Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ضوء" يفتتح مهرجان برلين وسط الثلج والتوتر السياسي

الخادمة السورية تكشف صعوبة التعايش بين الألمان والمهاجرين

من فيلم "ضوء" الذي افتتح مهرجان برلين حول اللجوء السوري إلى ألمانيا (ملف الفيلم)

ملخص

تعقد الدورة الـ75 من مهرجان برلين السينمائي (الـ13 – الـ23 فبراير - شباط) في مناخين: طقس شتوي يغمر الشوارع بالثلوج للمرة الأولى منذ 15 سنة، وأجواء سياسية مشحونة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المبكرة التي ستحدد ما ستكون عليه ألمانيا طوال السنوات الأربع المقبلة.

هكذا بدت الملامح الأولى لمهرجان برلين، الحدث السينمائي البارز الذي افتتح مساء أمس، وكثيراً ما كان منبراً للأفكار والتطلعات ونقطة تلاق للقضايا السياسية والاجتماعية على رغم المنعطف السلبي الذي دخله في الدورة الماضية، متأثراً بتداعيات "طوفان الأقصى" فتحول ساحة للمهاترات.

والمهرجان، المعروف بتوجهاته وتركيزه على السياسة، يعيش هذا العام واقعاً معقداً مع تغييرات في إدارته، خصوصاً مع تبوؤ الأميركية تريشا توتل، 55 سنة، منصب المديرة الفنية بعد خمس دورات نظمها الإيطالي كارلو شاتريان، كانت عرضة لانتقادات كثيرة، فنية في الدرجة الأولى، علماً أن تفشي الوباء في بداية تسلمه مهماته لم يكن هدية له من السماء، بل صعب عليه إدارته للبرليناله. 

يواجه المهرجان اليوم مرحلة انتقالية صعبة ومخاضاً عسيراً وتجديداً يجري بالقفازات، هذا كله في ظل سلسلة من الأزمات التي عصفت به في السنوات الأخيرة، من دون نسيان التغييرات التي طرأت على المشاهدة في السنوات الأخيرة. فبعد استقالة شاتريان تحت وطأة الضغوط وصراعات داخلية متلاحقة، بات يشكل تسلم تريشا توتل دفة القيادة (هي المعروفة بمساهمتها في تطوير مهرجان لندن السينمائي)، أملاً بالنهوض بهذا الحدث الذي كان أصبح مهدداً نوعاً ما، بعدما فقد بريقه، وما عاد في استطاعته منافسة كل من كان والبندقية. وينظر إلى تعيين توتل كمحاولة لإعادة إحياء المهرجان، وسط تحديات كبيرة في عالم سريع التغير. ولعل الرهان الأكبر الذي يواجه الدورة الحالية هو قدرتها على الإتيان بخيارات سينمائية أفضل وتجاوز أخطاء الماضي ومواكبة تطلعات الجمهور، فهل تنجح توتل وفريقها في فرض بصمة مغايرة فنخرج من المهرجان بأكبر عدد من الأعمال السينمائية المهمة؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام الـ10 المقبلة.

تركز الدورة الحالية على أفلام تعكس قضايا وشوؤناً معاصرة تتعلق بالهوية والهجرة والتغيرات المناخية، مما يؤكد التزام المهرجان بمناقشة المواضيع الاجتماعية والسياسية التي كثيراً ما كان مخلصاً لها. وعلى رغم غياب القامات الكبيرة التي تميل للمشاركة في مهرجاني كان والبندقية، فالتوقعات مرتفعة في شأن بعض الأعمال التي قد تحمل مفاجآت، خصوصاً مع زيادة الاهتمام بالأفلام المستقلة والإنتاجات غير التقليدية التي تأتي من خارج الصناعة ذات القوالب الجامدة.

المسابقة الرسمية تشمل 19 فيلماً طويلاً ستتنافس على "الدب الذهبي" وجوائز أخرى، التنوع الجغرافي الذي تأتي منه الأفلام يضمن تشابك القضايا ويعد الجمهور برحلة سينمائية عبر ثقافات وتجارب مختلفة كان الجمهور الألماني المثقف والمتابع مرحباً بها دوماً في بلاده. صحيح أن كثيراً من الأسماء داخل المسابقة "غامضة" وغير مألوفة، لكن بعض النقاد يرون  في ذلك فرصة لاكتشاف أصوات سينمائية جديدة، مما يعزز مكانة المهرجان كمنبر للتجديد الفني والانحياز لمواضيع سياسية جريئة وغير مستهلكة. وفي هذا الصدد، استحدثت توتل هذا العام قسماً جديداً باسم "برسبكتيف" ستعرض فيه الأفلام الأولى. 

علاقة وطيدة

تربط المهرجان بالمشاهدين المحليين علاقة طويلة، يظل الجمهور في قلب نجاح هذا الحدث. الدورة الماضية كانت سجلت نحو 450 ألف مشاهد، وعلى عكس البريق "الهوليوودي" الذي يميز تظاهرات سينمائية مثل كان والبندقية، يحتفظ المهرجان بهويته الخاصة حاصراً اهتمامه بالمحتوى السينمائي بدلاً من البهرجة، ولكن هذا لا يعني البتة أن مستوى أفلامه أفضل. عدم قدرته في منافسة المهرجانات التي تقام تحت أشعة الشمس الحارقة، وفي مدن ساحلية فيها كثير من "الغلامور"، يجعله يميل إلى خط تحريري تغييري مختلف. 

هذا العام، يتولى المخرج الأميركي الشهير تود هاينز رئاسة لجنة التحكيم، بعد دورتين متتاليتين ترأستهما فنانتان من الولايات المتحدة. في ختام رحلة سينمائية تجمع بين المتعة والفائدة، سيتعين على اللجنة اختيار الفائزين، ويأمل المنظمون والصحافة والجميع أن تليق هذه الرحلة بمكانة المهرجان الذي أسس في ذروة الحرب الباردة وواكب مذ ذاك كل مراحل تاريخ ألمانيا الحديث، وتحولها من دولة منكوبة إلى قوة عظمى. 

وتعبيراً عن التقاطعات بين ألمانيا الماضي والحاضر، افتتح  المهرجان أمس بـ"الضوء" للمخرج الألماني توم تيكفر. عرض الفيلم خارج المسابقة، عائداً بمخرجه إلى الأضواء بعد أكثر من 15 عاماً على تقديمه لـ"العالمي" في المكان نفسه. بدأ تيكفر مسيرته في تسعينيات القرن الماضي، واشتهر دولياً بفيلمه الأيقوني "اركضي لولا اركضي"، الذي رسخ مكانته كأحد أكثر السينمائيين الأوروبيين تجريباً وتحديثاً. تميزت مسيرته بتنوع لافت، فهو تنقل بين أفلام هوليوودية ضخمة واقتباسات أدبية، إضافة إلى تأليف الموسيقى التصويرية. "الضوء" نقلة نوعية في مسيرته، على رغم أنه يحمل بصماته الإخراجية الواضحة. ومع أن أفلام الافتتاح في مهرجان برلين لم تحظ في السنوات الأخيرة بإشادة نقدية، وكان مستوى معظمها ضعيفاً، فيأتي "الضوء" مليئاً بالطموحات. على رغم ذلك، كان استقباله خلال عرض الصحافة بائساً إلى حد ما، ويبدو أن الكيفية التي عالج فيها تيكفر مسألة اللجوء في ألمانيا غير ملائمة لتطلعات أعضاء الصحافة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يروي "الضوء" الذي يقع في نحو ثلاث ساعات، قصة عائلة ألمانية تتألف من خمسة أفراد. يعمل الأب في شركة إعلانات وتحاول الأم الحصول على تمويل لإقامة مشروع ثقافي في كينيا، أما الأولاد الثلاثة فينصرف كل منهم إلى شؤونه. العلاقات بينهم تكاد تكون معدومة، يوظفها المخرج لتناول مسألة انهيار وشيك قد يعانيه المجتمع الألماني. تنطلق الأحداث الكثيرة والمتشعبة، مع موت الخادمة التي تعمل لدى هذه الأسرة، لتستبدل على وجه السرعة بلاجئة سورية فقدت عائلتها في رحلة عبورها البحر للوصول إلى ألمانيا. يحمل الفيلم معه لحظات جميلة سينمائياً، خصوصاً أن المخرج صانع مشهد ممتاز، يطعم الدراما المتصاعدة بعدد من الفواصل الغنائية التي تخفف من مأسوية الأحداث وحدتها، لكن هناك في المقابل لقطات تقع في التكرار الممل، على رغم أن هذا لا ينتقص من أهمية هذا العمل السينمائي وقدرته على التحدث عن مسألة التعايش بين الألمان واللاجئين بنحو مغاير ومبتكر، بعيداً من الابتزاز العاطفي والتدليس السياسي. يأتي تيكفر بخطاب ملتبس، لا سيما عند الختام، يعبر عن العجز والذنب اللذين أصابا جيله وذلك لعدم قدرته على صناعة عالم أفضل يرثه لأولاده. 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما