ملخص
بما أن فرض التعريفة الجمركية يستهدف دفع الشركاء نحو مفاوضات لاتفاقات تجارية تقلل العجز الأميركي، يحذر المعلقون والاقتصاديون أميركا من تقليل شأن ما يمكن للصين أن تفعله في الحرب التجارية، هذا الأسبوع.
حين علق الرئيس الأميركي دونالد ترمب تنفيذ قرارات فرض التعريفة الجمركية "المتبادلة" على العشرات من دول العالم الأسبوع الماضي استثنى الصين، بل وزاد الرسوم الجمركية على صادراتها حين ردت بكين بفرض تعريفة جمركية على صادرات أميركية، ووصلت نسبة التعريفة الجمركية على الصادرات الصينية إلى أميركا إلى 145 في المئة، مقابل تعريفة جمركية على الصادرات الأميركية للصين بنسبة 125 في المئة.
وكان العجز التجاري الأميركي مع الشركاء التجاريين، خصوصاً الصين، هو المبرر الرسمي لقرارات فرض التعريفة الجمركية من قبل واشنطن، ففي العام الماضي وصل العجز التجاري الأميركي مع الصين إلى نحو ثلث العجز التجاري العالمي مع بكين، فمن بين فائض تجاري صيني مع العالم يصل إلى نحو تريليون دولار كان الفائض مع أميركا عند 300 مليار دولار.
ويرى الرئيس ترمب أن "دول العالم تسرق أميركا" بقدر ذلك العجز، إلا أن كثيراً من المحللين والاقتصاديين يرون أن العجز التجاري هو نتيجة أن أميركا تستهلك أكثر مما تنتج وهذا هو سبب العجز. وقال سمسار البورصة المخضرم بيتر شيف في مقابلة تلفزيونية "المشكلة هنا، في أميركا، لا أحد يسرقنا، إنما نحن نستورد أكثر مما ننتج ونصدر، وهذه ليست مشكلة الآخرين بل مشكلة أميركا".
بما أن فرض التعريفة الجمركية يستهدف دفع الشركاء نحو مفاوضات لاتفاقات تجارية تقلل العجز الأميركي، يحذر المعلقون والاقتصاديون أميركا من تقليل شأن ما يمكن للصين أن تفعله في الحرب التجارية، هذا الأسبوع.
وعن ذلك، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريراً مطولاً عن الميزات التي تملكها الصين في الصراع التجاري مع الولايات المتحدة وكيف أنها "تملك أوراق اللعب" أكثر من أميركا".
هل تستخدم الصين أوراقها
لدى الصين أدوات للتفاوض ليست لدى أميركا يمكن إيجازها في سيطرة حكومة بكين على الاقتصاد بتركيبة سياسية تختلف كثيراً عن أميركا، وأن لدى الصين أسواقاً متنوعة ومختلفة لصادراتها حول العالم كله تقريباً، وأنها أيضاً تملك القدر الأكبر من بعض المعادن الاستراتيجية بما فيها المعادن النادرة وتتحكم فيها، ذلك إضافة إلى أن الصين من أكبر حائزي سندات الدين الأميركية ويمكنها في حال قررت بيع سندات الخزانة الأميركية أن تهز سوق السندات والاقتصاد الأميركي وربما العالمي كله.
إلا أن بعض المحللين يرون في تلك الميزات التفاوضية الصينية مخاطرة أيضاً، لذا يُطرح سؤال وهو إلى أي مدى يمكن للصين أن تستخدم أوراق الضغط التي لديها في التفاوض مع واشنطن، أو حتى في تصعيد الحرب التجارية؟ ذلك لأن استخدام بعض أوراق اللعب الصينية يمكن أن يلحق الضرر أيضاً بالصين واقتصادها، ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأميركي.
قد تكون الميزة الأهم وورقة التفاوض الأساسية لدى بكين أن بإمكانها استبدال وارداتها من أميركا بالاستيراد من دول أخرى بينما العكس ليس صحيحاً، فصادرات واشنطن إلى الصين في معظمها منتجات غذائية وزراعية، مثل فول الصويا والقطن واللحوم والدواجن، بالتالي فهي لا تتمتع بقيمة مضافة كبيرة، أما معظم واردات أميركا من الصين فهي على العكس سلع مصنعة تحمل كثيراً من القيمة المضافة مثل الآلات والإلكترونيات وبعض المعادن المصنعة.
لذا يرى كثير من الاقتصاديين المعنيين بالشأن الدولي أن أوراق التفاوض الصينية أقوى بكثير، إذ قالت أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة سيتي بنيويورك مارتا بينغوا، إنه "رغم الاعتماد المتبادل بقوة بين الصين وأميركا يظل ميزان الأخطار أكبر ناحية الولايات المتحدة"، مضيفة "اعتماد الولايات المتحدة على الصين أكبر بكثير، إذ يمكن للصين الحصول على المنتجات الزراعية من أماكن أخرى بسهولة شديدة، بينما يصعب على الولايات المتحدة استبدال الإلكترونيات والآلات، فالصين تشتري فول الصويا بالفعل من البرازيل، على سبيل المثال، وهكذا في النهاية لدى الصين ميزة تفاوضية أقوى، ذلك فضلاً عن أن تراجع سعر صرف الدولار يزيد من كلفة استيراد السلع بصورة أعلى بالنسبة إلى أميركا".
أخطار على الصين
لا يعني ذلك أن بكين لن تتضرر من استمرار وتصعيد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، فالصين تستورد بعضاً من المنتجات المتقدمة من أميركا مثل قطع غيار الطائرات والأدوية وأشباه المواصلات، ورغم أن الإدارات الأميركية المتعاقبة فرضت قيوداً مشددة على تصدير الرقائق الإلكترونية إلى الصين، فإن كثيراً من الشركات الأميركية مربوطة بقوة عبر سلاسل الإمداد مع الصين.
ويقدر بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري أن هناك ما بين 10 و20 مليون عامل في الصين معرضون لخطر فقدان وظائفهم نتيجة تضرر الصادرات الصينية لأميركا، متوقعاً في مذكرة الأسبوع الماضي أن "يؤدي تزامن فرض التعريفة الجمركية الأميركية الهائلة وتراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة بقوة وتباطؤ الاقتصاد العالمي عامة إلى مزيد من الضغط على الاقتصاد الصيني وسوق العمل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لدى الصين تجربة في تقليل تلك الأخطار على اقتصادها، فمنذ فرض واشنطن تعريفة جمركية على صادراتها من الصلب والألمنيوم وألواح الخلايا الشمسية والغسالات في 2018 و2019 خلال فترة رئاسة ترمب الأولى حاولت الصين تقليل اعتمادها على التصدير للمستهلكين الأميركيين، وانخفض نصيب الصين في الواردات الأميركية من 21 في المئة عام 2016 إلى 13.4 في المئة العام الماضي 2024، بحسب ما تشير الأرقام الرسمية الأميركية، وأدى ذلك إلى خفض انكشاف الصين على أخطار التجارة مع الولايات المتحدة إلى حد ما.
كذلك، استغلت بكين العمالة الرخيصة وغياب رسوم التعريفة الجمركية لتعيد توجيه صناعاتها عبر دول آسيوية مثل كمبوديا وفيتنام، التي زادت صادرات الصين إليها الشهر الماضي بنسبة 17 في المئة، بحسب البيانات الصادرة الأسبوع الماضي، إلا أن إدارة ترمب ربما تعمل أيضاً على وقف هذا الطريق الملتوي الذي تستخدمه الصين للالتفاف على عقوبات التعريفة الجمركية، ففيتنام تحقق فائض تجاري مع أميركا بلغ 124 مليار دولار، لذا فهي مهددة من ترمب بتعريفة جمركية "متبادلة" بنسبة 46 في المئة (معلقة حتى 90 يوماً).
التأثير في الاقتصاد
يفترض أن تكون فترة 3 أشهر من تعليق فرض رسوم التعريفة الجمركية التي أعلنها الرئيس ترمب فرصة للتفاوض مع الشركاء التجاريين للتوصل لاتفاقات تجارية تقلل العجز التجاري الأميركي معهم، ومع أن بكين أعلنت أنها تريد التفاوض بدلاً من الصراع، إلا أن معظم المحللين والاقتصاديين، بحسب تقرير الصحيفة، يرون أن الولايات المتحدة هي الأكثر احتياجاً للتفاوض مع الصين.
فبحسب رأي كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك "ناتيكسيس" الاستثماري الفرنسي أليشيا غارسيا هيريرو فإن توقف القدر الأكبر من الصادرات الصينية لأميركا لن يكون تأثيره هائلاً في الاقتصاد الصيني، فقد حقق الناتج المحلي الإجمالي نمواً العام الماضي بنسبة خمسة في المئة، ويمثل الفائض التجاري الصيني مع العالم نسبة 1.5 في المئة من ذلك النمو.
وأشارت هيريرو إلى أن "الاقتصاد الصيني هائل الحجم ويتمتع بالقدرة على الصمود".
ولكن تظل هناك مشكلة في أن محاولة الصين إعادة توجيه صادراتها التي لن تذهب للشوق الأميركية إلى أسواق بديلة كأوروبا والهند وغيرها من دول الجنوب قد تواجه بإجراءات منع اغراق من تلك الدول.
وعن ذلك، قال المحاضر في كلية الأعمال بالجامعة الوطنية لسنغافورة أليكس كابري إنه "نتيجة الكمية الهائلة من السلع والبضائع التي ستحتاج الصين لتحولها (إلى أسواق أخرى غير أميركا) أتوقع أن يكون هناك رد فعل من الدول الأخرى على هذا الفيضان الهائل".
هناك ورقة مهمة جداً أيضاً بيد بكين وهي ما تملكه من سندات الدين الأميركي وفي الأقل نظرياً يمكنها بدء بيع سندات الخزانة تلك لتقليل انكشافها على الولايات المتحدة، وسيؤدي ذلك إلى تراجع جاذبية الأصول الأميركية للمستثمرين وإلى مزيد من التدهور في قيمة الدولار وسندات الدين الأميركية.
لكن هذا الخيار ليس من دون إضرار على الصين كذلك، إذ ترى رئيس قسم استراتيجيات الائتمان في "كريديت سايتس" زرلينا زينغ أن بيع الصين لما بحوزتها من سندات الخزانة الأميركية سيضرها، لكنها تضيف أنه "مع ذلك نتوقع أن تستمر الصين في تنويع احتياطاتها الدولارية بتحويلها إلى عملات أخرى كهدف طويل المدى".