ملخص
تتوالى فصول أحدث تطورات القصة المحيرة لصحيفة "جويش كرونيكل" الصادرة في لندن
في تل أبيب، فضيحة متفاقمة تهز المجتمع الإسرائيلي حتى قمته. وفي لندن، استخفاف من إحدى الهيئات الناظمة. مرحباً بكم في أحدث تطورات القصة المحيرة لصحيفة "جويش كرونيكل".
لعلكم تتذكرون أصل هذه المشكلة: قصة زائفة من مصدر مخادع نشرتها صحيفة "جويش كرونيكل" في سبتمبر (أيلول) عام 2024. ورددت المقالة التي جاءت بقلم إيلون بيري، سردية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وزُعم أنه يستند إلى وثائق كشف عنها في قطاع غزة.
واتضح أن ذلك كله كان محض هراء. وبعد أن فضحه صحافيون إسرائيليون، أعلنت الصحيفة عن إجراء تحقيق. وفي اليوم التالي - الـ13 من سبتمبر - أنهت الصحيفة "تحقيقها الشامل". وفي بيان من فقرتين لم تقدم الصحيفة أي تفسير لكيفية نشرها لمثل هذا الهراء المفبرك، لكنها أكدت للقراء أن الصحيفة "تراعي أعلى المعايير الصحافية". يا للبؤس. تخيلوا فقط لو لم تكُن كذلك.
وجاء في بيان الصحيفة أنها أزالت القصة من موقعها الإلكتروني لأنها لم تكُن راضية عن بعض الادعاءات التي قدمها بيري حول خلفيته. ولم يتطرق البيان إلى السؤال الأكثر أهمية حول ما إذا كانت القصة صحيحة أو لا. وفي الواقع لم تكُن صحيحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد ثلاثة أشهر، أعلن رئيس التحرير، جيك واليس سيمونز، أنه سيتنحى عن منصبه ليؤلف كتاباً. هل قرر مالك الصحيفة أن هناك من يجب أن يدفع الثمن؟ من يستطيع أن يخبرنا، بما أنه لا يُسمح لنا بمعرفة من هو المالك النهائي للصحيفة. لقد أنقذت الصحيفة من الإفلاس شبه الحتمي من قبل تحالف بقيادة مدير "بي بي سي" السير روبي جيب. ولكن من الذي دفع بالفعل مبلغ 3.5 مليون جنيه استرليني لإبقاء الصحيفة على قيد الحياة، ولماذا، لا يزال لغزاً محيراً.
كان "التسريب" إلى صحيفة "جويش كرونيكل" مشابهاً على نحو مريب لقصة مشكوك في صحتها دُست في صحيفة "بيلد" الألمانية. وأثار الحدثان اهتمام جهاز الأمن الإسرائيلي، "شاباك". ولم يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى اعتقلوا إيلي فيلدشتاين، المتحدث باسم نتنياهو الذي كان يعمل سابقاً لدى وزير الأمن اليميني المتطرف إيتمار بن غفير.
وتمنعنا قوانين الرقابة الإسرائيلية من معرفة كل التفاصيل، ولكن أوردت التقارير أن فيلدشتاين هو واحد من خمسة أشخاص جرى اعتقالهم في ما يتعلق بالتسريب المزعوم للوثائق التي - كما يدعي أقارب الرهائن - ربما قوضت وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
وبحسب ما ورد، دافع فيلدشتاين عن نفسه بأنه كان يتصرف بناءً على أوامر من رؤسائه وقد أصبح كبش فداء.
وقال بيني غانتس الذي كان حتى وقت قريب عضواً في حكومة نتنياهو للحرب، إنه في حال استخدام معلومات أمنية حساسة من أجل "حملة نجاة سياسية"، فلن يكون ذلك جريمة جنائية فحسب، بل "جريمة بحق الأمة".
كما أدى هذا الكشف إلى انتقادات شديدة من عائلات الرهائن الذين قالوا إنه ينطوي على حملة نشطة لتشويه سمعتهم، واصفين ذلك بأنه "انحطاط أخلاقي لا قاع له. هذه ضربة قاتلة لبقايا الثقة بين الحكومة ومواطنيها".
واتسع نطاق التحقيق الذي يجريه "شاباك" منذ سبعة أشهر ليتحول إلى فضيحة مترابطة على ما يبدو، أُطلق عليها اسم "قطرغيت"، تهدد بإسقاط نتنياهو. وقام رئيس الوزراء بالفعل بإقالة رونين بار، رئيس الوكالة التي كانت تحقق معه.
بعبارة أخرى، القصة معقدة وغامضة للغاية ومليئة بالأخطار.
لننظر الآن في رد "هيئة معايير الصحافة المستقلة" البريطانية Independent Press Standards Organisation التي أنشئت بعد تحقيق ليفيسون ومن المفترض أن تراقب المعايير في الصحف التي تشرف عليها. [تحقيق قضائي عام أجري في المملكة المتحدة عام 2011، برئاسة اللورد براين ليفيسون، وجاء في أعقاب فضيحة تنصت الصحافة البريطانية على الهواتف، بخاصة ما قامت به صحيفة "نيوز أوف ذا وورلد" News of the World التابعة لإمبراطورية روبرت ميردوخ الإعلامية].
وتراقب الهيئة التي يترأسها اللورد فولكس، وهو كان ممثلاً لحزب المحافظين في مجلس اللوردات، صحيفة "جويش كرونيكل" منذ بعض الوقت بسبب العدد الكبير من الشكاوى ضدها منذ عام 2019.
وعام 2022، رفض اللورد فولكس فتح تحقيق رسمي في معايير الصحيفة، بحجة (أ) أن الصحيفة أصبحت تحت ملكية جديدة و(ب) أن طاقم الصحيفة خضع لتدريب "هيئة معايير الصحافة المستقلة". ومن غير الواضح ما إذا كان فولكس يعلم من هو المالك الجديد حقاً.
لننتقل سريعاً إلى عام 2025. مرة أخرى، فكرت "هيئة معايير الصحافة المستقلة" في التحقيق مع الصحيفة، ولكنها قررت مرة أخرى عدم القيام بذلك. ويبدو أن الصحيفة أخبرت كبار محققي "هيئة معايير الصحافة المستقلة" أن الخطأ الكارثي الذي وقعت فيه كان سببه "غياب غير متوقع لبعض الموظفين".
بعد التحدث إلى موظفي الصحيفة، شعرت "هيئة معايير الصحافة المستقلة" أن لديها "فهماً جيداً لما حدث ولماذا". لكن لم يُسمح لنا بالاطلاع على التفاصيل.
وأشارت الهيئة إلى أنه - كما هي الحال عام 2022 - وافق موظفو الصحيفة على مزيد من التدريب على معايير الهيئة - نعم، مزيد من التدريب على المعايير. ربما بما في ذلك كيفية عمل جدول مناوبات أفضل للموظفين.
لا شيء يستحق المشاهدة هنا، دعونا ننتقل إلى جانب آخر.
واستمر تحقيق ليفيسون لمدة 100 يوم، وأصدر تقريراً من قرابة 2000 صفحة وتكلف نحو 5 ملايين جنيه استرليني. وكانت النتيجة الرئيسة هي إنشاء هيئة ناظمة جديدة، "هيئة معايير الصحافة المستقلة"، وهو كيان يفترض أن يكون أكثر قوة من سابقاته - "لجنة الشكاوى الصحافية" Press Complaints Commission التي كانت بلا صلاحيات - ولديها سلطة إجراء تحقيقات في حال تكرر المخالفات التحريرية. ويمكنها نظرياً فرض غرامات على الناشرين تصل إلى مليون جنيه استرليني.
في الواقع، خلال 10 أعوام من وجودها، لم تقُم اللجنة بأية تحقيقات في المعايير ولم تفرض غرامات على أحد.
لا يمكنكم أن تخمنوا من بيان الهيئة الأخير أن المهمة الناجحة لدس قصة مفبركة في صحيفة "جويش كرونيكل" كانت أقرب إلى عمليات استخباراتية سرية منها إلى مجرد خلل في جدول المناوبات. فالبيان لم يذكر أي شيء إطلاقاً عن التحقيق الضخم الذي أجراه "شاباك" في القضية، أو الخلفية السياسية في إسرائيل.
عندما قرر اللورد فولكس عدم إجراء تحقيق في معايير الصحيفة عام 2022، استند إلى الملكية الجديدة للصحيفة بوصفها مؤشراً إيجابياً. هل لديه أية فكرة عن هوية المالكين؟ إذا كان الأمر كذلك، ألا ينبغي أن يخبرنا؟ وإذا لم يكُن كذلك، فلماذا يضع أية ثقة بهم؟
هل استقال جيك واليس سيمونز أم أجبر على المغادرة؟ وإن كان اللورد فولكس طرح هذا السؤال، فهو لم يشاركنا الجواب. من الذي عين رئيس التحرير الجديد، دانيال شوامنتال؟ ويشير الموقع الإلكتروني للشركات المسجلة في المملكة المتحدة أن المديرين الحاليين هما [اللورد] إيان أوستن، النائب "العمالي" السابق وجوناثان كاندل، "مستشار ضريبي كبير". هل كانا هما؟ أم مالك الصحيفة؟
هل يملك السيدان أوستن وكاندل السيطرة التحريرية الشاملة؟ وإذا لم يكُن كذلك، فمن يملكها؟ ويشير تقرير "هيئة معايير الصحافة المستقلة" إلى أنه لم يجرِ التحدث إلى أي من الرجلين. هل تحدث أي شخص مع روبي غب الذي استقال قبل وقت قصير من نشر التقرير الملفق؟
ويبدي اللورد أوستن اهتماماً شديداً بتغطية "بي بي سي" لأخبار إسرائيل، إذ طالب أخيراً بإقالة المديرين التنفيذيين الذين أشرفوا على برنامج غزة الذي تعرض حديثاً لانتقادات كثيرة "بسبب الإخفاقات المهنية والأخلاقية الخطرة جداً". لكنه لم يقُل شيئاً حتى الآن عن الإخفاقات المهنية والأخلاقية في صحيفة "جويش كرونيكل".
هل تحدث فريق محققي اللورد فولكس إلى أي من كتاب الأعمدة الأربعة المتميزين - ديفيد باديل وجوناثان فريدلاند وديفيد آرونوفيتش وهادلي فريمان الذين رفضوا الاستمرار في الكتابة للصحيفة بعد فضيحة إيلون بيري؟ فهؤلاء رأوا أن المشكلة أعمق من مجرد مقالة كاذبة.
وماذا عن التحدث إلى كاتب مسهم آخر (لأكثر من 50 عاماً)، وهو البروفيسور كولين شندلر الذي قرر أيضاً التخلي عن الكتابة للصحيفة بعد اكتشافه "جانباً مظلماً" من القصة الملفقة؟ لقد كتب: "كل ما حدث في هذه الفضيحة يظهر استعداد الصحيفة لقبول أية رواية تناسب أجندتها الإثارية، من دون تمحيص".
أما فريدلاند، فكتب عند استقالته: "الفضيحة الأخيرة جلبت العار الشديد على الصحيفة – نشر قصص مفبركة مع إظهار حد أدنى من الندم – لكنها ليست سوى أحدثها. في كثير من الأحيان، تبدو صحيفة ’جويش كرونيكل‘ وكأنها أداة حزبية وأيديولوجية، وأحكامها سياسية وليست صحافية".
وأضاف في رسالته إلى [رئيس التحرير المستقيل] واليس سيمونز "المشكلة في هذه الحالة هي أنه لا يمكن أن تكون هناك مساءلة حقيقية لأن الصحيفة مملوكة لشخص أو أشخاص يرفضون الكشف عن أنفسهم. وكما تعلمون، حثثتُ وآخرون لفترة طويلة على الشفافية، وطرحت هذه القضية عليكم بصورة خاصة - ولكن لم يحدث شيء".
والآن مجدداً لم يتغير أي شيء. لا توجد حتى الآن أية مساءلة حقيقية. يبدو أن اللورد ليفيسون كان يضيع وقته.
© The Independent