Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسلوب ترمب يضع مصير أوكرانيا وبقية أوروبا على المحك

نحن نشهد بصورة مباشرة ضخامة التغييرات في الولايات المتحدة الأميركية وسنشعر بتردداتها في كل أنحاء القارة الأوروبية

وزيرا الدفاع الأميركي والبريطاني بيت هيغسيث (يسار) وجون هيلي لديهما وجهات نظر متعارضة في شأن ما إذا كانت أوكرانيا ستنضم إلى حلف "ناتو" (أ ب)

ملخص

يكشف مؤتمر ميونيخ للأمن عن تباينات المواقف في شأن أوكرانيا مع استبعاد المسؤولين الأميركيين انضمامها إلى "ناتو" أو استعادة حدودها قبل عام 2014، يواجه الأوروبيون تحدي توحيد موقفهم وسط تصاعد الضغوط السياسية والاقتصادية عليهم من حليفهم الأكبر

لقد تبددت تماماً أية آمال كانت ربما تراود أوكرانيا في شأن اتخاذ البيت الأبيض موقفاً أكثر دعماً لقضيتها مما كان متوقعاً خلال الحملة الانتخابية.

وأكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأربعاء الماضي أنه تحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شأن بدء المفاوضات المباشرة لإنهاء الحرب الأوكرانية، مضيفاً أن الرئيسين اتفقا "على العمل معاً بصورة وثيقة". وتحدث الرئيس الأميركي أيضاً مع الرئيس زيلينسكي لإطلاعه على تفاصيل حديثه مع بوتين.

وجاءت هذه التطورات بعد تصريحات سابقة قاسية إثر اجتماعات جرت في بروكسل شارك فيها وزير الدفاع في إدارة ترمب بيت هيغيسث، قال فيها إن حصول أوكرانيا على العضوية في حلف شمال الأطلسي غير "واقعية" وأن أوكرانيا في حاجة إلى التخلي عن كل الآمال في استعادة السيطرة على حدودها التي كانت قائمة قبل عام 2014، والاستعداد للتفاوض على تسوية مع روسيا تشرف على تنفيذها قوة دولية.

كلام هيغيسث جاء قبل يومين من افتتاح أعمال المؤتمر السنوي للأمن في ميونيخ أمس الجمعة، والذي سيكون اللقاء الدولي الأكثر أهمية من نوعه منذ أعوام عدة، بسبب توقيته ونوعية الحضور وما يمكن أن يتقرر خلاله.

ويتضمن الحضور إضافة إلى وزير الدفاع الأميركي، نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس ومجموعة من القادة السياسيين من أوروبا وأميركا الشمالية وزعماء "ناتو" والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حشود من مسؤولي الدفاع والجيوش. وسيمثل وزير الدفاع جون هيلي المملكة المتحدة، وسيلقي كلمة في الاجتماع. وسيحضر الاجتماع أيضاً الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. ولكن ما يكتسب أهمية خاصة هو التوقيت، بسبب تزامنه مع سلسلة من التحولات السياسية التي تجعل التجمع هذا غير عادي، إن لم يكن فريداً من نوعه.

وربما لم يمض بعد أكثر من أربعة أسابيع على بدء ولاية الرئيس دونالد ترمب الثانية، لكن سلسلة الأوامر التنفيذية التي أصدرها والاجتماعات الدبلوماسية التي عقدها، والمؤتمرات الصحافية المرتجلة التي أجراها كانت أثارت اضطرابات هائلة، من خلال كل ما يتعلق بالرسوم الجمركية والتهديد بفرضها، وحتى المخططات التي يبدو أنها تهدف إلى وضع اليد على أراض تعود لشعوب دول أخرى.

ويأتي مؤتمر ميونيخ للأمن خلال وقت ينظر إليه بصورة واسعة على أنه فترة حساسة تمر بها الحرب الروسية - الأوكرانية، وقبل أسبوع واحد من إجراء الانتخابات الوطنية في ألمانيا التي قد تؤدي إلى اقتراب اليمين المتطرف من الفوز بالسلطة أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية، وبعد أول اجتماع أجراه رئيس لحكومة المملكة المتحدة في بروكسل منذ الخروج من أوروبا "بريكست"، في محاولة منه لفتح موضوع إعادة "ضبط العلاقات" مع الاتحاد الأوروبي، والتي ترى المملكة المتحدة أن ملف الدفاع هو أمر أساس فيها.

كثيرة هي الأمور التي ستناقش نهاية الأسبوع هذه – معظمها في الكواليس طبعاً منها في العلن - لدرجة أنه سيكون من الصعب معرفة مجالات النقاشات التي سيكون لها تبعات مهمة، وعلى أية حال فإنها قد لا تصبح معروفة إلا بعد مرور فترة من الزمن. ولكن هناك مجالين أو أكثر قليلاً قد تحمل مؤشراً.

الأول هو أوكرانيا، إضافة إلى نائب الرئيس الأميركي الذي دعا مراراً وتكراراً إلى إنهاء الحرب خلال الحملة الانتخابية الأميركية والذي ينظر إلى أوكرانيا بوصفها مشكلة إقليمية بدلاً من كونها أميركية أو عالمية، فإن المؤتمر سيستقبل الجنرال المتقاعد كيث كيلوغ وهو مبعوث الرئيس ترمب الخاص إلى أوكرانيا وروسيا. وهو يقول إنه سيسعى إلى معرفة مواقف الدول الأوروبية حيال المسألة الأوكرانية، ولكنه لن يطرح أية خطة للسلام. ومع ذلك، من المتوقع أن يسافر من ميونيخ إلى كييف وبعد ذلك ربما سينتقل إلى موسكو.

ما يبدو كثير الوضوح أن اجتماعات ميونيخ ستوضح نية الإدارة الأميركية الجديدة جعل الحرب الأوكرانية مسؤولية أوروبية في المقام الأول. وهذا الأسبوع، أصبح وزير الدفاع البريطاني جون هيلي أول شخصية غير أميركية تترأس اجتماعات مجموعة رامشتاين، التي تضم الدول التي تقدم الدعم العسكري إلى أوكرانيا.

من ناحيته، عكف الرئيس زيلينسكي خلال الآونة الأخيرة على طرح موقفه في سلسلة من المقابلات، ومن ضمنها مقابلة مع صحيفة "غارديان" البريطانية، إذ أصر على أن أية ضمانات أمنية يقدمها الأوروبيون إلى أوكرانيا، لن تساوي كثيراً من دون الولايات المتحدة. كما أن زيلينسكي كان يناقش أيضاً مع الولايات المتحدة موضوع منحهم امتيازات للوصول إلى الثروة المعدنية الأوكرانية. ومن الواضح أن ترمب ليس الوحيد الماهر في لعبة الصفقات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قد تصبح نقطتان أساسيتان أكثر وضوحاً في مؤتمر ميونيخ، الأولى هي مدى استعداد الولايات المتحدة مواصلة دعم أوكرانيا في مواصلة الحرب، والنقطة الأخرى هي ما إذا كان الأوروبيون قادرين على دعم أوكرانيا وحدهم (لا يمكنهم ذلك)، ولكن إلى أي مدى يمكن أن يكونوا متحدين؟ والجواب أنهم ليسوا متحدين إلى الدرجة المطلوبة ومن ضمنها الإجابة عن مسألة إن كان يمكن لأوكرانيا أم أنه سيمكنها في يوم ما، الانضمام إلى عضوية حلف شمال الأطلسي.

لقد ظهر هذا الانقسام بصورة واضحة هذا الأسبوع، عندما اتفق المتنافسان الرئيسان على منصب المستشار في ألمانيا أولاف شولتز وزعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس، في أول مناظرة انتخابية جمعتهما على أنه لن تكون هناك عضوية في حلف شمال الأطلسي لأوكرانيا، لأن الولايات المتحدة تعارض ذلك. وخلال اليوم التالي بعد ذلك، قال وزير الدفاع البريطاني في معرض إجابته عن أسئلة في مجلس العموم، إن أوكرانيا في طريقها للحصول على عضوية كاملة في حلف شمال الأطلسي.

من الممكن نظرياً التوفيق بين هذين الموقفين عبر تأجيل أي جدول زمني للعضوية إلى المستقبل البعيد، لكن ذلك لن يكون أمراً سهلاً. ومن جانبه، أعاد وزير الدفاع الأميركي الجديد بيت هيغسيث تأكيد أنه لا يوجد أي أمل في انضمام أوكرانيا إلى حلف "ناتو"، مضيفاً أن استعادة حدود أوكرانيا لما قبل عام 2014 مع روسيا هو "هدف غير واقعي". ومع استبعاد عضوية أوكرانيا في "ناتو" – وهو شرط أساس بالنسبة إلى موسكو سواء بحكم الواقع أو القانون – فإن إنهاء الحرب يظل احتمالاً بعيداً ما لم يوضح هذا الأمر.

وقد يكون هناك أيضاً، بعض التحركات على الجانب الروسي، ولو تعلقت بقضايا أخرى، فهذه تجلت من خلال رحلة لم تكن معلنة قام بها إلى موسكو مبعوث ترمب الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. فقد عاد ويتكوف الذي سيشارك أيضاً في مؤتمر ميونيخ إلى الولايات المتحدة برفقة الأميركي مارك فوغل الذي كان مسجوناً في روسيا بتهمة حيازة مخدرات. ولم يكشف ترمب أثناء استقباله في البيت الأبيض عن الصفقة التي أفرج بموجبها، ولكنه كشف عن أنه سيطلق سراح سجين أميركي آخر في الأقل، وربط الأمر بأوكرانيا، مشيراً إلى أن الإفراج عن السجين هو "بادرة حسن النية" من قبل الروس، و"قد تكون جزءاً مهماً وكبيراً" من عملية إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا.

والمجال الرئيس الثاني الذي سيبرز في ميونيخ هو التقاطع بين الأمن والاقتصاد العالمي، مع احتمال حدوث تحولات ضخمة في الديناميكيات إذا ما مضى الرئيس ترمب قدماً في فرض الرسوم الجمركية التي هدد بفرضها، ليس فقط على مناطق شمال وجنوب الولايات المتحدة بل في جميع أنحاء العالم. وخلال الولاية الأولى لترمب تمكنت الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في التصدي لتهديدات الولايات المتحدة بتخفيف أو حتى قطع الدعم الدفاعي من خلال الوعود بزيادة مساهمتها المالية.

إن الدول الأوروبية تبدو حالياً أكثر استعداداً للتعامل مع احتمال كهذا ولكن ليس لرفع إنفاقها إلى مستوى خمسة في المئة من إجمال الناتج المحلي التي يتحدث عنها ترمب، كما أنها لم تحقق تقدماً كبيراً في تنسيق إنتاجها الدفاعي، باستثناء النيات المعلنة. وما يزيد الأمر تعقيداً أن انضمام مزيد من دول الاتحاد الأوروبي إلى "ناتو" [فنلندا والسويد] الذي قد يبدو وكأنه خطوة تبسيطية، قد يتحول إلى مشكلة إذا قرر ترمب، كما يبدو، فرض تعريفات جمركية تستهدف الاتحاد الأوروبي.

الأمر الإضافي في مؤتمر ميونيخ هو موضوع الشرق الأوسط. لقد مضى الزمن الذي كان خلاله الأوروبيون منخرطين في الماضي، سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي ككتلة أو دول عضوة منفردة مثل النرويج، التي كانت خارج الاتحاد الأوروبي آنذاك، منخرطين في وساطات لتحقيق سلام في المنطقة. وهم ربما وبسبب انشغالهم في ملف أوكرانيا، فإن ذلك الاهتمام لم يعد ظاهراً اليوم. فاليوم الثاني من مؤتمر ميونيخ هو اليوم الذي يفترض خلاله أن تتم عملية تبادل الرهائن والأسرى بين "حماس" وإسرائيل. وعلى هشاشته دوما، فإن الاتفاق يبدو اليوم على وشك أن ينهار تزامناً مع تدخل الرئيس ترمب ومطالبته بضرورة الإفراج الفوري عن جميع الرهائن الإسرائيليين. مهدداً بـ"عواقب" في حال عدم الامتثال. وفي ظل ذلك، يجد الأوروبيون أنفسهم مهمشين سواء كان ذلك بحكم الضرورة أو عن قصد، لتتحول هذه القضية إلى شأن أميركي مع حلفائه في الشرق الأوسط. وإذا طُرحت في ميونيخ، فستكون كظل مخيم على المؤتمر بعيداً من نطاق المشاركين المباشر.

بالنسبة إلى العدد القليل المتبقي من البريطانيين والألمان الذين يحتفظون بذاكرة حية – أو موروثة – عن أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، فإن ميونيخ تحمل دلالات خاصة تشمل مساعي تشامبرلين الفاشلة لتحقيق السلام وبعضاً من أضخم الاستعراضات النازية. أما اليوم، فقد أصبحت واحدة من أكثر المدن الألمانية ملاءمة للعيش وأشدها حفاظاً على البيئة، كما أنها تعرف في أوساط الأمن والدبلوماسية باستضافتها لأهم مؤتمر أمني عالمياً.

ففي هذه المدينة هاجم فلاديمير بوتين عام 2007، توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً، وأعلن – برأي كثر في الغرب – بداية الحرب الباردة الجديدة. وفي هذه المدينة أيضاً كان زيلينسكي عام 2022 بين الحاضرين الذين استمعوا بهدوء إلى أولئك الذين أطلقوا إنذارات قوية حول وقوع هجوم روسي وشيك، وذلك قبل أربعة أيام فقط من حدوث الاجتياح فعلياً.

واجتماع هذا العام سيظهر مدى التغير الذي طرأ على العالم منذ ذلك الحين. ولكن من الممكن أيضاً أن ينظر إليه باعتباره نقطة تحول في حد ذاته، توضح حجم التغيرات التي بدأت تنطلق من الولايات المتحدة، ولكن أهميتها لا تزال بعيدة كل البعد من الفهم الكامل في أماكن أخرى.

© The Independent

المزيد من آراء