ملخص
بعد إطاحة بشار الأسد، شهدت مدينة اللاذقية توترات أمنية مع تنفيذ السلطات حملات أمنية فيها، وفي شمال شرقي سوريا، يشكل وجود المسلحين الأكراد تحدياً آخر للسلطة مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية التي بنوها خلال أعوام النزاع.
تواجه الإدارة السورية التي تتصدى حالياً لمسلحين موالين للنظام السابق في محافظة اللاذقية تحديات أمنية كبيرة تحول دون بسط نفوذها على كامل التراب السوري، مع وجود مجموعات مسلحة متعددة الولاءات.
ويشكّل الساحل السوري معقل الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة رئيس النظام السابق بشار الأسد، وينظر إلى تلك المنطقة بوصفها حاضنة عائلة الأسد التي حكمت سوريا بقبضة من حديد لأكثر من خمسة عقود.
وكان للعلويين الذين يشكلون نحو تسعة في المئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، حضورهم خلال الحكم السابق في المؤسسات العسكرية والأمنية التي لطالما اعتمدت الاعتقال والتعذيب لقمع أية معارضة.
توترات أمنية في اللاذقية
وبعد إطاحة الأسد، شهدت مدينة اللاذقية توترات أمنية مع تنفيذ السلطات حملات أمنية فيها، تزامنت مع تكرار حصول حوادث خطف وإطلاق نار، مما أثار مخاوف العلويين من عمليات انتقامية.
وعلى رغم أن حدة التوترات كانت قد تراجعت في الآونة الأخيرة، استمر تسجيل هجمات عند حواجز تابعة للقوى الأمنية من وقت إلى آخر، ينفذها أحياناً مسلحون موالون للأسد أو عناصر سابقون في الجيش السوري، وفق "المرصد السوري" لحقوق الإنسان.
وتضم المنطقة الساحلية عدداً كبيراً من الموالين للأسد من أفراد الجيش السوري السابق الذين لا يزالون يحتفظون بسلاحهم والعاملين في المؤسسات العامة، والذين صرفتهم السلطة الجديدة من وظائفهم. وبات هؤلاء عاطلين عن العمل ومتروكين لمصيرهم.
"هشاشة الحكومة"
وتظهر الاشتباكات الدامية المستمرة منذ أول من أمس الخميس في المنطقة، وفق ما يقول الباحث في مؤسسة "سنتشوري إنترناشونال" آرون لوند "هشاشة الحكومة" التي لا تملك للتعامل مع المسلحين العلويين "إلا سلطة القمع"، مضيفاً "لذا عندما تقع هجمات، تنطلق هذه الجماعات لتجوب القرى العلوية، لكن تلك القرى مليئة بالمدنيين الضعفاء وبالعسكريين السابقين المسلحين"، مما يجعلها أشبه بـ"قنبلة موقوتة".
ومنذ وصوله إلى السلطة، وجه الرئيس السوري أحمد الشرع رسائل طمأنة إلى الأقليات، على وقع مطالبته من المجتمع الدولي بإشراك المكونات كافة في إدارة المرحلة الانتقالية، وطالب قواته بضبط النفس محذراً من الطائفية، إلا أن ذلك لا يجد على الأرجح صدى لدى مختلف الفصائل التي تعمل بإمرته، والتي تشكل حالياً وفق لوند "جيش سوريا وشرطتها".
وجود المسلحين الأكراد تحدّ آخر للسلطة
في شمال شرقي سوريا، يشكل وجود المسلحين الأكراد تحدياً آخر للسلطة مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات الإدارة الذاتية التي بنوها خلال أعوام النزاع، ورفضهم حل أنفسهم كشرط للانضمام إلى الجيش الجديد.
وتسيطر "قوات سوريا الديموقراطية"، المدعومة أميركياً، والتي تشكل الذراع العسكرية للإدارة الذاتية، على مساحات شاسعة في شمال شرقي سوريا فيها أبرز حقول القمح والنفط والغاز التي تحتاج سلطات دمشق بشدة إلى مواردها في المرحلة المقبلة.
إلى الآن لم تحقّق محادثات عقدت بين الطرفين أي تقدم، مع إصرار الأكراد على الحفاظ على وجودهم ككيان عسكري مقابل تحقيق غالبية طلبات دمشق.
ويقول الباحث في الشأن السوري فابريس بالانش "طالما أن القوات الأميركية موجودة في شمال شرقي سوريا، فإن (قوات سوريا الديمقراطية) لن تتفكك".
وتشكل واشنطن التي تنشر المئات من قواتها في مناطق سيطرة الأكراد، دعماً رئيساً لهذه القوات في حربها ضد تنظيم "داعش" خلال أعوام النزاع.
ويوضح بالانش "يقبلون بعودة الإدارة المدنية السورية، بما في ذلك الخدمات الصحية والتعليم، لكنهم يرفضون دخول القوات العسكرية التابعة لـ(هيئة تحرير الشام)" الفصيل الذي قاد الهجوم الذي أطاح الأسد، ويضيف "يريدون الاحتفاظ باستقلالهم الإداري والحفاظ على نظام المقاطعات الذي بنوه".
ويشكل العرب أكثر من 60 في المئة من سكان الإدارة الذاتية، وفق بالانش الذي يقول إن هؤلاء باتوا يريدون "التخلص من الهيمنة الكردية" منذ تولي الشرع السلطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نأى دروز سوريا إلى حد كبير بأنفسهم عن النزاع
كما يشكّل الدروز ومعقلهم الرئيس في سوريا محافظة السويداء (جنوب)، حوالى ثلاثة في المئة من سكان سوريا.
بعيداً عن الدفاع عن أنفسهم في مواجهة هجمات في المناطق التي يعيشون فيها، نأى دروز سوريا إلى حد كبير بأنفسهم عن النزاع الذي بدأ عام 2011، وتمكّن عدد منهم من تجنب التجنيد الإجباري في الجيش. وأبدى فصيلان عسكريان رئيسان، مطلع العام، استعدادهما للاندماج تحت مظلة جيش وطني، لكن حتى اللحظة لم يسلّم أي منهما سلاحه إلى السلطة الجديدة.
وأحدثت تصريحات إسرائيلية، أخيراً، بلبلة في سوريا، بعدما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مطلع مارس (آذار) الجاري إنه "إذا أقدم النظام على المساس بالدروز فإننا سنؤذيه"، وذلك على إثر اشتباكات محدودة في مدينة جرمانا الواقعة في ضاحية دمشق التي يقطنها دروز ومسيحيون.
وأبدى قادة ومرجعيات دينية درزية رفضهم للتصريحات الإسرائيلية وأكدوا تمسكهم بوحدة سوريا، وهو ما أكده الشرع بدعوته المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل للانسحاب "الفوري" من مناطق توغلت فيها في جنوب سوريا.
وفي منشور على "إكس"، قال مدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف بـ"معهد الشرق الأوسط" تشارلز ليستر "في الوقت الحالي، يبدو أن محاولات إسرائيل استغلال دروز سوريا قد جاءت بنتائج عكسية، لكن لا تتوقعوا أن تتوقف التهديدات والإجراءات العسكرية".