ملخص
اعتبر الخبراء طرح ترمب حول غزة وترحيل سكانها فكرة عبثية وغير قابلة للتنفيذ، حتى وزير الخارجية ماركو روبيو تجنب دعمه صراحة، ووصفت "هيومان رايتس ووتش" التهجير القسري بأنه جريمة حرب، فيما حذر محللون من زعزعة استقرار المنطقة ونسف وقف إطلاق النار.
واصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الثلاثاء الماضي الدفع برؤيته الخاصة لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بما يتناسب وأجندته المبنية على شعار "ماغا" (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، وتتمحور هذه الخطة حول ترحيل جماعي غير قانوني لأكثر من مليوني فلسطيني من قطاع غزة، في خطوة قد تصنف بمثابة "تطهير عرقي" بموجب القانون الدولي.
لكن بعيداً من قاعات الاجتماعات وصالات الكوكتيل في واشنطن العاصمة، حيث تلتقي نخبة عالم دونالد ترمب لوضع الاستراتيجيات، يشكك بعض الخبراء في إمكان الإقدام حقاً على تنفيذ مثل هذه الخطة، ولا يأخذونها على محمل الجد.
وأصر الرئيس الأميركي يوم الثلاثاء الماضي على القول إن الفلسطينيين في غزة لم يعودوا يرغبون في البقاء هناك، مدعياً أن "الحضارة" في تلك المنطقة محيت تماماً بفعل الهجوم العسكري الإسرائيلي المتواصل منذ نحو عام على القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكمل "تابعت لفترة طويلة ما يحدث من موت ودمار في غزة، لقد أزيلت الحضارة بالكامل هناك".
وقال عن أراضي قطاع غزة: "نحن لسنا في صدد شراء أي شيء، بل سنحصل عليها".
وتابع ترمب كلامه بلهجة الواثق: "سنأخذها ونحتفظ بها ونحافظ عليها، وفي نهاية المطاف سنجعلها تنمو وتزدهر، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في تأمين كثير من فرص العمل للأفراد هناك، وسيكون ذلك من أجل مصلحة الناس في منطقة الشرق الأوسط".
هذا التأكيد المتجدد من الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم الثلاثاء الماضي بأن الولايات المتحدة يجب أن "تمتلك" قطاع غزة، قوبل بمزيج من الصدمة والرفض القاطع في مختلف أنحاء أوروبا والشرق الأوسط. فالدول العربية التي كثيراً ما كانت تدفع في اتجاه حل الدولتين - حتى قبل أن تتبناه إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن أساساً للسلام وخياراً لاتفاق نهائي بين إسرائيل والفلسطينيين - سارعت إلى إصدار سلسلة من الإدانات لأية محاولة تهجير للفلسطينيين من قطاع غزة.
وتأتي في مقدم الدول التي انتقدت طرح الرئيس الأميركي، مصر التي رفضت خلال إدارة الرئيس بايدن استقبال آلاف اللاجئين الفلسطينيين (مبررة ذلك بمخاوف من امتداد النزاع)، كذلك الأردن، الذي التقى ملكه عبدالله الثاني مع دونالد ترمب في البيت الأبيض يوم الثلاثاء الماضي.
وقال الرئيس الأميركي أثناء لقائه العاهل الأردني في واشنطن: "أتوقع أن تقدم كل من مصر والأردن قطعتي أرض [لإيواء الفلسطينيين النازحين الذين أجبروا على مغادرة منازلهم في قطاع غزة]".
الملك الأردني أعلن من جانبه أن بلاده ستستقبل نحو ألفي طفل فلسطيني هم في حاجة إلى رعاية طبية عاجلة، لكنه شدد على رفضه أية عملية ترحيل قسري واسعة النطاق للفلسطينيين. وكما عدد من البلدان الأخرى، نددت الحكومة الأردنية بخطة ترمب باعتبار أنها تشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
يشار في هذا الإطار إلى أن المعارضة التي تبديها كل من مصر والأردن بدعم من الأمم المتحدة وعدد كبير من البلدان الأخرى، تحظى بزخم كبير يجعل من الصعب تصور أن خطة ترمب قد تجد طريقها إلى التنفيذ، خارج دائرته الضيقة من الموالين.
وفي هذا السياق، رأت نورا عريقات، وهي محامية فلسطينية أميركية متخصصة في حقوق الإنسان من "جامعة راتغرز"، أن الطرح هو "فكرة عبثية تماماً تتجاوز كل منطق". وأكدت لـ"اندبندنت" أنه "لا يمكن بهذه البساطة اقتلاع شعب من أرضه، فالمسألة تعد انتهاكاً جوهرياً لأسس القانون الدولي الحديث".
وقالت المحامية عريقات في إشارة إلى تقرير كانت أوردته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في عام 2023 إن الرئيس الأميركي السابق جو بايدن سبق أن طرح الفكرة نفسها، لكن مصر رفضتها بشدة. وأضافت: "أبلغ بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأن المصريين أصروا على أنهم لن يقبلوا أبداً باستيعاب اللاجئين في سيناء، مما أدى حينها إلى التخلي عن تلك الخطة".
وتابعت عريقات "بصراحة، من جهتي لا أعتبر أن هذا الطرح جدي، لكنني أعتقد أنه ما زال يشكل أذى".
وألقت المحامية في مجال حقوق الإنسان باللوم على إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن لإضعافها دور مؤسسات دولية حيوية، مثل "مجلس الأمن الدولي" التابع للأمم المتحدة، و"المحكمة الجنائية الدولية"، التي كان ينبغي تمكينها للوقوف في وجه خطة دونالد ترمب الهادفة إلى تهجير سكان قطاع غزة بالقوة.
وفي السياق ذاته، رفض عدد من الخبراء في مجال السياسة الخارجية - الذين تحدثوا لـ"اندبندنت" يوم الثلاثاء - خطة ترمب لغزة، بشكل قاطع. حتى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو نفسه، لم يجد الكلمات المناسبة لدعم فكرة إجلاء أكثر من مليوني شخص من قطاع غزة، واصفاً إياها بأنها "غير تقليدية"، لكنه في مقابلة أجريت معه يوم الإثنين الماضي، حرص على تجنب الدفاع عنها كاستراتيجية جدية وواقعية.
وقال روبيو للمعلق السياسي سكوت جينينغز "إن الفكرة تشكل طرحاً غير تقليدي، لكنها من سماته وتتماشى مع أسلوبه المعتاد، وإذا لم ترُق خطة ترمب لبعضهم، فأرى أنه حان الوقت لدول المنطقة لطرح حلولها الخاصة".
أما المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان "هيومان رايتس ووتش" فاستخدمت لهجة أشد قسوة في انتقادها للخطة، عندما أشارت الأسبوع الماضي إلى أن "القانون الإنساني الدولي يحظر التهجير القسري الدائم لسكان مناطق محتلة". وأضافت أن "تنفيذ هذا التهجير القسري بدافع جرمي يجعله جريمة حرب، أما إذا تم في إطار هجوم واسع أو منهجي على المدنيين، بما يعكس سياسة دولة، فإنه يعد جريمة ضد الإنسانية".
وتوقع مسؤول رفيع المستوى في منظمة إسلامية غير حكومية بارزة تنشط في مختلف أنحاء الدول العربية، في حديث مع "اندبندنت" يوم الثلاثاء الماضي أن تواجه خطة الرئيس الأميركي رفضاً قاطعاً من جانب زعماء المنطقة.
وحذر أيضاً من أن الخطة تنطوي على خطر ثان يتمثل في احتمال نسف وقف إطلاق النار - الهش أساساً - بين إسرائيل وحركة "حماس"، التي ما زالت تسيطر على قطاع غزة.
وكانت "حماس" أعلنت يوم الإثنين الماضي أنها سترجئ إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وفق ما كان مخططاً له، وعزت الحركة السبب إلى ارتكاب إسرائيل عدداً من الانتهاكات لاتفاق وقف إطلاق النار، بما فيها أنها فشلت في الوفاء بالتزامها السماح إدخال 12 ألف شاحنة من المساعدات إلى قطاع غزة المنكوب، وهو الحد الأدنى المتفق عليه. وبحسب ما ذكرت قناة "الجزيرة"، فإن العدد الفعلي للشاحنات التي عبرت الحدود منذ توقيع الاتفاق بين الجانبين، لم يتجاوز 8500 شاحنة.
ورد الرئيس الأميركي ترمب بتهديد "حماس" بعواقب وخيمة متوعداً إياها بـ"الجحيم"، إذا ما رفضت إطلاق سراح الرهائن المتبقين في الوقت المحدد، وفق ما هو متفق عليه بموجب شروط وقف إطلاق النار، لكن يبدو أن الاتفاق أصبح الآن على وشك الانهيار، أكثر من أي وقت مضى.
وفي هذا السياق، يرى بعضهم أن الأضرار التي يمكن توقعها من خطة دونالد ترمب في شأن غزة، وقعت بالفعل.
وينبه بعضهم، ومنهم المحامية عريقات، إلى أن الرئيس الأميركي أرسى سابقة خطرة، بحيث أعطى فعلياً الضوء الأخضر لزعماء استبداديين في مختلف أنحاء العالم، لتنفيذ أعمال تهجير قسرية لسكان مدنيين.
وتختم بالقول: "لقد أفلتت الأمور من عقالها وخرج المارد من القمقم، فالتطهير العرقي الذي كان في السابق موضع إدانة عالمية باعتباره جريمة ضد الإنسانية، أصبح الآن يطرح كخيار سياسي".
© The Independent