Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف نقرأ أول زيارة لوزير دفاع سعودي لإيران منذ ربع قرن؟

نظرة على التحديات والفرص في ضوء رحلة وزير الدفاع الراحل الأمير سلطان لطهران والتي وضعت أساس الاتفاق الأمني الذي يسعى البلدان إلى تفعيله

 زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان والمرشد الإيراني علي خامنئي (واس)

ملخص

تسعى السعودية وإيران إلى استعادة الثقة بينهما منذ استئناف العلاقات بوساطة الصين، ومن الممكن أن تعزز هذه الزيارة مساعي تفعيل أو تحديث اتفاق التعاون الأمني بين السعودية وإيران الذي وُضعت أساساته خلال زيارة وزير الدفاع السعودي الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز.

في الـ 10 من مارس (آذار) 2023 استيقظ العالم على صور المصالحة السعودية - الإيرانية التي رعاها الوسيط الصيني الكتوم، وعلى رغم أهمية الإعلان الذي جاء بعد قطيعة سبعة أعوام والخلافات التاريخية والأيديولوجية الكثيرة بين البلدين، إلا أنه جاء مقتضباً في نحو 700 كلمة، فانجرف المراقبون الغربيون لشؤون المنطقة، وبخاصة الأميركيين، إلى التقليل من أهمية الاتفاق والتشكيك في إمكان صموده، لكن ومنذ مصافحة بكين يحيي البلدان بخطوات ثابتة، وإن شابها الحذر، مسارات التعاون المختلفة، دبلوماسياً عبر لقاءات وزيري الخارجية المتعددة، واقتصادياً عبر استكشاف فرص التعاون، وأخيراً عسكرياً بعد زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى إيران.

وزيارة الأمير خالد بن سلمان إلى طهران تعد الأولى لوزير دفاع سعودي منذ الزيارة التي أجراها الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز مطلع مايو (أيار) عام 1999، حيث أجرى لقاءات على مدى خمسة أيام مع المرشد الإيراني علي خامنئي وكبار المسؤولين الإيرانيين، ولم تقتصر المحادثات على العلاقات الدفاعية بل شملت تعزيز التعاون التجاري والثقافي وتوقيع اتفاق لزيادة الرحلات الجوية بين البلدين، إضافة إلى القضايا المشتركة آنذاك مثل أزمة "مسلمي كوسوفو" والمشكلة الأفغانية، مما مهد لزيارة الرئيس الإيراني محمد خاتمي للسعودية في الشهر نفسه.

تفعيل الاتفاق الأمني

وبعد مرور ربع قرن على زيارة الأمير سلطان تعيش العلاقات السعودية - الإيرانية اليوم واقعاً أكثر تعقيداً وتشابكاً، فقد أدى اندلاع حرب اليمن عام 2015 إلى تدهور حاد في الثقة بين الدولتين، فإيران لم تتوان عن تمويل الحوثيين في اليمن بالسلاح والمال لاستهداف السعودية وتهديد أمن الملاحة في البحر الأحمر، ومع ذلك أسهم الاتفاق الثلاثي الذي رعته بكين في استعادة بعض التوازن في العلاقات الثنائية وإرساء الهدنة مع الجماعة اليمنية التي أوقفت هجماتها على السعودية، مما مهد لاستئناف التواصل بين كبار المسؤولين، بمن فيهم القادة العسكريون.

وفي ظل هذه التحولات فمن الممكن أن تنعش هذه الزيارة مساعي تفعيل أو تحديث اتفاق التعاون الأمني الذي وُضعت أساساته خلال زيارة وزير الدفاع السعودي الراحل الأمير سلطان، ووقعت في طهران من قبل وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز ونظيره الإيراني عبدالواحد لاري عام 2001، فذلك الاتفاق الذي نص "اتفاق بكين" على إعادة تفعيله بقي إطاراً عاماً من دون أن يترجم إلى تعاون فعلي، ومن أهدافه الحد من مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتهريب المخدرات.

وأثناء بحث الاتفاق الأمني خلال زيارة الأمير سلطان عام 1999، شاعت أحاديث حول ما إذا كانت السعودية وإيران تدرسان تفاهمات دفاعية أو خطة للأمن الإقليمي، لكن المسؤولين السعوديين آنذاك أوضحوا بأن الاتفاق كان أقرب إلى التفاهم حول إجراءات أمنية داخلية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، وفق ورقة بحثية صادرة عن "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية" بواشنطن في يونيو (حزيران) 2001.

 وتشير الورقة البحثية إلى أن السعودية وإيران اتفقتا على تبادل الملحقين العسكريين، غير أنه  نُقل عن الأمير سلطان قوله بأن "التعاون العسكري ليس بالأمر السهل بين بلدين لم تربط بينهما علاقات منذ سنوات"، وهذا التحدي الذي لخصه الأمير الراحل ما يزال قائماً اليوم، وقد يواجه أية مساع مستقبلية لتعزيز التنسيق العسكري، إذ لم يمض سوى عامين على استئناف العلاقات الدبلوماسية.

الملف اليمني ومشكلات جديدة

تعود جذور الاتفاق الأمني لعام 2001 إلى القلق المشترك آنذاك إزاء تدفق الأفيون والهيروين من أفغانستان عبر إيران إلى أسواق الخليج، والمخاوف من تأثير المخدرات في شباب البلدين. ورغم أن أخطار تهريب المخدرات التي دفعت الرياض وطهران إلى التعاون لازالت قائمة، إلا أن مشكلات جديدة انضمت إليها تضر مصالح الطرفين وحلفاءهما من القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة والصين، بدرجات مختلفة، وعلى رأسها التوترات الأمنية في البحر الأحمر التي يتوقع أن تكون على طاولة المحادثات السعودية -الإيرانية.

ويضم الوفد السعودي برئاسة وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان إلى طهران رئيس هيئة الأركان العامة، لكنه لم يقتصر على المسؤولين العسكريين بل شمل أيضاً السفير السعودي لدى اليمن، مما يوضح أن الملف اليمني من أولويات الزيارة، بخاصة أن التنسيق حوله ازداد أهمية بعدما بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عمليات عسكرية ضد الحوثيين بهدف وقف هجماتهم المعطلة لحركة السفن في البحر الأحمر.

ويقول المحلل السياسي السعودي والمحاضر في جامعة الفيصل في الرياض، خالد باطرفي، إن تأمين الملاحة البحرية ومواجهة القرصنة من أهداف الاتفاق الأمني، إلا أنه تعرض لهزات وتحديات منذ إبرامه، مشيرا إلى أن المناطق البحرية من الخليج العربي وبحر عُمان ومضيق هرمز، وصولاً إلى باب المندب والبحر الأحمر، تحولت إلى "بؤر للصراعات تهدد الجميع"، وإيران باعتبارها دولة منتجة ومصدرة للنفط ولها علاقات تجارية مع العالم تتأثر أيضاً بهذه التهديدات البحرية، وأضافو "طهران كانت في مرحلة سابقة تتبنى منطق إذا كانت مصالحي ستتعطل بسبب العقوبات فلم لا أعطل مصالح الآخرين، لكن تهديد السفن التجارية أدى إلى ارتفاع تكاليف التأمين مما انعكس سلباً على جميع الدول، وزاد الحاجة إلى تنسيق الجهود.

وعلى رغم أن الحوثيون الذين يتلقون دعمهم من طهران يزعمون اقتصار هجماتهم على السفن الإسرائيلية فقط، لكنهم في الواقع استهدفوا سفناً مملوكة لدول في قارات مختلفة من أميركا الوسطى إلى أوروبا وآسيا. وحتى إيران نفسها طالتها التداعيات، ففي فبراير (شباط) 2024 أطلق الحوثيون صاروخين على ناقلة يونانية محملة بالغلال كانت في طريقها من البرازيل إلى ميناء الخميني في إيران.

المفاوضات مع أميركا

زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران هي الرحلة الخارجية الثانية له هذا العام بعد سفره إلى واشنطن في فبراير الماضي، وتأتي محادثاته مع المرشد الإيراني علي خامنئي وكبار المسؤولين في طهران وسط ظرف إقليمي جديد، فقبل أسبوع بدأت المفاوضات الأميركية - الإيرانية حول الاتفاق النووي، وبعد أيام ستبدأ الجولة الثانية في مسقط، وهي المحادثات التي رحبت بها الرياض وعبرت عن أملها في أن تفضي إلى إنهاء جميع الخلافات الإقليمية والدولية.

ويرى باطرفي أن زيارة الأمير خالد بن سلمان ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمفاوضات النووي بين واشنطن وطهران، وتوقع أن يكون للرياض دور إيجابي لتقريب وجهات النظر وتسريع الاتفاق على القضايا الخلافية بين الولايات المتحدة وحلفائها وإيران حتى لا تشعر طهران بأنها معزولة بالكامل، وقال "تسعى السعودية لضمان أن يخفف أي اتفاق جديد أخطار الانتشار النووي ويقلل التوترات الإقليمية، فهذه المحادثات السعودية - الإيرانية جزء من دبلوماسية الرياض الاستباقية لتشكيل نتيجة مفاوضات عُمان بصورة غير مباشرة بما يتماشى مع إستراتيجيتها الأوسع لعدم الانحياز".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما عضو مجلس الشورى السعودي السابق علي العنزي فيقول إن "السعودية تسعى إلى إعطاء الأولوية للاستقرار والتنمية في المنطقة، مما يتطلب التهدئة والحلول الدبلوماسية لكل القضايا العالقة، خصوصاً ما يتعلق بالخلافات بين الولايات المتحدة وإيران حول الملف النووي الإيراني، ولذلك رحبت السعودية بالمفاوضات"، مضيفاً أن الرياض تؤيد الاستخدام السلمي للطاقة النووية لكنها ترفض انتشار أسلحة الدمار الشامل، لأن المنطقة لا تحتمل أي تصعيد عسكري.

واعتبر العنزي أن زيارة الأمير خالد بن سلمان إلى طهران تأتي في إطار تغليب الدبلوماسية لتعزيز استقرار الشرق الأوسط وازدهاره، وقد سبقها اتصال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كما أن التواصل بين المسؤولين العسكريين بدأ منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024 بعد زيارة رئيس هيئة الأركان العامة السعودي إلى طهران.

التعاون الاقتصادي ونجاح "أوبك"

وأوضح البيان السعودي الرسمي أن لقاءات وزير الدفاع "ستبحث العلاقات الثنائية"، مما يشير إلى أن أبعاد الزيارة لا تقتصر على إحياء الصلات الدفاعية وحسب، بل قد تعطي دفعة لتعزيز الجوانب الأخرى من العلاقة الثنائية ومنها التعاون الاقتصادي الذي تقيده مسألة العقوبات الغربية المفروضة على طهران.

وفي فبراير الماضي شارك وزير الاقتصاد والمالية الإيراني في مؤتمر للاقتصادات الناشئة في السعودية، وأجرى محادثات مع وزير المالية السعودي ركزت على تعزيز الاستثمار الثنائي والتعاون التجاري والجمركي وتجنب الازدواج الضريبي، كما مثّل المؤتمر فرصة للوزير الإيراني لعقد محادثات ثنائية مع نظرائه من دول المنطقة.

وتنتهج الدول سلوكاً حذراً في التعامل مع إيران بسبب العقوبات الغربية المفروضة عليها، إضافة إلى عدم الاستقرار المنفر للمستثمرين مما أدى إلى وضع اقتصادي هش في إيران، ومع ذلك يرى باطرفي أن بناء الجسور عبر العلاقات التجارية والتنموية مع إيران ممكن، فالأخيرة بحاجة إلى الخبرات السعودية في مجال الطاقة والنفط، و"شركة أرامكو" يمكن أن تطور مشاريع إيران النفطية بأقل التكاليف، لكن ذلك يتطلب تجاوز الخلافات في ما يخص البرنامج النووي وبرنامجها لصناعة الصواريخ الباليستية.

وتملك السعودية وإيران تاريخاً إيجابياً في ملف التعاون الاقتصادي والنفطي بخاصة، فمنذ تأسيس "أوبك" عام 1960 تعاونا كعضوين في المنظومة للحد من الإفراط في الإنتاج والمحافظة على ثبات أسعار النفط في مستوى مقبول لهما، وعلى رغم حدوث خلافات في شأن الإنتاج لكنها حُلت في إطار "أوبك"، وكان من ثمار هذا التعاون ارتفاع سعر النفط عام 2001 إلى 25 دولاراً للبرميل، بعدما لم يكن يتجاوز 13 دولاراً قبل عامين فقط.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير