ملخص
عام 2024 نفذت باكستان أكثر من 120 إصلاحاً شملت مجالات الحوكمة والسياسات الاقتصادية وكفاءة المؤسسات
بدأت باكستان مساراً إصلاحياً واسع النطاق عام 2024، إذ نفذت أكثر من 120 إصلاحاً خلال 12 شهراً فحسب، شملت مجالات الحوكمة والسياسات الاقتصادية والأطر القانونية وكفاءة المؤسسات، بهدف معالجة التحديات المزمنة التي كثيراً ما أعاقت التطور، لا سيما التضخم الذي تراجع من 30.9 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) 2023 إلى 4.1 في المئة في ديسمبر 2024، والديون الخارجية التي قدرت في سبتمبر (أيلول) 2024 بنحو 133.5 مليار دولار.
وأصدر "معهد مشعل باكستان"، الشريك المحلي لـ"المنتدى الاقتصادي العالمي"، "تقرير 2025 للإصلاحات في باكستان" الذي يعد الأول من نوعه، يوثق فيه التحولات الجوهرية ما بين يناير (كانون الثاني) 2024 ونهاية يناير 2025.
الإصلاح والعوائق البنيوية
تغطي الإصلاحات التي طرحت قطاعات متنوعة، وفيما تظل التفاصيل المحددة لكل سياسة قيد التحليل، إلا أن خطوطها العريضة تشير إلى التركيز على الإنعاش الاقتصادي، وشفافية الحوكمة والمساواة الاجتماعية والابتكار الرقمي.
وعلى رغم أن مسار الإصلاح في إسلام آباد كان تاريخياً مثقلاً بعجز مالي، وعدم كفاءة بيروقراطية، واضطرابات سياسية واجتماعية، فإن حزمة عام 2024 تبدو مصممة لتفكيك الحواجز النظامية.
وفيما تسعى الإصلاحات الاجتماعية إلى تعزيز فرص الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، تركز تلك المتعلقة بالحوكمة على ترسيخ آليات مكافحة الفساد وتوسيع نطاق اللامركزية لتمكين الإدارات المحلية.
ويحتل التحول الرقمي موقعاً محورياً ضمن هذه التوجهات، مع إطلاق مبادرات لتعزيز الحوكمة الإلكترونية وتوسيع خدمات الإنترنت في المناطق الريفية، وتعكس هذه الإجراءات مجتمعةً النية في مواءمة البلاد مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في القرن الـ21.
توثيق مسار التطوير
ومن منطلق الشراكة مع "المنتدى الاقتصادي العالمي" استفاد المعهد من دوره في "المنصة الجديدة للاقتصاد والمجتمعات" للمنتدى لإنشاء سجل منظم وشفاف لرحلة الإصلاح في باكستان.
وتكمن أهمية التقرير في دوره المزدوج: فهو بمثابة أرشيف تاريخي وأداة للمساءلة، ومن خلال إدراج هذه الإصلاحات عبر القطاعات المختلفة، يمكن للباحثين وصناع السياسات والهيئات الدولية تقييم النتائج وتحديد الأنماط واقتراح التعديلات، ويمكن لمؤسسات عالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي متابعة التعديلات الاقتصادية في باكستان من خلال بيانات موثقة، مما يقلل الاعتماد على المصادر المجزأة.
الدكتور حسن جاويد وهو عالم اجتماع متخصص في الحوكمة وأستاذ مشارك في "جامعة فريزر فالي الكندية"، قال لـ"اندبندنت عربية" إن "محاولات إصلاح الدولة والاقتصاد في باكستان عادة ما تواجه تحديات مترابطة أبرزها ضعف البنية البيروقراطية وهيمنة المصالح النخبوية وعدم الاستقرار السياسي".
وأضاف "كثيراً ما تجاهلت الحكومات تدابير نفذتها حكومات سابقة، كما حدث في الآونة الأخيرة، مع مبادرة تحديث التنظيمات الباكستانية وهي خطة طموحة قدمتها حكومة حركة الإنصاف الباكستانية عام 2020 لتسهيل بيئة الأعمال، لكن التحالف الحكومي المناوئ لها، تخلى عنها بمجرد وصوله إلى السلطة".
أهمية التوثيق
كانت سردية الحكم في باكستان تاريخياً تتشكل من خلال الأزمات وليس التقدم، وكثيراً ما تسلط عناوين وسائل الإعلام الضوء على الاضطرابات السياسية أو الكوارث الطبيعية، مما يطغى على الإصلاحات التدرجية، لكن وجود سجل من شأنه أن يعطل هذه الدورة عبر تحويل التركيز إلى التحليل القائم على الأدلة، على سبيل المثال إذا أسفرت الإصلاحات الضريبية عن زيادة الإيرادات يمكن للبيانات أن تثبت نجاحها، وإذا فشلت السياسات التعليمية في تحسين معدلات اكتساب مهارات القراءة والكتابة يمكن لأصحاب المصلحة المطالبة بالمراجعة.
أما على الصعيد الدولي فإن هذه المبادرة تتيح إدراج باكستان كنموذج يمكن درسه في مجال الحوكمة الاستباقية، إذ كثيراً ما تواجه الاقتصادات الناشئة تحديات مماثلة، لكنها تفتقر إلى نماذج إصلاح وتوثيق في الوقت نفسه.
التحديات والانتقادات
لا يخلو أي تحول بهذا الحجم من عقبات، فالمنتقدون يرون أن إصلاحات سريعة تخاطر بتنفيذ سطحي، وباحتمال مقاومة التغيير، على سبيل المثال لا تتطلب رقمنة سجلات الأراضي – وهي عملية إصلاح شائعة في الدول النامية – استخدام التكنولوجيا فحسب، بل أيضاً إعادة تدريب المسؤولين ومكافحة الفساد، وعلى نحو مماثل قد تواجه التدابير الاقتصادية مثل خفض الدعم أو الخصخصة ردود فعل عنيفة إذا لم تقترن بإقامة شبكات أمان اجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير حسن جاويد إلى أن "الاقتصاد السياسي في باكستان لا يزال يشهد تأثيراً كبيراً من جانب النخب التي تستفيد من علاقاتها داخل مواقع السلطة، وعلى رغم وجود جيوب من التميز البيروقراطي تتسم بالكفاءة والقدرة، فإن جزءاً كبيراً من البيروقراطية كان في الماضي يعارض الإصلاحات".
السؤال الأهم هو هل تتمسك الإدارات اللاحقة بهذه الإصلاحات؟ فيما يؤكد معدو التقرير أن التوثيق سيضغط بصورة غير مباشرة على الحكومات المستقبلية، يرى الدكتور جاويد أن ذلك سيكون صعباً في ظل ارتفاع مستويات الاستقطاب السياسي ونقص الإجماع بين القيادات حول الإصلاحات الضرورية للبلاد.
النتائج هي الأهم
يكمن الاختبار الحقيقي لأجندة باكستان لعام 2024 في التنفيذ، فالإصلاحات البنيوية غالباً ما تستغرق أعواماً قبل أن تحقق نتائج ملموسة، وعلى سبيل المثال يجب على هيئات مكافحة الفساد أن تثبت خلاصاتها، ويجب أن تترجم الإصلاحات الضريبية إلى تحسين للخدمات العامة لتشجيع المواطنين على المشاركة.
ويعد التوثيق مسألة محورية في هذا الإطار، فمن خلال تتبع مقاييس مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي والاستثمار الأجنبي المباشر ومؤشرات العدالة الاجتماعية، يمكن للتقرير أن يسلط الضوء على الارتباطات بين السياسات والنتائج، ويسمح هذا النهج القائم على البيانات بالحوكمة الرشيقة، بحيث يمكن لصناع السياسات التخلي عن التدابير غير الفعالة وتوسيع نطاق التدابير الناجحة.
إضافة إلى ذلك يرى جاويد أن هناك تدابير يمكن اتخاذها للحد من خطر الاضطرابات، ويقول إن "هناك خطأ شائعاً ترتكبه الحكومات في باكستان، يتمثل في عدم توفير غطاء تشريعي لكثير من المبادرات، بحيث تعتمد على السلطة التنفيذية في فرض الإصلاحات بدلاً من تقنينها في البرلمان، مما يسهل على الحكومات اللاحقة التراجع عنها".
ويعطي المتخصص مثلاً على ذلك "برنامج بي نظير لدعم الدخل" الذي وصفه بأنه "الأكثر أهمية في مجال الرعاية الاجتماعية خلال العقدين الماضيين، والذي استمر على رغم اعتراض الحكومات المتعاقبة عليه، لأنه كان منصوصاً عليه في القانون".
ورأى أنه على الأحزاب السياسية الرئيسة أن تضع خلافاتها جانباً وتحاول التوصل إلى إجماع حول الاتجاه المستقبلي للبلاد، مضيفاً "من السهل أن نقول ذلك لكن من الصعب أن نقوم به، ومن هنا تأتي أهمية التدقيق والمحاسبة، ويمكن للصحافة النابضة ومراكز الفكر المستقلة أن تضطلع بدور في تعزيز الشفافية".