Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانسحاب الأميركي من سوريا... فراغ يهدد الحلفاء ويعيد شبح "داعش"

المغادرة الكاملة لم تحسم بعد لكن التوجهات تميل إلى تقليص الدور ولا سيما في ظل المتغيرات الإقليمية

القرار الأميركي لا يجب أن يقاس بعدد الجنود المغادرين بل بحجم التأثير الإقليمي الذي سيتغير بعدهم (أ ف ب)

ملخص

إذا تم الانسحاب الأميركي من دون ترتيب انتقال منظم للسلطة الأمنية، فإن شمال شرقي سوريا قد يتحول إلى مساحة تنازع مفتوح، ينهار فيها كل ما بني خلال أعوام الحرب ضد "داعش"، وتتقاطع فيها أجندات الخصوم بصورة قد تشعل مواجهات مباشرة أو حروب وكالة جديدة. لذلك فإن الغياب الأميركي من شمال شرقي سوريا لن يكون مجرد إعادة تموضع جغرافي، بل تفكيكاً لمنظومة أمنية بنيت على مدى عقد من الزمن.

في ظل تجدد الحديث داخل واشنطن عن مراجعة الوجود العسكري الأميركي في شمال شرقي سوريا، تعود للواجهة تساؤلات حول مستقبل المشهد الأمني في منطقة تعج بالتعقيدات العرقية والسياسية والعسكرية، وسط مخاوف من تكرار سيناريوهات الانسحاب الكارثي الذي شهده العالم في أفغانستان عام 2021.

وكانت "اندبندنت عربية" حصلت على معلومات خاصة تفيد بأن القوات الأميركية تخطط لبدء انسحاب تدريجي من سوريا في أواخر مايو (أيار) المقبل، مع احتمال الاحتفاظ بقاعدة عسكرية واحدة في سوريا، ومن المرجح أن تكون قاعدة التنف قرب المثلث الحدودي بين سوريا والأردن والعراق.

هذه المعلومات تستدعي قراءة في الخلفية العامة لإرسال الولايات المتحدة قواتها إلى سوريا في المقام الأول، لماذا؟ وما هي المراحل التي مر بها هذا التدخل؟

ودخلت الولايات المتحدة إلى الساحة السورية في سياق الحرب ضد تنظيم "داعش"، لكنها لم تكُن بعيدة من المشهد منذ بدايات الثورة السورية عام 2011. ومع تصاعد النزاع وتحوله إلى حرب متعددة الأطراف، وجدت واشنطن نفسها مضطرة إلى التدخل عسكرياً، من ناحية لحماية أمنها القومي، ومن أخرى لحماية حلفائها المحليين ومنع خصومها الإقليميين من ملء الفراغ.

مراحل محاربة "داعش"

أطلقت الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) عام 2014 خلال عهد الرئيس باراك أوباما، عملية "العزم الصلب" (Inherent Resolve)  بالتعاون مع التحالف الدولي ضد "داعش"، وكان الهدف المعلن وقف تمدد التنظيم المتطرف الذي سيطر على مناطق واسعة في سوريا والعراق وهدد بإقامة "خلافة" عابرة للحدود. في ذلك الوقت بدأت العمليات من الجو، من دون نشر قوات على الأرض في سوريا.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015، أعلن البيت الأبيض إرسال عدد محدود من القوات الخاصة الأميركية إلى شمال سوريا لدعم وتنسيق العمليات مع "قسد"، الشريك المحلي الرئيس في محاربة "داعش". العدد الأولي لم يتجاوز 50 جندياً، لكنه ارتفع تدريجاً إلى ما يقارب 2000 جندي بحلول عام 2017.

بداية ركزت العمليات الأميركية على استهداف البنية التحتية لـ"داعش" ومراكزه القيادية، وتحولت "قسد" إلى الذراع الميدانية للتحالف بقيادة أميركا، وبدأ التنسيق العسكري المباشر معها. ومن ثم أُنشئت قواعد عسكرية صغيرة ومراكز عمليات في مناطق الحسكة والرقة ودير الزور، ولاحقاً زادت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الدعم الجوي واللوجستي لـ"قسد". وفي مارس (آذار) عام 2019 أعلنت واشنطن و"قسد" القضاء على "الخلافة المكانية" لـ"داعش" في بلدة الباغوز، وحينها بدأت التساؤلات تظهر داخل واشنطن عن جدوى البقاء بعد هزيمة التنظيم.

الانسحاب الجزئي بعد عملية "نبع السلام"

في أكتوبر عام 2019، أمر ترمب بانسحاب جزئي للقوات من شمال سوريا، مفسحاً المجال لتركيا لشن عملية "نبع السلام" ضد "قسد"، وقوبل القرار بانتقادات شديدة من الكونغرس وحلفاء أميركا لأنه اعتبر تخلياً عن شريك موثوق في محاربة الإرهاب. وعلى رغم ذلك، أبقت واشنطن على عدد من القوات لحماية منشآت النفط في دير الزور والحسكة.

ومن ثم ما بين أعوام 2020-2023 أعادت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ترتيب الأولويات عبر تقليص عدد القوات مع الإبقاء على الوجود الرمزي في إطار الحرب على "داعش" ومنع النفوذ الإيراني. واستمرت العمليات المحدودة ضد خلايا التنظيم النشطة، خصوصاً في البادية السورية.

ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم وبعد تصاعد التهديدات وارتفاع وتيرة الهجمات على القواعد الأميركية من قبل الميليشيات الموالية لإيران، بخاصة بعد اندلاع الحرب في غزة وامتداد التوترات إلى العراق وسوريا، هوجمت أكثر من مرة قاعدة الشدادي وقاعدة التنف وقاعدة حقل العمر النفطي وقاعدة حقل غاز كونيكو وغيرها من قواعد قوات التحالف على الأراضي السورية، وعاد الحديث مجدداً داخل واشنطن عن ضرورة "الخروج الآمن" من سوريا، وسط ضغوط داخلية لإنهاء الحروب "الأبدية".

الأهداف وعدد القوات والمواقع الرئيسة

ومن الأهداف التي أعلنت عنها واشنطن لوجود قواتها في شمال شرقي سوريا محاربة تنظيم "داعش" ومنع عودته، ودعم الحلفاء المحليين، خصوصاً "قسد".

أما الأهداف غير المعلنة، فهي احتواء النفوذ الإيراني ومنع طهران من إقامة ممر بري من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق، ومنع روسيا من الانفراد بإدارة الملف السوري بعد تدخلها العسكري لمصلحة نظام بشار الأسد البائد، فضلاً عن حماية منشآت الطاقة في تلك البقعة من سوريا.

ويقدر العدد الحالي للقوات الأميركية بـ2000 جندي وفقاً لشبكة "سي أن أن"، موزعين على قواعد أبرزها قاعدة التنف قرب المثلث الحدودي مع العراق والأردن، وقواعد في الحسكة والرقة ودير الزور. وتنحصر مهماتهم في التدريب والدعم الاستخباراتي والعمليات الخاصة ومراقبة تحركات التنظيمات المتطرفة.

سيناريو الانسحاب المفاجئ يضع الحلفاء في مهب الريح

ومع أن الانسحاب الكامل لم يُحسم بعد، لكن التوجهات تميل إلى تقليص الدور، ولا سيما في ظل المتغيرات الإقليمية. ويتخوف المراقبون من السيناريو الأخطر، وهو الانسحاب المفاجئ وغير المنسق الذي قد يعيد شبح الفوضى وعودة الإرهاب، ويمنح خصوم واشنطن (إيران وروسيا وتركيا) مساحة أكبر للتمدد.

ومن وجهة نظر بعض الداخل الأميركي أن الوجود في سوريا لم يكُن هدفاً استراتيجياً بذاته، بل جاء رداً على تهديدات أمنية مباشرة، وعلى رأسها "داعش". ومع مرور الوقت، تحول هذا الوجود إلى عنصر توازن حساس في معادلة شديدة التعقيد. وفي حال قررت واشنطن المغادرة من دون ترتيب البدائل، فإن تداعيات ذلك قد تتجاوز حدود سوريا لتطاول الأمن الإقليمي والدولي بأسره.

وبناء على ما تقدم، أولى الأخطار ستطاول الحلفاء، وتعتمد الولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا على شراكة وثيقة مع "قسد" التي تشكلت من مزيج من المقاتلين الكرد والعرب بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية. وقامت هذه القوات بدور محوري في دحر تنظيم "داعش" بغطاء جوي ودعم استخباراتي أميركي، غير أن هذه الشراكة تفتقر إلى مظلة سياسية مستدامة. فالقوى المحلية، على رغم فاعليتها العسكرية، تواجه تهديدات وجودية من قبل تركيا التي تصنفها كـ"امتداد لحزب العمال الكردستاني"، ومن الإدارة السورية الجديدة التي ربما ترى في سيطرتها انتقاصاً من سيادة الدولة. ومع انسحاب أميركي محتمل، ستكون "قسد" بمفردها في مواجهة معادلات ميدانية أكبر من قدرتها على الاحتواء.

تهديد السجون والمخيمات

ومن أبرز مكامن الخطورة في أي انسحاب محتمل، مصير عشرات آلاف من عناصر "داعش" ومن أكثر من 60 جنسية في مخيمات الهول وروج وغويران شمال شرقي سوريا، والمحتجزين في سجون تديرها "قسد"، إضافة إلى عائلاتهم. وهذه البؤر باتت خزاناً مفتوحاً للتطرف، وقد شهدت بالفعل محاولات فرار منسقة وهجمات من خلايا نائمة خلال الأشهر الأخيرة. وسيعني غياب الغطاء الأميركي انهيار منظومة الحراسة والسيطرة على هذه السجون، مما قد يعيد آلاف المقاتلين المتشددين للميدان ويمنح "داعش" فرصة ذهبية لإعادة تنظيم صفوفه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكثيراً ما كان الوجود الأميركي في سوريا عامل توازن في وجه تمدد النفوذ الإيراني والروسي والتركي. وقامت واشنطن بصورة غير مباشرة بدور "الضامن" لعدم تصادم هذه الأطراف، على رغم تضارب أجنداتها، لكن الانسحاب سيترك فراغاً سياسياً وأمنياً لا يمكن ملؤه بسهولة وقد يكون بمثابة "دعوة مفتوحة" لقوى إقليمية مثل إيران وتركيا إلى إعادة رسم خطوط السيطرة، كل وفق مصالحه. وستسعى طهران حتماً إلى تعزيز وجودها على محور دير الزور–البوكمال، بينما قد تجد أنقرة في الانسحاب فرصة لتوسيع مناطق "المنطقة الآمنة" بعمق أكبر داخل الأراضي السورية.

دروس أفغانستان حاضرة

لا يغيب عن بال المتابعين التشابه المخيف بين المشهد السوري الحالي وتلك اللحظة التي سبقت انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. فحينها، انهارت الحكومة المدعومة من واشنطن خلال أيام وعادت حركة "طالبان" للسلطة بصورة دراماتيكية، فيما باتت الجماعات الإرهابية تسرح وتمرح. وقد تشهد سوريا بتنوعها السكاني وتعقيداتها الجيوسياسية، انهياراً أكثر فوضوية إن لم يحسن التعاطي مع مسألة الانسحاب، سواء من ناحية التوقيت أو كيفية إدارة الفراغ الذي سيخلفه الغياب الأميركي.

وأي انسحاب أميركي من شمال شرقي سوريا سيكون له أثر مباشر على "قسد" التي كثيراً ما شكلت حجر الزاوية في الحرب ضد "داعش"، تحت مظلة التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وغياب غطاء جوي أميركي لتلك القوات يعني تفكيكاً عملياً لشبكة الردع التي منعت تركيا من اجتياح شامل للمناطق الكردية ومنعت النظام السوري البائد من شن عمليات استعادة بالقوة، وكبحت طموحات إيران والميليشيات التابعة لها في الوصول إلى الشرق السوري. وسيضعف قدرة "قسد" على مواجهة فلول "داعش" ويزيد من احتمالات الانشقاقات داخل صفوفها، بخاصة في المناطق ذات الغالبية العربية.

تركيا تنتظر "اللحظة" وإسرائيل تراقب بقلق

قد تكون أنقرة في انتظار اللحظة التي ترفع فيها واشنطن مظلتها عن "وحدات حماية الشعب" لتشن عملية عسكرية واسعة تهدف إلى طردها من مناطقها الحيوية. وأي غياب أميركي سيعيد خلط الأوراق وقد يدفع "قسد" إلى خيارين مرين، إما الاندماج في الإدارة السورية الجديدة، أو التحول إلى ميليشيات بلا حليف تستنزف من جبهات عدة، علماً أن اتفاقاً كان قد وقع بينها والحكومة السورية الجديدة في مارس الماضي، وصفه المتحدث باسم "قسد" فرهاد شامي بأنه "اتفاق مبدئي جرى التوصل إليه بوساطة أميركية"، ويهدف إلى وقف الحرب، إضافة إلى العمل على إعادة المهجرين من مناطق عفرين وسركاني وكري سبي لمنازلهم"، وكذلك إيقاف "محاولات التغيير الديموغرافي في تلك المناطق". وأشار إلى أن الأميركيين يعتبرون طرفاً رئيساً في هذا الاتفاق.

 

وعلى رغم أن شمال شرقي سوريا ليس ساحة اشتباك مباشرة بين إسرائيل وإيران، فإن الوجود الأميركي هناك يشكل جزءاً من المنظومة الإقليمية التي تساعد على كبح التمدد الإيراني، خصوصاً في "الممر البري" بين طهران وبيروت، وذلك سيمنح الميليشيات الإيرانية و"حزب الله" حرية حركة أوسع، خصوصاً في دير الزور والبوكمال، حيث تسعى إيران إلى تأمين شريان الإمداد البري من العراق إلى سوريا ولبنان، وهذا التمدد سيترجم على المدى المتوسط إلى تعزيز قدرة إيران على تهديد الجبهة الشمالية لإسرائيل، ليس فقط عبر الجنوب اللبناني، بل من داخل العمق السوري أيضاً.

واعتمدت إسرائيل طوال الأعوام الماضية على نوع من التنسيق غير المباشر مع الوجود الأميركي شرق سوريا، لتحديد الخطوط الحمراء أمام إيران. ومع الغياب الأميركي المتوقع، ستجبر تل أبيب على زيادة وتيرة عملياتها الجوية والاستخباراتية بصورة منفردة، مما يرفع احتمالات التصعيد مع طهران أو مع روسيا التي تراقب الأجواء السورية.

من سيملأ الفراغ؟

تمتلك موسكو البنية العسكرية و"الشرعية الدولية" إلى حد ما لملء فراغ الانسحاب الأميركي، لكنها لا تمتلك الثقة نفسها لدى السكان المحليين (خصوصاً الأكراد)، ولا تحظى بالقدرة الاقتصادية على تقديم دعم مستدام.

وتعتبر إيران اللاعب الأخطر والأكثر طموحاً، وميليشيات "الحرس الثوري" و"حزب الله" وغيرهما من الميليشيات "الشيعية" التابعة للنظام الإيراني، جاهزة لملء أي نقطة ينسحب منها الأميركيون، بخاصة في المناطق الممتدة من الميادين إلى البوكمال. والهدف الإيراني واضح، ربط الحدود العراقية- السورية بشريان لوجستي مستقر، يدعم حضورها العسكري في كل من سوريا ولبنان، بعد أن عملت إسرائيل طويلاً على مهاجمة هذا الشريان في محاولة لقطعه.

ومن الطبيعي أن تغتنم أنقرة الفرصة لتوسيع "المنطقة الآمنة"، لكن تقدمها سيفتح جبهات مواجهة مع "قسد"، لذلك قد تتحرك تركيا بسرعة، لكن تحركها سيكون محدودا بالرفض الروسي وبتوازنات دولية هشة، وأيضاً بالتوترات التي شهدتها العلاقات التركية- الإسرائيلية في الداخل السوري، وعقدت بهذا الخصوص محادثات في العاصمة الأذربيجانية باكو بين الطرفين في التاسع من أبريل (نيسان) الجاري بهدف إنشاء "آلية منع الاشتباك".

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نقلت "أن الجانبين بدآ هذه المفاوضات بهدف منع أي مواجهات بين قواتهما في سوريا، وسط تنامي التنافس الإقليمي على النفوذ، مشيرة إلى أن الخلاف الإسرائيلي- التركي بلغ درجة من الخطورة جعلته محور نقاشات البيت الأبيض خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن، حيث عرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب وساطته بين البلدين".

من جهتها نقلت "فايننشال تايمز" عن مسؤول في وزارة الدفاع التركية وصفه للاجتماع بأنه "أول لقاء فني" يهدف إلى إنشاء آليات تمنع التصعيد وتجنب وقوع حوادث غير مقصودة في الأراضي السورية. ووفقاً للمصادر، فإن مراقبين أميركيين حضروا الاجتماع.

وبدورها أفادت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية بأن الوفد الإسرائيلي حدد بوضوح خلال المحادثات ما سماها "الخطوط الحمراء"، معتبراً أن أي تغيير في انتشار القوات الأجنبية داخل سوريا، بخاصة إنشاء قواعد تركية قرب تدمر، يشكل خرقاً جسيماً. وحذر المصدر من أن أي إجراءات تهدد أمن إسرائيل ستنعكس سلباً على الحكومة السورية أيضاً.

السيناريو الأخطر "فوضى السيطرة"

من هنا فإنه إذا تم الانسحاب الأميركي من دون ترتيب انتقال منظم للسلطة الأمنية، فإن شمال شرقي سوريا قد يتحول إلى مساحة تنازع مفتوح، ينهار فيها كل ما بني خلال أعوام الحرب ضد "داعش"، وتتقاطع فيها أجندات الخصوم بصورة قد تشعل مواجهات مباشرة أو حروب وكالة جديدة، لذلك فإن الغياب الأميركي من شمال شرقي سوريا لن يكون مجرد إعادة تموضع جغرافي، بل تفكيكاً لمنظومة أمنية بنيت على مدى عقد من الزمن، وسيكون الثمن باهظاً وسيترتب عليه انكشاف الحلفاء المحليين وتصاعد النفوذ الإيراني وقلق استراتيجي في تل أبيب، إضافة إلى فتح باب جديد أمام الفوضى والتطرف. لذا، فإن القرار الأميركي لا يجب أن يقاس بعدد الجنود المغادرين، بل بحجم التأثير الإقليمي الذي سيتغير بعدهم.

ويبقى أن الانسحاب الأميركي من سوريا، إذا تم، لن يكون مجرد "تحريك قوات"، بل إعادة صياغة لمعادلة النفوذ في الشرق الأوسط، ستسجل نتائجها في ميزان الربح والخسارة الاستراتيجي لعقود مقبلة.

في الخلاصة، وعلى رغم ضغوط الداخل الأميركي لسحب القوات وتقليص الانضمام إلى "حروب لا تنتهي"، فإن واشنطن تواجه معضلة حقيقية في الشمال السوري، إذ إن الانسحاب من دون استراتيجية بديلة من المرجح أن يؤدي إلى نتائج عكسية، أمنياً وسياسياً، ليس فقط على الأرض السورية، بل على امتداد المنطقة، خصوصاً العراق الذي لا يزال يعاني بقايا التنظيم. لذا، فإن أي قرار بالخروج يجب أن يكون مشروطاً بضمانات حقيقية، تشمل نقل المسؤوليات إلى قوى قادرة على المواجهة وتنسيقاً دقيقاً مع الحلفاء الإقليميين وطرح رؤية سياسية مستدامة تضمن عدم انهيار الشراكات التي بنتها الولايات المتحدة خلال عقد من الزمن.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل