تتعلق بالعناوين الكبيرة وليست متصلة بالتفاصيل التي تحتاج إلى متخصصين وليس إلى ساسة ومسؤولين.
وأمس الثلاثاء قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن بلاده لم تتلقَّ بعد مقترحات رسمية من الولايات المتحدة في شأن إنهاء الحرب، ولن تعترف كييف أبداً بتبعية شبه جزيرة القرم أو أية أراضٍ أخرى لروسيا لأن مثل هذه الخطوة تتعارض مع الدستور الأوكراني، محذراً من أن "مناقشة كل شيء في وقت واحد لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب وإرهاق أميركا وانسحابها أو الضغط على أوكرانيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على ضفة روسيا أشار الرئيس فلاديمير بوتين إلى أنه منفتح على إجراء محادثات مع زيلينسكي للمرة الأولى منذ المراحل الأولى للحرب، لكن يبدو أن الاستعداد ليس كافياً لوقف العمليات العسكرية قبل وصول البلدين إلى اتفاق شامل ونهائي.
وأسفرت ضربة روسية شنّتها مسيّرة اليوم الأربعاء على حافلة تنقل عمالا في منطقة دنيبروبيتروفسك الأوكرانية عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة حوالى خمسين بجروح، وفق ما أفاد به حاكم المنطقة سيرغي ليساك عبر "تلغرام"، فيما نشر المفوّض الأوكراني لحقوق الإنسان دميترو لوبينيتس صورا تظهر حافلة تحطّمت نوافذها ملطّخة بالدماء من الداخل، كما تداولت النيابة العامة على تلغرام صورا قالت إنها للحافلة المستهدفة.
يعرض بوتين على الولايات "تجميد خط الجبهة" الحالي في أوكرانيا، مما يعني وقف التمدد العسكري الروسي في الدولة الجارة والاحتفاظ بما حظيت به موسكو حتى الآن في مناطق دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا، وهذا الخيار لا يعني نهاية الحرب وإنما تثبيطها على غرار الهدنة القائمة بين الكوريتين منذ عام 1953، وفي سياق العرض أيضاً لن تطالب موسكو بما بقي من المناطق الأوكرانية الأربع خارج سيطرتها، لكنها تريد اعتراف واشنطن بسيادتها على شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014 والتعهد بعدم انضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ووفق ما تسرب عن وسائل إعلام أميركية، لا تمانع الولايات المتحدة التخلي عن القرم لمصلحة روسيا ولا تمانع أيضاً وقف الحرب عند خطوط الجبهات الراهنة داخل أوكرانيا، ولكنها تريد حقوق تشغيل محطة الطاقة النووية في زابوريجيا لتزويد الروس والأوكرانيين بالكهرباء المنتجة عبرها، إضافة إلى اتفاق المعادن الثمينة مع كييف الذي لا يبدو أن واشنطن مستعدة أبداً للتخلي عنه بأية حال من الأحوال.
وبعد فشل الاجتماع الخماسي في لندن بحث وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي ووزير الدفاع جون هيلي التصور الأميركي للسلام مع نظرائهما الأوكرانيين، ولم يتضح بعد إمكان تغير الخطوط الحمراء لكييف وحتى حلفائها الأوروبيين، لكن الفشل سيدفع واشنطن إلى التخلي عن مساعي وقف الحرب في أوروبا، كما يقول فانس.
وردت بريطانيا على نائب الرئيس الأميركي بالقول إن "أوكرانيا هي التي تحدد مستقبلها"، لكن تقارير صحافية تشير إلى أن لندن وباريس لا تمانعان وقف الحرب بين موسكو وكييف وفق معادلة "لا غالب ولا مغلوب" كما يقال، أي القبول بتثبيت الجبهات في أوكرانيا مقابل تقديم ضمانات أمنية واقتصادية إلى كييف تفيد بعدم عودة الحرب مجدداً وإعادة إعمار بقية مناطق الدولة بلا خشية من تدميرها على يد الجيران الروس.
وبالنسبة إلى كييف حتى ما يطرحه البريطانيون والفرنسيون ليس مستساغاً، فالأوكرانيون بحسب نائب رئيس الوزراء يوليا سفيريدينكو مستعدون للتفاوض وليس الاستسلام لإنهاء الحرب، وما هو مطروح عليهم حتى اليوم يتثمل "في منح فرصة للروس كي يستجمعوا قدراتهم ويعودوا للحرب مرة أخرى على نحو أفضل".
وثمة دول أوروبية تؤيد كييف في موقفها على رغم يقينها بهشاشة صمود كييف بمجرد تخلي أميركا عن دعمها، وتشكيكها في جدوى مساعي بريطانيا وبعض دول القارة إرسال قوات لحماية السلام في أوكرانيا من دون مساندة الولايات المتحدة، بالتالي تعلم هذه الدول ماذا يترتب على رفض مساعي ترمب وإدارته لإنهاء الحرب مع روسيا.
ويقول الكرملين إن "البلدان الضالعة في محادثات السلام المتعلقة بأوكرانيا لا تزال في حاجة إلى تجاوز الخلافات بينها، وإن هناك كثيراً من الفروق الدقيقة التي تتعين معالجتها قبل أن يتسنى التوصل إلى أي اتفاق سلام في القارة"، لكن ذلك لن يمنع زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف إلى موسكو هذا الأسبوع، هي الرابعة منذ وصول ترمب للبيت الأبيض وبدء تنفيذ وعده الانتخابي بإنهاء حرب أوكرانيا.
وترمب قبل أن يصبح رئيساً قال إن إنهاء الحرب الأوكرانية المستمرة منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام قد يحدث خلال يوم واحد، لكن مر أكثر من ثلاثة أشهر في ولايته الثانية من دون أي تقدم ملموس حيال هذه المسألة، ويقول زيلينسكي اليوم إن "بلاده تصر على وقف إطلاق نار فوري وكامل وغير مشروط مع موسكو ولا تستبعد أي شكل من أشكال المحادثات في سبيل ذلك"، لكن كييف "لا تمتلك أوراقاً للتفاوض مع موسكو"، كما قال له الرئيس الأميركي خلال تلك الجلسة الشهيرة داخل البيت الأبيض على مسمع ومرأى العالم بأكمله في نهاية فبراير (شباط) الماضي.