ملخص
يجب استبدال الصفائح المعدنية التي تآكلت بأخرى جديدة مقاومة للصدأ والمياه المالحة لضمان صلابة الأساسات البحرية، مع تخصيص موازنة عاجلة لأعمال الترميم وتنفيذ الإصلاحات الضرورية قبل تفاقم الوضع وحدوث كارثة جديدة في ليبيا".
بات كورنيش طرابلس الذي يعد من أبرز معالم العاصمة الليبية ويمثل متنفساً مهماً للسكان ومقصداً سياحياً يجذب الزوار وخصوصاً في فصل الصيف، مهدداً بمشكلات خطرة نتيجة أعمال الصيانة التي تجريها حالياً شركات غير متخصصة مع ردم البحر بطرق غير مدروسة، مما تسبب بمخاوف من حدوث كارثة كبيرة إذا لم تتحرك الجهات الرسمية لتدارك الأمر.
صافرة إنذار رسمية
عميد بلدية طرابلس المركز إبراهيم الخليفي كان من أبرز الشخصيات التي أطلقت صافرة إنذار بخصوص ما يجري في كورنيش العاصمة وما قد يحل به بسبب عمليات التطوير العشوائية التي تجري فيه حالياً، وحذر الخليفي في بيان رسمي من خطورة الوضع الحالي في كورنيش طرابلس، مشيراً إلى أن "الرصيف الممتد من ميناء طرابلس إلى ميناء الشعاب يواجه خطر الانهيار"، كما بيّن أن "البلدية أحالت رسالة من مصلحة الموانئ إلى الرقابة الإدارية ومديرية أمن طرابلس ولم يجر التفاعل معها لأن الكارثة لم تقع بعد، والآن مر الشتاء بسلام لكن سيكون هناك ضغط كبير على الكورنيش خلال الصيف، لذا أدعو كل الجهات ذات العلاقة إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات في أسرع وقت ممكن".
وأشار الخليفي الى أن "الصيانة القائمة حالياً في الرصيف هي صيانة بسيطة من شركات محلية، فالعمل البحري - البري يحتاج إلى شركات متخصصة ومحترفة وتمتلك تقنيات عالية، وكل الشركات في ليبيا ليست رائدة في مجال الردم أو الموانئ مما يرفع مستويات الخطر المتوقع". وانتهى عميد بلدية طرابلس المركز إلى أنه "لم يجر رصد أي أموال لصيانة الرصيف بعد، ولا التعاقد مع أي شركات متخصصة، والصفائح المعدنية في الكورنيش تآكلت بشكل سيئ وبخاصة مع قرب التوافد عليه للسياحة المحلية خلال الصيف".
معلم سياحي عتيق
ويعود تاريخ إنشاء كورنيش طرابلس لفترة الاحتلال الإيطالي لليبيا بين عامي 1911 و1943، وتحديداً في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، فخلال هذه الفترة عملت السلطات الإيطالية على تطوير البنية التحتية للمدينة، بما في ذلك إنشاء طرق واسعة على طول الساحل، والتي أصبحت لاحقاً أساساً للكورنيش الحديث.
وبدأ إنشاء الكورنيش ضمن خطط تحديث طرابلس كمركز إداري وتجاري مهم، وبُنيت أرصفة وطرق ساحلية مع إضافة بعض المنشآت العامة والمباني ذات الطابع الأوروبي، وخلال العهد الملكي في ليبيا بين عامي 1951 و1969 شهدت طرابلس توسعاً عمرانياً ملحوظاً، وجرى تحسين الكورنيش وتوسيعه ليصبح متنفساً للسكان بإنشاء الحدائق والمساحات العامة على طول الساحل العاصمي.
وأثناء نظام معمر القذافي بين عامي 1969 و2011 خضع الكورنيش لتحويرات جذرية وفق خطط تطويرية عدة، إذ جرى توسيع الطرق الساحلية وإضافة معالم جديدة مثل "ساحة الشهداء" والمنشآت السياحية والفنادق القريبة منه.
تآكل الأساسات المعدنية
المهندسة المعمارية والباحثة الأكاديمية في مشاريع تطوير المدن وفاء العمامي رأت أن من أهم الأخطار التي تواجه الواجهات البحرية المستحدثة في المدن الكبيرة هي "تآكل الصفائح المعدنية وفقدان متانتها، إذ تستخدم في تدعيم الأساسات البحرية للمرافئ والكورنيش، لكن مع مرور الوقت تتعرض للتآكل بسبب الأملاح البحرية والتعرض المستمر للمياه، مما يضعف قدرتها على تحمل الضغط والوزن".
وعلقت العمامي على التحذيرات من كارثة محتملة في كورنيش طرابلس بقولها إنه "بحسب تصريحات عميد بلدية طرابلس المركز إبراهيم الخليفي فإن هذه الصفائح في حال سيئة، ولم تخصص موازنة لترميمها أو استبدالها مما يجعلها عرضة للانهيار المفاجئ وخصوصاً في غياب الشركات المتخصصة، فهذا الأمر يمثل خطراً كبيراً لأن الصيانة البحرية تحتاج إلى تقنيات متطورة وأدوات دقيقة لضمان ثبات الرصيف ومنع انهياره".
أضافت "مما يرفع درجة الأخطار في كورنيش طرابلس ما يجري من عمليات ردم عشوائية وتأثيرها في استقرار التربة التي تعتبر من أخطر العوامل التي تهدد الكورنيش، إذ يجري ردم أجزاء من البحر بلا درس جيولوجي دقيق لطبيعة التربة وقوة تحملها، وإذا لم تنفذ عمليات الردم وفق معايير هندسية صحيحة فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على الأساسات مما يسبب تصدعات وانهيارات مستقبلية".
وانتقدت العمامي بطء تعامل الجهات الرسمية مع التحذيرات التي تصلها في شأن كورنيش طرابلس، مؤكدة أن "الإهمال الإداري وتأخير الإجراءات الاحترازية على رغم أن بلدية طرابلس المركز قامت بإحالة رسالة مصلحة الموانئ إلى الجهات المتخصصة مثل الرقابة الإدارية ومديرية الأمن، وعدم اتخاذ أية إجراءات فعلية حتى الآن لتفادي كارثة في كورنيش طرابلس، يعكس ضعف الاستجابة للكوارث المحتملة مما يؤدي إلى تفاقم الوضع حتى وقوع الكارثة، تماماً مثلما حصل في سبتمبر (أيلول) 2023 في مدينة درنة".
تطوير غير مدروس
من جهته حدد أستاذ الجيولوجيا إبراهيم عبدالقادر أهم الأخطار التي تواجه كورنيش طرابلس حالياً في "أعمال الردم والصيانة الخاطئة التي قد تسبب الانهيار المفاجئ وسقوط الرصيف عند تنفيذ عمليات ردم غير مدروسة أو صيانة غير متخصصة، إذ يصبح التوازن الهيكلي للكورنيش في خطر، ومع مرور الوقت وتحت تأثير الأمواج والضغط الناتج من حركة الزوار والسيارات فقد تنهار أجزاء من الرصيف فجأة مؤدية إلى خسائر بشرية ومادية جسيمة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح عبدالقادر أن "الردم غير الصحيح قد يسهم في تآكل الأساسات الموجودة تحت الماء بسبب التغيرات في حركة التيارات البحرية عندما لا تجري معالجة الأساسات أو تدعيمها بصورة صحيحة، إذ يمكن أن تتآكل الصخور الحاملة للكورنيش مما يزيد احتمالات الانهيار، خصوصاً وأن الردم العشوائي عادة ما يسبب اضطرابات في البيئة البحرية، وهذا الأمر يضيف أخطاراً بيئية جسيمة باعتبار أنه يؤدي إلى تغيير مسارات التيارات البحرية، ما يؤثر في توازن الكائنات البحرية داخل المنطقة، كما أن استخدام مواد غير مناسبة قد يسبب تلوثاً بحرياً يضر بالحياة المائية".
وطالب عبدالقادر باتخاذ تدابير عاجلة لتفادي الكارثة المحتملة في كورنيش طرابلس، ومنها "تكليف شركات متخصصة في الصيانة البحرية ولديها خبرة في أعمال الموانئ، وعدم الاعتماد على الشركات المحلية التي تفتقر إلى التقنيات المطلوبة، يسبقها إجراء درس جيولوجي وهندسي شامل ومعمق لتقييم حال التربة والأساسات، والتأكد من قدرة الكورنيش على تحمل الضغط قبل إجراء أية عمليات ردم أو صيانة". وتابع، "يجب أيضاً استبدال الصفائح المعدنية التالفة فوراً بأخرى جديدة مقاومة للصدأ والمياه المالحة لضمان صلابة الأساسات البحرية، مع تخصيص موازنة عاجلة لأعمال الترميم وتنفيذ الإصلاحات الضرورية قبل تفاقم الوضع وحدوث كارثة جديدة في ليبيا".