Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحولت مكالمة زيلينسكي إلى لحظة لمحاكمة ترمب

تحليل: إن الدراما التي تحوم حول جو بايدن هي آخر حلقة في سلسلة من المؤامرات المتعلقة بترمب و أوكرانيا، بالنظر إلى علاقاتها وتوتراتها مع موسكو، التي كانت تهيمن عليها خلال العهد السوفيتي

يحضر زيلينسكي تدريبات بالقرب من قرية ستير في منطقة كييف يوم الاثنين (رويترز)

حظي المؤتمر الذي انعقد في كييف الشهر الماضي بدعاية كبيرة كونه المنصة التي ظهر عليها فولوديمير زيلينسكي أمام جمهور دولي بعد استبدال وظيفته كممثل كوميدي برئاسة أوكرانيا.

تعكس قمة يالطا للاستراتيجية الأوروبية السنوية، والتي استضافها الملياردير فيكتور بينشوك، مزيجاً من المظاهر الرسمية وغير الرسمية، وتشمل حضور ضيف "مفاجئ" يكون شخصية شهيرة أو عامة.

قبل أربع سنوات، ظهر دونالد ترمب في القمة عن طريق الاتصال بالفيديو وذلك خلال حملته للانتخابات الرئاسية. كما ظهرت هناك أيضا هيلاري كلينتون وبيل كلينتون، من بين شخصيات سياسية وبارزة أخرى .

كانت ضيفة هذا العام هي روبن رايت الممثلة التي لعبت دور الرئيسة الأميركية كلير أندروود في مسلسل هاوس أوف كاردز - وهي قصة عن الخداع والجشع والفساد داخل البيت الأبيض. وخلال المقابلات عبرت بوضوح عن وجهة نظرها غير المؤيدة لترمب، مشيرة إلى التزامن الغريب بين السياسة والإيهام في أميركا المعاصرة.

ثم ظهر زيلينسكي في لوحة عن ممثل يلعب دور رئيس يلعب دور ممثل، حيث يستعصي التمييز بين الحقيقة والخيال. وقد استوحي المشهد من أحد أدواره التلفزيونية السابقة - مصحوبا بملاحظات حول كيف يمكن لترمب، وهو نجم تلفزيون الواقع، أن ينسجم مع زيلينسكي، الذي نجح عبر التهريج في الوصول إلى الجمهور.

كان من بين جمهور المشاهدين كورت فولكر، وهو المبعوث الأميركي الخاص إلى أوكرانيا آنذاك.  لقد كان فولكر رجلا يتمتع بنفوذ كبير في أوكرانيا وكانت حكومة كييف تولي له اهتماما كبيرا في محاولاتها للتقرب من البيت الأبيض في ظل ترمب.

في الأسبوع الماضي، استقال الدبلوماسي رفيع المستوى، وهو سفير سابق لدى الناتو، ليصبح أول ضحية علنية للجدل الجديد الذي تفجّر حول ترمب و صلته بأوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، وقع  وزير الخارجية الأميركي مايك بومبو هو كذلك في هذه القضية ويواجه الآن أسئلة حول مقدار ما يعرفه بالضبط.

لم يكن قد تكشف كل هذا بعد أثناء انعقاد مؤتمر يالطا. لكن الحديث كان يدور في الخفاء عن مزاعم قيام إدارة ترمب بمنع ما قيمته 250 مليون دولار من المساعدات العسكرية إلى كييف للضغط على السلطات الأوكرانية للتحقيق مع هنتر، نجل جو بايدن.

لكن الأموال قد تم الإفراج عنها للتو، وإن كان ذلك بعد ضغوط متواصلة من الحزبين في الكونغرس. وعند سؤاله عن مزاعم تعرضه لمحاولة الابتزاز من قبل الرئيس الأميركي ، كان زيلينسكي يصر على أن علاقاته مع ترمب كانت "جيدة جدًا" وأنه "متأكد من أننا سنعقد اجتماعًا في البيت الأبيض قريبًا، لأنني دُعيت."

في غضون ذلك قال أحد كبار مساعدي زيلينسكي، بينما كان الرئيس يتفاعل مع الحضور وهو يحمل الميكروفون في يده، إن مسألة المساعدات العسكرية قد تمت تسويتها الآن، ويجب عدم تضييع مزيد من الوقت بالحديث عن ذلك.

لكن الأمور كانت بعيدة من التسوية في واشنطن. فقد أعلنت ثلاث لجان برلمانية يسيطر عليها الديمقراطيون - وهي لجان الشؤون الخارجية والاستخبارات وإصلاح الحكومة - أنها ستحقق فيما إذا كانت مجموعة من القواعد الأخلاقية والقانونية قد انتُهكت بحجب حزمة المساعدات العسكرية عن أوكرانيا.

وكان رؤساء هذه اللجان قد أعربوا عن نيتهم التدقيق في مكالمة هاتفية بين الرئيس الأميركي وزيلينسكي، والتي أصبحت الآن في محور الاتهامات والاتهامات المضادة. فخلال تلك المكالمة طلب ترمب من الرئيس الأوكراني إعادة فتح تحقيق مع بايدن إذا كان يريد علاقات جيدة مع الولايات المتحدة. وقد ورد الآن أن بومبيو كان في الغرفة مع ترمب عندما تم إجراء المكالمة، ما زاد من دائرة الاتهام بالتواطؤ.

كما زُعم أن البيت الأبيض طلب من السفير فولكر التوسط لدى زيلينسكي، وأنه فعل ذلك. كما أعلنت اللجان أنها ستحقق أيضًا في أنشطة رودي جولياني، المحامي الشخصي لترمب - وقد تم استدعاؤه يوم الاثنين للإدلاء بشهادته من قبل لجنة المخابرات بمجلس النواب.

وكان جولياني قد حث زيلينسكي بعد فترة قصيرة من انتخابه على التركيز على قضية بايدن - وهذا هو ما اعترف به إلى حد الآن. لكن يُقال إن الرئيس الأوكراني رفض طلب جولياني، واحتج قائلا إنه لا يريد الانجرار إلى السياسة الداخلية الأميركية.

وبعد مضي أسبوعين عن حديث زيلينسكي عن علاقاته "الجيدة جدًا" مع ترمب، ظهرت أنباء تفيد بأن أحد المخبرين، وهو ضابط بوكالة الاستخبارات المركزية، قد كشف لمدير المخابرات القومية بالوكالة  عن قلقه البالغ إزاء ما قاله ترمب في المكالمة مع زيلينسكي.

لقد تحركت الأحداث منذ ذلك الحين بوتيرة ملحوظة، حيث بدأت إجراءات المحاكمة البرلمانية ضد الرئيس الأميركي، وتطايرت الشتائم بينه وبين أعدائه الكثيرين، ما ينذر بشهور من الخلافات الحادة.

ومن المتوقع أن يتم استجواب فولكر من قبل لجان مجلس النواب، في حين أطلق جولياني هجوماً مضاداً  في شكل عاصفة من البيانات والتغريدات التي ناقض فيها نفسه بشأن احتمال مثوله أمام الكونغرس. وقد أصبح الآن رجلا محاصرا، مع رغبة الديمقراطيين في استجوابه بشأن مجموعة من الأنشطة المشبوهة التي يقوم بها لصالح ترمب.

غير أن الروابط الأوكرانية لملحمة ترمب تعود لفترة طويلة قبل قضية بايدن، وتأتي في إطار الادعات المتكررة بأن ترمب كان مرشح موسكو للبيت الأبيض في انتخابات عام 2016.

كان مدير الحملة الانتخابية لترمب بول مانافورت أحد الرؤوس البارزة في التحقيق الذي أجراه المستشار الخاص روبرت مولر، وقد حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات ونصف بتهم تتعلق بالاحتيال الضريبي والمصرفي.

وقد عمِل مانافورت في السابق مديرا لحملة فيكتور يانوكوفيتش، الرئيس الأوكراني المؤيد لموسكو الذي فرّ إلى روسيا بعد ثورة عام 2014. وكانت النسبة الكبيرة من الأدلة ضد مانافورت تتعلق بمدفوعات غير مشروعة تلقاها من حزب يانوكوفيتش.

وقد وضعت تصريحات ترمب خلال حملته الانتخابية بأنه سيعترف بضم فلاديمير بوتين لشبه جزيرة القرم، ومزاعم  امتلاك الكرملين معلومات أو مواد محرجة عن ترمب، وضعت الحكومة الاوكرانية بقيادة الرئيس بترو بوروشينكو (بعد هروب يانوكوفيتش) في حالة من القلق الشديد إزاء آفاق ترمب في الرئاسية.

بعدها بدأت معلومات مدمرة حول مانافورت، فضلاً عن الصلات المقلقة الأخرى لحملة ترمب مع أوكرانيا، في الظهور على وسائل الإعلام الدولية. لم يكن هناك نقص منها، وكثير من الادعاءات ثتبت صحتها .

لكن بالنسبة لفريق ترمب المحاصر، بدا الأمر وكأنه محاولة منسقة لتقويض مرشحها ومساعدة هيلاري كلينتون.

جاءت أكثر المعلومات التي أدانت مانافورت من الوثائق الأوكرانية المعروفة باسم "الدفتر الأسود،" التي نشرها الصحافي والنائب الأوكراني سيرهي ليشنكو بالكامل في أغسطس 2016. وقد كشفت الوثائق تفاصيل المعاملات غير القانونية التي أجراها "حزب المناطق"  للرئيس يانوكوفيتش

( كان صحافي نيويورك تايمز أندرو كرامر هو من نشر في البداية عناصر أساسية من الوثائق)

في غضون ذلك، زعم جولياني وغيره من أنصار ترمب، دون دليل، أن "الدفتر الأسود" كان تزييفًا وجزءاً من مؤامرة لإسقاط مانافورت، بالنظر إلى دوره في حملة ترمب.

وبعد اندلاع الجدل حول مكالمة ترمب وزيلينسكي ، قال ليشينكو "ليس لدي أدنى شك في أن يانوكوفيتش دفع لمانافورت مقابل خدماته من الأموال التي سرقها من دافعي الضرائب الأوكرانيين."

وأضاف ليشينكو أن "الفساد مضر سواء حدث في أميركا أو في أوكرانيا. كانت رغبتي في كشف أفعال مانافورت مدفوعة بالرغبة في تحقيق العدالة. لا هيلاري كلينتون ولا جو بايدن ولا جون بوديستا ولا جورج سوروس طلبوا مني أن أنشر المعلومات التي وردت في "الدفتر الأسود"."

لم يكن مانافورت الرابط الوحيد بين أوكرانيا وحملة ترمب التي أثارت أسئلة مقلقة. كانت هناك أيضا قضية النائب الأوكراني أندريه أرتيمينكو وعلاقته مع مايكل كوهين وفيليكس ساتر.

ويعد كوهين ضحية أخرى لتحقيق مولر. فقد اعترف المحامي الشخصي السابق للرئيس ووسيطه - الذي اختلف بشكل مذهل معه في النهاية، معرباً عن ندمه الشديد للعمل لصالحه - بارتكاب مخالفات في تمويل الحملات الانتخابية بـ "غرض أساسي هو التأثير في انتخابات 2016"  وبالكذب على لجنة في مجلس الشيوخ.

أما ساتر، وهو مُخبر جنائي سابق للحكومة الفدرالية، فقد كان شريكا لترمب ورافقه مع إيفانكا ودونالد الإبن في رحلة إلى موسكو ذات مرة. كان يتمتع بنفوذ كافٍ هناك لترتيب صورة لإيفانكا على كرسي بوتين (تقول إنها لا تتذكر هذا بشكل واضح)، كما أنه رافق ترمب الأب إلى العديد من الاجتماعات العقارية.

كانت هناك مزاعم بأن أرتيمينكو أعطى خطة سرية لساتر وكوهين في يناير 2017 لتمريرها إلى ترمب في  البيت الأبيض. وتهدف تلك الخطة، في الواقع، إلى إضفاء الطابع الرسمي على تفكيك أوكرانيا.

كان الاقتراح هو رفع العقوبات المفروضة على روسيا، مقابل استئجار موسكو لشبه جزيرة القرم لفترة زمنية غير محددة. وقد أكد أرتيمينكو، الذي تم تجريده من جنسيته الأوكرانية من قبل حكومة بوروشينكو، أن الخطة قد وافق عليها أحد كبار مساعدي بوتين الذي قدم له أيضاَ أدلة على انتشار الفساد في أوكرانيا.

نقل كوهين اقتراح  أرتيمينكو إلى مايكل فلين، الذي كان وقتها مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، وهو العضو البارز الآخر في حاشية ترمب الذي تمت إدانته لاحقًا من قِبل مولر.

وكان فلين قد استقال بعد الكشف عن الاجتماعات التي عقدها مع السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، سيرغي كيسلياك، وعقد صفقة للتعاون مع محققي مولر واعترف بالكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي، ولم يتم الحكم عليه إلى حد الآن.

ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية العام المقبل، سعى فريق ترمب إلى قلب صلاته الأوكرانية المثيرة للمتاعب في صالحه.

فبالإضافة إلى السعي للضغط على جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي المحتمل العام المقبل، من خلال ابنه، يتبع فريق ترمب نظرية يروج لها المتصيدون الروس على وسائل التواصل وأصحاب نظريات المؤامرة من اليمينيين المتطرفين، بأن الكرملين كان مستهدفا لتوريطه في قضية قرصنة أجهزة الكمبيوتر التابعة للمؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي.

وترى هذه الرواية للأحداث أن أجهزة الاستخبارات والأمن الأميركية قد خلصت عمداً وبشكل خاطئ إلى أن الروس كانوا وراء القرصنة، في حين أن الجاني الحقيقي، كما يزعمون، هو شركة خاصة اسمها كراودسترايك التي تحركها أجندة معادية لروسيا.

وكراودسترايك هي شركة أمنية كان قد استأجرها الحزب الديمقراطي للتحقيق في خرق بياناته، وكانت الأولى من بين أطراف عديدة، بما في ذلك وكالات الاستخبارات الغربية، التي وجدت أن وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية، GRU، هي المسؤولة عن الاختراق.

ووفقا لنظريات المؤامرة، فإن كراودسترايك لديها مقر في أوكرانيا، ومؤسسها ديمتري ألبيروفيتش هو أوكراني الجنسية سعى لتوريط بوتين انتقاما لغزو بلاده.

وفي الواقع فإن البيروفيتش هو مواطن أميركي من أصل روسي أتت عائلته إلى أميركا في العهد السوفيتي، وشركة كراودسترايك ليست في كييف وإنما في كاليفورنيا.

لقد تم دحض كل جانب من جوانب رواية مؤامرة كراودسترايك، لكن هذا لم يمنع ترمب من مطالبة زيلينسكي بالنظر في مزاعمها، وإن كان ذلك بطريقة غير متناسقة إلى حد ما في المكالمة الهاتفية سيئة الصيت التي جرت يوم 25 يوليو.

وحسب الملاحظات التي نشرها البيت الأبيض عن المكالمة، فقد طلب ترمب الرئيس الأوكراني قائلا "أود منك معرفة ما حدث بشأن هذا الوضع برمته مع أوكرانيا، يقولون كراودسترايك. أعتقد أن هناك أحد الأشخاص الأثرياء عندكم. بالنسبة للسيرفر، يقولون إنه في أوكراني."

وفي جزء آخر من المكالمة، قال ترمب لزيلينسكي "يقولون" إن مولر "بدأ بأوكرانيا."

لكن التسلسل الزمني للتحقيق لا يدعم في الحقيقة هذه المزاعم، رغم أن الصلات الأوكرانية لترمب تظل غنية بالتشويق في إطار ما بات يعرف بـ "روسيا غيت."

وتعد محاولة التلاعب بها وتحويلها إلى سلاح في الوقت الراهن استراتيجية ذات خطورة عالية بالنسبة للرئيس الأميركي وفريقه. وسنعرف حتما ما إذا ستقود هذه الاستراتيجية ترمب إلى تسجيل هدف في مرماه أم إلى تحقيق نجاح كبير في قلب أحداث القصة مع استمرار تكشف فصول هذا المسلسل الدرامي.

© The Independent

المزيد من دوليات