في الوقت الذي تصر فيه الولايات المتحدة الأميركية على تصفير صادرات النفط الإيراني، كشف وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، أن بلاده سوف تستخدم أي وسيلة ممكنة لتصدير إنتاجها من الخام.
وتشير البيانات والأرقام، إلى أن صادرات إيران من النفط الخام والمتكثفات النفطية المسجلة تراجعت خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي إلى أقل مستوى لها منذ يوليو (تموز) من عام 2016، في الوقت الذي يحيط فيه الغموض بأسطول إيران من ناقلات النفط بسبب العقوبات الأميركية وهو ما يجعل تقييم الصادرات الإيرانية على نحو دقيق أمر صعب.
وأشارت وكالة "بلومبيرغ"، إلى أن إجمالي شحنات صادرات النفط والمتكثفات النفطية الإيرانية المسجلة خلال الشهر الماضي تراجع إلى 171 ألف برميل يوميا، مقابل 392 ألف برميل خلال أغسطس (آب) الماضي و230 ألف برميل خلال شهر يوليو (تموز) الماضي. فيما عادت الصين مجددا لتصبح المشتري الرئيس للنفط الإيراني.
التهريب هو الوسيلة الوحيدة للهروب من العقوبات الأميركية
وعلى الرغم من الإصرار الأميركي على "تصفير صادرات النفط الإيرانية"، لكن حكومة طهران أعلنت أنها تلجأ إلى أي وسيلة لاستمرار صادراتها، في الوقت الذي لم يعد أمامها سوى محاولات التهريب.
وأمس، أعلن وزير النفط بيجن زنغنه "أن إيران ستستخدم أي وسيلة ممكنة لتصدير إنتاجها من الخام".
وتشير البيانات إلى أن صادرات إيران من النفط الخام تراجعت بأكثر من 80% بعد أن أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات عقب انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب العام الماضي من اتفاق 2015 النووي بين إيران والقوى العالمية.
وقال زنغنه، "سنستخدم كل وسيلة ممكنة لتصدير نفطنا ولن نرضخ للضغط الأميركي لأن تصدير النفط حق مشروع لإيران".
وردا على ذلك، قلصت إيران التزاماتها بموجب اتفاق 2015 الذي قبلت طهران بمقتضاه كبح أنشطتها النووية مقابل رفع معظم العقوبات الدولية. وأدى تكثيف الضغط الأميركي على إيران إلى عزوف المستثمرين عن العمل في البلاد.
وخلال العام الماضي، حلت مؤسسة البترول الوطنية الصينية محل توتال لتشغيل مشروع المرحلة الحادية عشرة من حقل بارس الجنوبي بعدما أنهت الشركة الفرنسية مشاركتها كي لا تنتهك العقوبات الأميركية. لكن في أواخر العام الماضي، علقت المؤسسة الصينية الاستثمار في الحقل تحت ضغط من الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل تتسبب الرسوم الأميركية في تخلي بكين عن طهران؟
وعلى الرغم من أن الصين كانت تعد الباب الوحيد للتهرب من العقوبات الأميركية، لكن يبدو أن الحرب التجارية والرسوم الأميركية التي تواصلها الولايات المتحدة سوف تدفع الصين إلى التخلي عن دعمها لحكومة طهران.
حيث أعلن مدير مصنع "صدرا" للصناعات البحرية في ميناء بوشهر جنوبي إيران، عن إنشاء 5 منصات بحرية لتركيبها بحقل "بارس" الجنوبي المشترك مع قطر. وكانت وزارة الخارجية الإيرانية، أعلنت في قت سابق، منح المواطنين القطريين تأشيرات سياحية في المطارات الإيرانية، في إطار غزل إيراني للقطريين من جديد.
وفي مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، وقعت الحكومة الإيرانية عقدا مع مجموعة "بتروبارس" المحلية لتطوير حقل بلال البحري للغاز، المشترك مع قطر والواقع في مياه الخليج، بقيمة تبلغ نحو 440 مليون دولار.
وبموجب العقد، تتولى شركة "بتروبارس"، التي تعتبر جهة مقاولة، قيادة وإدارة العقد، وإجراء دراسات حول المكامن وتصميمات الحفر وطرح العطاءات الفرعية، وتتعهد بالإفادة القصوى من إمكانيات وطاقات المقاولين ومصنعي القطع المحليين، والإشراف على المناقصات الفرعية.
وستقوم بمقتضاه بحفر 8 آبار وإنشاء وتركيب منصة بطاقة إنتاج 500 مليون قدم مكعبة من الغاز الغني ومد سلسلة أنابيب بحرية بمسافة 20 كلم.
وتواجه طهران ضغوطا اقتصادية قاسية من قبل الولايات المتحدة، التي سبق أن انسحبت في مايو (أيار) من العام 2018 من الاتفاق النووي مع إيران، وفرضت عليها عقوبات اقتصادية بسبب برنامجها النووي والصاروخي.
وفي مارس (آذار) الماضي، ذكرت وزارة النفط في تغريدة، على موقع "تويتر"، أن إيران بصدد إطلاق 4 مراحل جديدة في حقل بارس الجنوبي، أكبر حقل غاز في العالم، بطاقة إنتاجية تصل إلى 110 ملايين متر مكعب يومياً. وكان إنتاج إيران من الغاز من حقل بارس الجنوبي بلغ مطلع العام الحالي نحو 610 ملايين متر مكعب يومياً.
لماذا يعد الخام الإيراني جاذباً للشركات الصينية؟
كشفت بيانات شركات تتبع السفن بالفترة الأخيرة عن ثمة ملامح أساسية متعلقة بالسلوك الإيراني في تهريب منتجات النفط للأسواق الدولية، حيث أن الأسواق الآسيوية لا سيما الصين هي الملاذ الرئيس لمبيعات النفط الإيراني رغم العقوبات الأميركية.
وبجانب الرفض الصيني للعقوبات الأميركية أحادية الجانب، يمثل الخام الإيراني خياراً جاذباً لمصافي النفط الصينية لاسيما مع تقديم طهران مزيدا من الخصم على المبيعات وتسهيلات للسداد بجانب تحمل تكلفة النقل والتأمين للعملاء.
وعليه، فقد واصلت بعض الشركات الصينية في استيراد النفط الإيراني حتى بعد إلغاء الإعفاءات الأميركية لصادرات النفط الإيرانية في مايو (أيار) الماضي.
وطبقاً لما رصدته شركة "تانكر تراكز" الأميركية، فقد جرى نقل عدد من شحنات الخام الإيراني للصين في الفترة الأخيرة ومنها شحنة تابعة للشركة الوطنية للنفط الإيرانية بمقدار مليون برميل لأحد عملائها في الصين وهو "مجمع جين کشي للتكرير والبتروكيماويات" وذلك على متن الناقلة "سؤز مكس سالينا" وقد غادرت محطة جزيرة خرج الإيرانية في 24 مايو (أيار) الماضي.
الصين تنسحب من حقل بارس الإيراني القطري المشترك للغاز
ونقل موقع وزارة النفط الإيرانية عن وزير نفط طهران بيجن زنغنه قوله، "مؤسسة البترول الوطنية الصينية انسحبت بالكامل من تطوير المرحلة الحادية عشرة لحقل بارس الجنوبي وستتولي المهمة شركة بتروبارس الإيرانية".
وتملك إيران ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم لكنها ليست مصدرا كبيرا له بسبب العقوبات الدولية التي فرضت عليها لعقود.
وأضاف زنغنه، "أن إيران تريد تحسين العلاقات مع جميع الدول في الخليج، نريد علاقات صداقة مع جميع دول المنطقة. يجب ألا يعتبرونا عدوا لهم. عدونا المشترك خارج الشرق الأوسط".
ولطالما وقعت الخلافات بين إيران والسعودية في اجتماعات أوبك بسبب سياسات إنتاج النفط وتصاعدت التوترات بين البلدين بعد أن حمّلت السعودية طهران مسؤولية الهجوم على منشأتي نفط في 14 سبتمبر (أيلول). وتنفي إيران هذا الاتهام.
وقال الوزير الإيراني: "لا يوجد خلاف مع السعودية. وليس لدي مشكلة في الاجتماع مع وزير الطاقة السعودي".
وفي تطور منفصل، أكدت هيئة الطاقة الذرية الإيرانية أمس، أن طهران ستقلص بدرجة أكبر التزاماتها بموجب الاتفاق إذا لم تف الأطراف الأوروبية بتعهدها بحماية اقتصاد إيران من العقوبات الأميركية.
ونقلت وكالة الطلبة للأنباء عن بهروز كمالوندي، المتحدث باسم الهيئة قوله، "سنمضي قدما في خطتنا لتقليص الالتزامات إزاء الاتفاق النووي إذ فشلت الأطراف الأخرى في الوفاء بتعهداتها".
إيران تواصل اختراق العقوبات الدولية
وكانت دراسة سابقة أعدها مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة بداية الشهر الماضي، تحت عنوان "كيف تتبع الشركات الدولية السلوك الإيراني تجاه العقوبات؟"، أشارت إلى أن إيرن تُصر على أن بمقدورها مواصلة مبيعاتها من النفط الخام للأسواق الدولية رغم العقوبات الأميركية المفروضة على قطاع الطاقة الإيراني منذ نوفمبر (تشرين الأول) الماضي، التي تحظر صادرات الخام والمنتجات المكررة الإيرانية لكافة دول العالم. وربما يمكن تفسير ذلك بأن طهران قد يكون لديها من الأساليب التي قد تمكنها من تجاوز العقوبات الأميركية مثلما جرى عليه الأمر عند تشديد العقوبات الدولية عليها خلال الفترة بين عامي 2012 و 2015.
وأشارت الدراسة إلى إيران لجأت أخيرا إلى استخدام مجموعة من الأساليب لإخفاء وجهات شحنات من النفط المنقولة عبر البحر، ولعل أهمها إغلاق أنظمة التتبع لناقلاتها والمعروفة بنظام "إيه.آي.إس"، وهو نظام تتبع آلي متصل بالأقمار الصناعية تستخدمه السفن.
لكن بموجب القانون الدولي، فإن السفن التجارية ملزمة بحمل أجهزة تتبع بالقمر الصناعي على متنها عند الإبحار إلى وجهاتها المختلفة حول العالم، من أجل تمكين السلطات البحرية من تحديد مواقع السفن وتحسين السلامة البحرية، وهو أمر ينطبق أيضاً على ناقلات النفط والغاز الطبيعي.
وطبقاً لشركات تتبع السفن، فقد بدأت طهران في إيقاف تشغيل أنظمة التتبع الآلي لناقلاتها منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حتى بات معظم أسطول الناقلات الإيرانية غير قابل للتتبع في أمر يعرف في مجال الشحن البحري بـ"التعتيم الكامل" للسفن.
وقامت إيران بعمليات تمويه أخرى لإخفاء وجهات صادراتها ومنها إرسال إشارات لاسلكية لمواقع تحميل خاطئة، وتغيير أعلام السفن، ونقل الشحنات من سفينة لأخرى في عرض البحر، بالإضافة لإجراء تعديلات مستمرة على مواعيد الناقلات، وهذا كله قد يعقد عملية تتبع الناقلات ومعرفة وجهات الشحنات المنقولة.