Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقدم قمة الاتحاد الأفريقي شيئا لسودان الحرب؟

توقعات بعقد اجتماع استثنائي لتقييم الوضع ومراقبون يشككون في قدرته على حل مشكلات أعضائه

يتطلع السودان إلى أن يكون للاتحاد الأفريقي دور أكبر في أزمته الراهنة بحكم مسؤوليته (أ ف ب)

ملخص

يرى محللون أن قضية السودان جديرة بإلقاء الضوء عليها بعد الغزو الذي استهدف بنية الدولة السياسية والتحتية، وعمل على تغير ديموغرافيتها وإبدالها بأخرى، وهو استهداف واضح المعالم لعضو مهم في الاتحاد الأفريقي لم يجد موقفاً صلباً من حاضنته الأفريقية.

ما زالت تحديات القارة الأفريقية الأمنية والسياسية تسيطر على قمم الاتحاد الأفريقي، إذ تتوالى شعارات تجاه التحديات والتغييرات غير الدستورية، مقابل تزايد الأزمات والمشكلات وعجز الاتحاد عن التصدي لها.

وعلى مدى أربعة أعوام منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021 ظلت عضوية السودان مجمدة من قبل الاتحاد الأفريقي عقوبةً له على التغيير السياسي الذي أجري حينها، وما إن عُزل السودان (قبل أن تمزقه الحرب) حتى توالت ثلاثة انقلابات عسكرية في بلدان الساحل الأفريقي، مما دل على فشل آليات الاتحاد في معالجة واقع الدول الأعضاء.

فهل تقدم القمة الأفريقية الـ38 سنداً للسودان وقد اقترب عهده من تحقيق السلام بعد نجاح الجيش السوداني في دحر ميليشيات "الدعم السريع"؟ وكيف يكون تعامل الاتحاد الأفريقي مع سودان ما بعد الحرب؟

ضمن آخر المستجدات في ما يتعلق بالسودان، توقعت مصادر دبلوماسية عقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي قمة استثنائية منتصف فبراير (شباط) الجاري تضم رؤساء دول أفريقية بهدف تقييم الوضع في السودان على خلفية انتصارات الجيش السوداني وتحريره القيادة العامة للقوات المسلحة، واستعادته السيطرة على عدد من المناطق بما في ذلك مدينة ود مدني عاصمة النيل الأزرق (ثالث أكبر مدن السودان) ومدينة أم روابة شمال كردفان، وطرده عناصر الميليشيات من معظم أطراف العاصمة. وأيضاً لأجل مشاركة القيادة الأفريقية السودان في وضع خريطة طريق سياسية لما بعد الحرب.

وتأتي هذه المؤشرات قبل بدء القمة الأفريقية الـ38 التي تعقد في الفترة بين الـ12 والـ16 من فبراير (شباط) الجاري، وكان أمين الحوكمة الرشيدة بإدارة الشؤون السياسية والأمن والسلم بمفوضية الاتحاد الأفريقي السفير صلاح صديق حماد قال في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن هذه القمة ستتناول قضايا بعض الدول المجمدة عضويتها في الاتحاد الأفريقي كالسودان ودول أخرى موقوفة بهدف رفع العقوبات الأفريقية المفروضة عليها.

سيرة التجميد

أعلن إنشاء الاتحاد الأفريقي رسمياً خلال الـ26 من مايو (أيار) 2002 ليحل محل منظمة الوحدة الأفريقية التي أنشأها الآباء الأفارقة المؤسسون خلال الـ25 من مايو 1963، وهدف الكيان الأفريقي الجديد إلى مجاراة الأوضاع السياسية للقارة بعد أن أدت منظمة الوحدة الأفريقية دورها الحيوي في استقلال معظم دول القارة، فضلاً عن تبنيها حياداً يصب في صالح دول وشعوب أفريقيا خلال القرن الماضي.

وتنص المادة 30 من القانون التأسيسي للاتحاد تحت بند "تعليق المشاركة" على أنه "لا يسمح للحكومات التي تصل إلى السلطـة بطـرق غير دستورية بالمشاركة في أنشطة الاتحاد". ويعد مجلس السلم والأمن الأفريقي التابع للاتحاد مسؤولاً عن تنفيذ قرارات الأخير تجاه الدول الأعضاء بما فيها العقوبات (وظيفته مشابهة لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة)، ويُنتخب أعضاؤه دورياً من قبل الجمعية العامة للاتحاد الأفريقي وفق التوازن الإقليمي في القارة.

 

وكانت مدغشقر أولى الدول التي تنفذ فيها عقوبة الطرد من الاتحاد خلال الـ16 من مارس (آذار) 2009 بعد اقتحام قوات عسكرية معارضة في جزيرة مدغشقر القصر الرئاسي داخل العاصمة واستيلائها على السلطة، وأعلنت المعارضة المدعومة من الجيش أنها عينت زعيم المعارضة أندري راجولينا رئيساً لحكومة انتقالية لفترة عامين.

وخلال الـ17 من أبريل (نيسان) 2012 علق الاتحاد الأفريقي عضوية غينيا بيساو في غرب أفريقيا عقب الانقلاب الذي وقع خلال الـ12 من أبريل من العام نفسه. وتعرضت دول أخرى لتجميد عضويتها وهي أفريقيا الوسطى، ومصر بعد أن عده الاتحاد انقلاباً من الجيش على الرئيس الراحل محمد مرسي خلال الـ30 من يونيو (حزيران) 2013. وتلتها عقوبات مشابهة على بوركينافاسو ومالي وغينيا كوناكري.

وقرر مجلس السلم والأمن الأفريقي عودة مصر إلى أنشطتها في الاتحاد بإجماع أعضاء مجلس السلم والأمن الأفريقي (15 عضواً) لتشارك مصر في الدورة الـ23 لقمة الاتحاد الأفريقي بالعاصمة مالابو (غينيا الاستوائية) خلال يونيو 2014. بعدها تسلم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال الـ10 من فبراير 2019 الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي في القمة الـ32.

وخلال الـ27 من أكتوبر 2021 فرض الاتحاد الأفريقي تجميد عضوية السودان، بناء على ما وصفه باستيلاء الجيش السوداني على السلطة إثر تجميد قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان سلطة غير منتخبة برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في ما وصف بالانقلاب العسكري داخل البلاد.

تحديات مزدوجة

بذل السودان جهوداً حثيثة عبر الخارجية السودانية بدأها خلال فبراير 2023 لرفع قرار تجميد عضويته، مستنداً في ذلك إلى ما ادعاه من التطورات الإيجابية للعملية السياسية في البلاد. وبعد اشتعال الحرب بين ميليشيات "الدعم السريع" والجيش السوداني في أبريل 2023 حاول الاتحاد اختراق الأزمة السودانية عبر قرار رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد خلال الـ17 من يناير (كانون الثاني) 2024 تكوين لجنة رفيعة المستوى معنية بالسودان بهدف عملية شاملة لتحقيق السلام، ولكن باءت الجهود بالجمود في ظل استمرار الحرب.

وكانت جهود ومخططات الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) اصطدمت بانسحاب السودان لتتعطل توجهات المنظمة في لعب دور لحل الأزمة، ومن ثم أعطت حرب السودان مؤشراً إلى محدودية القرار الأفريقي الجماعي الذي يمثله الاتحاد الأفريقي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذا الشأن يقول يوسف ريحان الكاتب المتخصص في الشؤون الأفريقية إن "القارة تواجه تحديات جمة، ليس لدولها وحدها وإنما تشاركها بها منظماتها كالاتحاد الأفريقي الذي يضطلع بحل المشكلات، ومنها المتعلق بالنظم السياسية التي تغلب عليها الهشاشة نتيجة تحديات في بنيتها السياسية والإدارية، وفي التنمية والاقتصاد، وكذلك في وضعها الاجتماعي الذي لا يزال جزء منه سجيناً للموروثات والمفاهيم التقليدية العاجزة عن التماهي مع أسس الدولة الحديثة التي تعد الديمقراطية أحد عناصرها المهمة".

ويضيف "النخب الحاكمة التي من المفترض أن تحقق تطلعات الشعوب تواجه كذلك تحديات إصلاحية مهمة متعلقة بالفساد وعدم توافر الشفافية وتطبيق قواعد الحكم الرشيد، فضلاً عن مراعاة حقوق الإنسان بما يقود في المحصلة إلى الفشل في إدارة الدولة وتنمية الثروات التي تحظى بها القارة. وعلى رغم أن هناك استثناءات وتجارب ملهمة ظهرت في مناطق عدة، فإن إشكالية الأزمة في عمقها مزدوجة ما بين الدول الأفريقية كأنظمة وقيادتها الأفريقية الإقليمية الممثلة في الاتحاد الأفريقي".

يوضح ريحان أن "الاتحاد الأفريقي كمنظومة موجهة وحاكمة من خلال مؤسساتها المتخصصة وقوانينها ولوائحها التي تراضت عليها الدول الأفريقية وتفرض تعاوناً بين أعضائها بعيداً من التدخلات الخارجية، لم يعد يواكب بالقدر الكافي التحولات في النظام السياسي الأفريقي المتعلق بكل دولة وما تواجهه من تحديات، بل تجري محاكمتها جميعاً بآلية واحدة فحسب. ولا شك أن الديمقراطية الحقيقية التي تؤدي إلى الاستقرار ومن ثم التنمية هي الصيغة المثلي في الحكم الذي يتوافق عليه الجميع، لكنها ليست بالضرورة الإطار الذي يلبي جميع الطموحات، مما يستدعي الانقلاب عليها أحياناً نزولاً على رغبة ضغط الشعوب التي ترى أن الانقلابات وحكم الجيش مقارنة بالحكم المدني أحياناً يكون الأفضل، وعليه فإن هذه الحالات تتطلب من الاتحاد تفهماً أكثر ابتعاداً من حال الجمود التي تعتريه".

"من التحديات الأخرى التي تواجه الاتحاد الأفريقي كذلك المتعلقة ببعض الجهات التي تتسلل بصفة مراقب كونها من خارج الجغرافيا الأفريقية لتستغل هذا الدور والمساعدات التي تقدمها للتأثير سلباً في قرارات الاتحاد، الذي يواجه تحديات متعلقة بالتمويل في جميع صوره"، وفق ريحان.

حال جديرة بالضوء

ويتابع "من المفترض أن يجيب الاتحاد الأفريقي في دورته الـ38 على الأسئلة الملحة، وأن يجد حلولاً للتحديات الراهنة، ويعالج مشكلة التمويل ويتفهم التغيرات في البينية السياسية لدوله مما يمكنه من التعامل مع صور عدة وإيجاد حل لكل صورة منها، لأنه في حال الفشل سيكون قابلاً للتمزق، وبدأ ظهور تكتلات جديدة في غرب أفريقيا لدرجة إصدار بعضها جوازات سفر خاصة بها، كما حدث في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وربما تتسع هذه الدائرة شيئاً فشيئاً مما يؤدي إلى تكون هيئات أخرى منافسة".

 

ويشير إلى أن "السودان من دون أدني شك يتطلع إلى أن يكون للاتحاد الأفريقي دور أكبر في أزمته الراهنة بحكم مسؤوليته وكونه الجهة الأفريقية الأكثر إحاطة وقرباً وتفهماً لتفاصيل أحداث الحرب التي اشتعلت منذ الـ15 من أبريل 2023، وكذا جرائم ’الدعم السريع‘ ومعاونيه وما اقترفته أياديهم من انتهاكات ضد الإنسانية وفظائع يندى لها الجبين. فقضية السودان حال جديرة بإلقاء الضوء عليها وإعادة النظر في التعاطي معها بعد الغزو الذي استهدف بنية الدولة السياسية والتحتية، وعمل على تغير ديموغرافيتها وإبدالها بأخرى، وهو استهداف واضح المعالم لعضو مهم في الاتحاد الأفريقي لم يجد موقفاً صلباً من حاضنته الأفريقية الممثلة في الاتحاد، وبدلاً من ذلك لا يزال الاتحاد يتخذ موقفاً في المنطقة الرمادية بمساندة غير معلنة لميليشيات ’الدعم السريع‘ بعيداً من المواطن السوداني الذي انحاز إلى جيشه الوطني".

ويضيف "هذا التعاطي غير المقبول من الاتحاد الأفريقي تجاه السودان حكومة وشعباً ربما يتسبب مستقبلاً في أن يجمد السودان نشاطه في الاتحاد (هذه المرة من طرفه) منضماً إلى خانة تجارب المقاطعين للكيان الأفريقي كالمملكة المغربية التي قاطعت المنظمة عام 1984، لكن في ما يتعلق بالحديث عما يقدمه الاتحاد الأفريقي للسودان، فإنه ينبغي قبله الحديث عن قدرة الاتحاد نفسه على حل مشكلاته الداخلية والخلافات والتنافسات بين دوله".

إحدى أدوات الصراع

وعن قدرة الاتحاد الأفريقي في لعب دور سياسي تجاه السودان خلال المرحلة المقبلة، يقول الكاتب والمؤرخ السوداني محمد الشيخ الجسين "أعتقد أن الاتحاد بتركيبته الحالية غير قادر على حل مشكلات أعضائه، ذلك أن الاتحاد وبخاصة بعد تولي رئيس المفوضية موسى فكي محمد قيادته أصبح أداة من أدوات الصراع في القارة السوداء، فنشاطاته وقرارته بتجميد عضوية الدول الأفريقية التي تشهد انقلابات عسكرية هي في الواقع بمثابة تطبيق لسياسات أميركية وغربية ذات مصالح وأطماع لا تزال متمثلة في الدول الأفريقية".

ويضيف "كذلك نرى أن سياسات الاتحاد المتبعة في جميع النزاعات تأتي مطابقة لمقررات أوروبية أو تدخلات إقليمية تحكمها مصالح دول أخرى أو أمزجة رؤساء بأعينهم، وهذه السياسات والتوجهات أصبحت هي الطاغية في عهد وقيادة موسى فكي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي الذي يتهمه بعض بموالاة جهات غربية ذات تمدد أفريقي في المصالح".

ويتابع الجسين "الاتحاد يفتقر حالياً إلى البرامج والخطط التي تخدم مصالح الشعوب الأفريقية، ومن ثم فلا ينتظر منه السودان لعب دور مجمع عليه تحت وساطته، من هنا لا أعتقد أن الاتحاد يمكن أن يساعد في عودة الحياة الطبيعية إلى السودان لاتهامه من قبل الشعب السوداني بمناصرته للمتمردين والخضوع للدول الداعمة لهم".

المتخصص في الشؤون الدولية عادل عبدالعزيز حامد يشير إلى "احتياج الاتحاد الأفريقى إلى رؤية واضحة وخطط واستراتيجيات تفصيلية، توضح ماذا يريد أن يفعل للقارة الأفريقية في المجالات المختلفة، سواء في الإطار الأمني أو السياسي أو التعاون الإقليمي والدولي والسوق الأفريقية المشتركة وتبادل المنافع والمزايا النسبية في الدول الأفريقية وكيفية الاستفادة منها".

ويضيف "كل هذه القضايا تحتاج إلى خطط وبرامج وقيادة واعية بانتمائها الحقيقي للقضايا الأفريقية، لكي ترعى هذه الخطط والبرامج وتنزلها إلى دنيا الواقع، وهو ما لا نلمسه في القيادة الحالية للاتحاد على رغم تعاقب اجتماعات الآليات والقمم الأفريقية والرؤساء".

ويتابع "الاتحاد الأفريقى يحتاج إلى إصلاح مؤسسي يقوده شباب ذوو مقدرة ومعرفة ويحمل هموم القارة الأفريقية ويعمل على رفع شعلة التنمية والتقدم فيها"، مؤكداً "لا أحسب أن القيادة الحالية للاتحاد ستفعل شيئاً ملموساً للسودان، وأكثر ما يمكن عمله هو إعادة عضويته".

المزيد من تقارير