Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سقوط الأحزاب الوسطية واندثار اليسار... أهم نتائج الانتخابات التشريعية في تونس

تصويت الناخبين التونسيين أسهم في تحطيم "وهم الزعامة" لدى كثيرين

لم يكن فوز حركة "النهضة" الإسلامية في المركز الأول بالانتخابات التشريعية التونسية صادماً للرأي العام، إذ إن النتائج التي حصدتها الأحزاب الكبرى كانت شبه متوقعة برأي كثير من المراقبين. غير أن نتائج تلك الأحزاب أتت أقل بكثير مما حققته في الانتخابات التشريعية الماضية، إذ وبحسب التوقعات التي نشرتها مراكز استطلاعات الرأي، تراجع عدد كتلة التي فازت بها "النهضة" بحدود 25 مقعداً مقارنةً بما حققته في انتخابات 2014 حيث حصدت 69 مقعداً حينها.
في مقابل هذا التراجع للحزب الأول على مستوى النتائج، حل حزب "قلب تونس"، الذي تأسس على عجل ويرأسه المرشح للانتخابات الرئاسية المسجون حالياً نبيل القروي، في المركز الثاني وفق أرقام أولية، وحصل على حوالي 35 مقعداً في المجلس النيابي العتيد، بينما فازت بقية الأحزاب بعدد أقل من المقاعد فحلّ حزب "تحيا تونس" الذي يرأسه رئيس الحكومة يوسف الشاهد في المركز الرابع، حاصداً 16 مقعداً يليه كل من "التيار الديموقراطي" و"حزب الشعب" و"الحزب الدستوري الحر".
 

هزيمة الأحزاب الوسطية الحداثية
 

أما المفاجأة الأكبر فكانت الهزيمة المدوية لما كان يُسمى بالأحزاب الوسطية الحداثية، التي لم تتمكن مجتمعة من الحصول سوى على خمسة مقاعد في البرلمان من أصل 217 مقعداً.
حزب "نداء تونس، الذي أسسه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي وكان الحزب الأول في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 وحقق 89 مقعداً، تدحرج بشكل مثير في هذه الانتخابات وفاز بأربعة مقاعد فقط، بينما عجزت بقية الأحزاب التي خرجت منه، حزب "مشروع تونس"، وحزب "بني وطني"، عن الفوز بأي مقعد، ما يعكس حال هذه الأحزاب التي كانت في يوم من الأيام في صدارة المشهد السياسي.
 

زعامات الوهم
 

ووصفت الإعلامية ناديا دجوي، نتائج الأحزاب الوسطية والحداثية بأنها تتناسب مع ما وصلت إليه هذه الأحزاب جراء تنافس قياداتها على الزعامة، "بشكل بات كل واحد منهم يعتقد أنه الزعيم السياسي الأوحد لهذه القوى، بينما ظهر ألا أحد منهم يملك المؤهلات والقدرة على أن يكون زعيماً، وأن أحزاب نداء تونس، ومشروع تونس، وبني وطني، وبدرجة أقل حزب آفاق تونس، والبديل التونسي، ذهبت أدراج الرياح واندثرت أو ستندثر في القريب العاجل".
وقالت دجوي لـ"اندبندنت عربية"، إن "هذه الأحزاب التي خرجت من رحم حزب نداء تونس الذي فاز في الانتخابات في 2014 رفضت أن تكون قريبة من الشعب، وكان همها الأكبر البقاء في السلطة، وأكبر مثال حزب مشروع تونس الذي يشارك إلى اليوم مع حركة النهضة في الحكومة، ويدعي تمثيل العائلة الحداثية الوسطية، رغم أن التوافق الذي تم بين (الرئيس الراحل) الباجي قايد السبسي و(زعيم النهضة) راشد الغنوشي انفرط عقده".
وتوقعت دجوي أن "يكون الاندثار مصير هذه الأحزاب العاجزة عن فهم الواقع التونسي، والتي حتى بعد هزيمتها، ما زالت عاجزة عن الفهم، ولا تملك قياداتها القدرة على استيعاب الواقع الجديد في تونس".
 

اليسار في خبر كان
 

ومع انهيار القوى الوسطية والحداثية، أتت هزيمة القوى اليسارية مدوية وصاعقة، خصوصا أن هذه القوى كانت ولفترة قريبة تمثّل ثقلاً سياسياً بحكم أنها قدمت زعيمين من كبار قياداتها هما محمد البراهمي وشكري بلعيد، اللذين قُتلا في عمليات اغتيال طالتهما منذ ست سنوات، وشكّل ذلك حينها مشهداً فاصلاً في الواقع التونسي.
القوى والأحزاب اليسارية التي فشلت في الحصول على أي مقعد في البرلمان الجديد، تجسد أزمة كبيرة تعيشها هذه القوى منذ سنوات عدة، وصفها الأستاذ الجامعي رافع الطبيب بأنها "نتاج لما أفرزته المعركة حول الانتخابات الرئاسية، التي أخذت بعداً أخلاقياً على المستوى السياسي. وخلق ذلك فراغاً بين تفكير المواطن العادي وبين واقع الأحزاب التي بدا للناس أنها لا تمثل خدمة الصالح العام، بل تعبّر عن رؤية انتهازية تسعى إلى الوجاهة والسلطة، فاختار المواطنون الأطراف التي قدمت نفسها بمظهر التعفف". وأضاف الطبيب، أن "مشكلة اليسار تمثلت في تقديمه صورةً مشوهةً لقيادته التي ظهرت بشكل انتهازي، ومعركة الانتخابات الرئاسية بين قياداته، التي ظهرت وكأنها معركة زعامات لا مصلحة فيها للشعب. كما أن هذه القيادات اليسارية لا تمثل رمزية للتعفف والنضال وتضحيات أجيال اليسار في تونس من أجل الديموقراطية. وجاء العزوف عن التصويت للقوى اليسارية في هذه الانتخابات التشريعية نتيجة وضع خلقته هذه القيادات ولا تمثل المبادئ والمثل التي كانت تنتظرها الناس منها".
 

معارك على الزعامة
 

وأوضح الطبيب أن "المعركة بين قوى اليسار لم تكن على أفكار أو مشروعات، بل على تصويت عاطفي شخصي، ومن ذهب للانتخاب وهم أقل من ثلث الشعب التونسي انتخب الصورة فقط وليس الأفكار أو البرامج بينما مَن قاطع هذه الانتخابات كان يعاقب الانتهازيين والكاذبين. واليسار بدل أن يكون هو مَن يجمع الغاضبين أخطأ وقدم أشخاصاً انتهازيين همهم الوحيد الزعامة والشخصنة". 
وقال الطبيب إن "اليسار في تونس أجيال وليس مدارس، وهنالك جيل جديد وأصوات تتعالى داخل الطيف اليساري تملك فكراً ولا تعيد تكرار الحديث عن بطولاتها ونضالها وتصديها للأنظمة السابقة، والكلمات التي ملها أبناء هذه القوى وكرهها الشارع في تونس".

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


فرصة للفرز
 
واعتبر المحلل السياسي إبراهيم لطيف، أن "نتائج الانتخابات التشريعية، تكرار لنتائج الانتخابات الرئاسية وتعكس رؤية الناخبين للمشهد في تونس"، مشيراً إلى أن "الناخبين الذين شكلوا القاعدة الانتخابية لمرشح القوى الوسطية في الرئاسية عبد الكريم الزبيدي كانوا الغائب الأكبر في التشريعية، ومثلوا غياب الطبقة الوسطية الديموقراطية لأنهم لم يجدوا أي حزب قادر على جمعهم خلف أفكاره".
واعتبر لطيف أن "هذه الانتخابات طرحت تساؤلات كبيرة حول ما ذُكِر عن مليون شاب باتت أسماؤهم في السجل الانتخابي أخيراً، وكيف تم ذلك ولماذا لم ينتخبوا؟ وعن أطراف شاركت في الانتخابات وقدمت نفسها على أن أكثر من مليون شخص يؤيدون مشروعاتهم الاجتماعية لكنها في المحصلة لم تنل أكثر من خمسة مقاعد في البرلمان الجديد".
ونفى لطيف أن تكون نتائج الانتخابات "كارثية"، بل قال إنها شكلت "مناسبة جيدة كي تتمكن حركة النهضة كممثل للإسلام السياسي وحلفائها من الحكم وتقديم برامجهم ومشروعاتهم وليس البقاء خلف ستار أحزاب وهمية تحكم مثل نداء تونس الذي تحالف معهم وغيره من الأحزاب والشعب سيكتشف ما يمكن أن تقدمه حركة النهضة وحلفاؤها من إضافة وتحسين للواقع الاقتصادي والاجتماعي في تونس".
وفي انتظار كيف ستكون نتائج المشاورات وإمكانية تشكيل الحكومة القادمة تبقى تونس تنتظر النتائج الرسمية التي ستعلنها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم الأربعاء المقبل تبقى تونس تنتظر حكومتها القادمة.

 

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي