Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سلة غذاء غزة تحت جنازير الدبابات

سيطرة الجيش الإسرائيلي على الأراضي الخصبة تحرم الفلسطينيين من ممارسة أنشطة الغرس والتشجير

تتعمد الدبابات الإسرائيلية تجريف الأراضي الزراعية في غزة منذ بدء الحرب (أ ف ب)

ملخص

 قبل الحرب، كانت غزة على رغم صغر مساحتها وكثافة سكانها وعمرانها المتلاصق مدينة زراعية، تشكل الأرض الخصبة المزروعة مساحة 178 كيلومتراً مربعاً، أي 49 في المئة من إجمال مساحة القطاع.

بمجرد ما دخل وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في الـ19 من يناير (كانون الثاني) الماضي، ركب جهاد العرجان جراره الزراعي وأخذ يحرث فدانه ويضع في ترتبه السماد والمواد العضوية تمهيداً لزراعته.

أرض جهاد خصبة جداً وتقع بين مدينة رفح أقصى جنوب القطاع ومحافظة خان يونس، وتمتد على مساحة 10 دونمات، ويزرعها سنوياً بالطماطم والبصل والقمح والشعير التي تعوَّد غرسها في تربته مع حلول فصل الربيع تمهيداً لجنيها في الصيف.

البستان في "موراغ"

غرس جهاد الشتلات وبدأ محصوله ينجح وينمو، ولكن قبل أن يثمر استأنفت إسرائيل هجومها على غزة، واجتاح الجيش مدينة رفح وفصلها عن خان يونس، من طريق شق محور موراغ، حينها انصدم المزارع وخاف على دونماته وزراعته.

يخاطر جهاد بحياته كل يوم ويذهب إلى أقرب نقطة يمكنه من خلالها رصد أرضه الزراعية، ويذهب هو يلبس القفازات والنعل ويحمل بيده الأسمدة والمبيدات ومعدات تقليم أوراق المحاصيل، وفي آخر زيارة له وجد دونماته تحولت إلى أرض قاحلة وباتت جزءاً من محور موراغ.

من بعيد يدقق المزارع في أرضه، ويقول "جرفوا الأرض ولم يتركوا لي أي شتلة ولا حبة بندورة (طماطم) واحدة، تحولت هذه السلة الغذائية إلى منطقة أمنية يمنع على الغزيين الاقتراب منها، لهذا الأمر أبعاد خطرة ومجاعة قريبة".

اقتلعوا جميع الأشجار

يرمي جهاد المنجل بعيداً، وكأنه يعلن تركه الزراعة للأبد، ويضيف "الدمار الذي طاول أراضينا الخصبة جاء في وقت تغلق فيه إسرائيل المعابر وتمنع دخول الغذاء لغزة. يعتمد السكان في غذائهم على ما تثمره الأرض من خضراوات، والآن حرموا منه، أزمة غذائية كارثية تنتظر الغزيين".

يغطي جهاد السوق المحلية بالخضراوات القليلة التي يحصدها، ولكن عندما وصلت الجرافات العسكرية والدبابات إلى أرضه الممتدة دمرت كل شيء، ويقول المزارع "اقتلعوا جميع الأشجار لأنهم لا يريدون أن يأكل الناس".

 

 

الأراضي الزراعية الموجودة في رفح وخان يونس التي تحولت الآن إلى خراب ومنطقة أمنية عازلة خاضعة للجيش الإسرائيلي، تعد آخر سلة غذائية متبقية في القطاع، ويأكل من ثمارها جميع الغزيين وبعد تدميرها وإصرار إسرائيل على منع إمداد غزة بالغذاء فإن الغزيين يقتربون من المجاعة بسرعة.

غزة تصدر المحاصيل

قبل الحرب كانت غزة على رغم صغر مساحتها وكثافة سكانها وعمرانها المتلاصق مدينة زراعية، تشكل الأرض الخصبة المزروعة مساحة 178 كيلومتراً مربعاً، أي 49 في المئة من إجمال مساحة القطاع.

كان المزارعون القلائل يغرسون تلك المساحات بالخضراوات والفاكهة ويزرعون أشجار الزيتون والنخيل والحمضيات، ويحصدون كميات وفيرة وفيها فائض كبير، إذ تصدر غزة بعض الكميات بما يدعم الاقتصاد المحلي، لدرجة أن الزراعة وحدها بلغت نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 نحو 11 في المئة بقيمة أولية بلغت 32.8 مليون دولار أميركي.

صحراء بلا نبات

لكن عندما اندلعت الحرب الساحقة سحقت معها الزراعة وكل شيء تغير، يفيد أحدث تقييم جغرافي أجرته منظمة "الفاو" ومركز الأقمار الاصطناعية التابع للأمم المتحدة، تدمير وتضرر 75 في المئة من الحقول التي كانت تستخدم لزراعة المحاصيل وبساتين الأشجار.

ما يعادل 103 كيلومترات مربعة من الأراضي الزراعية دمرتها إسرائيل قبل بدء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وبقي في غزة 75 كيلومتراً مربعاً صالحاً للغرس والشتل وهذه المساحة الصغيرة تقع بين مدينتي رفح وخان يونس، ولكن عندما استأنف الجيش قتاله شق في هذه المنطقة محور موراغ ودمر هذه السلة الغذائية.

"موراغ" وسلة غذائية

يقول متحدث بلدية خان يونس صائب لقان "تتصاعد الكارثة الغذائية في القطاع بعدما قضى الجيش الإسرائيلي على ما تبقى من الموارد الزراعية إثر سيطرته على مناطق واسعة بمحاذاة محور موراغ التي كانت تمثل آخر سلة غذائية متبقية"، ويضيف "هذه المناطق تشكل المصدر الرئيس للغذاء في غزة وأدت الحرب إلى توقف شبه كامل للنشاط الزراعي. غزة باتت على أعتاب انهيار شامل للخدمات، في ظل تعمد إسرائيل استهداف مقومات الحياة اليومية من الغذاء والماء، وحتى البنية التحتية الصحية والخدمية لمفاقمة الأوضاع الإنسانية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تقع غالب الأراضي الزراعية في مناطق تخضع للسيطرة الإسرائيلية، أي أصبحت مناطق عازلة وأمنية ويصعب على الغزيين الاقتراب منها، ويقول نائب مدير وحدة البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ياسر عبدالغفور "بشكل ممنهج تدمر إسرائيل السلة الغذائية في غزة".

انهيار تام للزراعة

يقول المزارع سالم الغفري إن "الدمار طاول الأراضي التي كانت تحوي محاصيل الطماطم والفلفل والبطاطا والباذنجان، التي لم تعد صالحة بسبب التلوث، الحرب سببت عدم القدرة على الوصول إلى الأراضي الزراعية أو العناية بالمحاصيل، وتدمير المساحات الزراعية التي توفر السلة الغذائية لقطاع غزة، ويزيد من التجويع الذي يحل بالغزيين".

بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" فإن الإنتاج الزراعي في غزة انهار تماماً، وتقول نائبة المدير العام للمنظمة بيث بيكدول "شكل وقف إطلاق النار فرصة حاسمة لمعالجة أزمة الغذاء الكارثية، لكن مع عودة القتال فإن دعم المزارعين انهار تماماً".

في الإطار ذاته فإن مدير اتحاد لجان العمل الزراعي في غزة فؤاد أبو سيف يرى أن الغزيين لا يستطيعون إنتاج ما يكفي من الغذاء محلياً بفعل تدمير المحاصيل وعدم القدرة على الوصول إلى الأراضي الزراعية، مما يسهم بتدهور الأمن الغذائي والاعتماد على الواردات التي تكون مكلفة بشكل أكبر.

ويختم حديثه "ضم الأراضي الزراعية إلى إسرائيل وتحويلها إلى مناطق عازلة يفقد القطاع الزراعي ما يزيد على 25 في المئة من مساحته، إلى جانب فقدان أكثر من 95 في المئة من مساحة الرعي والنباتات البرية، الأمر سيكون صعباً جداً ويهدد القطاع الزراعي بالشلل".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات