Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صحافي يعود إلى منزله في الخرطوم ويصف هول المشهد

مراسل وكالة الصحافة الفرنسية يروي رحلة نزوحه المتكرر والعودة إلى بيته

الصحافي عبدالمنعم أبو إدريس علي وسط الخراب في منزله في الخرطوم (أ ف ب)

ملخص

كان مراسل وكالة الصحافة الفرنسية عبدالمنعم أبو إدريس يعلم أن مسلحي قوات "الدعم السريع" نهبوا بعض أثاث منزله، لكن لم يتصور ما شاهده بعد عودته من دمار وتخريب وأذية.

مضى نحو عامين منذ أن اضطر مراسل وكالة الصحافة الفرنسية عبدالمنعم أبو إدريس علي إلى ترك منزله في الخرطوم، وها هو يعود ليرى الدمار يخيم على العاصمة السودانية جراء المعارك الضارية، فيما خلت الشوارع من أصوات لعب الأطفال منذ أن علا دوي الأسلحة.

في صباح الـ15 من أبريل (نيسان) 2023، استيقظت العاصمة السودانية على دوي الانفجارات مع اندلاع الحرب بين أقوى ضابطين في البلد، قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ومعاونه السابق قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو.

اخترق الرصاص المنازل وانتشر المسلحون في الشوارع وفر مئات الآلاف من سكان العاصمة من جحيم المعارك، من بينهم عبدالمنعم وزوجته وابنه وبناته الثلاث. واضطرت العائلة للنزوح خمس مرات مع اتساع رقعة المعارك.

وفي نهاية المطاف، قرر الصحافي البالغ 59 سنة إرسال عائلته إلى بلد أفريقي آخر، فيما استقر هو للعمل في بورتسودان المطلة على البحر الأحمر.

هول المشهد

خلال مارس (آذار) الماضي، تسنى لعبدالمنعم أن يعود لفترة وجيزة إلى دياره في الخرطوم بحري خلال زيارة عمل برفقة الجيش، بعد استعادة الأخير السيطرة على المدينة، فوقف شاهداً على الخراب الذي حل بحي المغتربين في وسط بحري.

يخبر عبدالمنعم "بعد نحو 22 شهراً، عدت إلى منزلي في حي المغتربين بوسط بحري. وأنا في الطريق... استرجعت ذكريات يوم غادرنا المنزل". وقتذاك "كانت أصوات القصف وأزيز الطائرات المقاتلة تملأ المكان وتصم الآذان، والجيران يتحركون في الشارع. تبادلنا التحايا والدعوات بالسلامة وتمنيات بلقاء قريب".

أما اليوم، فالصمت يلف المكان وأبواب المنازل مخلعة والأسرَّة في الشارع، واستخدمها على ما يبدو عناصر قوات "الدعم السريع" للنوم في الخارج.

ومنذ اندلاع الحرب، أفادت تقارير عدة وشهادات بقيام "الدعم السريع" بالاستيلاء على المنازل ونهب ممتلكاتها إما لبيعها أو للاستحواذ عليها.

حاول عبدالمنعم تمالك أنفاسه عندما وصل، وراح يتنقل من غرفة إلى أخرى لمعاينة الأضرار.

ويخبر "هالتني حال الفوضى وأثاث المنزل المبعثر وكأنما البيت ضربه زلزال. الأثاث مقلوب رأساً على عقب".

الأريكة منخورة بحروق سجائر أطفأها المقاتلون عليها على ما يبدو، وخزائن الملابس في غرف البنات خُلعت أبوابها وأُفرغت من محتوياتها بالكامل، و"اختفت شاشات التلفزيون والثلاجة".

 

حراسة الجثث من الكلاب

في مكتبه، صورة زواجه من نهلة مطروحة أرضاً وسط الحطام وقد مُزق وجه العروس.

يقول عبدالمنعم "كنت أدري أنهم نهبوا بعض أثاث منزلي، لكن لم أكن أتصور أنهم دمروا المتبقي".

غير أن "أكثر ما حزَّ في نفسي بعثرة كتب مكتبتي التي رموها على الأرض ونثروها في المنزل ومزقوا بعضها". كما أن "صور زفافي من شريكتي نهلة الفكي مزقوها ورموها على الأرض. لا أدري ما سر العداء بينهم وبين كتبي وصور زواجي".

خلال مارس الماضي استعاد الجيش السيطرة على الخرطوم، في خطوة تمهد لعودة ملايين النازحين إلى ديارهم.

لكن "بناتي لا رغبة لهن في الرجوع بسبب حجم الصدمة"، يقول عبدالمنعم ثم يستدرك "كيف يمكن أن ينسين... صوت القذائف وحال الرعب" التي استولت عليهن. فالفظائع التي كانوا شاهدين عليها ما زالت ماثلة في ذهن عبدالمنعم.

ويقول "ونحن في الطريق خارجين من الخرطوم، رأينا أعداداً من الجثث... وكان رجل كبير يحاول أن يغطيها" بكيس بلاستيكي.

أوقفت السيارة إلى جانبه وسألته عما يفعل، "فقال لي، يا بني أنا حارسهم من الكلاب... وليت أولادي لم يسمعوه!".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ضياع جنى العمر

طوال سبعة أشهر، انتظر عبدالمنعم في ود مدني جنوب الخرطوم انتهاء المعارك داخل العاصمة، يُمني نفسه بالعودة إلى دياره. لكن عندما وصلت المعارك إلى ود مدني أدرك أن "الحرب في السودان ستستمر لأعوام طويلة... وستتسع إلى مختلف أنحائه".

فاضطروا مجدداً، أسوة بمئات الآلاف غيرهم، للنزوح شرقاً سيراً على الأقدام حاملين كل ما في وسعهم حمله.

واتخذ المراسل المخضرم وزوجته قراراً أليماً بفصل العائلة، فذهبت الزوجة والأولاد إلى بلد آخر، فيما توجه هو إلى بورتسودان على البحر الأحمر، مقر بعثة الأمم المتحدة والحكومة الموالية للجيش، التي لجأ إليها مئات آلاف النازحين.

وعبدالمنعم كغيره من السودانيين العالقين في جحيم الحرب الذين لا تحصى أعدادهم، خسر أفراداً من عائلته وجنى عمره والأمل في المستقبل.

أمضى الصحافي أعواماً من عمره وهو يشيد داره على تخوم الخرطوم يحيط بها بستان أراد أن يتفرغ له بعد تقاعده، لكن قوات "الدعم السريع" دمرته أثناء زحفها.

أما ممتلكات عائلته في ولاية الجزيرة الزراعية، فتعرضت للنهب وقُطعت عنها الكهرباء والمياه. وتُرك أقرباؤه جوعى لا حول لهم ولا قوة في وجه قوات "الدعم السريع".

الحرب سلبت "كل شيء"

استعاد الجيش السيطرة على كل من الجزيرة والخرطوم، غير أن الحرب لم تضع أوزارها بعد والمعاناة التي خلفتها لم تنته. وقُتل عشرات الآلاف ونزح أكثر من 12 مليوناً، بمن فيهم نحو 4 ملايين فروا إلى دول أخرى.

وسلك مئات الآلاف طريق العودة إلى مناطقهم التي سيطر عليها الجيش على رغم افتقارها إلى المياه النظيفة والكهرباء وخدمات الرعاية الصحية.

وما زالت المجاعة تنهش السودان ويعانيها 638 ألف شخص، في حين أن 8 ملايين آخرين على وشك السقوط في براثن الجوع.

ويبقى البلد منقسماً، وما زالت قوات "الدعم السريع" تسيطر مع حلفائها على درافور غرباً بالكامل تقريباً ومناطق في الجنوب.

وخلال الأسابيع الأخيرة، قتلت "الدعم السريع" المئات داخل مخيمات للنازحين انتشر فيها الجوع، في حين أعلن رئيسها دقلو عن تشكيل حكومة موازية.

وبالنسبة إلى عبدالمنعم وكثر غيره باتت أبسط الأحلام شبه مستحيلة، "فهذه الحرب سلبت منا كل شيء. وما لم ينهبوه، دمروه". وأمنيته "لو انتهت هذه الحرب غداً، جل ما أريده هو أن أجلس في مكان هادئ وآمن مع أسرتي وأنا أزرع بسلام" أرضي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير