Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تعني وساطة السعودية بين أميركا وروسيا لفلسطين والعالم؟

بدأت الرياض تحصد نتائج "الحياد الصعب" الذي التزمته منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا على رغم الضغوط الفجة التي واجهتها من إدارة بايدن

  تعكس الوساطة السعودية بين الولايات المتحدة وروسيا تحولاً استراتيجياً في ميزان القوى الدبلوماسية، إذ باتت الرياض لاعباً رئيساً في إدارة الأزمات الدولية، لهذا فإن استضافة قصر الدرعية لهذه المحادثات لم يكن مجرد حدث عابر، بل يمثل اعترافاً دولياً بدورها المتزايد كوسيط موثوق قادر على جمع أقطاب الصراع الدولي على طاولة الحوار.

ومع أن الطرفين الأميركي والروسي خفضا سقف توقعهما لنتائج الجولة الأولى من المحادثات، إلا أن مجرد لقاء قطبي العالم بعد سنوات من القطيعة والحرب الضروس في أوكرانيا، يجعل المناسبة جديرة بالقدر الذي حظيت به من التفاعل والاهتمام الدولي.

واعتاد المراقبون قيام السعوديين بهذا الدور من التقريب بين الفرقاء في المنطقة العربية والإسلامية والدولية، لكن أن تقوم بذلك بين غرماء الحرب الباردة الجديدة، لهو نقلة نوعية تبرهن على تنامي ثقل الرياض ونفوذها، اللذين عملت بهدوء على ترسيخهما في المشهد الدولي، لقاء مقاربات ولي عهدها الشاب الأمير محمد بن سلمان، الذي أكد أن إمكانات بلاده وموقعها الاستراتيجي المتوسط للقارات، يؤهلها لأن تكون جسراً بين الشرق والغرب، بما يعني ذلك في أبعاده الجيوسياسية والاقتصادية.

وهذا ما جعل المحلل السياسي السعودي علي الشهابي يقول جواباً عن سؤال "لماذا الرياض؟"، لا أعتقد أن "هناك مكاناً آخر يتمتع فيه زعيم بمثل هذه العلاقة الشخصية الجيدة مع كل من ترمب وبوتين"، مضيفاً في تعليقه على المناسبة للصحافة الأجنبية "الحدث بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية مرموق ويعزز القوة الناعمة السعودية إقليمياً وعالمياً".

ثمن "الحياد الصعب"

كانت السعودية منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022، وهي تحتفظ لنفسها بحق الحياد الإيجابي في الأزمة، على رغم الضغوط التي يصفها السعوديون بالفجة، التي مارستها إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن على الرياض وتعهدت بجعلها منبوذة، ودفعت إلى شيطنتها عبر مزاعم دعمها الروس في الحرب على أوكرانيا، بالنظر إلى رفضها قطع العلاقات الاقتصادية مع موسكو التي طورت المملكة معها قبل ذلك علاقة نادرة، فيما عرف على النطاق العالمي بصفقة "أوبك+".

ومع الثمن الذي دفعته السعودية أول الأمر بسب "الحياد الصعب" الذي تمسكت به، إلا أنه اليوم للمفارقة كان هو الذي جعلها محل ثقة الطرفين الرئيسين في النزاع أميركا وروسيا إلى جانب أوكرانيا، والاتحاد الأوروبي الذي طمأنت القيادة السعودية مخاوفه من تسهيل تخلي ترمب عن كييف في محادثة بين ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي، إذ قالت الخارجية الفرنسية إن ماكرون تطرق في حديثه مع الأمير محمد إلى "الحرب الروسية في أوكرانيا والدور الذي قد تضطلع به السعودية في سبيل إرساء سلام ثابت ومستدام، إذ يمثلّ ذلك للأوروبيين مسألةً جوهريةً".

ويشير المحلل السياسي من جامعة الملك سعود علي الجديع في حديث مع "اندبندنت عربية" إلى أنه على عكس كثير من الدول التي اتخذت مواقف حادة تجاه أحد الطرفين، "نجحت الرياض في الحفاظ على علاقات متوازنة مع واشنطن وموسكو على حد سواء، فهي شريك استراتيجي للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات قوية مع روسيا، ولاسيما في مجالات الطاقة والتنسيق داخل "أوبك+". هذا التوازن يجعلها وسيطًا موثوقًا للطرفين".

ووفقاً لتقدير "سي إن إن" الأميركية، فإن موقع المحادثات الذي وصفه المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بأنه "يناسب الجميع"، الولايات المتحدة وروسيا، "يعتبر على نطاق واسع بمثابة فوز للزعيم الفعلي للمملكة، البالغ من العمر 39 سنة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. إنه في مهمة لتحويل بلاده الغنية بالنفط وماضيها الإسلامي الأصولي، إلى دولة يمكنها تنمية قوتها الناعمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الوساطة في بداياتها الأولى

كانت جهود السعودية للوساطة في هذا النزاع بدأت باكراً من مفاوضات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا عام 2022، وصولاً إلى استضافة مشاورات حول الأزمة الأوكرانية في جدة عام 2023. اليوم تثبت المملكة مرة أخرى أنها ليست مجرد قوة إقليمية، بل طرف رئيس في رسم ملامح السياسة العالمية، طبقاً لصحيفة "فاينانشال تايمز" التي أوردت أن "السعودية أصبحت منصة دبلوماسية معترفاً بها من القوى العالمية، إذ توفر بيئة محايدة للحوار بين القوى المتنازعة"،  من خلال دعم السلام العالمي في وقت يشهد فيه العالم توتراً جيوسياسياً متصاعداً بين الشرق والغرب.

وتؤكد "أسوشيتد برس"أن المحادثات التي بدأت صباح الثلاثاء بين مسؤولين أميركيين وروس في الرياض تعكس "تحولاً في مساعي التفاوض لإنهاء الحرب في أوكرانيا، إذ تلعب السعودية دور الوسيط النزيه في هذه القضية الحساسة"، بينما ترجح "الغارديان" البريطانية أن جهود الرياض في هذا السياق قد تسهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين السعودية وأوروبا، التي تسعى إلى إنهاء الحرب الأوكرانية من دون تصعيد إضافي، "مما يجعل الرياض نقطة محورية في المشهد السياسي العالمي".

الوعي بمصالح الأطراف

ومع التحديات التي تبرز أثناء مهمة محاولة التوفيق بين الأطراف المتعددة، فإن السعوديين لديهم مصالح مباشرة في تحقيق هذه المصالحة، بوصفهم أصحاب النفوذ الاقتصادي والتأثير في أسواق الطاقة، فبحسب تقارير "بلومبيرغ" فإن "المملكة تستفيد من دورها كوسيط في ضبط توازن أسواق النفط العالمية، إذ يساعد الاستقرار الجيوسياسي في دعم استقرار الأسعار وتعزيز استثماراتها الدولية".

لكن وسائل إعلام أوروبية أشارت مع ذلك إلى مخاوف تكتل بروكسل من أية تسويات قد تأتي على حساب أوكرانيا، وذكرت "الغارديان" أن هناك  قلقاً أوروبياً من أن "الوساطة السعودية قد تؤدي إلى تنازلات غربية لصالح موسكو، لكن لا شك أن الرياض تؤدي دوراً متقدماً في السياسة الدولية".

ولا يختلف الجانب الروسي والصيني عن الغربي في النظر إلى دور الرياض في هذه الوساطة بعين الرضا، إذ ألقت الحرب بظلالها على سائر الملفات الدولية تقريباً، بوصف أكثر الدول المؤثرة متضررة منها بصورة أو بأخرى، ولهذا اعتبرت وكالة "تاس" الروسية أن الكرملين ينظر بإيجابية إلى الوساطة السعودية، حين أضاف أن "الحوار في الرياض يعكس استعداد موسكو للحوار مع الغرب ضمن بيئة أكثر توازناً بعيداً من التأثير المباشر لحلف الناتو".

هل تنعكس على قضية فلسطين؟

وفي الجانب العربي يعلق عدد من المراقبين آمالاً على الدور السعودي في هذه المفاوضات بصفتها وسيطاً بين القوتين العظميين، إذ يكسب ذلك الرياض مزيداً من النفوذ الدولي، مما قد يسمح لها بالضغط من أجل إدراج القضية الفلسطينية ضمن الأجندة الدبلوماسية الكبرى، وهي القضية التي كان موقف الإدارة الأميركية الجديدة فيها باعثاً على مخاوف العرب من تصفية قضيتهم الأولى لصالح إسرائيل، ولذلك ترى "واشنطن بوست" أنه مع تزايد دور السعودية كلاعب محوري في حل النزاعات الدولية، "يمكن للمملكة استخدام نفوذها للمطالبة بإطار جديد للتعامل مع القضية الفلسطينية"، وهو ما ألمحت إليه الرياض، حين كشفت عن رفض قاطع لتهجير سكان غزة، من دون أن تراعي علاقتها الوثيقة مع ترمب.

وفي هذا الصدد يرى المحلل السياسي الجديع أن التوفيق بين الولايات المتحدة وروسيا ليس مهمة سهلة وعمل يسهل قيام دولة به، فالعلاقات بين القوتين العظيمتين "تعيش واحدة من أكثر مراحلها تعقيدًا منذ الحرب الباردة، بسبب الحرب في أوكرانيا والصراع على النفوذ الدولي". إلا أنه يرى مع ذلك أن بلاده "تملك من الأدوات ما يجعلها قادرة على لعب دور فاعل في تقريب وجهات النظرأو على الأقل لفتح قنوات حوار قد تفضي إلى تفاهمات مرحلية وليس بالضرورة لحل الخلافات جذريًا".

إن استضافة السعودية لهذه المحادثات تؤكد أنها أصبحت لاعباً رئيساً في السياسة الدولية، قادرة على بناء الجسور بين القوى العظمى، وتعزيز الاستقرار في عالم يشهد توترات متزايدة. وردود الفعل الدولية تظهر أن الرياض لم تعد مجرد متلق للسياسات الدولية، بل باتت صانعة لها، وهو ما يعزز دورها كقوة دبلوماسية رئيسة في القرن الـ21.

المزيد من تقارير