ملخص
عدَّ بعض الإسرائيليين أن شحنة القنابل رسالة واضحة على دعم أميركا قرار إسرائيل بشن هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية، على رغم توضيح واشنطن أنها لن تشارك في هذا الهجوم.
لم تتأخر الولايات المتحدة كثيراً لتؤكد دعمها قرار إسرائيل بمهاجمة منشآت البرنامج النووي الإيراني، على رغم رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مواجهة هذا المشروع دبلوماسياً عبر اتفاق من شأنه إضعاف ومنع إيران من الوصول إلى قنبلة نووية.
مساء أمس السبت، نجحت وزارة الأمن الإسرائيلية في تحويل الأنظار التي كانت مشدودة إلى طائرة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تل أبيب، وجاء ضمن أهداف زيارته تحريك المرحلة الثانية من صفقة الأسرى، باتجاه الجنوب إلى ميناء أسدود حيث روجت لعملية تفريغ حمولة شاحنات تحوي 1800 قنبلة من نوع MK-84، وهي شحنة الأسلحة التي جمدتها إدارة بايدن وقرر ترمب أن تكون الهدية التي يحملها روبيو معه إلى إسرائيل.
فوبيا التهديد الوجودي
عدَّ بعض الإسرائيليين أن شحنة القنابل رسالة واضحة على دعم أميركا قرار إسرائيل بشن هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية، على رغم توضيح واشنطن أنها لن تشارك في هذا الهجوم.
والرسالة الأميركية في شأن إيران كانت أوضح في لقاء روبيو مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين، فقد أكد نتنياهو موقف تل أبيب بصورة لا تقبل التأويل، موضحاً أنه على رغم كل أخطار الجبهات فإنه لا هدف أمامنا أهم من منع إيران من حيازة النووي.
لكن نتنياهو حصل على الدعم الأميركي لخطته تجاه إيران، وفق ما أوضح الإسرائيليون، من الرئيس ترمب خلال لقائهما في واشنطن، وأن واشنطن ستقدم دعماً جانبياً في كل ما من شأنه ضمان نجاح الهجوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
1800 قنبلة تزن كل واحدة منها طناً من المتفجرات، أكد أمنيون أن سلاح الجو سيستخدمها في هجومه المتوقع على إيران بعد أشهر. وهذه القنابل، وفق تقرير أمني إسرائيلي، من النوع الذي استخدمه سلاح الجو في عملية اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله داخل لبنان، والقيادي في "حماس" محمد ضيف. وستخصص إسرائيل هذه القنابل التي لم يعد في بنك أهدافها داخل غزة أو لبنان حاجة لاستخدامها، لاستهداف المواقع النووية الإيرانية المحصنة تحت الأرض.
وعدَّ وزير الأمن يسرائيل كاتس تحرير شحنة القنابل بعد منع وصولها من إدارة بايدن رصيداً هائلاً لسلاح الجو والجيش الإسرائيلي كله، قائلاً إنها "دليل آخر على العلاقة القوية بين إسرائيل والولايات المتحدة، وانعكاس واضح للموقف الثابت للرئيس الأميركي دونالد ترمب والإدارة الأميركية بدعم إسرائيل وتعزيز أمنها".
وكان كاتس صرح بأن الهجوم على إيران بات حاجة ضرورية، فـ"إيران أصبحت أكثر عرضة من أي وقت مضى لضرب منشآتها النووية"، مؤكداً "لدينا فرصة لتحقيق هدفنا الأهم وهو إحباط وإزالة التهديد الوجودي الذي يواجه إسرائيل".
لكن الأجواء التي يروج لها متخذو القرار والمؤسسة العسكرية بأن الهجوم على إيران قريب، وأن إسرائيل قادرة على ذلك أثارت نقاشاً إسرائيلياً احتدم مع وصول شحنة القنابل والتصريحات التي تلتها وطرحت التساؤل حول ما إذا كانت إسرائيل ستنجح في تنفيذ هدف الهجوم وحدها حتى إذا قدمت لها واشنطن مساعدات جانبية؟ والسؤال الأكثر أهمية بالنسبة إلى جهات أمنية هو ما إذا كانت ستنجح مثل هذه الضربة في منع إيران من صناعة قنبلة نووية.
نموذج "حزب الله"
خلف كواليس الغرف المغلقة في إسرائيل ومناقشة سبل الحفاظ على علاقة جيدة مع الرئيس ترمب وعدم اتخاذ خطوة استثنائية يرفضها، توصل الطرفان إلى تفاهمات في شأن النووي الإيراني، بحيث يتعامل مع هذا الملف كما تعاملت إسرائيل مع "حزب الله" في لبنان. وجرت النقاشات حول سبل تطبيق نموذج الحزب الذي تسجله إسرائيل كأكثر العمليات العسكرية الناجحة لها.
في نموذج "حزب الله" قضت إسرائيل بداية على قيادة الحزب، والتي توجت، بحسب الإسرائيليين، بعملية دقيقة وناجحة باغتيال حسن نصرالله، وسبقتها عملية تفجير الهواتف التي قوضت قدرات آلاف المقاتلين، ثم المرحلة الأخيرة بإضعاف "حزب الله" وإجراء مفاوضات لاتفاق وفق ما تريد إسرائيل ومن مكان قوة لها.
تجاه النووي الإيراني تدرك إسرائيل أنها غير قادرة على تقويض قدرات إيران النووية، وعليه وجدت في نموذج "حزب الله" طريقاً لنجاحها، بحيث تقوم هي بهجمات تضعف قوة إيران وتهدد مفاعلها النووي، ثم تجلبها إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن بحيث توافق على اتفاق يرضي إسرائيل ويتوافق مع أهدافها.
وبدأت إسرائيل عملياً تنفيذ مراحل نموذج "حزب الله"، فقد عدت، وفق ما أعلنه أكثر من مسؤول سياسي وأمني من بينهم وزراء في الكابينت، أن الهجوم الأخير الذي نفذته تل أبيب كان الخطوة الاستباقية للهجوم الذي تستعد له اليوم. وبحسب وزارة الأمن والجيش فإن سلاح الجو نجح في تلك العملية بتقويض قدرات إيران على مهاجمة الطائرات الإسرائيلية وإسقاطها، وتعطيل بنى تحتية مهمة للنووي الإيراني.
ومنذ الهجوم الأخير نفذت إسرائيل هجمات سايبرانية مختلفة كانت أيضاً ضمن بنك أهدافها لمهاجمة النووي الإيراني. وفي الهجوم الذي يتدرب عليه الجيش وأعلنت إسرائيل أنه يستهدف النووي الإيراني، طرح أمنيون وعسكريون خطورة عدم قدرة إسرائيل على تنفيذه وحدها على رغم ما اتضح بعد عودة نتنياهو من واشنطن، من أن الولايات المتحدة ستعمل على دعم جانبي لهذه العملية، والقنابل التي وصلت ليل أمس تعد واحدة من عناصر هذا الدعم.
كما تبين، ووفق ما كشفت قناة "14"، أن واشنطن ستقدم دعماً آخر من خلال التنسيق بين الجيشين حول المراقبة والاستخبارات، إلى جانب تزويد الطائرات الإسرائيلية بالوقود، وهو أكثر الجوانب تعقيداً بالنسبة إلى إسرائيل.
معضلة التزود بالوقود
وفق ما يتدرب عليه سلاح الجو اليوم، فإنه سيستخدم كميات هائلة من الطائرات الحربية لمسافة ألفي كيلومتر، مما يضطره إلى تزويدها بالوقود في الجو وهو ما لا تملكه إسرائيل. وبحسب المتخصص العسكري تمير موراغ، فإن التنسيق حول تعبئة الوقود في الجو طرح خلال زيارة ترمب إلى واشنطن واتفق عليه، وبحسبه فإن "إسرائيل تحتاج إلى منظومة ضخمة للتزود بالوقود في الجو لتناسب العدد الكبير من الطائرات التي ستستخدمها، وهذه المنظومة غير متوافرة لدى سلاح الجو عملياً، وهذا الجانب الأهم في الدعم الأميركي بعد أن نجحت إسرائيل في هجومها الأخير بتقويض قدرة إيران على التصدي ومهاجمة الطائرات الحربية الإسرائيلية إذا ما نفذت مثل هذا الهجوم، بعد أن قضت على المنظومة الإيرانية الهائلة المضادة للطائرات".
الرئيس السابق لوحدة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية عاموس جلعاد يرى أن إسرائيل ترتكب خطأ كبيراً إذا أقدمت على مهاجمة المنشآت النووية من دون قناعة أميركية كاملة، على رغم أنه أكد ضرورة وأهمية استمرار الجيش الإسرائيلي بتكثيف تدريباته على مهاجمة إيران.
وأوضح أن هذه الضربة لن تمنع إيران من صناعة قنبلة نووية، لأن من سيفعل ذلك هو الاتفاق الذي يطمح ترمب في الوصول إليه، مضيفاً "وفق رؤيتي لما أعلنه ترمب حيال رغبته في سلام يجلب له جائزة (نوبل) فإنه لن يدعم ضربة كهذه، والولايات المتحدة اليوم تحضر لإمكانية اتفاق مع إيران، لكن الأهم من هذا أنه لا يمكن الاعتماد على معلومات استخباراتية وتقارير تقول إن الفرصة اليوم سانحة لإسرائيل أكثر من أي وقت مضى، فهناك حاجة لتنسيق كامل مع الأميركيين، ولأن تدرس إسرائيل مختلف الخيارات المطروحة على الطاولة قبل تنفيذ الهجوم".