ملخص
في زمن النظام البائد كانت منطقة القصير بمحافظة حمص تعد الشريان الاقتصادي لـ"حزب الله" وتجار المخدرات والسلاح
في منطقة جبلية خلابة ذات مسالك ترابية شديدة الوعورة قرب الحدود اللبنانية، يوعز مسؤول أمن سوري لعناصره بإطلاق النار على أقفال زنَّرت باباً حديدياً لمبنى مهجور. ويقول بعد تمشيط المكان "هذه مصانع كبتاغون ومخدرات".
أطلقت السلطات السورية الجديدة الأسبوع الماضي حملة في منطقة القصير بمحافظة حمص لمكافحة التهريب عبر الحدود السورية- اللبنانية المتداخلة. وتتهم "حزب الله"، حليف الرئيس السابق بشار الأسد، برعاية عصابات تهريب مخدرات ونقل سلاح عبر الحدود.
في قرية حاويك على بعد مئات الأمتار من الحدود اللبنانية، يقول مدير أمن الحدود في منطقة حمص الرائد نديم مدخنة لوكالة الصحافة الفرنسية "نبدأ الآن تمشيط المصانع التي استخدمها حزب الله وفلول النظام البائد، بعدما أصبحت المنطقة تحت سيطرة الإدارة العسكرية وإدارة أمن الحدود".
قبل اندلاع النزاع السوري، كان الآلاف من اللبنانيين يقيمون منذ عقود إلى جانب السكان السوريين في منطقة القصير التي تتداخل حدودها مع منطقة البقاع الشمالي في شرق لبنان، وتضم الكثير من المعابر غير الشرعية التي كانت تستخدم منذ عقود للتهريب.
بعد اندلاع النزاع في سوريا، أقر "حزب الله" في نهاية أبريل (نيسان) 2013، بمشاركة مقاتليه في المعارك دعماً لحكم الأسد، وتحديداً في القصير التي شكلت معقلاً بارزاً حينها للفصائل المعارضة.
وبعد أسابيع، سيطر الطرفان إثر معارك ضارية تسببت بتهجير آلاف السوريين من المنطقة، حيث أنشأ الحزب تباعاً مقار ومراكز وأنفاق ومستودعات سلاح، أعلنت إسرائيل استهدافها مراراً.
الشريان الاقتصادي لـ"حزب الله"
ويوضح مدخنة "في زمن النظام البائد، كانت المنطقة تعد الشريان الاقتصادي لحزب الله وتجار المخدرات والسلاح".
في المبنى الذي دهمه عناصر إدارة أمن الحدود، شاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية أكياساً تحتوي على حبوب الكبتاغون، وعاينوا في المبنى ذاته وفي مبنى آخر معدات تستخدم وفق المسؤول الأمني في صناعة المادة المخدرة ذات الشهرة الواسعة.
وتوحي صحون الطعام المحضر والمتروكة في مطبخ أحد هذين المبنيين على أن مستخدميه غادروه على وجه السرعة.
وما زالت المسالك الترابية المغطاة أطرافها بالثلوج، والمؤدية لهذه المنشآت تحمل آثار سواتر ترابية نصبها المهربون على عجل "لتأخير تقدمنا"، بحسب المسؤول في إدارة الحدود.
خاضت القوات السورية في الأيام الماضية، وفق مدخنة معارك عنيفة مع مسلحين "موالين لحزب الله وفلول النظام" بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مشيراً إلى أنه "كان لديهم أيضاً راجمات صواريخ".
وتشهد الآليات المحترقة على جانب الطرقات في حاويك، والأضرار في المباني والقصور الفارهة "التي بناها تجار المخدرات في الأراضي السورية"، كما يقول سكان محليون، على ضراوة المعارك.
مكافحة أنشطة مهربي السلاح والسلع
وإضافة إلى "تفكيك" مصانع المخدرات، يوضح مدخنة أن قواته تعمل على مكافحة أنشطة مهربي السلاح والسلع. وهم وفق السكان من حاملي الجنسيتين اللبنانية والسورية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتنسق قوات الأمن السورية مع الجيش اللبناني الذي أعلن السبت تعزيز انتشاره عند الحدود الشمالية الشرقية وإيعازه لعناصره بالرد على مصادر النيران التي تطلق من الجانب السوري تجاه الأراضي اللبنانية، من دون أن يحدد مصدرها.
ويتشارك لبنان وسوريا حدوداً بطول 330 كيلومتراً غير مرسمة في أجزاء كبيرة منها وخصوصاً في شمال شرقي البلاد، مما جعلها منطقة سهلة للاختراق من جانب مهربين أو صيادين وحتى لاجئين.
وأقر الأمين العام لـ"حزب الله" نعيم قاسم في ديسمبر (كانون الأول) بأن الحزب "خسر في هذه المرحلة طريق الإمداد العسكري عبر سوريا" بعد إطاحة بشار الأسد.
العودة بعد سنوات تهجير طويلة
بعد إطاحة الأسد وإخلاء "حزب الله" لمقراته في سوريا، بدأ سكان بلدة القصير العودة إليها بعد سنوات تهجير طويلة هرباً من القصف وملاحقة السلطات السابقة، وسط دمار واسع.
ينهمك حسن عامر (21 سنة) بطلاء جدران منزله المرمم حديثاً بمساعدة أقرانه في الحي الذي يستعيد حياته ببطء، بعدما أمضى وعائلته نحو نصف عمره لاجئاً في بلدة عرسال اللبنانية القريبة من الحدود.
ويقول "خرجت من هنا صغيراً، لا أعرف كثيراً عن القصير". ويضيف بينما تتعالى حوله أصوات جيرانه وهم يرفعون الركام أو يدخلون بعض الأثاث إلى بيوتهم "هجرنا على رغم عنا، لكننا عدنا في اليوم الثاني لسقوط النظام".
ولا يخفي امتعاضه من "حزب الله" الذي منذ عام 2013 "استوطن القصير وحولها مدينة له وكان يمنع على أهلها العودة إليها"، وجعل من مدارسها ومؤسساتها الرسمية مقار له.
وفي عام 2019، دعا "حزب الله" أهالي القصير للعودة إليها "بناء على قرار القيادة السورية ورغبة" الأهالي "من السوريين ومن اللبنانيين".
وكان محمد ناصر (22 سنة) مع والدته من بين محظيين قلائل أتيحت لهم العودة عام 2021، لأن "جدي المسن كان وحيداً هنا، وكنت دون الثامنة عشرة"، ما جنبه خطر الملاحقة الأمنية، فيما بقي والده في لبنان خوفاً من الاعتقال.
ويوضح "كنا هنا مع جدي وحولنا عائلتان فقط في الحي، وكان في جوارنا عائلات من الموالين لحزب الله يقيمون في البيوت التي كانت أقل تضرراً".
ويروي سكان كثر أن العديد من العائلات اللبنانية سكنت المنطقة منذ 2013 وغادرت ليلة إطاحة الأسد في الثامن من ديسمبر.
ويقول محمد (84 سنة)، جد ناصر، "يوم التحرير هربوا، وبدأ أهل البلدة يأتون، في الليل، قبل أن يطلع الصباح، وكانت المساجد تكبر".