Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترمب إما مجنون أو يتصرف حسب نظرية "الرجل المجنون"

الرئيس الأميركي ربما يقوم بحركة سياسية من القرن الـ16 استخدمها كثر من نيكسون إلى بوتين

ترمب يقسم العالم السياسي بعد اقتراحه تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" (غيتي)

ملخص

ترمب قد يكون مجنوناً أو يستخدم "نظرية الرجل المجنون" كتكتيك سياسي، كما فعل نيكسون سابقاً. على رغم نجاحها موقتاً، فإن الإستراتيجية غير مستدامة، كما أظهر التاريخ مع سياسيين آخرين.

 

يوم جديد، وإعلان آخر جنوني تماماً من الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأميركية. هذه المرة، أعلن ترمب عن رغبته في الاستيلاء على 141 ميلاً مربعاً (365 كلم مربعاً) التي يشكلها قطاع غزة، وتحويلها إلى ما يشبه ريفييرا شرق أوسطية، ومما لا شك فيه أنه سيكون للمنطقة فنادق وملاعب غولف تعود لمجموعة ترمب. في نظر الأخير، هذه الأرض ليست أكثر من مربع في لعبة مونوبولي الجيوسياسية، وسيكون العالم أفضل حالاً لو كانت مجرد نسخة من فلوريدا.

قد يكون من المغري الافتراض أن مثل تلك السياسات هي من إنتاج رجل مجنون أو نتيجة هلوسة ساذجة لعقل منحرف حقاً لا يدرك الواقع ولا يملك القدرة على التعامل مع الأمور المعقدة. وبالفعل، قد تكون على حق. ولكن ماذا لو لم يكن الرئيس الأميركي فاقداً عقله فعلياً بل يلعب دور المجنون؟ هل يمكن أن يكون دونالد ترمب ببساطة يتبنى شخصية الرجل المجنون كنوع من التكتيك السياسي المريب لخداع الآخرين؟

إذا كانت الحال كتلك فعلاً، فإن ترمب لن يكون بالتأكيد أول زعيم عالمي يلعب هذا الدور الذي لديه مسمى جاذب وهو نظرية الرجل المجنون the madman theory. جوهر النظرية بسيط: تَبنَّ مواقف جنونية وخطرة، وربما حتى مدمرة لنفسك، وسيرضخ خصومك لمطالبك خوفاً من أن تجرهم معك إلى الهاوية.

إن الشخصية التي كانت الأكثر ارتباطاً بتلك النظرية بشكل مباشر هو الرئيس الـ37 للولايات المتحدة الأميركية، ريتشارد نيكسون. وربما كان نيكسون نفسه مسؤولاً عن تسمية النظرية تلك، إذ شرحها مرة لرئيس أركانه، بوب هالدمان، في سياق محاولاته دفع الفيتناميين الشماليين إلى الموافقة على إنهاء حرب فيتنام.

ويروي هالدمان عن نيكسون قوله "أُسمّيها نظرية الرجل المجنون يا بوب، أريد أن يعتقد الفيتناميون الشماليون أنني بلغتُ مرحلة قد أُقدم فيها على أي شيء لإنهاء الحرب. سنكتفي بتسريب كلام لهم مفاده، ’بالله عليكم، أنتم تعلمون أن الرئيس نيكسون مهووس [محاربة] بالشيوعية. لا يمكننا كبح جماحه عندما يكون غاضباً كذلك فإن الزر النووي في متناول يديه‘، وعندها سترون [الزعيم الفيتنامي الشمالي] هو تشي منه نفسه في باريس خلال يومين مستجدياً التوصل إلى السلام".

عام 2015، ظهرت وثائق كشفت أن مستشار الأمن القومي للرئيس نيكسون، هنري كيسنجر، كان أيضاً منخرطاً في اللعبة. وتظهر مذكرة تعود لعام 1972، أن كيسنجر أوضح لمسؤول في وزارة الدفاع في تلك المرحلة، يدعى غاردينر تاكر، أن إستراتيجية الرئيس نيكسون كانت تهدف إلى دفع "الجانب الآخر إلى الاعتقاد أننا قد نكون مجانين، ونذهب إلى أبعد من ذلك بكثير"، وكان المقصود أن الرئيس نيكسون قد يلجأ إلى إلقاء القنبلة [النووية].

والسؤال البديهي هنا، هل نجحت خطة نيكسون في لعب دور المجنون النووي؟ باختصار، لم تنجح، لأن حرب فيتنام استمرت حتى إلى ما بعد فترة طويلة من رئاسة نيكسون، إذ لم تنته حتى عام 1975.

على رغم أن الفيلسوف والمنظر السياسي العظيم من القرن الـ16، نيكولو مكيافيلي، قد قال إن "محاكاة الجنون أمر حكيم في بعض الأحيان"، لكن وكما استنتج نيكسون فالمشكلة مع نظرية الرجل المجنون هي أنها ليست فعالة للغاية.

وعلى رغم أنها قد تكون ناجعة لوقت قصير، فإن تبني موقف جنوني تماماً ليس مستداماً في النهاية، بخاصة في العالم المعقد للدبلوماسية الدولية والمناورات الجيوسياسية على أعلى المستويات. فكر في الأمر كما لو أنه لعبة "بوكر"، قد يكون من المنطقي اللعب بطريقة غير عقلانية لبضع جولات، لكن بمجرد أن يدرك خصومك ذلك – وهو ما سيحدث حتماً – سيعرفون أنك لست مجنوناً حقاً، وسيتجاهلون خدعتك أو يستبعدونك تماماً من اللعبة.

انظروا إلى ما جرى مع أدولف هتلر، الذي كان قد تعمد تقديم صورة غير طبيعية عن نفسه على المسرح العالمي وكان مغايراً تماماً عن خصومه الأساسيين - من رجالات السياسة في الدول الغربية. فهو تعمد عدم اللعب على أساس القواعد نفسها، وفترة من الزمن، تفوق عليهم وكسب كثيراً من الأراضي من دون إراقة دماء.

لكن ما حصده جنون هتلر على المدى القصير هو حال من الخوف وعدم اليقين التي استطاع استغلالها. لكن، على المدى الطويل، هناك أخطار لأي كان من يحذو حذوه – وصدقاً، من يجرؤ على ذلك؟ إذا كانت تصرفات القائد متقلبة للغاية وخارجة عن السيطرة، فإنه يخاطر بنفر حلفائه، أو زعزعة استقرار حكومته، أو كما في حال هتلر، دفع العالم نحو نزاع مسلح كارثي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أحد الأمثلة الكلاسيكية المتاحة على ذلك هو معمر القذافي، الطاغية الليبي السابق. فقد كان رجلاً يتصرف على نحو فظيع، ليس أقلها هوسه بالأزياء الغريبة، مما جعل كثراً يشككون بسلامة قواه العقلية. وفيما كان القذافي يبدو على أنه شخص غريب الأطوار، إلا أنه على الأرجح لم يكن مجنوناً، وقد اعتمد على نوع من الجنون في محاولة للتغلب على خصومه.

لكن المحاولات لم يكتب لها التوفيق، لأن القذافي لم ينجح وحسب في إيصال بلاده الغنية بالنفط إلى الحضيض، بل عزل نفسه عن معظم القادة الآخرين. وهذه إحدى المشكلات في لعب دور الرجل المجنون - لا أحد يريد أن يكون صديقك. في أفضل الأحوال سيتحملون تصرفاتك لحين إطاحتك في نهاية المطاف، أو كما حدث مع القذافي، لحين ضربك وإطلاق النار عليك حتى الموت على يد حشد غاضب بعد تعرضك لاعتداء وحشي بالحربة.

إضافة إلى المخاطرة بأن تصبح من دون أي أصدقاء، فإن لعب دور المجنون لن يؤدي إلا إلى إلحاق ضرر كبير جداً بك وببلدك. إن رغبة ترمب فرض تعريفات جمركية باهظة على الواردات من شركائه التجاريين الرئيسين، لن تؤثر إلا في جيوب الأميركيين أنفسهم – وهو جنون اقتصادي بلا شك. نعم، ربما يستخدم تهديدات جمركية جنونية على طريقة نيكسون لفرض إرادته، لكن في الواقع، لا توجد أية أدلة – أو حتى توقعات – بأن هذه التهديدات ستمنحه أية مكاسب أو تمنحه نفوذاً إضافياً.

في هذا السياق، إن "جنون" ترمب يشبه إلى حد كبير "جنون" الرئيس ماو تسي تونغ، من جهة أنه يقترح سياسات يُفترض أنها ستساعد لكنها لن تؤدي في النهاية إلا إلى الضرر. لا أحد يدّعي أن الرئيس ترمب يرغب في التسبب بقتل الملايين من شعبه، ولكن هناك كثراً على يقين بأن قراراته المتسرعة قد تؤدي إلى معاناة كبيرة.

ومع ذلك، من غير المرجح أن يلعب ترمب عمداً بورقة الرجل المجنون، بل يرى العمل السياسي ليس أكثر تعقيداً من إدارة الأعمال التجارية. قد يكون غريب الأطوار بالتأكيد، ولكن ليس بشكل أغرب من الزعيم السوفياتي السابق نيكيتا خروتشوف الذي لوح بحذائه - وقيل إنه ضرب به مكتبه - خلال خطاب عام 1960 في الأمم المتحدة، كان يلقيه مندوب من الفيليبين. ذلك التصرف وحده وعلى رغم أنه كان مدروساً، فإنه جعل خروتشوف يبدو وكأنه مجنون إلى حد ما، وقد أبعد عن السلطة بعد بضعة أعوام.

إن إحدى كبرى القضايا في الشؤون الدولية حالياً، هي بالطبع، السؤال ما إذا كان زعيم روسي آخر بصدد فقدان صوابه، أو أنه يتبنى ما أطلق عليه هاملت "التصرفات المعادية". ذلك الزعيم هو بالطبع فلاديمير بوتين، وكثر منقسمون حيال مدى سلامة قواه العقلية. سواء تعلق الأمر بالطاولة الطويلة البيضاء المثيرة للسخرية أم بنفق التطهير الذي يبدو وكأنه من عالم مستقبلي وعلى زواره أن يمروا عبره قبل الاجتماع به، أو حتى مجموعة صوره الغريبة وهو يمتطي الحصان عاري الصدر، كما إلى خطاباته الهجومية الطويلة ضد الغرب، فإن سلوكه من دون شك مثير للاستفهام. ولكن من فترة قصيرة، ادعى صديق سابق للرئيس الروسي لم يكشف عن اسمه، أن شخصية بوتين أكثر تعقيداً.

وقال المصدر لمجلة "نيوزويك": "من جهة من السهل الحكم على بوتين بالجنون. فبسببه بدأنا التفكير في حرب نووية، وهو أمر يختلف تماماً عما كانت عليه الأحوال قبل عامين أو ثلاثة. ولكن من جهة أخرى، فتصرفاته ليست جنونية على الإطلاق، فهو سيفعل أي شيء للتمسك بالسلطة، وإن استخدامه المزايدات الكلامية عن استخدام السلاح النووي هي وسيلة لتحقيق تلك الغاية. إنه أسلوب يخدم مصلحته ولكنها إستراتيجية جنونية بالنسبة إلى روسيا".

يبدو مرجحاً أن الرئيس بوتين يلعب ورقة الرجل المجنون. والمشكلة التي سيكتشفها - وربما اكتشفها بحلول الآن - هي أن التظاهر بالجنون فترة طويلة من شأنه أن ينتهي بك فعلاً كذلك.

© The Independent

المزيد من آراء