Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حروب الديجيتال بين أميركا وإيران تنذر بأن القادم أسوأ

معارك "السايبر" لا تريق الدماء لكنها قد تُحدث خراباً هائلاً.

أصبحت أنشطة القرصنة والتجسس والأنشطة العسكرية عبر الانترنت من حقائق الحياة المعاصرة (رويترز)

لم تكن محاولات القرصنة الإلكترونية الإيرانية على الولايات المتحدة وحملة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الانتخابية، والتي كشفتها شركة "ميكروسوفت" قبل أيام أمراً غريباً، فالأميركيون يدركون أنه لم يعد لدى إيران ما تخسره بعد انسحاب الرئيس الأميركي من الاتفاق النووي وفرض عقوبات مؤلمة عليها، لكن خطورة المحاولات الأخيرة تكمن في أنها آخر مؤشر إلى أن حروب الديجيتال أو ما يسمى حروب "السايبر" عبر شبكة الإنترنت تكتسب زخماً كل يوم على الرغم من مخاطر الهجمات المضادة، وأن إيران وعدداً من حكومات الدول الأجنبية المعادية لأميركا، تطمح من دون توقف، ليس فقط إلى التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة بعد حوالى عام، وإنما أيضاً إلى تهديد الشركات والاقتصاد الأميركي الذي يعتمد على تكنولوجيا الديجيتال أكثر من أي دولة أخرى في العالم.

جهود متواصلة

صحيح أن محاولات المتسللين المرتبطين بالحكومة الإيرانية لم تنجح إلا في اختراق أربعة من بين 241 حساباً للبريد الإلكتروني، ما جعل كريس كيربس مدير إدارة الأمن السيبراني في وزارة الأمن الداخلي الأميركية يصفها بأنها محاولات استخباراتية بلا قيمة أو تأثير، غير أنها تقدم دليلاً حياً على أن إيران وخصوم الولايات المتحدة يواصلون محاولات تقويض الديمقراطية الأميركية والسعي إلى تحطيم التفوق الأميركي، وهو ما يثير القلق في واشنطن، ولا سيما منذ أن خلصت الاستخبارات الأميركية إلى أن روسيا أدارت عملية اختراق ودعاية تهدف إلى التأثير في انتخابات الرئاسة السابقة عام 2016 والتي أكدها تقرير المحامي الخاص السابق روبرت مولر عن جهود التدخل في الانتخابات الأميركية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول خبراء في أمن المعلومات السيبرانية إن انعكاسات القرصنة حال اقتصارها على تسريب المعلومات، وبالتالي القدرة على التأثير وسط مزيج من الأخبار الكاذبة، تُشكل في عالم اليوم أمراً خطيراً لأنه من غير الواضح ما إذا كان صُناع القرار يتخذون قراراتهم استناداً إلى الحقائق، خصوصاً بعدما شكك الرئيس ترمب في تقييمات الاستخبارات الأميركية بشأن قرصنة روسيا على انتخابات الرئاسة عام 2016.

أما الأخطار الحقيقية، فإنها تمتد لتشمل حروب "السايبر" على نطاق أوسع في جميع المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية.

مواجهة الخصوم

وأصبحت أنشطة القرصنة والتجسس والأنشطة العسكرية عبر الإنترنت من حقائق الحياة المعاصرة، فالولايات المتحدة بعد سنوات من الحذر النسبي في استخدام أسلحة الديجيتال، ومن دعوتها معظم دول العالم إلى تقييد هذه الممارسات، اتخذت قراراً بأن تصبح صارمة في مواجهة الخصوم والأعداء. ففي الصيف الماضي، بعدما أوقف ترمب في اللحظة الأخيرة هجمات عسكرية ضد إيران عقاباً لها على إسقاط طائرة درون أميركية، تمكن قراصنة أميركيون من توجيه ضربة لنظم الكومبيوتر الإيرانية.

وفي العام الماضي، قبيل موعد الانتخابات النصفية للكونجرس الأميركي، تمكنت قيادة "السايبر" الأميركية وهي الوحدة العسكرية المسؤولة عن تنفيذ هجمات عبر الإنترنت، من إسقاط منصة روسية رئيسية خارج الإنترنت، كما تمكنت إدارة أميركية مشتركة من استهداف قيادة داعش ولا تزال تواصل ملاحقتها بعدما هزمتها الولايات المتحدة عسكرياً في سوريا والعراق.

ومثلما أصبحت طائرات الدرون مكوناً أساسياً من الترسانة الأميركية قبل نحو 10 سنوات، فإن حروب "السايبر" تمثل أسلوباً متحفظاً من دون إراقة دماء لاستهداف الخصوم والأعداء.

عواقب الاستمرار

يقول سيرغيو كالتاغيرون نائب رئيس شركة دراغوس للأمن السيبراني، إن الهجمات أصبحت جزءاً من ترسانة الدول التي تستخدمها ضد خصومها، لكن ما يثير القلق أن استخدام الولايات المتحدة حروب "السايبر" بشكل متواصل على المدى البعيد سيقود إلى استخدامها في أي وقت ما يفتح الباب لعواقب لا يمكن التنبؤ بها، ويحذر كالتاغيرون وهو كبير محللين سابق في وكالة الأمن القومي الأميركية من أن الأمر سيصبح أشبه بفتح صندوق لا تعرف محتواه في كل هجوم تقوم به.

وعلى سبيل المثال، عندما شنت الاستخبارات الروسية برنامجاً يُدعى "نوت بيتيا" ضد أوكرانيا عام 2017 وهو من البرمجيات الخبيثة التي تدعو متصفحها إلى دفع تعويض مالي كي يستعيد جهاز الكومبيوتر الخاص به، لم تتوقع لاستخبارات الروسية أن يؤدي ذلك إلى إصابة شركة "ميرسك" الدنماركية العملاقة للشحن البحري بالشلل التام، كما ألحق البرنامج أضراراً بعدد من المستشفيات البريطانية.

وتدرك الولايات المتحدة منذ فترة طويلة العواقب غير المتوقعة لأسلحة الديجيتال، فالهجوم الإلكتروني الذي شنته سابقاً على المنشآت النووية الإيرانية لم يُكتشَف إلا عام 2010 بعدما انتشر برنامجه الخبيث "ستوكسنت" في نظم كومبيوتر أخرى لم تستهدفها أبداً الولايات المتحدة، لكن هذه البرمجية الخبيثة أثبتت قدرتها على مهاجمة أهداف حيوية في سرية تامة والتسبب في تخريب العالم الحقيقي.

قيود الهجمات المضادة

قبل أيام قليلة، بحث الرئيس ترمب خيارات متعددة للانتقام من استهداف إيران منشآت نفطية سعودية، وتبلورت فكرة شن هجمات إلكترونية سيبرانية باعتبارها حلاً محتملاً لا يُوقِعُ ضحايا، ولكنه يُظهر في الوقت نفسه القوة الأميركية، لكن خبراء في حروب "السايبر" عبروا عن خشيتهم من أن أسلحة الديجيتال تحمل مخاطر عسكرة حروب "السايبر" فتتحول لتصبح إجراء عادياً ومتكرراً بين الدول في المستقبل، وتتوجس الولايات المتحدة من أن اقتصادها القائم على تكنولوجيا الديجيتال، سيكون معرضاً للهجوم السيبراني أكثر من أي دولة أخرى حول العالم.

فإيران ليست الجبهة الوحيدة أمام الولايات المتحدة، إذ استثمرت وطورت كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية في قدرات القرصنة لديها، وثبت للولايات المتحدة أن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الماضية وحاولت العبث في محطات الطاقة الأميركية، وتسببت في إظلام أوكرانيا ودول أخرى في شرق أوروبا.

أما القراصنة الصينيون، فهم متهمون بالقرصنة بشكل متواصل ضد شركات التكنولوجيا الأميركية على وجه الخصوص لسرقة الاختراعات والتحديثات، كما وثق باحثون أن الصين استخدمت جيشاً إلكترونياً معقداً لمراقبة الأقليات والمنشقين الصينيين.

ونفذت كوريا الشمالية سلسلة من السرقات الإلكترونية الفجة للاستيلاء على أموال يحتاجها النظام بشدة في بيونغ يانغ.

لكن الواقع يشير إلى أن استخدام الولايات المتحدة أسلحة "السايبر" مقيد أكثر من خصومها، فعلى خلاف روسيا مثلاً، امتنعت واشنطن عن استهداف البنية التحتية المدنية للخصوم.

استراتيجية الانخراط المتواصل

مدير وكالة الأمن القومي "بول ناكاسون" الذي يتولى أيضاً قيادة حروب "السايبر" دشن فلسفة جديدة للولايات المتحدة في هذا الإطار وأطلق عليها اسم "الانخراط المتواصل" بما يسمح للولايات المتحدة الدفاع عن نفسها ضد خصومها طوال الوقت على الشبكة العنكبوتية، وفي وقت تظل تفاصيل هذه الخطة سرية للغاية، إلا أن فكرتها تبنى على شن هجمات إضافية داخل شبكات الخصوم.

وتراقب إيران وخصوم الولايات المتحدة هذا التغيير، وصرح وزير خارجية إيران جواد ظريف أخيراً أن حروب "السايبر" أصبحت من الحروب الخطيرة. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي أمر بشن هجمات سيبرانية ضد نظم كمبيوتر إيرانية استخدمت في الاستيلاء على السفن والناقلات المارة في الخليج، ولم يستبعد شن هجمات أخرى بعد تورط إيران في الهجمات على منشآت النفط السعودية، إلا أن هناك أسباباً تقنية أخرى تجعل الأميركيين متمهلين في شن هجمات كثيرة ضد إيران وغيرها.

ويشير خبراء الأمن السيبراني إلى أن كل هجوم سيبراني تشنه الولايات المتحدة، يتطلب اختراق النظام المعادي في وقت مبكر، وحينما يحدث ذلك، فإنك تفقد قدرتك على الدخول إلى النظام مرة أخرى، بما يعني أن كل هجوم سوف يحرم الولايات المتحدة من مراقبة نظام الكومبيوتر مستقبلاً، كما يعني أيضاً أن الأهداف المتبقية للاستهداف في المرات المقبلة ستكون أقل.

أخطر من الأسلحة التقليدية

وبخلاف الأعمال العسكرية التقليدية، تُحدث هجمات "السايبر" تدميراً هائلاً يفوق ما تُحدثه الأسلحة التقليدية في ميادين القتال، ويخشى خبراء أميركيون من أن يكون عملاؤهم في القطاع الخاص مستهدفين من قبل إيران، ويشير "جون هلتكويست" مدير التحليلات الاستخباراتية في شركة "فاير آي" للأمن السيبراني إلى أن الشركات الأميركية وكذلك الحليفة للولايات المتحدة قد تتعرض لهجمات في الحرب المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة، خصوصاً أن شركته رصدت قراصنة إيرانيين يبعثون رسائل بريد إلكتروني لاصطياد ضحاياهم والولوج إلى أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم عبر خداعهم من خلال هذه الرسائل وهو ما قد يكون مقدمة لشن هجمات إيرانية مستقبلية.

وفي حين تستعد الولايات المتحدة لحروب أسوأ في المستقبل ضد إيران وخصوم واشنطن الآخرين، فإنها تواصل حث الدول الأخرى على ألا تقوم بذلك بعدما وقّعت مع 27 دولة أخرى بياناً يطالب الدول بعدم استهداف بعضها بعضاً ولا سيما في نظم المنشآت الحيوية والبنية التحتية المدنية.

المزيد من تحلیل