ملخص
عرفت مصر قصار القامة في كل العصور ويوجد تمثال شهير في المتحف المصري بالتحرير للقزم "سنب" الذي وصل إلى مكانة رفيعة في الدولة، ويقدر عدد الأقزام في مصر بما يزيد على 100 ألف شخص طبقاً للإحصاءات، فما هو وضعهم وما المشكلات والتحديات التي تواجههم؟.
يواجه قصار القامة (الأقزام) في مصر كثيراً من التحديات، لكن هذه الفئة عالية الهمة تطمح إلى الاندماج بصورة أكثر فاعلية في المجالات كافة، وعلى رغم تحقيقهم لبعض المكتسبات في الفترة الأخيرة فإنه لا تزال هناك أزمات عدة يعانونها ومعوقات تحتاج إلى حلول.
عرفت مصر قصار القامة في كل العصور ويوجد تمثال شهير في المتحف المصري بالتحرير للقزم "سنب" الذي وصل إلى مكانة رفيعة في الدولة حتى إنه كان كاهناً جنائزياً ومسؤولاً عن الخزانة الملكية في عصري "خوفو" و"جدف رع" واكتشف تمثاله في الجيزة عام 1927 الذي يظهر فيه جالساً القرفصاء وإلى جواره زوجته الطويلة القامة وأمامه أبناؤه الصغار.
يعرف القزم بأنه كل شخص بالغ يقل طوله عن 140 سنتيمتراً، ويقدر عدد الأقزام في مصر بما يزيد على 100 ألف شخص طبقاً للإحصاءات، ومن المفارقات أن هذا العدد يشكل نحو ثلث الأقزام في العالم كله.
فلماذا تضم مصر كل هذه النسبة من الأقزام؟ وهل هناك أسباب معينة تدفع إلى ظهورها على نحو أكبر من مناطق أخرى في العالم؟ وهل هناك أسباب جينية معينة تؤدي إلى ذلك أم أن هذه النسبة العالمية عادية ومنطقية ومتناسبة مع العدد الكبير للسكان؟.
يقول رئيس جمعية الأقزام المصرية عصام شحاتة "يرجع هذا الأمر إلى عوامل عدة، من بينها العامل الوراثي الذي يمكن أن يمتد لأجيال تكون حاملة لهذه الجينات فتكون هناك احتمالية لظهوره بعد أجيال عدة، إضافة إلى زواج الأقارب الذي يساعد على انتشارها، غير أنه أحياناً تحدث طفرات جينية فبالفعل العدد كبير في مصر ولكن الأسباب متعددة، وانطلاقاً من احتياج هذه الفئة إلى كيان يضمها، أُنشئت الجمعية عام 2012 لتكون معنية بالأقزام ومشكلاتهم ونستطيع من خلالها مخاطبة المجتمع المصري والجهات المسؤولة بحاجاتنا".
وضع الأقزام في الدستور المصري
واحد من المكتسبات التي حصل عليها قصار القامة خلال العقد الأخير هو الاعتراف بهم في الدستور المصري الأخير الصادر عام 2014 الذي تنص إحدى مواده على أنه "تلتزم الدولة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة والأقزام" وهي المرة الأولى التي تذكر فيها كلمة الأقزام في الدستور بصورة مباشرة كفئة من ضمن فئات كثيرة يضمها المجتمع المصري.
وبالفعل أدى هذا الاعتراف إلى حصول الأقزام على بعض المكتسبات التي لم تكُن متاحة لهم من قبل، لكن على رغم ذلك فإنه لا يزال هناك كثير من المشكلات والتحديات التي تواجههم ويهدفون إلى حلها من خلال مخاطبة الجهات المختلفة المعنية بهذا الشأن، خصوصاً مع توجه الدولة خلال الأعوام الأخيرة للاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة بصورة عامة من خلال مشاريع ومبادرات متنوعة على رأسها "قادرون باختلاف".
ويرى عصام شحاتة أن "إضافة كلمة الأقزام إلى المادة المعنية بشؤون ذوي الاحتياجات الخاصة يمثل إنجازاً كبيراً لأنه ترتب عليه انضمام قصار القامة إلى فئة المعوقين والحصول على الحقوق الممنوحة لهم ومن بينها كارنيه الإعاقة، لكن هناك مشكلات كثيرة لا يزال يعانيها الأقزام من بينها أن ضمهم إلى المعوقين يتيح لهم الحصول على معاش من التضامن الاجتماعي ولكنه لا يصرف إلا بعد أن يتم الشخص 18 سنة، لكن على أرض الواقع من هم أصغر من هذا السن هم الأكثر احتياجاً لارتباطهم بالدراسة وكثرة حاجاتهم وعدم قدرتهم على الدخول في سوق العمل".
ويضيف أن "من المشكلات التي تواجهنا أيضاً السيارات المجهزة للمعوقين، فلا يسمح لقصار القامة بقيادتها ولا بد من وجود مرافق من الدرجة الأولى مثلما يحدث في حال الشخص الكفيف أو المعوق ذهنياً ولكن حال قصير القامة تختلف فهو قادر على القيادة والسيارة مناسبة لوضعه، فلماذا التعنت في هذا الشرط، خصوصاً أن بعضهم لا يكون متاحاً بالنسبة إليه أن يوفر شخصاً للقيادة وفي الوقت نفسه يعاني قصار القامة في أنواع المواصلات كافة لارتفاع سلم الحافلات المختلفة وعدم تمكنهم من صعودها".
أول اتحاد لرياضات قصار القامة
وبين إجراءات كثيرة تتخذ لتمكين الأقزام وتسهيل مشاركتهم في النشاطات المختلفة، كانت الرياضة واحدة من أهم المجالات التي تم الاتجاه إليها، بخاصة بعدما حقق بعض قصار القامة إنجازات بالفعل أثبتت أنهم قادرون على التفاعل والمشاركة وتحقيق الفوز مثل البطل المصري محمد المنياوي الذي توج بذهبية وزن 59 كيلوغراماً في رفع الأثقال في دورة الألعاب البارالمبية في باريس بعدما رفع 201 كيلوغرام، وكذلك البطلة المصرية إيناس الجبالي بحصولها على الميدالية الذهبية لرفع الأثقال في كأس العالم البارالمبية المقامة في المكسيك عام 2024.
ومن بين المبادرات المعنية بإدماج قصار القامة في النشاطات الرياضية المختلفة، كان إنشاء أول فريق كرة قدم من الأقزام حتى بدأت التجربة بالنجاح وأُقيم دوري لمباريات قصار القامة ولكن الفريق واجه بعض التحديات باعتبار حاجته للدعم بصورة أكبر، وفي هذا المسار تتخذ حالياً إجراءات متعددة من بينها العمل على تأسيس أول اتحاد لرياضات قصار القامة في مصر والعالم العربي.
ويقول رئيس اتحاد رياضات قصار القامة في مصر علي شعبان إن "جهوداً كثيرة بُذلت لمشاركة الأقزام في مجالات مختلفة من بينها الرياضة ويمكن اعتبار أن البداية كانت عام 2018 عندما أسسنا أول فريق غطس لقصار القامة وبدأنا بإقامة فعاليات لرياضات مختلفة كان من أبرزها تكوين أول فريق كرة قدم للأقزام، ومع الوقت كان لا بد من أن يكون لنا كيان معترف به في وزارة الشباب والرياضة، ومن هنا جاءت فكرة تأسيس أول اتحاد لرياضات قصار القامة والانضمام إلى اللجنة البارالمبية المصرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح أن "اتحاد رياضات قصار القامة هو الأول من نوعه في مصر والعالم العربي وهو ثاني اتحاد بعد الاتحاد الإنجليزي وهو خطوة مهمة لوضع الأقزام على خريطة الرياضة العالمية، فهو يضم نحو 14 لعبة نسعى إلى تأهيلهم فيها للمشاركة في البطولات المحلية والدولية، فنعمل على تدريب أبطال مصريين من قصار القامة للمشاركة في دورة الألعاب البارالمبية المقبلة وفي المحافل كافة التي يمكنهم المشاركة فيها، فالرياضة بصورة عامة من أهم الوسائل لاكتساب الثقة بالنفس وعندما يرى الأقزام نماذج حققت نجاحات فإن هذا سيكون دافعاً لهم للمشاركة في الرياضة وغيرها وسيؤدي إلى اندماجهم في المجتمع بصورة أكبر".
الأقزام والفنون
وأخيراً عرض في دور السينما المصرية فيلم من بطولة فتاة من قصار القامة تدور أحداثه في سياق درامي حول بعض المواقف أو المشكلات التي تعانيها في المجتمع، مما اعتبر سابقة جديدة نظراً إلى طرح فيلم بصورة جماهيرية بطلته من الأقزام، وفرصة ليتعرف الناس إلى واقعهم وإلى جانب من حياتهم، ويأتي هذا الفيلم بعد أعوام عدة لم يتناول أي عمل درامي حياتهم منذ فيلم "الأقزام قادمون" الذي عرض في 1987 وكان من بطولة يحيي الفخراني وليلى علوي.
مصطفى علي من أعضاء فرقة الفنون الشعبية للأقزام يقول "الفرقة هي الأولى من نوعها بالنسبة إلى قصار القامة، فنحن دائماً ما كانت لدينا رغبة في المشاركة في الأحداث والفعاليات الثقافية المختلفة، مما يمكن أن يكون سبباً في كسر الحاجز الذي يواجهه بعض الأقزام في التعامل مع المجتمع ولكن المجتمع المحيط كثيراً ما يكون غير متعاون، والفرقة قائمة بالفعل وتؤدي عروضها ولكننا نحتاج إلى الحصول على دعم بصورة أكبر وإلى الوجود في فعاليات مختلفة".
ويستكمل أن "هناك كثيراً من الأقزام لديهم مواهب فنية تحتاج إلى اكتشافها ولكن دائماً ما كان ظهور الأقزام في السينما أو المسرح بدافع التنمر عليهم أو الإضحاك وأخيراً مع الفيلم الذي عرض وكانت بطلته من الأقزام حدثت نقلة كبيرة، فهي المرة الأولى التي يظهر فيها شخص قصير القامة في دور وحكاية وسياق درامي، والأمر نفسه بالنسبة إلى الرياضات المختلفة، فالأمر يحتاج إلى الدعم حتى نتمكن من الاستمرار، وفريق الكرة الذي شُكل من الأقزام يحتاج إلى جهة تدعمه حتى يتمكن من مواصلة نشاطه والمنافسة".
ويوضح مصطفى أن الأقزام يواجهون مشكلات متعددة من بينها عدم ملاءمة كثير من الخدمات لوضعهم، فيعاني قصار القامة في المراحل التعليمية كافة عدم وجود مقاعد مناسبة أو وجود فصولهم في أدوار عليا وارتفاع الأرصفة في الشوارع، إضافة إلى تعرضهم للمضايقات والتنمر، مما يتطلب نشر الوعي بصورة أكبر بطبيعة وضعنا وبضرورة تقبل الاختلاف للأقزام وغيرهم.
أول رواية عن الأقزام
وفي الآونة الأخيرة، صدرت رواية هي الأولى من نوعها أبطالها من الأقزام تعكس في سرد يجمع بين الواقع والفانتازيا مشكلاتهم والتحديات التي يواجهونها وأزماتهم مع المجتمع من خلال معايشة مؤلفتها لكثير من القصص الحقيقية للأقزام، فاهتمت بأن تقدم هذا العالم إلى الجمهور بصورة تتيح له التعرف إليه من خلال عمل فني.
وعن دور الفن في نشر الوعي والتعريف بواقع بعض الفئات في المجتمع، تقول مؤلفة رواية "وطن ليس لنا" انتصار غريب إنه "دائماً ما كان الأقزام يظهرون في الدراما في سياقات سلبية وانعكس هذا بصورة كبيرة على تعرضهم للتنمر والمضايقات على مدى أعوام طويلة، على رغم أن دور الفن من المفترض أن يكون إيجابياً ويسعى إلى التوعية بصورة غير مباشرة ومواجهة السلوكيات السيئة، كان هذا دافعي الأساس لطرح هذه القضية من خلال روايتي، فلم يظهر الأقزام بصورة جيدة غير في حكايات الأطفال مثل ’سنووايت والأقزام السبعة‘ و’أليس في بلاد العجاب‘ وغيرها".
وتضيف أن "أبطال روايتي يحلمون بعالم يعيشون فيه بعدل ومساواة وهذا هو مطلب الأقزام في مجتمعاتنا ومن هنا لا بد من التركيز على قيم تقبل الآخر ومحاربة التنمر الذي قد يدفع كثيراً من الفئات ومن بينها الأقزام إلى عدم مواجهة المجتمع، بالتالي تتعطل طاقة جزء من المجتمع من الممكن أن ينتج ويبدع ويحقق نجاحات، وبعض الأعمال الفنية ومن بينها أفلام سينمائية مثل ’أريد حلاً‘ و’جعلوني مجرماً‘ نجحت في تغيير قوانين وإيجاد حلول لمشكلات وهذا هو الدور الحقيقي للفن".