أعلن كل من حزب "النهضة" الاسلامي وحزب "قلب تونس" فوزهما في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد في البلاد. وقال الناطق الرسمي باسم "النهضة" عماد الخميري في مؤتمر صحافي "تعلن حركة النهضة وحسب المعطيات الأولية أنها متفوقة في الانتخابات".
من جهته، أكد حاتم المليكي المتحدث باسم الحزب الذي يترأسه نبيل القروي الموقوف بتهم غسل أموال وتهرب ضريبي ومرشح للدورة الرئاسية الثانية "حسب النتائج الاولية يتصدر قلب تونس الانتخابات التشريعية اليوم، هو الحزب الفائز على مستوى مقاعد البرلمان".
وأعلنت الهيئة العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية بلغت 41,3 في المئة. وهذه النسبة أقل من تلك التي سجلت في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية وكانت 49 في المئة.
وأظهر استطلاعا رأي لمؤسستين تونسيتين أن "النهضة" نالت 40 مقعدا في البرلمان المكون من 217. وكشفت استطلاعات شركة "ايمرود" أن حزب "قلب تونس" جمع 35 مقعدا بينما منحه استطلاع "سيغما" 33 مقعدا.
وجمع "ائتلاف الكرامة" لرئيسه المحامي المحافظ سيف الدين مخلوف بين 17 و18 مقعدا.
وسيكون المشهد البرلماني مشتتا وسيكون من الصعب تشكيل تحالفات في حال صحت تقديرات الاستطلاعات. وعقب التصريحات، بدأ أنصار الحزبين احتفالات في مقراتهم في العاصمة تونس. ودعي الأحد أكثر من سبعة ملايين ناخبا لانتخاب برلمان من 217 مقعدا.
وتنافس في هذه الانتخابات نحو 15 ألف مرشّح ضمن قوائم أحزاب وائتلافات ومستقلّين متنوعّين ومن اتجاهات سياسيّة عدّة. وقال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات فابيو ماسيمو كاستالدو "لاحظنا احترام جميع التدابير في مناخ سلمي. كما أبدت فرق مراكز الاقتراع حرفية في العمل".
جرت الانتخابات بتلقائية وأجواء أمنية مستقرة بحسب الناطق الرسمي لوزارة الداخلية خالد الحيوني، الذي قال في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية إن كل الإمكانيات المادية واللوجستية كانت متوفّرة لتأمين المسار الانتخابي من بدايته ولحين صدور النتائج.
صدمة المقاطعة تربك الجميع
منذ ساعات الصباح، كانت كل المؤشرات التي تناقلتها وسائل الإعلام حول النسب الضعيفة للمشاركة في الانتخابات، تعكس أن هناك مقاطعة ما للعملية، لكن النسب الكارثية بدأت تظهر مع تقدم الساعات واستمرار غياب الناخبين، ما علّق عليه الإعلامي خالد نجاح بأنها انتخابات تجري وليست هناك حماسة انتخابية، موضحاً أن نسبة الإقبال ستكون ضعيفة لأن المواطن في تونس سئم السياسة والسياسيين، ويعتبر أن أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية قد تأزمت منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي.
الجميع قاطع وليس الشباب فقط
المفاجأة التي صدمت المرشحين كانت مقاطعة الناخبين من مختلف الأعمار للعملية الانتخابية، الأمر الذي يُعدّ تعبيراً عن موقف شعبي من كل الأطراف السياسية التي قدمت وعوداً للناخبين بأن أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية ستكون أفضل بكثير. أما الشباب الذين قاطعوا الانتخابات التشريعية بنسبة كبيرة، فعبّروا بحسب عددٍ من المراقبين عن موقف من المشهد السياسي العام في تونس، وعن تراجع ثقتهم بكل المرشحين، الذين فشلوا في إثارة اهتمامهم وحثهم على التصويت لهم.
ثماني سنوات من الخيبات والكذب والوعود التي لم يتحقق منها شيء إطلاقاً، بل على العكس، فكل الأحلام التي بناها هؤلاء برفض الفساد والمحسوبية وأملهم في ضمان مستقبل لهم وحقهم في العيش بكرامة في وطنهم، تبخرت وتحوّلت إلى كوابيس مع تحوّل الفساد إلى هياكل منظمة تنهب الدولة وإلى محسوبية تزكم رائحتها الأنوف وإلى غياب قاهر للأمل بغد أفضل.
في المقابل، اعتبرت الإعلامية ضحى السعفي أن المقاطعة هي نتيجة وتحصيل حاصل بسبب فقدان المواطن الثقة بالحكومات المتعاقبة، كما أن البرامج التي بثت طوال حملة الانتخابات لم تلاقِ حظها في القبول على اعتبار أن جلها غير مقنع ومنها ما هو خيالي ومن الصعب تطبيقه على أرض الواقع... ودرجة الوعي التي بات المواطن التونسي يتحلى بها، شكّلت حاجزاً بينه وبين الانتخابات.
وقالت السعفي "النتيجة هي صعود نخبة جديدة من السياسيين بدلاً من الذين لم يستجيبوا إلى تطلعات الشعب، بخاصة أن البرلمانيين السابقين لم يحققوا ولو واحد في المئة من وعودهم الانتخابية السابقة، للأسف".
ويتوقع مراقبون أن يصبح المشهد السياسي في البلاد مشتّتاً، مع تركيبة برلمانيّة من كُتل صغيرة، ما يجعل من الصعب التوافق على تشكيلة الحكومة المقبلة، وذلك في ضوء نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسيّة التي أظهرت فوز مرشحَيْن غير متوقَّعَيْن، هما أستاذ القانون الدستوري المستقل قيس سعيّد ونبيل القروي، رجل الأعمال الموقوف بتهم غسل أموال وتهرب ضريبي.
وتشير بعض استطلاعات الرأي غير الرسميّة إلى أنّ "قلب تونس" سيتمكّن من نيل المرتبة الأولى أو الثانية ويتنافس عليها مع حزب "النهضة". فيما أعلن "قلب تونس" في المقابل أنه لن يخوض في أيّ توافق أو تحالف مع حزب "النهضة" واتّهمه بـ"الوقوف وراء سجن القروي" وبأنّه المستفيد من ذلك، في وقت اعتبر المحلل السياسي يوسف الشريف أن "النقاشات في شأن التحالفات ستبدأ منذ الليلة".
خيبات أمل بالجملة
في سياق متصل، تقول الناشطة السياسية روضه السايبي أن النواب وتصرفاتهم، من أهم أسباب خيبة الأمل لدى الناخب، ونسبة المشاركة تعطي صورة سلبية عن وعي المواطنين بأهمية التوجه إلى مكاتب الانتخاب. في 2011، كان متحمساً ومؤمناً بالتغيير، لكن سلوك الأحزاب والنواب سبّب صدمة للرأي العام ودفع كثيرين وليس الشباب فقط إلى مقاطعة الانتخابات.
إحباط عام من المسار الانتخابي
يوضح النقابي والإعلامي غسان القصيبي أن نتائج الانتخابات ونسب المشاركة فيها، تأكيد على إحباط عام من مسار ديمقراطي لم يمكّن التونسيات والتونسيين إلاّ من الحرية في الكلام وفي مشهد ديمقراطي من دون أن يواكبهما تحسن للوضعين الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين.
ويضيف أن المقاطعة هي "رسالة عقابية واضحة ومباشرة تكشف عن استياء شعبي ولكن تنم عن خطورة كبيرة، قد تفرز شعباً يعيش في السرية بعيداً من منظومة الحكم وعن منظومة الانتخاب والديمقراطية".
ويوضح "الرسالة الثانية أن التونسيين يعيشون حيرة كبيرة وإحباطاً اجتماعياً واقتصادياً جعلهم يرفضون الذهاب إلى الانتخاب. أما الرسالة الثالثة، فتكشف أن الشعب يريد التغيير ولكن وجد نخبة غير قادرة على تغيير أسلوبها في التخاطب مع الشعب وفي تقديم بدائل".
ويرى القصيبي أن تونس ستعيش أصعب فترة في تاريخها وأنها قد تواجه تراجع الاهتمام الدولي بثورة الياسمين، بخاصة مع ارتفاع منسوب الخطاب المتطرف والخطاب المحرض على العنف.
انتخابات صورة الواقع بأمانة
وفي سياق متصل، يعتبر سامي نصر، الباحث في علم الاجتماع أن مقاطعة الانتخابات تعبّر عن واقع يعيشه المجتمع التونسي بين قوى الجذب إلى الوراء وقوى تسعى إلى دفع المجتمع إلى الأمام.
ويشير إلى أن قوى الجذب هي التي تعبّر عن انتشار ثقافة اليأس والإحباط في تونس، التي انتشرت بشدة ودفعت كثيرين إلى مقاطعة الانتخابات، بينما قوى الدفع إلى الأمام، فهي التي أنتجت الحلم بالتغيير للمستقبل، والصراع بين هذه القوى كان لصالح قوى الجذب لأن المواطن التونسي اعتبر أن الصندوق لن يؤمن له التغيير المنشود وأراد أن يعاقب منظومة كاملة وأن يحاسب الإعلاميين الذين تجنّدوا للدفاع عن الفساد والفشل.