Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنجح محاولات ترمب لفك الارتباط بين روسيا والصين؟

مراقبون يرون إستراتيجية الرئيس الأميركي ضرورة للضغط على إيران وآخرون يؤكدون أن رغبته تلك "ساذجة وقصيرة النظر"

جهود ترمب لبث الفرقة بين روسيا والصين تواجه تحديات كبيرة (أ ف ب)

ملخص

تشير وثائق الماضي القريب إلى ما اتسمت به سياسات أسلافه من الرؤساء الأميركيين، ومنها ما تسمى بإستراتيجية الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون التي وضع أركانها عميد الدبلوماسية الأميركية الراحل هنري كسينجر، وتتلخص في "إبرام تحالف مع الصين بهدف خلق ثقل موازن للاتحاد السوفياتي وبما يسهم في إحداث الانقسام بين القوتين الشيوعيتين".

منذ الإعلان عن فوز الرئيس دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية نهاية العام الماضي والحديث لا يتوقف حول ما يضمره الرئيس الأميركي الجديد من خطط ونوايا لبث الفرقة، وفك الارتباط القائم بين روسيا والصين. وفي هذا الصدد نقلت وكالة أنباء "ريا نوفوستي" ما قاله رئيس لجنة الأمن الداخلي لمجلس النواب الأميركي مارك غرين، في حديثه إلى "فوكس نيوز" حول أنه يعتقد أن "جزءاً من الطريقة التي يتعامل بها ترمب مع بوتين في الشؤون الأوكرانية يبدو كمحاولة لإيجاد طريقة لدق إسفين بين روسيا والصين".

وأضاف غرين أن ترمب مهتم بمثل هذه الإستراتيجية للضغط على إيران، وقال إن الولايات المتحدة قادرة على قطع علاقات موسكو مع بكين وطهران، على حد اعتقاده، غير أن هناك من يقول أيضاً بما هو على النقيض من ذلك، إذ تتباين الآراء بقدر تباين المواقف تجاه هذه القضية، إذ يقول مراقبون آخرون إنه "من غير المرجح أن تتحقق رغبة ترمب في بث الفرقة بين روسيا والصين، بل علاوة على ذلك، فإن البلدين قد يتحولان إلى ما هو أشبه بتوحيد المواقف ضد الولايات المتحدة"، وثمة من يقول إن ما يراود الرئيس الأميركي من أفكار حول بث الفرقة بين روسيا والصين هي "أفكار ساذجة وقصيرة النظر"، وذلك لارتباط البلدين بكثير من الأهداف المشتركة، ومنها ما يتمثل في تحديهما النظام الليبرالي، فضلاً عن أن محاولات إبعاد البلدين عن بعضهما بعضاً يمكن أن تسفر عما هو على النقيض من ذلك.

لا يمكنك أن تنزل ذات النهر مرتين

في حديثه إلى الصحافي الأميركي ذائع الصيت، تاكر كارلسون في الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، قال ترمب إنه يؤكد أن "الولايات المتحدة تحت قيادة جو بايدن ارتكبت خطأ، وجعلت روسيا والصين أقرب إلى بعضهما بعضاً"، وأضاف الرئيس الأميركي أنه سيضع الفصل بين القوتين ضمن أولويات سياساته، وعاد ليؤكد عزمه على ذلك بقوله "إنني سأفصل بينهما، وسأنجح في ذلك".

وكان ترمب طرح ضمن أولويات سياساته في القريب العاجل تسوية الأزمة الأوكرانية التي كان يتصور إنهاءها في غضون 24 ساعة، كذلك أكد رغبته في التفاوض مع روسيا على أمل وضع حد سريع للأعمال القتالية في أوكرانيا، بما قد يشير إلى ميل الولايات المتحدة نحو الانسحاب من الصراع الأوروبي وإعادة العلاقات مع روسيا، حتى لو ألقت بلاده أوكرانيا تحت القطار بهذه الإجراءات، في سياق تركيز واشنطن على احتواء القوة الصينية، إذا جاز هذا القول. وكان ترمب أشار أيضاً في مقابلة أخرى مع "فوكس نيوز" إلى أنه "وبصفته شخصاً يدرس التاريخ فإن أول شيء تعلمه هو أنه لا ينبغي أن تكون روسيا والصين معاً"، على حد تعبيره.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير وثائق الماضي القريب إلى ما اتسمت به سياسات أسلافه من الرؤساء الأميركيين، ومنها ما تسمى بإستراتيجية الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون التي وضع أركانها عميد الدبلوماسية الأميركية الراحل هنري كسينجر، وتتلخص في "إبرام تحالف مع الصين بهدف خلق ثقل موازن للاتحاد السوفياتي وبما يسهم في إحداث الانقسام بين القوتين الشيوعيتين".

غير أن ما كان صالحاً بالأمس ليس بالضرورة يمكن أن يكون صالحاً اليوم، وهو ما يتسق مع المقولة الفلسفية المأثورة عن الفيلسوف الإغريقي هيراقليطيس حول أنه "من غير الممكن أن تنزل ذات النهر مرتين"، وذلك قول يقترب مما قاله كارل ماركس حول أن التاريخ يعيد نفسه، لكنه يعيده تارة على شكل مأساة، وتارة أخرى على شكل ملهاة.

وتأكيداً لذلك يمكن الرجوع إلى الماضي الذي كانت فيه الصين خصماً لدوداً للاتحاد السوفياتي منذ خمسينيات القرن الماضي، وقد ظلت هذه الخصومة قائمة أعواماً طالت لما يزيد على الـ40 عاماً، ولم تتغير سوى مع أول أعوام الولاية الأولى للرئيس فلاديمير بوتين التي شهدت الالتفاف المشترك حول تأكيد الأهداف الوطنية المتقاربة في ما بينهما، وفي مقدمتها "تحدي النظام الليبرالي الغربي، ورفض النظام العالمي الجديد، والانحياز إلى ما أعلنه بوتين في مؤتمر الأمن الأوروبي حول رفض عالم القطب الواحد".

الصين الأقرب إلى روسيا

تؤكد الأحداث الراهنة وما يطرأ على المتغيرات الدولية من تطورات أن الجهود التي يبذلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لبث الفرقة بين روسيا والصين تواجه عدداً من التحديات الكبيرة لأسباب عدة، أهمها عمق التحالف الإستراتيجي بين البلدين وتعقيدات المصالح المشتركة.

وذلك لأن الصين كانت ولا تزال الجار القريب من روسيا سواء من حيث الموقع الجغرافي، أو الجيوسياسي. كذلك كانت الصين ولا تزال أيضاً ومنذ بدء استعدادات روسيا لعمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، حليفاً وشريكاً تجارياً رئيساً سواء من جهة الواردات أو الصادرات، إذ يقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين ما يقارب 240 مليار دولار، في وقت تظل الصين أحد أهم المشترين الرئيسين لمواردها من النفط والغاز، مما يجعل أية محاولة من جانب الولايات المتحدة لإبعادهما عن بعضهما بعضاً غير قابلة للنجاح، وإن شاب علاقات البلدين في المجال السياسي بعض الخلاف والاختلاف، وهناك من المصالح الإستراتيجية المختلفة التي تجمع بين الصين وروسيا، ومنها دعم إيران ضد العقوبات الأميركية ورفض الضغوط الغربية.

 

على أن ذلك كله لا يمكن أن يستبعد ما قد يلتزم معه بوتين موقفاً يحافظ معه على علاقاته مع الصين، في ظل العداء الإستراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة، نظراً إلى تضارب المصالح والمواقف بين البلدين في أرجاء متفرقة من العالم، ومنها القطب الشمالي إلى جانب الشرق الأوسط والقارتين الأفريقية والآسيوية، كذلك فإن القيادة السياسية في روسيا تعي جيداً أن التحالفات الغربية ومهما بلغت حدتها وتناثرت خلافاتها، قابلة للتسوية مع الولايات المتحدة، عنها مع روسيا. ونعيد إلى الأذهان ما سبق وقاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن نظيره الأميركي دونالد ترمب كان أكثر الزعماء الأميركيين صرامة مع روسيا بما اتخذه من عقوبات اقتصادية وسياسية، بالمقارنة مع كل من الرئيسين باراك أوباما وجو بايدن.

وثمة من يقول إن ما اتخذته الإدارات الأميركية من عقوبات وما فرضته من قيود طاولت كلاً من الصين وروسيا، أسهمت في معظمها في تقريب المواقف والسياسات بين البلدين، وزادت من تنسيقهما المشترك في المحافل الإقليمية والدولية، وهو ما نشهده في ما تخلص إليه اجتماعات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من قرارات.

وإذا كان هناك من يقول إن روسيا قد يكون لديها بعض المخاوف في شأن القوة المتنامية للصين، فإن الواقع يؤكد أن البلدين يتقاسمان هدفاً إستراتيجياً مشتركاً، يتمثل في ما سبق وأعلن عنه الرئيس بوتين في مؤتمر الأمن الأوروبي في فبراير (شباط) 2007 حول رفض النظام العالمي الجديد وانفراد الولايات المتحدة بالقرار الدولي خصماً من الشرعية الدولية، وضرورة بناء عالم متعدد الأقطاب، وذلك إضافة إلى وقوف روسيا إلى جانب استقطاب الصين واستمالتها إلى تشكيل كثير من المنظمات الدولية والإقليمية ومنها "منظمة شنغهاي للتعاون" و"مجموعة بريكس" التي جمعت الأقطاب المتنافرة مثل الصين والهند.

وفي هذا الصدد ثمة من يشير إلى أن احتمالات نجاح ترمب في بث الفرقة بين البلدين تبدو "ضئيلة" في المدى المنظور، إلا إذا حدث تحول جذري في المصالح المشتركة أو السياسات الداخلية لأحد الطرفين، بما تظل معه مساحة كافية لتأكيد صحة مقولة السياسي البريطاني الأسبق اللورد بالمرستون "ليس هناك صداقات دائمة، ولا عداوات دائمة، لأن المصالح هي الدائمة"، ومن المصالح كثير على غرار التعاون الروسي -الصيني في مجال الطاقة والتكنولوجيا، والموقف الموحد الذي يجمع البلدين ضد الضغوط الغربية، وانضواء البلدين تحت راية المنظمات المشتركة مثل "شنغهاي للتعاون" و"بريكس" العابرة للقارات.

هل صارت أميركا أقل خصومة مع روسيا؟

بدا ما يشبه الإجماع بين المراقبين في كل من روسيا والولايات المتحدة حول أن العلاقة بين البلدين تسير منذ الإعلان عن فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، نحو التحسن تدرجاً، وأن تظل الأزمة الأوكرانية وما يبذله الجانبان من جهود للتوصل إلى التسوية المنشودة بعيدة عن تحقيق ما يصبو إليه الجانبان من نتائج، وقد أسهمت اجتماعات وفود البلدين في كل من الرياض وجدة وإسطنبول في تخفيف حدة الخلافات القائمة، وحل كثير من المشكلات التي تناثرت بين البلدين.

 

وفي هذا الصدد نشرت صحيفة "واشنطن بوست" نتائج دراسة استقصائية، أظهرت أن نصف المواطنين الأميركيين فقط يعتبرون روسيا عدواً، وكانت هذه النسبة تبلغ قبل ثلاثة أعوام، ما يزيد على 70 في المئة، وقالت الصحيفة إن أربعة فقط من كل 10 من بين الجمهوريين اليوم، يشيرون إلى روسيا بوصفها "دولة معادية"، وأكدت الصحيفة الأميركية أن "الآراء التي نشرها بايدن وأوباما وكلينتون وأسلافهم في أميركا أصبحت أقل شعبية"، كذلك عزت ذلك التحسن إلى أنه نتيجة ما قام ويقوم به الرئيس الأميركي دونالد ترمب من أنشطة وفعاليات، وما يدلي به من تصريحات، وخلصت "واشنطن بوست" إلى أن "الأميركيين صاروا يميلون إلى التعامل مع روسيا بصورة فضلى".

وقد حرصت وسائل الإعلام الروسية على متابعة ونشر ما تسجله وسائل الإعلام الأميركية من نتائج قياس الرأي العام في الولايات المتحدة ومنها "نتائج الدراسة الاستقصائية التي أجراها مركز بيو للأبحاث (PRC) حول تقييم العلاقة بين واشنطن وموسكو من طريق اختيار أحد الخيارات المطروحة بين العدو أو الشريك أو المنافس، وكانت النتيجة كالتالي: "قال نصف المجيبين إن روسيا عدوة للولايات المتحدة، وأكدت نسبة 38 في المئة منهم أنها تعتبرها منافسة، بينما قالت تسعة في المئة إنها تعتبرها شريكة". وخلصت الدراسة إلى أن تقرير مركز بيو للأبحاث يؤكد أن حصة الأميركيين الذين يعتبرون الاتحاد الروسي دولة معادية انخفضت بنسبة 20 في المئة مقارنة بمارس (آذار) 2022.

وماذا عن مواقف الإدارة الأميركية الجديدة؟

تقول المصادر الأميركية إن "وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو والمبعوث الخاص كيث كيلوغ يحاولان إقناع ترمب بأن يكون أكثر حذراً عند التعامل مع روسيا، مع ضرورة اتخاذ موقف أكثر صرامة في شأن مطالب موسكو، وأكثر حسماً تجاه الموقف من حل الصراع في أوكرانيا، إلى جانب موقفه تجاه ما يسمى بالتنازلات الإقليمية من جانب كييف"، كذلك فإن هذه المصادر حرصت على تأكيد أن "المسؤولين الأميركيين لم يتمكنا بعد من إقناعه"، على حد ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" من تصريحات.

ومن اللافت أن وسائل الإعلام الروسية تبدو أكثر تحفظاً تجاه ما تنشره الصحف الأميركية في تقديرها لنتائج ما يجري من محادثات بين الجانبين، كذلك توقفت كثيراً بالتقريظ والإشادة عند لقاءات المبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف مع الرئيس فلاديمير بوتين، لا سيما عند لقائه الأخير الذي جرى في سانت بطرسبورغ وطال لما يزيد على أربع ساعات ونصف الساعة. وفي هذا الصدد ننقل عن الناشطة والصحافية اليمينية لورا لومر ما قالته عن المبعوث الخاص للرئيس الأميركي حول أن "الناس يحبون مهاجمة ستيف ويتكوف، لكنه بذل جهوداً أكبر لدفع محادثات السلام وتحرير الرهائن، أكثر مما بذله أي من منتقديه البيروقراطيين طوال مسيرتهم المهنية. ستيف ويتكوف يبذل قصارى جهده لدعم الرئيس ترمب، ولنكن صرحاء: إن ويتكوف ملياردير، ويمكنه الاسترخاء وأن يعيش حياة هانئة، إنه في غير حاجة إلى ذلك، إنه يفعل ذلك لمساعدة ترمب وبلدنا"، وذلك ما يدركه الرئيس الأميركي الذي صار يعتمد عليه في إدارة كثير من الملفات، فبعدما كان مبعوثاً شخصياً له في الشرق الأوسط، صار يدفع به إلى مهمات الوساطة في الأزمة الأوكرانية وملف البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب وساطته في الإفراج عن الأميركيين الموجودين في السجون الروسية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير