Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسعار العقارات في دمشق تنافس العواصم الأوروبية

عشرات الآلاف يوقعون على ورقة العودة الطوعية التي تصدرها السلطات التركية لإنهاء حق اللجوء

ارتفاع الإيجارات في كل المناطق نتيجة مباشرة لزيادة الإقبال على سوريا (أ ف ب)

ملخص

ارتفاع كبير في أسعار العقارات بيعاً وإيجاراً في العاصمة السورية دمشق وباقي مراكز المدن المهمة بسبب الإقبال الشديد والطلب الكبير، فيما أصدرت الحكومة قرارات تمنع البيع والشراء والفراغ والرهن.

"ذهبت إلى دمشق بعد شهر من سقوط نظام الأسد وأقمت عند أحد أقربائي في حي ركن الدين بالعاصمة، وبحثت في الحي كله والأحياء المجاورة عن منزل لعائلتي التي تنوي العودة من تركيا للبلاد لكن البحث لم يكن مثمراً، فنحن نعيش في منزل مستأجر بالعاصمة التركية أنقرة بمبلغ شهري لا يزيد على 250 دولاراً، وهو ما لم أجده في دمشق على رغم الفرق الشاسع في الخدمات".

هكذا يقول سامي قدور في حديث إلى "اندبندنت عربية" حول رحلته في البحث عن منزل وسط دمشق، ومثله آلاف السوريين الذين فرحوا بسقوط نظام الأسد وأسرعوا بحجز التذاكر والعودة للوطن من عائلات وأفراد بعد أعوام طويلة، لكن قرار العودة يختلف من شخص لآخر، فمنهم من ذهب إلى البلاد ليزور عائلته أو أقاربه ويشاركهم فرحة الانتصار قبل الإياب إلى بلاد المهجر حيث اعتاد حياة أخرى بما أن الزمن في سوريا توقف بعد عام 2011، وآخرون قرروا العودة لاستكشاف إمكان الاستقرار وتمهيداً لإحضار عائلاتهم من بلاد اللجوء، وفريق ثالث لم يجر أية حسابات وأنهى أموره في بلاد المهجر وقرر العودة النهائية، وعشرات الآلاف منهم وقعوا ورقة "العودة الطوعية" التي تصدرها السلطات التركية للراغبين في العودة، وبهذا الإمضاء ينتهي حق اللجوء مع إبطال مفعول "وثيقة الحماية الموقتة".

دمشق أغلى من إسطنبول وأنقرة

ويعتبر سامي أن "هناك مبالغة من قبل أصحاب البيوت، فهم يطلبون أسعاراً خيالية خارج المنطق، إذ إن شراء شقة كبيرة في إسطنبول أسهل بكثير من شراء شقة صغيرة في دمشق، أما بالنسبة إلى أصحاب المكاتب العقارية فهم أيضاً يتحملون جزءاً من المسؤولية لكنهم دائماً ما يقولون إن سعر البيع أو الشراء يضعه صاحب المنزل وليس المكتب العقاري، وحتى الآن لم تتخذ الحكومة أية إجراءات منطقية من شأنها الإسهام في خفض الأسعار، وبالنسبة إلي فقد بتُ حقاً أفكر في إلغاء فكرة الاستقرار في سوريا، والعودة لأنقرة قد تكون الخيار الأنسب لي".

أسباب الارتفاع

ويقول مدير إحدى الشركات العقارية في دمشق عمرو دك الباب في حديث خاص إن "أسعار الإيجارات كانت مرتفعة حتى قبل سقوط النظام مقارنة بالدخل المتدني، ولكن هذه الأسعار ازدادت بصورة لافتة بسبب زيادة الإقبال والطلب، سواء للأشخاص الذين قدموا إلى دمشق من باقي المحافظات أو من المغتربين الذين عادوا لسوريا بعد سقوط النظام، إذ إننا كشركة عقارية نتلقى في اليوم الواحد اتصالات من عدد كبير من الأشخاص الذين يبحثون عن منزل للبيع أو للإيجار، حتى إن كثيرين يتصلون بنا من خارج سوريا قبل مجيئهم في محاولة لتأمين منزل لهم عندما يأتون، مما تسبب في زيادة الطلب على العقارات، ومن الطبيعي أن يزيد السعر عند زيادة الطلب، وصاحب المنزل دائماً يطمح لسعر أعلى".

ويضيف دك الباب أنه "من ناحية أخرى أسهم انخفاض قيمة الدولار أمام الليرة السورية في ارتفاع أسعار العقارات، وعلى سبيل المثال كان إيجار منزل في منطقة 'مشروع دمر' في دمشق 3 ملايين ليرة سورية، وقيمته نحو 200 دولار، واليوم أصبح يطلب 5 ملايين ليرة شهرياً وقيمته أكثر من 500 دولار، فمن جانب ارتفع سعر العقار بسبب الإقبال، ومن جانب آخر ارتفعت قيمة الليرة أمام الدولار، وباختصار شديد يمكننا إرجاع ارتفاع العقارات لسببين، زيادة الطلب وطمع بعض أصحاب البيوت".

توقعات مستقبل أسعار العقارات

يوضح مدير الشركة العقارية، وهو خبير اقتصادي أيضاً، أنه "على رغم ارتفاع الأسعار لكن هذا لم يتسبب في تراجع الطلب على الإيجارات، بل على العكس تماماً يزداد الطلب يوماً بعد آخر"، مشيراً إلى أن "على الحكومة الاستعجال في المشاريع الجديدة والعمل بوتيرة أسرع على إعادة الحقوق لأصحابها، إذ إن هناك كثيراً من الأراضي والعقارات كان النظام السابق يضع يده عليها، وإعادتها لأصحابها الأصليين قد تسهم في تخفيف أزمة العقارات".

وبخصوص الخطوات التي تتخذها الحكومة السورية يقول عمرو دك الباب إن "الحكومة لا تتدخل على الإطلاق ولم تتدخل حتى الآن في ما يتعلق بموضوع الإيجارات، لأن القانون السوري بالأصل ينص على حرية التملك والبيع والشراء ولا يوجد سقف أو سعر محدد لذلك، لكن الحكومة أصدرت قرارات عدة تتعلق بالسوق العقارية ومن أهمها وقف جميع عمليات البيع والشراء، وعلى رغم هذا فإن القرار لم يؤثر ولم يسهم في انخفاض الأسعار التي بقيت كما هي بل وفي ارتفاع في معظم المناطق، علماً أن القرار موقت بهدف إجراء عمليات جرد شامل للعقارات في سوريا، وحتى رهن المنزل ممنوع حالياً وفق القرارات الجديدة".

تحذيرات من الاحتيال

ويحذر الخبير الاقتصادي الراغبين في شراء بيوت من أنه "لا توجد اليوم في سوريا أية عملية بيع قانونية تحفظ حقوق الطرفين، وهناك عمليات احتيال تنتشر نظراً لأن بعض المغتربين يشترون عقارات عن بُعد أو من طريق المعارف أو عبر التوكيل، ولا يعرفون أن هناك قانوناً رسمياً بوقف جميع عمليات البيع في سوريا".

أما بخصوص احتمال خفض أسعار العقارات فيرى دك الباب أن ما سيحصل سيكون على العكس تماماً، إذ يعتقد أن "الأسعار سترتفع بصورة كبيرة جداً خلال الفترة المقبلة، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على الإيجارات أو الشراء خلال الفترة المقبلة خصوصاً بعد نهاية شهر رمضان وقدوم الصيف، فهناك كثير من السوريين يخططون للعودة بداية الصيف ومع انتهاء العام الدراسي في بلدان اللجوء، وبالفعل هناك كثير من الاتصالات التي ترد يومياً إلى المكاتب العقارية من سوريي الخارج يطالبون بتأمين منازل لهم مع بداية الصيف، ولذلك فمن المتوقع أن تكون هناك موجة ارتفاع كبيرة جداً مقارنة بالارتفاع الحالي"، مشيراً إلى أن "بعض أصحاب البيوت اليوم يمتنعون من تأجير منازلهم ويتركونها فارغة ظناً منهم أن الأسعار سترتفع خلال الأشهر المقبلة، مما تسبب في قلة البيوت المعروضة للإيجار".

عبء أمام الوافدين

الخبير المالي فراس شعبو يقول في حديث إن "ارتفاع الإيجارات في كل المناطق السورية نتيجة مباشرة لزيادة الإقبال على سوريا، خصوصاً أن نصف مناطق محافظة دمشق إما مدمرة أو الخدمات فيها سيئة للغاية، ولذلك ازداد الطلب على المنازل التي تقع في الأحياء غير المدمرة أو التي تتوافر فيها خدمات أكثر، وهذا ينطبق على العاصمة وباقي مراكز المدن مثل حلب وحمص واللاذقية وحماة وغيرها، وإضافة إلى كل هذا كان هناك ضخ هائل من العملة الأجنبية مما أسهم في ارتفاع قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية ورفع سعر العقارات عند حسابها بالدولار الأميركي، فالمنزل الذي كان يؤجر بـ 1.5 بمليون ليرة سورية كانت تساوي حينها نحو 100 دولار واليوم تساوي 150 دولاراً، ولذلك يريد أصحاب العقارات دفع الأجرة بالليرة السورية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى شعبو أن "الارتفاع الخيالي للأسعار سيشكل عبئاً كبيراً ينعكس على الوافدين والنازحين الراغبين في العودة وبخاصة مع عدم وجود حركة اقتصادية في البلاد وعدم توافر فرص عمل، وهذا كله سيشكل حاجزاً أمام عودة النازحين واللاجئين"، وعلى رغم ذلك يعتقد شعبو أن "هناك أملاً في انخفاض الأسعار لكن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت ريثما تثبت الدولة أركانها بصورة جيدة وتبدأ الاستثمارات الخارجية ومشاريع إعادة الإعمار، ولذلك يبدو أن انخفاض الأسعار لن يكون قبل أربعة أو خمسة أعوام، ومع ذلك يمكن للحكومة حالياً اتخاذ بعض الخطوات ومنها تحديد أسعار الإيجارات، لكنها في المقابل تقول إنها تتجه نحو سعر السوق الحرة مما يعني أن الأسعار تكون بحسب العرض والطلب، ولذلك لا أعتقد أن الحكومة ستتدخل في هذه القضية على المدى المنظور، ولا سيما أن لديها كثيراً من القضايا المهمة التي لا تزال تعالجها، ولعل أبرزها قضية الكهرباء والماء والخدمات الأساس ذات الأولوية".

ويختم الخبير المالي حديثه بالقول إن "الحلول المقترحة لمواجهة هذه القضية محدودة، ولذلك فمن الأفضل محاولة الابتعاد من مركز المدينة واختيار أماكن للسكن في المناطق البعيدة قليلاً أو تأجيل العودة".

إجراءات روتينية وانخفاض تدرجي

أما الخبير الاقتصادي أسامة القاضي فيرى أن "السوق العقارية في سوريا الآن في حال توقف بسبب وجود إجراءات روتينية، إضافة إلى مسائل التسجيل العقاري والفراغات، إذ إن الإدارة الجديدة لديها حاجة لجهة أمنية قادرة على ضبط غسل الأموال في شراء العقارات والتمييز بين الشراء الحقيقي والوهمي، وهذه المسألة قد تأخذ بعض الوقت لكنها ستحل قريباً جداً".

ويوضح القاضي، وهو خبير اقتصادي سوري - كندي، أن "هناك بالفعل حالاً من ارتفاع بأسعار العقارات بيعاً وإيجاراً بسبب الإقبال الشديد والطلب الكبير، ولكن مع مزيد من استقرار البلاد فأعتقد أن الأسعار ستشهد حالاً من الانخفاض التدرجي خلال الفترة المقبلة، وستشهد انخفاضاً أكبر مع بدء عمليات إعادة الإعمار، وبحسب المعطيات الحالية فإنه بعد عامين من الآن سنجد أن هناك وفرة في العقارات السورية وبأسعار مقبولة".

ويضيف الخبير الاقتصادي أن "كل ما يجري حالياً هو أمر طبيعي جداً بعد انتهاء صراع دام 14 عاماً، وضبط قضية أسعار العقارات ليست بالأمر السهل حالياً، خصوصاً أن الدولة السورية فيها خواصر رخوة مثل شمال شرقي سوريا ولذلك فهناك إقبال على المناطق الآمنة، واستتباب الأمن في كامل الجغرافيا السورية سيشجع المطورين العقاريين على بدء مشاريع جديدة، كما أن الإقبال سيتوزع على باقي المحافظات ولن يتركز في المدن الكبرى كما هو الحال الآن".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير