ملخص
أفادت مصادر أمنية إقليمية وأوروبية استندت إليها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية بأن مئات المقاتلين من "جبهة البوليساريو" تدربوا على أنشطة مسلحة بدعم من إيران في سوريا، وشاركوا في شبكات إقليمية تهدف إلى توسيع النفوذ الإيراني، وأظهر التقرير الميداني تفكيك السلطات السورية الجديدة لما يمكن تسميته بالجسر البري الذي بسطت طهران نفوذها الإقليمي من خلاله، وذلك بتسليح "حزب الله" اللبناني وحلفاء آخرين بالمال والعتاد.
جدد التحقيق الاستقصائي الذي نشرته أخيراً جريدة "واشنطن بوست" الأميركية الجدل حول احتمالات دور إيران في التدريب العسكري لآلاف المقاتلين، بهدف توسيع نفوذها في سوريا ومناطق أخرى.
وفي تقرير ميداني حول محاولات سوريا وضع حد لشبكات تهريب الأسلحة والأموال المرتبطة بإيران في الشرق الأوسط، كشفت الصحيفة الأميركية ذاتها أن إيران عمدت إلى تدريب عناصر من "جبهة البوليساريو" داخل سوريا، وأن السلطات الجديدة في دمشق اعتقلت المئات من هؤلاء المسلحين.
تعويض الخسائر
أوردت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، في تقرير نشرته في الـ 12 من أبريل (نيسان) الجاري، معطيات بخصوص دعم إيراني لتدريب مقاتلين من "جبهة البوليساريو" المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المغرب، داخل الأراضي السورية.
وأفادت مصادر أمنية إقليمية وأوروبية استندت إليها الصحيفة عينها بأن مئات المقاتلين من "جبهة البوليساريو" تدربوا على أنشطة مسلحة بدعم من إيران في سوريا، وشاركوا في شبكات إقليمية تهدف إلى توسيع النفوذ الإيراني.
وأظهر التقرير الميداني تفكيك السلطات السورية الجديدة لما يمكن تسميته بالجسر البري الذي بسطت طهران نفوذها الإقليمي من خلاله، وذلك بتسليح "حزب الله" اللبناني وحلفاء آخرين بالمال والعتاد.
ولتعويض "خسائرها الاستراتيجية" وتهاوي نفوذها الإقليمي، وبعد تآكل وكلائها التقليديين بسبب الأحداث الجارية بالمنطقة، وفق التقرير نفسه، ركزت طهران على حلفاء آخرين، كما تبحث عن مناطق أخرى لبسط الهيمنة.
ومن هذه المناطق الجديدة التي تبحث فيها إيران عن نفوذ جيوسياسي، منطقة شمال أفريقيا وتحديداً المنطقة المغاربية، وهو ما يفسر، وفق التحليل، اهتمام طهران بتدريب مقاتلي "جبهة البوليساريو"، المطالبة بخلق جمهورية صحراوية في الصحراء، في الوقت الذي تنادي فيه المغرب بإقرار الحكم الذاتي لحل هذا النزاع، وهو المقترح الذي أيدته قوى دولية خصوصاً فرنسا وإسبانيا وأخيراً الولايات المتحدة.
دلائل القطيعة
ويبدو أن هذه المعطيات الواردة في هذا التحقيق الاستقصائي للصحيفة الأميركية بخصوص تدريب إيران لمقاتلي "البوليساريو"، تدعم اتهامات سابقة للمغرب لطهران بدعم هذه الجبهة الانفصالية، والتي على إثرها قطعت الرباط علاقاتها الدبلوماسية مع طهران.
في هذا الصدد أكد مصدر دبلوماسي، طلب عدم الكشف عن هويته لعدم تخويله الحديث إلى الصحافة، أن المغرب كان محقاً في توجيه اتهاماته إلى إيران بدعم تدريب عناصر "البوليساريو"، مؤكداً أن تقرير "واشنطن بوست" هو تأكيد لهذه الاتهامات وللموقف المغربي.
وتبعاً للمصدر الدبلوماسي ذاته، فإن المغرب يتوافر لديه كافة الدلائل الواقعية والموثقة التي تظهر تورط إيران في تدريب مقاتلين من "جبهة البوليساريو"، عن طريق "حزب الله" اللبناني، وأن قرار قطع العلاقات في مايو (أيار) 2018 استند إلى هذه الحجج، قبل أن يردف بأن "ما نشرته الصحيفة الأميركية يأتي ليدعم هذه الحجج."
وكان المندوب المغربي الدائم لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، اتهم إيران رسمياً قبل سنتين بالتوغل في منطقة شمال أفريقيا، وتدريب وتجهيز "جبهة البوليساريو" في تندوف بطائرات مسيرة.
التدخل في الغير
يعلق أستاذ العلاقات الدولية إدريس لكريني، بالقول إن التقرير الصحافي المذكور يأتي لتجديد التأكيد على نهج إيران سياسة التدخل في الشؤون الداخلية لبعض البلدان العربية خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.
وأردف لكريني بأن الدور الإيراني في المنطقة استغل هشاشة النظام الإقليمي العربي وضعف جامعة الدول العربية وضعف التنسيق بين الأقطار العربية، للقيام بأدوار خطيرة داخل بعض بلدان المنطقة، والزج بها في متاهات من العنف والصراع، وحتى النزاعات الطائفية التي أفضت إلى مآسٍ في لبنان والعراق وسوريا واليمن وغيرها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطرد المحلل بأن "المغرب كان واعياً بحجم التحركات الإيرانية ضده، خصوصاً أن هناك تحركات ملتبسة في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل الأفريقي وغيرها"، متابعاً بأن "موقف المغرب كان استباقياً برفض التساهل مع قضية وحدته الترابية، أو المس بثوابته الدينية والمذهبية، وبالتالي قطع العلاقات مع إيران".
ويأتي التقرير الجديد ليزكي دعوات نواب أميركيين من داخل الكونغرس الأميركي، إلى تصنيف "جبهة البوليساريو" منظمة إرهابية بعد توالي تقارير استخباراتية تؤكد هذا التوجه، في وقت أعلنت أميركا بوضوح دعم مغربية الصحراء ورفض أطروحة "جبهة البوليساريو" بالانفصال عن السيادة المغربية.
مواقف إيران و"البوليساريو"
وعلى الجانب الآخر، تنفي إيران أي دور لها في تدريب أو تسليح "جبهة البوليساريو" في أي مكان، معلنة بأنها كانت تدعم الجبهة في حقبة زمنية معينة، وأن هذا الدعم تخلت عنه طهران.
الدبلوماسي الإيراني السابق، سيد هادي أفقهي، المقرب من دوائر الحكم في طهران، سبق له أن صرح في هذا السياق بأن "موقف إيران من جبهة البوليساريو يعود إلى مرحلة بداية الثورة الإسلامية، حين جاء الدعم في سياق زمني مختلف، غير أن الأمور والمواقف تغيرت بمرور الزمن".
وتبعاً للدبلوماسي الإيراني "طهران لم تعد، ولن تكون، طرفاً في هذه القضية، انسجاماً مع المبادئ التي وضعتها لتطبيع علاقاتها مع المغرب، والقائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مع أهمية استقرار المنطقة باعتباره أساساً للتعاون المستقبلي".
وأبدى المسؤول الإيراني رغبته في تطبيع العلاقات بين الرباط وطهران، على أساس "الانفتاح الدبلوماسي الذي صار عقيدة طهران في تعاملها مع دول الجوار والبلدان العربية والإسلامية"، فضلاً عن توجه إيران نحو عدم التدخل في شؤون هذه البلدان.
وعلى نفس المنوال تقريباً سارت "جبهة البوليساريو" في ردها على الاتهامات المتوالية لها بخضوع مقاتليها لتدريبات عسكرية على يد إيران و"حزب الله"، حيث دحضت القيادية في الجبهة النانة لبات الرشيد هذه التهم في تصريحات صحافية، مؤكدة أن إيران جمدت الاعتراف بما سمته "الجمهورية الصحراوية" منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كما أن الجبهة لا تحتاج إلى "حزب الله" على رغم العلاقات الجيدة معه في مجال التدريبات العسكرية، وفق تعبيرها.