ملخص
هزت أعمال القتل اللاذقية وبانياس وجبلة، وهي المدن الساحلية السورية الرئيسة، مما أجبر آلافاً من العلويين على الفرار إلى القرى الجبلية أو عبور الحدود إلى لبنان.
وقال الرئيس السوري أحمد الشرع في مقابلة مع وكالة "رويترز" إن موالين للأسد ينتمون إلى الفرقة الرابعة لجيش النظام السوري السابق وقوة أجنبية متحالفة، هم من أشعلوا فتيل الاشتباكات يوم الخميس لإثارة الاضطرابات وخلق الفتنة الطائفية "لكي يصلوا إلى حالة من زعزعة الاستقرار والأمان في داخل سوريا".
صرح الرئيس السوري أحمد الشرع أن عمليات القتل الجماعي لأفراد من الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس المخلوع بشار الأسد، تشكل تهديداً لجهوده للم شمل البلاد التي مزقتها الحرب، وتعهد بمعاقبة المسؤولين عنها حتى لو كانوا "أقرب الناس" إليه.
وفي أول مقابلة يجريها مع وكالة أنباء عالمية، بعد أربعة أيام من الاشتباكات العنيفة بين أفراد من الطائفة العلوية وقوات أمن تابعة للحكومة الجديدة، حمل الشرع جماعات موالية للأسد يدعمها أجانب مسؤولية إشعال الأحداث الدامية، لكنه أقر بأن أعمال قتل انتقامية وقعت في أعقاب ذلك.
وقال الشرع لـ"رويترز" من القصر الرئاسي في دمشق، "سوريا نحن أكدنا أنها دولة قانون، القانون سيأخذ مجراه على الجميع"، وأضاف "نحن بالأساس خرجنا في وجه هذا النظام وما وصلنا إلى دمشق إلا نصرة للناس المظلومين، لا نقبل أن يكون هنا قطرة دم تسفك بغير وجه حق أو أن يذهب هذا الدم سدى من دون محاسبة أو عقاب. مهما كان حتى لو كان أقرب الناس إلينا وأبعد الناس إلينا، لا فرق في هذا الأمر. الاعتداء على حرمة الناس، الاعتداء على دمائهم أو أموالهم، هذا خط أحمر في سوريا".
لا تواصل مع واشنطن
وفي المقابلة التي تناولت عدداً من الملفات، قال الشرع أيضاً إن حكومته لم تجر أي اتصالات مع الولايات المتحدة منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه، وكرر مناشدة واشنطن رفع العقوبات التي فرضتها على دمشق في عهد الأسد.
وطرح أيضاً احتمال استعادة العلاقات مع موسكو التي دعمت الأسد طوال الحرب، وتحاول الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين مهمتين في سوريا.
ورفض الشرع انتقادات إسرائيل التي استولت على أراض في جنوب سوريا منذ الإطاحة بالأسد، وقال إنه يسعى إلى حل الخلافات مع الأكراد، بما في ذلك من خلال الاجتماع مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مظلوم عبدي التي يقودها الأكراد وتدعمها واشنطن منذ فترة طويلة.
إقرار بحدوث انتهاكات في الساحل
وحمل الشرع وحدة عسكرية سابقة موالية لشقيق الأسد وقوى أجنبية مسؤولية اندلاع العنف في الأيام الماضية، لكنه أقر بأن "أطرافاً عديدة دخلت الساحل السوري وحدثت انتهاكات عديدة".
وقال إن ذلك "أصبح فرصة للانتقام" من مظالم مكبوتة منذ سنوات، لكنه أضاف أن الوضع جرى احتواؤه إلى حد كبير منذ ذلك الحين.
وذكر الشرع أن 200 من أفراد قوات الأمن قتلوا في الاضطرابات، في حين رفض الإفصاح عن إجمالي عدد القتلى في انتظار التحقيق الذي ستجريه لجنة مستقلة أعلنها أمس الأحد قبل المقابلة.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو جماعة تراقب الحرب مقرها بريطانيا، إنه حتى مساء أمس الأحد قتل ما يصل إلى 973 مدنياً علوياً في هجمات انتقامية، بعد اشتباكات قتل فيها أكثر من 250 مقاتلاً علوياً وما يزيد على 230 من أفراد قوات الأمن.
"يضيق قلبي في هذا القصر"
كان صوت الشرع (42 سنة)، وهو ابن لرجل ينتمي للتيار القومي العربي، يتجاوز بالكاد حد الهمس في بعض الأحيان خلال المقابلة التي أجريت معه بعد منتصف ليل أمس الأحد، وقال "بصراحة، يضيق قلبي في هذا القصر. في كل زاوية منه، استغرب كيف خرج كل هذا الشر منه تجاه هذا المجتمع".
وشكلت الاضطرابات التي جرت في الأيام القليلة الماضية، وتعد أشد موجات العنف دموية منذ الإطاحة بالأسد، أكبر انتكاسة للشرع في سعيه إلى الحصول على الشرعية الدولية، لرفع العقوبات الأميركية وغيرها من العقوبات الغربية بالكامل، وتأكيد حكمه على بلد مزقته حرب استمر نحو 14 سنة.
من تورط في القتل الجماعي؟
وأقر الشرع بأن العنف الذي شهدته الأيام الماضية يهدد بعرقلة مساعيه إلى لم شمل سوريا، وقال "الحدث الذي حصل من يومين سيؤثر في هذه المسيرة، وسنعيد ترميم الأوضاع إن شاء الله بقدر ما نستطيع".
ولتحقيق هذه الغاية شكل الشرع "لجنة مستقلة"، وهي أول هيئة يشكلها تضم علويين، للتحقيق في عمليات القتل في غضون 30 يوماً وتقديم الجناة للمساءلة، وأضاف أنه جرى تشكيل لجنة ثانية للمحافظة على السلم الأهلي والمصالحة بين الناس "لأن الدم يأتي بدم إضافي".
ورفض الشرع الرد على سؤال حول ما إذا كان المقاتلون الأجانب أو الفصائل الإسلامية المتحالفة الأخرى أو أفراد قوات الأمن الحكومية تورطوا في عمليات القتل الجماعي، وقال إن الأمر متروك للتحقيق.
وتداول سوريون على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو مروعة لعمليات إعدام نفذها مقاتلون، وتحققت "رويترز" من بعضها، بما في ذلك مقطع يظهر ما لا يقل عن 20 قتيلاً في إحدى البلدات.
وقال الشرع إن لجنة تقصي الحقائق ستفحص اللقطات.
وهزت أعمال القتل اللاذقية وبانياس وجبلة وهي المدن الساحلية السورية الرئيسة، مما أجبر آلافاً من العلويين على الفرار إلى القرى الجبلية أو عبور الحدود إلى لبنان.
وقال الشرع إن موالين للأسد ينتمون إلى الفرقة الرابعة لجيش النظام السوري السابق، التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد، وقوة أجنبية متحالفة هم من أشعلوا فتيل الاشتباكات يوم الخميس لإثارة الاضطرابات وخلق الفتنة الطائفية "لكي يصلوا إلى حالة من زعزعة الاستقرار والأمان في داخل سوريا".
ولم يحدد القوة الأجنبية، لكنه أشار إلى الأطراف التي خسرت من الواقع الجديد في سوريا، في إشارة واضحة إلى إيران حليفة الأسد منذ فترة طويلة، التي لا تزال سفارتها في دمشق مغلقة.
"سوريا بابها مفتوح للتواصل"
إلى ذلك صرح الشرع أن الأمن والازدهار الاقتصادي مرتبطان بصورة مباشرة برفع العقوبات الأميركية التي فرضت على نظام الأسد، "فلا نستطيع أن نقوم بضبط الأمن في البلد والعقوبات قائمة علينا".
ورداً على سؤال حول سبب عدم حدوث أي اتصال مباشر مع إدارة ترمب قال الشرع إن "الملف السوري يعني ليس على قائمة أولويات الولايات المتحدة، وأعتقد هذا السؤال يجب أن يوجه لهم، سوريا بابها مفتوح للتواصل".
من جهة أخرى قال الرئيس السوري إن موسكو ودمشق اتفقتا على مراجعة كل الاتفاقات السابقة بين الدولتين، لكن لم يتوفر الوقت الكافي حتى الآن للخوض في التفاصيل، وأضاف "لا نريد أن يكون هناك قطيعة بين سوريا وروسيا ولا نريد أن يكون الوجود الروسي في سوريا يسبب خطر أو تهديد لأية دولة في العالم، ونريد أن نحافظ على هذه العلاقات الاستراتيجية العميقة".
وأشار الشرع إلى أن العلاقات مع موسكو بالغة الأهمية، وقال" كنا نتحمل القصف ولا نستهدفهم بصورة مباشرة حتى نفسح المجال ما بعد التحرير أن يكون هناك جلسات وحوار بيننا وبينهم".
ورفض تأكيد ما إذا كان طلب من موسكو تسليم الأسد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الوضع في شمال شرقي سوريا
ومنذ الإطاحة بالأسد، اشتبكت جماعات تدعمها تركيا مع قوات كردية تسيطر على غالب شمال شرقي سوريا الغني بالنفط. ولم تبسط دمشق بعد سيطرتها وسلطتها على المنطقة في ظل محادثات تجرى مع مظلوم عبدي قائد "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة الذي قال إن أعمال العنف التي شهدتها البلاد أخيراً تبرر مخاوفهم من فكرة اندماجهم مع القوات الحكومية.
وقال الشرع إنه يريد حلاً عبر التفاوض وإنه سيلتقي بعبدي.
كما أن سيطرة الحكومة ضعيفة على جنوب سوريا، حيث دخلت إسرائيل إلى الجنوب، وأعلنت منطقة عازلة من السلاح، وهددت باستهداف القوات السورية إذا حضرت هناك.
ورفض الشرع التهديدات الإسرائيلية العدائية المتزايدة، وقال "هم آخر من يتحدث"، في إشارة إلى قيام إسرائيل بقتل عشرات الآلاف في قطاع غزة ولبنان على مدى الأشهر الـ18 الماضية.
أردوغان: تركيا ستواصل الدعم
في المقابل أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساء الإثنين أن بلاده "ستواصل تقديم كل أشكال الدعم الممكن" إلى سوريا، بعد أيام من المواجهات العنيفة في غرب هذا البلد.
وقال أردوغان "سنواصل تقديم كل اشكال الدعم الممكن إلى سوريا، لتنهض وتحافظ على سلامة أراضيها ووحدتها وتتوصل إلى السلام بكل مكوناتها الإثنية والطائفية".
ألمانيا تطلب إنهاء العنف في سوريا
من ناحية أخرى حثت وزارة الخارجية الألمانية اليوم الإثنين الحكومة في سوريا على منع وقوع مزيد من أعمال العنف، والتحقيق في الاشتباكات التي وقعت في الآونة الأخيرة.
وقال متحدث باسم الوزارة "نندد باندلاع أعمال عنف في مناطق طرطوس واللاذقية وحمص بسوريا، ونحث بصورة عاجلة كل الأطراف على إنهاء هذا العنف".
تنسيق أميركي - روسي
في الموازاة نقلت وكالة "تاس" للأنباء اليوم الإثنين عن السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا قوله إن روسيا تنسق مع الولايات المتحدة في شأن سوريا.
وعندما سئل الكرملين اليوم الإثنين عن الاشتباكات في سوريا، قال إن العنف يجب أن ينتهي في البلاد في أقرب وقت ممكن.