Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وزير الداخلية الفرنسي حجر عثرة في أزمة باريس والجزائر

يقود نهجاً متشدداً والخارجية تؤكد ضرورة معاودة "الحوار" على المدى الطويل بعد مواقف "الحزم"

وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو (أ ف ب)

ملخص

وزير الداخلية برونو روتايو شخصية بارزة من اليمين الفرنسي ويقود حملة انتخابية لتولي قيادة حزب "الجمهوريين"، وأصبح خلال الأشهر الأخيرة يجسد النهج المتشدد حيال الجزائر، خصوصاً في القضايا المتعلقة بالهجرة.

أكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو اليوم الأربعاء ضرورة معاودة الحوار "على المدى الطويل" مع الجزائر، بعد أن أظهرت بلاده "حزماً" مع طرد موظفين قنصليين واستدعاء سفيرها، في تطور جديد ضمن التوتر الحاصل بين باريس والجزائر.

وأتى ذلك غداة قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طرد 12 موظفاً قنصلياً جزائرياً، رداً على إجراء مماثل اتخذته الجزائر بعد أسبوعين فقط من طي صفحة الخلافات بين البلدين. واستدعت باريس السفير الفرنسي في الجزائر ستيفان روماتيه للتشاور.

وأعلنت السلطات الجزائرية الأحد الماضي طرد 12 موظفاً تابعين لوزارة الداخلية الفرنسية، ومنحتهم 48 ساعة لمغادرة البلاد رداً على توقيف موظف قنصلي جزائري في فرنسا.

ويمثل هذا التطور حلقة جديدة في الأزمة المستمرة منذ أشهر بين البلدين، والتي تغذيها قضايا مثل الهجرة ومطالبة باريس الجزائر باستعادة المهاجرين غير النظاميين، والدعم الفرنسي لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية للصحراء الغربية، وسجن الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في الجزائر.

ودافع وزير الخارجية الفرنسي عن نهجه بعد أن تعرض لانتقادات داخل بلاده عدت موقفه معتدلاً، وقال بارو في تصريح لإذاعة "فرانس إنتر" اليوم إن "الحوار هو السبيل الوحيد لحل التوتر بصورة مستديمة" معتبراً أن من يدعو إلى غير الحوار "غير مسؤول".

وأضاف بارو الذي زار الجزائر مطلع أبريل (نيسان) الجاري، بعد أيام قليلة من اتصال هاتفي بين الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره عبدالمجيد تبون، "إن أردنا نتائج للفرنسيين يجب علينا يوماً ما أن نعود إلى حوار صريح وواضح" مع السلطات الجزائرية.

وأوضح بارو "لدينا مصلحة في إقامة علاقة طبيعية مع الجزائر والخروج من التوتر لكي نتمكن من ترحيل الجزائريين المقيمين بطريقة غير نظامية وإقامة حوار في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب والنجاح في الإفراج عن مواطننا بوعلام صنصال المعتقل تعسفياً في الجزائر".

وتابع "أؤمن بإمكان حصول لفتة إنسانية" في حين أن الحال الصحية للكاتب الثمانيني المسجون منذ خمسة أشهر والمحكوم عليه بالسجن خمسة أعوام في الجزائر، حرجة للغاية.

 

 

وناشدت ابنتاه ماكرون السعي إلى إطلاق سراحه فوراً، في مقال نشر على الموقع الإلكتروني لمجلة "فيغارو" أمس الثلاثاء.

وأكد بارو الذي من المقرر أن يتوجه إلى مارسيليا اليوم للقاء الجالية الجزائرية في فرنسا، أن "الفرنسيين الجزائريين والفرنسيين الذين لديهم روابط مع الجزائر يشكلون فرصة لفرنسا ولا ينبغي لهم أن يتحملوا تبعات هذا التوتر بين بلدينا".

وتثير القضية الجزائرية انقساماً في أوساط الطبقة السياسية الفرنسية، ويدعو كل من اليمين واليمين المتطرف إلى "الحزم الحاسم"، على غرار النائب اليميني المتطرف جان فيليب تانغي الذي انتقد سياسة فرنسا "غير الواضحة" عبر محطة " بي أف أم" مساء أمس.

في المقابل، دعا النائب اليساري المتطرف إريك كوكريل إلى الاعتدال، قائلاً لإذاعة "أر تي أل" إن "من مصلحتنا أن تكون لدينا علاقات مرضية مع جيراننا الذين تربطنا بهم علاقات كثيرة".

ومنذ الاستقلال، تقيم فرنسا والجزائر علاقات مضطربة ومتشابكة جداً، نظراً إلى حجم الجالية الجزائرية الكبير في فرنسا.

عرفت العلاقات بين الجزائر وباريس، المتوترة أصلاً، تصاعداً جديداً ومفاجئاً بعد هدوء لم يدم طويلاً، أرجعته الجزائر إلى وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو معتبرة أنه "يتحمل المسؤولية الكاملة" عنه.

وهاجمت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان "التصرف المشين" لروتايو الذي "يجيد الممارسات القذرة لأغراض شخصية بحتة"، مشيرة إلى أن توقيف موظف قنصلي جزائري ليس "إلا نتيجة للموقف السلبي والمخزي المستمر لوزير الداخلية الفرنسي تجاه الجزائر".

برونو روتايو شخصية بارزة من اليمين الفرنسي ويقود حملة انتخابية لتولي قيادة حزب "الجمهوريين"، وأصبح خلال الأشهر الأخيرة يجسد النهج المتشدد حيال الجزائر، خصوصاً في القضايا المتعلقة بالهجرة.

ويرى الباحث في العلاقات الدولية عبدالله أكير أن "وزارة الخارجية محقة لما ذكرت وزير الداخلية بالاسم باعتباره سبب الأزمة، ولا يعد هذا تدخلاً في الشأن الداخلي الفرنسي بقدر ما هو تحديد للمسؤولية".

واحتدمت الأزمة بين البلدين عندما سحبت الجزائر سفيرها لدى باريس احتجاجاً على إعلان باريس أواخر يوليو (تموز) 2024 تأييدها خطة المغرب في تطبيق الحكم الذاتي داخل الصحراء الغربية، المصنفة ضمن "الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي" بحسب الأمم المتحدة، وتدعم الجزائر الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) المطالبة بالاستقلال.

وتفاقم الوضع ببروز مشكلات أخرى كتوقيف الروائي الفرنسي-الجزائري بوعلام صنصال وإدانته بالسجن خمسة أعوام بتهمة المساس بوحدة الوطن، ثم خلافات متعددة متعلقة بالهجرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي كل مرة يبرز اسم برونو روتايو المتهم بالسعي إلى "تخريب" العلاقات مع الجزائر، فمنذ أصبح وزيراً "استهدف روتايو الجزائر بطريقة مباشرة جداً"، مما تسبب في "مواجهة وتحد" بين هذا البلد وبينه، على ما أوضح أستاذ الجيوسياسة عدلان محمدي، مضيفاً أن النظام الجزائري استغل القضية بدوره ليجعله "هدفاً" لردوده.

ويرى محمدي أن الجزائر تتفادى بذلك استهداف "الدولة الفرنسية ككل" في هذه الأزمة، وتسعى إلى "الحفاظ على نوع من هامش المناورة"، لتقول "نريد الحفاظ على قناة للحوار مع الإليزيه (الرئاسة الفرنسية) ومع وزارة الخارجية، لكن كل ما يتعلق بوزارة الداخلية يسبب لنا مشكلة".

وأشار الوزير الفرنسي أيضاً إلى الجزائر بعد هجوم دام خلال الـ22 من فبراير (شباط) الماضي في فرنسا، نفذه جزائري فرضت عليه السلطات مغادرة ترابها ورفضت الجزائر مرات عدة استعادته.

وعلى أرض الواقع، بعثت المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الجزائري والفرنسي عبدالمجيد تبون وإيمانويل ماكرون نهاية مارس (آذار) الماضي الأمل في حصول مصالحة.

وتساءل الوزير السابق والدبلوماسي الجزائري عبدالعزيز رحابي عبر منصة "إكس" عن مغزى هذا التمييز الذي قام به "جزء من الجزائريين" بين روتايو وماكرون، فهو لا يرى أن ثمة "اختلافاً جوهرياً" بين الرجلين "بل بالأحرى توزيع حكيم للأدوار"، بطريقة "الشرطي الجيد، الشرطي السيئ".

كذلك، أكد عبدالله أكير أنه "يصعب القول إن وزير الداخلية روتايو يتصرف من تلقاء نفسه ومن دون علم وموافقة رئيس الوزراء والرئيس ماكرون"، ومع ذلك يرى أن استهداف روتايو وانتقاده مباشرة هو من جهة أخرى "رسالة للرئيس الفرنسي لاتخاذ ما يراه مناسباً لتفكيك الألغام التي يزرعها الوزير روتايو في طريق التهدئة، والعودة بالعلاقات بين فرنسا والجزائر نحو مسارها الطبيعي".

وعدَّ رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية برونو فوكس أن وجود جناحين، معتدل ومتطرف، ينطبق أيضاً على السلطة الجزائرية في نظرتها وتعاملها مع فرنسا.

وقال "في الجزائر، الموقف تجاه فرنسا ليس متجانساً، من جهة هناك المؤيدون للحوار ومن جهة أخرى هناك المؤيدون للاتجاه المتشدد، ويبدو أن أنصار الخط الصارم يحاولون إفشال عملية العودة إلى تطبيع جديد".

وهذه فرضية معقولة بحسب عدلان محـمدي حتى وإن حاول النظام الجزائري "إخفاء" ذلك، لكن هل يمكن للعلاقات الجزائرية الفرنسية أن تستقيم مجدداً بعد هذه الهزات؟

وقال محمدي الحريص على عدم إبداء تفاؤل كبير، لأن الخلافات مثل تلك المتعلقة بالصحراء الغربية "لا رجعة فيها"، فإن "البلدين ليس لهما مصلحة في القطيعة التامة" وأن الحوار يمكن أن "يُستأنف".

كذلك يرى المتخصص في مجال القانون والعلوم السياسية بجامعة الجزائر إسماعيل معراف أن "المصالح الاستراتيجية العليا بين البلدين وحساسية الملفات التي لا تظهر للعلن، تجعلنا لا نستبعد أن تعود العلاقات إلى طبيعتها قريباً"، مؤكداً أنه غير مؤمن بتاتاً بفرضية "القطيعة" بين البلدين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير