ملخص
تحويل قضاء حلبجة الواقع شمال العراق إلى محافظة مستقلة. وتعد حلبجة رمزاً وطنياً لما تعرض له الشعب الكردي من اضطهاد، وبخاصة بعد المجزرة الكيماوية التي وقعت عام 1988 خلال عهد النظام السابق، وراح ضحيتها الآلاف.
في خطوة ذات أبعاد سياسية وتاريخية، صوت مجلس النواب العراقي أول من أمس الإثنين بالغالبية، على تحويل قضاء حلبجة الواقع شمال العراق إلى محافظة مستقلة، لتصبح المحافظة الـ19 داخل البلاد بعد أعوام من المطالبات الشعبية والرسمية، لا سيما من قبل حكومة إقليم كردستان العراق.
ويأتي التصويت بعد أكثر من 10 أعوام على إعلان حكومة إقليم كردستان العراق، حلبجة، محافظة من جانب واحد عام 2014، حيث كان التنظيم المنهزم في العراق وسوريا "داعش" الإرهابي يحتل مساحات واسعة من العراق آنذاك، من دون أن يحظى القرار وقتها بتصديق من الحكومة الاتحادية.
وتعد حلبجة رمزاً وطنياً لما تعرض له الشعب الكردي من اضطهاد، وبخاصة بعد المجزرة الكيماوية التي وقعت عام 1988 خلال عهد النظام السابق، وراح ضحيتها الآلاف.
مجزرة حلبجة
خلال يوم الـ16 من مارس (آذار) 1988، شنت قوات النظام العراقي السابق هجوماً كيماوياً واسع النطاق على مدينة حلبجة باستخدام غازات سامة مثل الخردل والسيانيد. وأسفر الهجوم عن مقتل نحو 5 آلاف مدني وإصابة أكثر من 10 آلاف آخرين، معظمهم من النساء والأطفال. وتعد هذه المجزرة من أفظع الجرائم التي ارتكبت ضد المدنيين في العصر الحديث، ووثقتها منظمات دولية على رأسها "هيومن رايتس ووتش" و"منظمة العفو الدولية"، وصنفتها محكمة الجنايات العراقية العليا لاحقاً كـ"جريمة إبادة جماعية".
خطوة وطنية
في المقابل، أكد رئيس الجمهورية العراقي عبداللطيف جمال رشيد أن تصويت مجلس النواب على قانون استحداث محافظة حلبجة يعد خطوة وطنية مهمة، تعبر عن التزام الدولة بإنصاف الضحايا وتعزيز قيم العدالة.
وذكرت الدائرة الإعلامية لرئاسة الجمهورية في بيان، أن "رئيس الجمهورية استقبل في قصر بغداد رئيس كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني النيابية هريم كمال آغا. وجرى خلال اللقاء تأكيد أهمية استمرار التنسيق والتعاون بين القوى السياسية لدعم مسارات الاستقرار والبناء، وتشريع القوانين ذات الصلة بمتطلبات المواطنين".
وأشار الرئيس العراقي، بحسب البيان، إلى أن "رئاسة الجمهورية بذلت جهوداً مع الأطراف كافة للإسراع في إقرار استحداث محافظة حلبجة، إنصافاً لأهالي المدينة ووفاء لدماء الشهداء"، مشدداً على "ضرورة استكمال الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة".
في حين أكد نائب رئيس مجلس النواب العراقي شاخوان عبدالله أن مصادقة مجلس النواب على مشروع قانون استحداث محافظة حلبجة يعد أقل درجات الوفاء، تجاه تضحيات أبناء هذه المحافظة.
وفي مؤتمر صحافي، عبر عبدالله عن شكره وامتنانه للكتل الكردستانية في البرلمان لدعمها مشروع القانون ومساهمتها في تمريره داخل المجلس. وأشار إلى أن بعض الكتل البرلمانية حاولت وضع عراقيل أمام تمرير المشروع، إلا أن الجهود الكبيرة التي بذلت أفضت إلى إزالة تلك العقبات، وبخاصة محاولات الربط بين استحداث محافظة حلبجة وقضاء تلعفر في حزمة تشريعية واحدة. وأوضح عبدالله أن الذرائع التي ساقها بعض الكتل السياسية لا ترقى إلى مستوى التضحيات التي قدمتها حلبجة، مشدداً على أن قضيتها تحمل طابعاً معنوياً، وأن المصادقة على مشروع القانون تعد الحد الأدنى من الوفاء لهذه التضحيات. وأضاف أن بعض الكتل التي كانت وعدت بدعم المشروع حاولت تعطيل الجلسة باستخدام ذرائع مختلفة، إلا أن القانون مُرِّر بطريقة قانونية سليمة.
ومن جانبه، أكد النائب عن "الإطار التنسيقي" علي الفياض أن القرار لا يرتبط بالانتخابات كما يروج، "بل هو استحقاق تأخر كثيراً. نحن في حاجة إلى مصالحة تاريخية حقيقية مع ضحايا الجرائم السابقة".
في حين أكد رئيس "تيار الحكمة" عمار الحكيم أن تحويل حلبجة إلى محافظة عراقية جديدة "أفضل تكريم لها"، عادَّاً أن ذلك "يتيح لحلبجة التمتع بفرص العمل والإمكانات الاقتصادية، والتمثيل السياسي الأوسع في القرار العراقي". وفي وقت ثمن خطوة مجلس النواب العراقي، حث الحكيم على إنصاف كل المحافظات ومنحها صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها، مما يسهم في تخفيف الأعباء عن كاهل الحكومة الاتحادية.
ترحيب كردي واسع
ورحب رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني بالقرار قائلاً "استحداث محافظة حلبجة هو انتصار للعدالة والكرامة، ووفاء لتضحيات شعبنا. ونشكر الكتل النيابية التي صوتت لمصلحة القرار، ونأمل في أن يكون هذا بداية لمزيد من الشراكة الحقيقية بين أربيل وبغداد".
وبدوره، رأى المحلل السياسي خالد العرداوي أن استحداث محافظة حلبجة مطلب مهم من مطالب الأكراد، لكن العرداوي رأى أنه تأخر لأسباب كثيرة، "ولكن حسمه في هذا الوقت يأتي لكونه يترافق مع وصول الدورة البرلمانية إلى نهايتها، وهناك رغبة في إثبات إنجاز ما، لا سيما من النواب الأكراد باتجاه ناخبيهم، هذا من جانب، ومن جانب آخر هو بادرة لترطيب الأجواء بين الكتل السياسية الشيعية والسنية ونظيرتها الكردية. ولذلك، فالحسابات الانتخابية والسياسية ليست بعيدة أبداً من هذا الاستحداث".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ردود فعل دولية
لاقى القرار أيضاً ترحيباً دولياً محدوداً حتى الآن، لكنه حظي بإشادة من بعض الجهات الغربية.
وأعربت السفارة الأميركية لدى العراق عن احترامها "العميق لضحايا حلبجة"، ورحبت "بخطوة البرلمان العراقي التي تعترف رسمياً بمكانة هذه المدينة وتاريخها المؤلم".
وأشادت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بالقرار، معتبرة أنه "خطوة رمزية مهمة نحو العدالة، لكنها يجب أن تستكمل بضمان حقوق أهالي حلبجة في التنمية والعدالة والمحاسبة"
تحذير من تداعيات القرار
وسط هذه الأجواء، حذر النائب عن "ائتلاف دولة القانون" جاسم الموسوي من تداعيات القرار على استقرار البلاد، قائلاً إن "استحداث محافظة جديدة يتطلب تشكيل مجلس محافظة وإنشاء دوائر ومؤسسات، مما يزيد الأعباء على الموازنة العامة التي تعاني أصلاً عجزاً واضحاً"، وأضاف الموسوي في تصريح صحافي "الخطوة تمثل سابقة خطرة، وقد تفتح الباب أمام مطالب مشابهة من أقضية ونواح أخرى، مما يهدد وحدة العراق الإدارية ويكرس الفيدرالية على أسس غير دستورية"، لافتاً إلى وجود "دفع من بعض الجهات الإقليمية لتمرير القرار في هذا التوقيت، ضمن مخطط يستهدف تقسيم العراق عبر خطوات تدريجية مغلفة بطابع إداري".
الإجراءات الإدارية
ومن المقرر أن تبدأ الحكومة الاتحادية بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان اتخاذ الإجراءات الإدارية والمالية اللازمة لتحويل حلبجة إلى محافظة كاملة الصلاحيات، بما في ذلك ترسيم الحدود وإنشاء هيئات تنفيذية ومجالس محلية، وإدراجها في الموازنة الاتحادية المقبلة.