ملخص
وافق مجلس النواب على مقترح قدمه رئيس لجنة الشؤون الدينية بالمجلس علي جمعة، في شأن إضافة مادة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية، تنص على جواز التصالح بين مرتكب الجريمة وورثة المجني عليه قبل صدور الحكم النهائي من المحكمة، بحيث يمكن تخفيف الحكم بناء على التصالح، وذلك في قضايا القتل العمد غير المقترن بسبق الإصرار والترصد، والضرب الذي أفضى إلى الموت، وقتل الزوج زوجته متلبسة بالزنا.
أثار تعديل تشريعي يتيح التصالح في قضايا القتل العمد جدلاً في مصر، بين مؤيد للهدف المعلن من التعديل وهو الحد من قضايا الثأر، وآخرين يرون فيه باباً لغياب للعدالة إذ يعطي أفضلية لمن يملك دفع "الدية" لأهل القتيل لتفادي الإعدام.
ووافق مجلس النواب على مقترح قدمه رئيس لجنة الشؤون الدينية بالمجلس علي جمعة، في شأن إضافة مادة لمشروع قانون الإجراءات الجنائية، تنص على جواز التصالح بين مرتكب الجريمة وورثة المجني عليه قبل صدور الحكم النهائي من المحكمة، بحيث يمكن تخفيف الحكم بناء على التصالح، وذلك في قضايا القتل العمد غير المقترن بسبق الإصرار والترصد، والضرب الذي أفضى إلى الموت، وقتل الزوج زوجته متلبسة بالزنا.
هدف التعديل وفق ما أعلنه رئيس لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب ومفتي الجمهورية السابق علي جمعة، هو الحد من الجرائم بدوافع ثأرية في المجتمع المصري، مشيراً إلى أن الشرع أتاح لـ"أولياء الدم" الصلح في جرائم القتل العمد.
وقف الثأر
وتنتشر ظاهرة الثأر أو الانتقام في صعيد مصر، حيث تعده العائلات "رد اعتبار" لها بدلاً من اللجوء لطرق المحاسبة القانونية، وذكرت وزيرة التضامن الاجتماعي السابقة نيفين القباج في يناير (كانون الثاني) الماضي أن "الثأر" يعد من أسوأ المعتقدات التي تزيد من نسب جرائم القتل في صعيد مصر، والتي توارثتها الأجيال وأصبحت تحظى بالتقديس من دون التفكير في عواقبها السلبية مثل انعدام الأمن المجتمعي وعدم احترام النظام المدني الذي يحكمه القانون، مشيرة إلى أن الفقر والجهل يغذيان بيئة الثأر في مجتمع الصعيد. وأكدت أن الحكومة تهدف إلى "تغيير بعض الثقافات والعادات والتقاليد التي تقف حائلاً أمام سبل التنمية وأبرزها عادة الأخذ بالثأر".
فكرة تعديل القانون للتصالح في قضايا القتل العمد جاءت من مشيخة الأزهر، حيث كلف شيخ الأزهر أحمد الطيب لجنة المصالحات الثأرية في المشيخة، التي تقوم بدور الوسيط بين العائلات لإنهاء المنازعات الثأرية، بإعداد مذكرة في شأن تخفيف عقوبة الإعدام في حال التصالح بين القاتل وأهل القتيل، حيث يكون من الصعب إقناع العائلات بقبول الصلح في حال صدور حكم الإعدام، مما يترتب عليه استمرار دائرة الثأر، وفق مقال لرئيس اللجنة الشيخ عباس شومان بالموقع الرسمي للأزهر.
ووافقت هيئة كبار العلماء في الأزهر على المذكرة التي طالبت باستحداث نص تشريعي يفتح الباب أمام مسألة التصالح في قضايا القتل العمد، وذلك في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وتبنى المقترح رئيس لجنة الشؤون الدينية بمجلس النواب، وبعد صدور التشريع وصف شومان بأنه "إنجاز تاريخي يدعم عمل اللجنة العليا للمصالحات الثأرية".
نتيجة عكسية
المحامي بالنقض حسن أبوالعينين يرى أن التعديل التشريعي سيفتح الباب أمام مزيد من قضايا الثأر، وفسر ذلك بأن المجرم سيعتقد أن العواقب ستكون مادية بحيث يدفع مبلغاً من المال تحت مسمى "الدية" بهدف التصالح، وبذلك يتفادى العقوبة التي قد تصل إلى الإعدام، ومن ثم يكون من السهل على الأثرياء ارتكاب الجرائم، وهو ما لا يحقق العدالة في المجتمع، مشيراً إلى المثل الشعبي "اللي تعرف ديته اقتله".
وأضاف لـ"اندبندنت عربية" أن التعديل التشريعي هو محاولة للالتفاف على رفض المشرع ذكر "الدية" بشكل صريح، من خلال تسميتها "التصالح"، متوقعاً أن يطعن على دستورية المادة المستحدثة بعد صدور قانون الإجراءات الجنائية المعدل في شكله النهائي، مبدياً تشككه في توافقها مع مواد الدستور.
فيما قال القاضي السابق والمحامي حالياً هيثم عباس لـ"اندبندنت عربية"، إن الجانب الاجتماعي المتعلق بالفوارق الطبقية في مسألة التصالح أمر موجود في كل الجرائم التي أباح فيها القانون التصالح، ومن ثَم لا يتفق مع الآراء في شأن عدم توافق مبدأ التصالح مع العدالة بين كل أفراد المجتمع بغض النظر عن مستواهم المادي.
صحيحة دستورياً
ويرى المتخصص في مجال القانون الدستوري بجامعة المنصورة صلاح فوزي، أنه لا توجد إشكالية دستورية في المادة المستحدثة، حيث توجد فلسفة التصالح في تشريعات أخرى مثل التصالح في مخالفات البناء ومخالفات الضرائب والجمارك، ومن ثم لا يمكن القول إن المادة الجديدة تخل بميزان العدالة بين متهم قادر على دفع الدية والتصالح وآخر غير قادر.
فوزي الذي كان أحد 10 خبراء دستوريين وضعوا مسودة الدستور المصري الحالي الصادر عام 2014، قال لـ"اندبندنت عربية"، إن قانون العقوبات بصورته الحالية ينص على إمكانية تخفيض العقوبة، حيث ترك لتقدير القاضي أن يحكم بالسجن المؤبد بدلاً من الإعدام على سبيل المثال، لكن المادة الجديدة التي وافق عليها البرلمان توجب على القاضي تخفيض الحكم، ومن ثَم لا تزال العقوبة موجودة ولم تلغ، مما يعني أن حق المجتمع قد أخذ في الاعتبار.
وأشار إلى أن النص المستحدث يمكن قياس أثره التشريعي بعد أعوام، ورغم توقعه أن النص لن يمنع كثيراً من القتل بالثأر، لكنه يؤكد أنه حتى إذا تم إيقاف منازعة ثأرية واحدة أو اثنتين سنوياً فإنه يعد أثراً طيباً للتشريع الجديد.
غياب الردع
وفي شأن مدى دستورية النص التشريعي الجديد، قال المتخصص في مجال القانون الدستوري عبدالله المغازي، إنه من حيث المبدأ فإن الشريعة الإسلامية، المصدر الأساس للتشريع وفق الدستور، تبيح لولي الدم (أسرة القتيل) التصالح في قضايا القتل، لكن هناك تفاصيل واختلافات بين المذاهب الشرعية، ولا يمكن أخذ الأمر على علاته بأن الشرع أباح الدية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تصريحاته لـ"اندبندنت عربية" أوضح المغازي أن الهدف من أي عقوبة هو تحقيق الردع العام والردع الخاص، فإذا كان ولي الدم قد قبل التصالح فإن الردع العام لم يتحقق إذا أفلت الجاني من العقوبة، حيث سيكون هناك "استسهال" لارتكاب الجريمة باعتبار أن الأمر سيؤول إلى دفع مبلغ من المال أو أن ينتهي في جلسة عرفية للتصالح.
وأشار إلى احتمالية أن يكون ولي الدم يقع تحت الضغط أو التهديد بقتل مزيد من أفراد أسرته إذا لم يقبل التصالح، داعياً إلى أن يكون التشريع الجديد محل مزيد من النقاش المجتمعي.
ويرى المتحدث أن الردع العام يجب أن يتحقق من خلال عدم إلغاء العقوبة أو ما يسمى انقضاء الدعوى الجنائية في حالات التصالح بقضايا القتل الخطأ، بل أن يكون التصالح في قضايا القتل العمد يؤدي إلى تخفيف العقوبة فحسب، مثل عدم إعدام المتهم والاكتفاء بسجنه لمدة محددة، مما يعني أن حق المجتمع لا يزال مصوناً، كي لا يتجرأ أحد الأفراد لارتكاب الجرائم بدافع أن نهاية الأمر هو دفع مبلغ من المال أو ممارسة ضغوط للتصالح والإفلات من العقوبة.
وأكد أن العقوبة التي لا تحقق كلاً من الردع العام والردع الخاص تمس بأمن وسلم المجتمع، وطالب بإعادة النظر في مواد قانون الإجراءات الجنائية وألا يتم التوافق على المواد من دون تعمق، مع استشارة أساتذة القانون الدستوري.
تقليل حالات الإعدام
ووافق مجلس النواب الشهر الماضي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد في مجمله، وأجل التصويت النهائي لجلسة لاحقة، وذلك بعد مناقشات دامت 50 شهراً، بدءاً من تقديم الحكومة تعديلات على القانون القائم، لكن البرلمان قرر إعداد قانون جديد.
اللافت أن موافقة البرلمان على التصالح في قضايا القتل العمد جاءت بعد شهرين فقط من رفض مقترح من حزب النور يتيح التصالح في قضايا القتل مع سبق الإصرار والترصد، وكذلك القتل باستخدام "جواهر يتسبب عنها الموت" (المخدرات)، وبرر النائب أحمد حمدي خطاب عضو مجلس النواب عن حزب النور، أن ذلك التعديل سيحل عديداً من جرائم الثأر في الصعيد وتقليل التشاحن المجتمعي، إضافة إلى تقليص حالات الإعدام في ظل المطالبات الحقوقية الأممية بذلك.
وبحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية، فقد نفذت مصر 24 حالة إعدام عام 2022، لتكون رابع أكثر دولة تسجل وقائع إعدام في العالم.
ويوسع التعديل التشريعي الجديد من عدد الجرائم التي يمكن التصالح فيها، حيث ينص قانون العقوبات منذ عام 2006 على إمكانية التصالح بين ورثة المجني عليه والمتهم في جرائم القتل الخطأ.
تصالح المشاهير
وشهدت الأشهر الأخيرة عدداً من وقائع التصالح في قضايا من هذا النوع، كانت كلها حوادث سير تورط فيها مشاهير وأدت لسقوط ضحايا، مثل لاعب نادي الزمالك والمنتخب المصري أحمد فتوح الذي دهس شرطياً في أغسطس (آب) 2024، وبعد أسابيع من الحبس الاحتياط على ذمة القضية قضت المحكمة بحبسه سنة مع إيقاف التنفيذ وانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح، بعدما دفع لذوي القتيل 10 ملايين جنيه (197 ألف دولار)، وفق تقارير صحافية.
كما تصالح مؤدي أغاني المهرجانات عصام صاصا، مع أسرة شخص لقي مصرعه بعدما صدمه بسيارته، كذلك، لجأ الفنان أحمد رزق لدفع "دية" مليوني جنيه (39.5 آلاف دولار) وفق تصريحات لأسرة القتيل، وتكررت واقعة الدية مع الفنان عبدالعزيز مخيون لإنقاذ نجله الذي تورط في حادثة سير أدت لمصرع شاب في محافظة البحيرة.
وشهد البرلمان سابقاً دعوات لإعادة النظر في نصوص التصالح، حيث قالت عضو مجلس النواب، صفاء جابر عيادة، عام 2022 إنها ستتقدم باقتراح تشريعي لتعديل قانوني الإجراءات الجنائية والعقوبات، وعزت ذلك إلى أن التصالح في جرائم القتل الخطأ خاصة حوادث السيارات لها تأثير سلبي بحيث تسمح للجاني من الإفلات من العقاب، ومن ثم ضياع حق المجتمع، وفق تعبيرها في بيان صحافي آنذاك.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، تقدمت عضو مجلس النواب مي أسامة رشدي، باقتراح لإجراء تعديل تشريعي في نظام التصالح في قضايا في جرائم الضرب والتعدي والسب والقذف والقتل الخطأ، لأن "البعض أساء استخدام الحق في التصالح"، بما يضيع حق المجتمع في تحقيق الردع لمنع وقوع تلك الجرائم مستقبلاً.