ملخص
توجد في منطقة جنوب ليبيا امتدادات قبلية للتبو والطوارق في عديد من البلدان الأفريقية المجاورة، التي تعاني نزاعات مسلحة وصعوبات اقتصادية على غرار السودان وتشاد والنيجر.
بعد إلقاء قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة الفريق ركن صدام حفتر نجل المشير خليفة حفتر فجر الأحد الماضي القبض على أحد قادة المعارضة المسلحة النيجيرية بمنطقة القطرون جنوب ليبيا، أبدى عدد من المراقبين مخاوفهم من وجود عناصر أخرى نائمة تابعة لجماعات أفريقية مسلحة بمناطق مختلفة من الجنوب الليبي الغني بالنفط والمياه الجوفية والثروات المنجمية.
وكان الجيش اعتقل القيادي في المعارضة المسلحة النيجرية محمود صلاح، ويترأس "جبهة التحرير الوطني" التي تأسست مباشرة إثر الانقلاب العسكري الذي شهده النيجر في صيف عام 2023، وتعمل الجبهة على الإفراج عن الرئيس النيجيري السابق محمد بازوم.
وتوجد في منطقة جنوب ليبيا امتدادات قبلية للتبو والطوارق في عدد من البلدان الأفريقية المجاورة، التي تعاني نزاعات مسلحة وصعوبات اقتصادية على غرار السودان وتشاد والنيجر.
إعادة الهيكلة
يقول المتخصص في الشؤون الأفريقية موسى تيهوساي إن المعارضة الأفريقية والجماعات المسلحة استوطنت الجنوب الليبي منذ عام 2014، وإلى حد الآن تعد المنطقة الجنوبية مساحة مفتوحة للحركات المسلحة العابرة للحدود، سواء تلك التي تأتي من المناطق التي تعاني النزاعات المسلحة أو "المؤجرة للبنادق"، أي التي تصدر مرتزقة جاهزين للاستخدام.
ويضيف لـ"اندبندنت عربية" أن البلاد تعج بخليط من حركات المعارضة المسلحة النيجيرية والتشادية والسودانية، إذ إن عدداً منها شارك في حروب سابقة، سواء داخل الجنوب الليبي أم خارجه (حرب طرابلس، وحرب بنغازي)، موضحاً أن هناك نحو سبع حركات من المعارضة المسلحة الأفريقية في ليبيا منذ عام 2014، بعضها اضحمل، والآخر يصارع البقاء على غرار حركات المعارضة المالية والنيجرية، وحركة "العدل والمساواة" السودانية، وتجمع "القوى من أجل التغيير" و"جبهة الوفاق من أجل التغيير" و"الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة" في تشاد، والقوات الثورية المسلحة من أجل الصحراء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول المتحدث ذاته إن إلقاء القبض على محمود صلاح هو رسالة لهذه الجماعات بأن ليبيا لم تعد كالسابق ساحة مفتوحة لهم لممارسة الحرابة وقطع الطرق والتهريب والخطف، موضحاً أن هذه الجماعات المسلحة ستحاول مستقبلاً (بعد إلقاء القوات المسلحة القبض على زعيم المعارضة النيجرية) هيكلة وجودها في المنطقة تحت أشكال أخرى، وستلجأ لتغيير تمركزاتها خارج المنطقة الجنوبية.
وأشار تيهوساي إلى أنه بعد إلقاء القبض على النيجري محمود صلاح، ستخشى بقية الجماعات المسلحة والمعارضة الموجودة بالمنطقة الجنوبية من استهدافها، مؤكداً أن صلاح استغل انتماءه العرقي لقبيلة التبو للجوء إلى منطقة القطرون جنوب ليبيا، القريبة من الحدود مع النيجر، بعد فراره من بلاده قبل عامين نحو الجنوب الليبي.
تركة الانقسامات
والمعروف عن الجنوب الليبي أن المعاناة فيه مستمرة بسبب الحدود المفتوحة على أكثر من بلد أفريقي يعاني صعوبات اقتصادية ومشكلات أمنية، إضافة إلى النزاعات القبلية والوضع الاجتماعي المتردي، زد على ذلك الأزمات السياسية التي عمقتها التدخلات الخارجية بمختلف مناطق الجنوب الليبي، بحسب الباحث وأستاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازي محمود الكاديكي، الذي يؤكد أن القوات المسلحة، وبعد بسط سيطرتها على الشرق، اتجهت مباشرة نحو الجنوب الليبي في محاولة لفض النزعات القبيلية التي تمتد عروقها إلى دول الجوار، وبدأت في محاربة الجماعات الإرهابية وكان آخر عملياتها إطاحة زعيم المعارضة النيجرية محمود صلاح إثر عملية عسكرية قادتها "كتيبة التدخل السريع 87"، وهي وحدة تابعة لهيئة الأركان العامة للقوات البرية في الجيش الوطني الليبي.
ينوه الكاديكي إلى أن الانقسامات السياسية أدت إلى إهمال الجنوب الليبي، وهي الثغرة التي استغلتها قوات المعارضة الأفريقية للانتشار هناك، مما كان له انعكاسات سلبية على الأمن القومي الليبي، مضيفاً أن "الانقسام داخل مجلس الأمن الدولي حيال ليبيا أدى بدوره إلى التمديد في حظر توريد الأسلحة على ليبيا، وهو ما جعل مهمة الجيش الليبي صعبة لمكافحة نشاط هذه المجموعات الأفريقية المعارضة لأنظمة بلدانها، لذا لجأت القوات المسلحة إلى محاولة تعزيز المصالحة بين القبائل في الجنوب الليبي، ومحاولة ضبط الحدود مع دول الجوار الليبي، وتفعيل الاتفاقات العسكرية مع تشاد والنيجر والسودان بصورة تعزز هذا الهدف.
ويتابع الكاديكي أن الجنوب الليبي هو صمام الأمان للدولة الليبية اقتصادياً وأمنياً، لذلك وجب دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية لخلق بدائل عن التهريب، والقطع مع انضمام الشباب في الجنوب إلى المجموعات المتطرفة عبر بعث مشاريع تنموية على غرار المشاريع التي بدأت تظهر أخيراً للنور في كل من سبها والجفرة والقطرون، حتى لا يكون الجنوب معزولاً تستغله مجموعات المعارضة الأفريقية والجماعات المتطرفة للنشاط هناك.