Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب ترمب على الإعلام الأميركي مشبعة بـ"الخوف الأحمر"

يستخدم سيد البيت الأبيض العقاب والترهيب للإخضاع وتعظيم الرقابة الذاتية للحد من الانتقاد

ترمب متحدثاً إلى وسائل الإعلام في البيت الأبيض (غيتي)

ملخص

اتسمت علاقة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع وسائل الإعلام الإخبارية الرئيسة الأكثر انتشاراً بـ"العداء"، وظل يسخر منها على مدى تسعة أعوام باعتبارها وسائل الإعلام التي تزيف الحقائق، ووصفها أيضاً بأنها "عدو الشعب".

منذ عودته إلى الرئاسة الأميركية شن دونالد ترمب حرباً واسعة ضد وسائل الإعلام، فقد منع مراسلي وكالة "أسوشيتد برس"، وهي الأكبر والأهم في الولايات المتحدة، من دخول البيت الأبيض، وبدأ في وقف اشتراكات الوكالات الفيدرالية في الصحف ورفع دعوى قضائية ضد شبكة "سي بي أس"، وكذلك فعل ضد شبكة "أي بي سي".

لم يكتفِ ترمب بذلك، بل بدأ في تحقيقات هدفها سحب التمويل الفيدرالي من شبكة "بي بي أس" والإذاعة الوطنية العامة "أن بي آر". وهنا تتسابق الأسئلة حول سبب هذه الحرب الشرسة ضد وسائل الإعلام الليبرالية؟ ولماذا يخضع البعض للرئيس الأميركي عبر الموافقة على تسويات مالية لوقف الدعاوى ضده؟ وما مصير هذه المعارك وتأثيرها في الولايات المتحدة؟

علاقة عدائية

اتسمت علاقة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع وسائل الإعلام الإخبارية الرئيسة الأكثر انتشاراً بـ"العداء". وظل الرجل يسخر منها على مدى تسعة أعوام باعتبارها وسائل الإعلام التي تزيف الحقائق، ووصفها أيضاً بأنها "عدو الشعب"، لكن الاستثناء الملحوظ كانت شبكة "فوكس نيوز" المحافظة القوية، التي تولى بعض مذيعيها أدواراً رئيسة في إدارته، كما أنه من المنتظر أن تبدأ لارا ترمب زوجة ابنه إيريك العمل في الشبكة نفسها كمقدمة برامج في وقت الذروة قريباً.

إلا أن الرئيس العائد بتفويض شعبي، كما يحلو له القول دائماً، ينقل منذ وصوله البيت الأبيض معركته طويلة الأمد مع وسائل الإعلام إلى مستوى جديد وغير مسبوق مقارنة بدورته الرئاسية الأولى عندما اكتفى بالهجوم اللفظي، إذ تسلح بدعاوى قضائية بملايين الدولارات وتهديدات تنظيمية في استهداف واضح لتمويل عديد منها في وقت تكافح فيه بالفعل في مناخ تجاري صعب.

ولا يضاعف ترمب من خطابه المناهض للإعلام في شهره الأول بمنصبه فحسب، بل تجاوز مع إدارته الحدود عبر اتخاذ مجموعة متنوعة من الإجراءات التي حدت من ممارسة مهنة الإعلام والصحافة بالصورة المتعارف عليها منذ عقود. وشن ضد شبكات تلفزيونية ضخمة دعاوى قضائية، وأطلق توجيهات أخرى يقول منتقدوها إنها محاولات مكشوفة لإخضاع التغطية الإخبارية لإرادته.

السلطة الكاملة

استخدم الرئيس الـ47 للولايات المتحدة سلطته الرئاسية الكاملة هذه المرة، ووضع بعض المسؤولين في إدارته للتصرف نيابة عنه، وكان المثال الأكثر وضوحاً على ذلك، هو منع مراسلي وكالة "أسوشيتد برس" من تغطية نشاط الرئيس في فعاليات البيت الأبيض لمدة يومين متتاليين بسبب استمرار الوكالة في الإشارة إلى المسطح المائي الواقع جنوب الولايات المتحدة باسم خليج المكسيك بدلاً من خليج أميركا، الاسم الجديد الذي أطلقه ترمب عليه ضمن الأوامر التنفيذية العديدة التي وقعها منذ توليه منصبه.

أثار هذا الأمر المؤسسات المدافعة عن حرية التعبير التي عدت معاقبة الصحافيين لعدم اعتماد المصطلحات التي تفرضها الدولة، هجوماً مثيراً للقلق على حرية الصحافة لأن الرئيس يتمتع بالسلطة في تغيير الطريقة التي تشير بها حكومة الولايات المتحدة إلى الخليج، لكنه لا يستطيع معاقبة مؤسسة إخبارية لاستخدامها مصطلح آخر، ولأن دور الصحافة الحرة هو محاسبة أصحاب السلطة، وليس العمل كناطقين باسمهم.

 

 

لم تكن معركة ترمب مع وكالة "أسوشيتد برس" سوى الأحدث في سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها إدارته، فقبل أسبوع واحد نشر أنصار الرئيس الأميركي، بمن فيهم إيلون ماسك نفسه، لقطات من شاشة تظهر زوراً أن أكثر من 8 ملايين دولار تم تحويلها إلى موقع "بوليتيكو" من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي استهدفتها إدارة ترمب، قبل أن ينفي مديرو بوليتيكو تلقي الموقع أي تمويل حكومي وأن الوكالات الحكومية التي تشترك في الموقع تفعل ذلك من خلال عمليات المشتريات العامة القياسية مثل أي أداة أخرى.

إلا أن هذه الحقائق لم تمنع ترمب من الادعاء زوراً بأن مليارات الدولارات ذهبت بصورة غير لائقة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وغيرها من الوكالات إلى وسائل الإعلام الإخبارية "المزيفة" كنوع من المكافأة لنشر قصص جيدة عن الديمقراطيين.

معاقبة الصحافة

وفيما أعلن البيت الأبيض أنه سيلغي اشتراكاته في "بوليتيكو" تخاطر الصحف والمواقع الإخبارية الأخرى بخسارة ملايين الدولارات إذا ألغت الحكومة المزيد من الاشتراكات، وهو ما عده مراقبون وسيلة من إدارة سيد البيت الأبيض لتقويض الصحافة التي تواجه بالفعل ضائقة مالية. وهنا حذر الباحث في مؤسسة "ميديا ماترز" مات غيتز من أن النتيجة المترتبة على كل هذا هو أن كتلة ماغا الداعمة لترمب تسطر تاريخاً جديداً يمكنهم استخدامه لتفسير أي تغطية غير مواتية للرئيس.

واعتبر روي غوتيرمان الأستاذ في جامعة سيراكيوز أن الإدارة الجديدة تكثف جهودها المتعددة الأوجه لمعاقبة الصحافة ووسائل الإعلام كونها تتحرك بسرعة إلى ما هو أبعد من مجرد التهديدات، مشيراً إلى الخطوة غير المسبوقة من إدارة ترمب بطرد ثماني مؤسسات صحافية وإعلامية بما في ذلك "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"سي أن أن" و"أن بي سي" و"أن بي آر" عبر إخلاء مساحات مكاتبها المخصصة في وزارة الدفاع (البنتاغون)، بدعوى تأسيس برنامج جديد للتناوب الإعلامي السنوي والحاجة إلى إيجاد مساحة لمنافذ إعلامية أخرى من بينها ثلاث مؤسسات إخبارية محافظة مثل "نيويورك بوست" و"بريتبارت" والتي تميل لموالاة الملياردير الجمهوري ومؤسسة إخبارية تقدمية واحدة.

الترهيب بسلطة الدولة

غير أن الأكثر نشاطاً في استخدام سلاح الترهيب هو رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية بريندان كار الذي تم تعيينه حديثاً من قبل ترمب، إذ لم يهدر أي وقت في إطلاق تحقيقات فيدرالية ضد عديد من شركات الإعلام التي ينتقدها الرئيس الأميركي كثيراً، وعلى رأسها شبكة "بي بي أس" والإذاعة الوطنية العامة "أن بي آر" اللتين يتم اتهامهما على الدوام من قبل المحافظين بالتحيز الليبرالي بسبب تمويلهما الحكومي الجزئي. كما أعادت لجنة الاتصالات الفيدرالية فتح تحقيق مع شبكة "سي بي أس" التي تمتلكها شركة "باراماونت" بتهمة إعادة تحرير (مونتاج) حديث أجراه برنامج 60 دقيقة مع نائبة الرئيس الأميركي السابقة كامالا هاريس وهو ما اعتبره ترمب ولجنة الاتصالات أنه يدخل في إطار التزييف المتعمد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وامتدت حرب لجنة الاتصالات إلى شبكات أخرى، إذ أعيد كذلك فتح تحقيق مع شبكة "أي بي سي" في شأن كيفية تعاملها مع مناظرة بين ترمب وهاريس. كما فتح بريندان كار تحقيقاً مع شركة "كومكاست"، مالكة "أن بي سي يونيفرسال"، وهي الشركة الأم لشبكة "أن بي سي نيوز" بدعوى ترويجها لبرامج التنوع والمساواة والإدماج، مما دفع داكستون ستيوارت أستاذ الصحافة في جامعة تكساس المسيحية إلى وصف هذه الحملة بأنها مثيرة للقلق لأن كار يبدو حريصاً على إطلاق تحقيقات في أي وسيلة إعلامية لا تحترم ترمب بصورة مناسبة، بخاصة أن الرئيس هدد في الماضي بإلغاء تراخيص البث التي توزعها لجنة الاتصالات الفيدرالية.

وفي حين أن الحكومة لا ترخص الشبكات الوطنية التي تبث في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فإنها ترخص محطات التلفزيون والإذاعة المحلية التي تستخدم موجات الهواء العامة، ولهذا يخشى البعض من أن التهديد بتجريد ترخيص أي جهة بث أو مقاضاة أي مراسل، بدعم من سلطة الدولة، من شأنه أن يمس قدرة الصحافة والإعلام على العمل بحرية، ويخاطر بظهور الرقابة الذاتية.

تعظيم الرقابة الذاتية

ومع ذلك تفيد التقارير الأخيرة أن شركة "باراماونت" تفكر في تسوية دعوى قضائية بقيمة 10 مليارات دولار رفعها ترمب ضد برنامج الأخبار الرائد 60 دقيقة على شبكة "سي بي أس" في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 اعتراضاً على الطريقة التي حرر بها البرنامج مقابلة هاريس وعدها ترمب تدخلاً سافراً في الانتخابات، على رغم حقيقة أن تحرير المقابلات المسجلة بالفيديو كان ممارسة عادية في الصحافة التلفزيونية والإذاعية منذ زمن بعيد، مما يثير مخاوف واسعة حول حرية الصحافة والإعلام في الولايات المتحدة.

وكما يقول صامويل فريدمان الأستاذ في كلية الصحافة بجامعة كولومبيا والذي درس أخلاقيات الصحافة، فإن أحد التقاليد الفخورة للمؤسسات الإخبارية أنها لا تقوم بتسوية القضايا حتى عندما تكون متهالكة، لأن القيام بذلك سيؤدي على الأرجح إلى ابتعاد المراسلين والمحررين في مؤسسات الأخبار عن القصص السلبية حول ترمب، وقد يخلق نسخة حديثة مما يسمى "الخوف الأحمر" الذي أطلقه السيناتور جو مكارثي في الخمسينيات متهماً من دون دليل مئات من المثقفين والإعلاميين والصحافيين بأنهم شيوعيون لترهيبهم وإسكاتهم، وبالمثل فإن التسوياًت ستؤدي إلى إسكات الانتقادات والتحقيقات بصورة استباقية، وستكون الرقابة الذاتية ضارة مثل عمل الحكومة تماماً كما كان الحال مع مكارثي.

وعلى رغم أن شركة "باراماونت غلوبال"، مالكة شبكة "سي بي أس"، ليست من أنصار ماغا أو اليمين المتشدد، يتعلق هدفها من التسوية بمشروع لبيع الشركة في الأساس لمصلحة شركة "سكاي دانس ميديا" وستوفر التسوية خروجها الآمن ومنع رفض لجنة الاتصالات الفيدرالية لهذه الصفقة بدعوى منع الاحتكار.

استسلام وخضوع

لم تكن شبكة "سي بي أس" المؤسسة الإخبارية الوحيدة التي تنحني لترمب، فقد كان استسلام المسؤولين التنفيذيين للمؤسسات الإخبارية واضحاً في كل مكان، من مالك صحيفة "واشنطن بوست" جيف بيزوس الذي منع الصحيفة من تأييد هاريس، إلى منع إريك راينهارت مالك صحيفة "لوس أنجليس تايمز" من دعم المرشحة الديمقراطية للرئاسة، بل وتدخله لتغيير مقال انتقد اختيار ترمب لوزير الصحة والخدمات الإنسانية، روبرت كينيدي جونيور. كما دفع رئيس شبكة "سي أن أن" مارك تومسون المذيع جيم أكوستا، الذي اصطدم مع ترمب في ولايته الأولى، إلى الاستقالة بعدما طرح نقل برنامجه إلى ما بعد منتصف الليل في محاولة لاستفزازه.

 

 

وفي السياق نفسه وافقت شركة "والت ديزني"، وهي الشركة الأم لشبكة "أي بي سي" على دفع 15 مليون دولار لتسوية دعوى التشهير التي رفعها ترمب ضد الشبكة ومذيعها جورج ستيفانوبولوس لأنه قال إن الملياردير الجمهوري وجد مسؤولاً في قضية مدنية بتهمة الاغتصاب بينما كانت في الواقع اعتداء جنسياً.

وبينما اتهم مراقبو وسائل الإعلام والصحافيون الآخرون بعض وسائل الإعلام الإخبارية الأكثر احتراماً في البلاد بالخضوع لإرادة ترمب، رأى آخرون مثل أستاذة القانون في الجامعة الأميركية في واشنطن ريبيكا هاملتون أن الرئيس الأميركي لديه فهم متعمق لأهمية العلاقة بين وسائل الإعلام والجمهور، ولهذا السبب فهو يقوض باستمرار من الميديا التي لا يحب تقاريرها ويوسع المساحة لتلك التي يحب تغطيتها.

تأثير حالي ومستقبلي

على رغم أن ترمب لم يشغل منصبه سوى منذ بضعة أسابيع، يمكن بالفعل رؤية بعض تأثيره في الشاشة، فقد بدأ بعض الشركات الإعلامية حذف قصص المتحولين جنسياً التي يعارضها الرئيس واليمين المسيحي المتدين. كما تتعامل الشركات مع أي فيلم وثائقي يهاجم ترمب وكأنه عدوى، وعلى سبيل المثال، لم يتمكن الفيلم الوثائقي المناهض له والذي يحمل اسم "الجمهوري الأخير" في عرضه الأول بمهرجان تورنتو السينمائي الدولي والذي يركز على آدم كينزنغر عضو مجلس النواب الأميركي السابق الذي تحدى ترمب وكان ضمن لجنة التحقيق في أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، من العثور على مُشترٍ رئيس واحد واضطر إلى توزيع الفيلم ذاتياً.

وفي المستقبل يتوقع رؤية مزيد من البرامج الصديقة لترمب، مثل الفيلم الوثائقي الذي أنتجته "أمازون برايم" عن السيدة الأولى ميلانيا ترمب والذي تم الإعلان عنه قبل أسابيع قليلة من التنصيب وتكلف 40 مليون دولار.

هجوم متواصل

وبطبيعة الحال ليست كل شركة إعلامية أو شخصية تخضع للبيت الأبيض، في الأقل ليس بعد، إذ لم تخفف شركة "أن بي سي يونيفرسال" من تغطيتها الناقدة لترمب على قناة "أم أس أن بي سي"، وهاجم مقدمو البرامج مثل راشيل مادو الرئيس كل ليلة، كما لم يتوقف برنامج "ساترداي نايت لايف" على شبكة "أن بي سي" عن السخرية من ترمب أيضاً.

وحتى حفل توزيع جوائز "غرامي" على شبكة "سي بي أس" في الثاني من فبراير (شباط) الجاري لم يكن استعراضاً لترمب، بخاصة عندما صعدت المطربة الشهيرة ليدي غاغا على المسرح وسخرت بصورة واضحة من الرئيس وسط هتافات تأييد من الجمهور.

ومع ذلك تحذر بعض الشخصيات اليسارية في هوليوود من رؤية كل شيء من خلال عدسة الخوف من الديكتاتورية، فقد أشار الإعلامي الساخر جون ستيوارت في برنامج "ذا ديلي شو" يوم الـ27 من يناير الماضي إلى أن "القانون الأول للتعامل الإعلامي مع ترمب هو أن كل فعل يقابل برد فعل مبالغ فيه وغير متكافئ على الإطلاق، مما يؤدي إلى إضعاف قدرة الإعلاميين على معرفة متى تصبح الأمور حقيقية بالفعل".

المزيد من تقارير