Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ترمم الدراما إخفاقات السياسة في العالم؟

مسلسل "مو" على "نتفليكس" يجدد صورة فلسطين

لقطة من مسلسل "مو" على نتفليكس (نتفليكس)

ملخص

تواصل منصة "نتفليكس" التعاطف مع المأساة الفلسطينية، من خلال عرضها الموسم الثاني من المسلسل الدرامي الكوميدي "مو" Mo، وسط أنباء تشيع بأنه سيكون الموسم الأخير.

على خطى موسمه الأول، يتتبع المسلسل مصير شخصيته الأساس "مو" محمد عامر، أو محمد النجار، الفلسطيني الأميركي، الذي يظهر في المكسيك بعد أن اختطفته خطأً عصابة، واختطفت معه نضاله الدؤوب للحصول على الجنسية الأميركية.

وعبر مرافعة عميقة وذكية، ينجح المسلسل خلال موسميه في تجديد صورة فلسطين، الحلم والضمير، من خلال أداء خلاب للممثل الذي يصر على تعريف نفسه بأنه أميركي فلسطيني، وأنه اقتلع من أرض أبيه وأجداده في فلسطين 1948، وأنه عاين آلامهم في الهجرة الاضطرارية إلى الكويت 1990 ثم الهجرة الأكثر اضطرارية في أعقاب حرب الخليج، بعد غزو صدام حسين للكويت، ثم اللجوء مرة أخرى إلى أميركا ومكابدة آلام التمييز والتجاهل الحقوقي، والانتظار 20 عاماً حتى الحصول على الجنسية.

المسلسل نُفذ بمهارة من خلال نص بديع متقن (كتبه محمد عامر والممثل الأميركي المصري رامي يوسف) وأداء مبهر للفنانة فرح بسيسو (بدور يسرى/ والدة محمد)، فضلاً عن مهارة عمر إلبا (بدور سمير/ شقيق محمد) المصاب باضطراب طيف التوحد، وإخراج ماهر أشرف عليه الأميركي من أصول جزائرية سوليفان "سليك" نعيم.

المسلسل خلال موسميه يتأثث بما يمكن تسميته "فسيفساء الحقائق البسيطة"، لكنها حقائق دامغة تؤكد صلابة الحق وانتصار التاريخ، ولو من خلال المفردات الصغيرة، صحن الحمص وخلطة الفلافل السحرية ومفتاح البيت في فلسطين، والكوفية على كتفي "مو" وهو يقدم جواز سفره الأميركي في مطار تل أبيب، عابراً إلى بلاده وبيارات أجداده في فلسطين، في نهاية الحلقة الأخيرة المليئة بالشجن من الموسم الثاني. وكلها إشارات لا تفقهها موظفة الجوازات الإسرائيلية ذات الأصول الإسبانية التي تتورط عبر أسئلتها الاستفزازية في ملهاة "الضحية/ الجلاد".

الرحلة الزيارة

تلك الرحلة/ الزيارة/ العودة الموقتة (التي صورت في جزيرة مالطا بسبب تزامنها مع الحرب على غزة)، تمتاز فضلاً عن احتشادها بالحنين، بل أيضاً بإلقائها أضواء ساطعة على المرارة التي يكابدها الفلسطينيون عند الحواجز الإسرائيلية، إذ يكشف المسلسل (وهذا ما لم نعتد عليه) عن وحشية "الاحتلال" الإسرائيلي (هكذا يجري تسميته في المسلسل)، وهو يبني المستوطنات ويحرم سكان الأرض الأصليين من الوصول إلى كرومهم ومزارع الزيتون التي غرسها الأجداد منذ آلاف الأعوام.

ويتزامن عرض الموسم الثاني من "مو" وسط التهديدات التي ما انفك يطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لتهجير الفلسطينيين، وتحويل قطاع غزة إلى "ريفيرا الشرق الأوسط"، كأن معايير الحق والعدالة والعراقة التاريخية لا وجود لها في معجم تاجر العقارات.

أيضاً يتزامن المسلسل مع دعوات تهجير الأجانب غير الشرعيين، وبخاصة من المكسيكيين إلى بلادهم، بعد عبورهم في مراكز الاحتجاز الفظيعة التي قدر لبطل المسلسل "مو" أن يمضي فيها أياماً، في ظروف مهينة تفتقر لأدنى حقوق الكرامة البشرية.

وكان "مو" قبل احتجازه يواصل مقاومته الحياتية بائعاً جوالاً لشطائر التاكو بالفلافل التي استلهمها من ثقافة بلده الأصلي، بينما يمضي أوقاته الليلية في المصارعة الحرة والموسيقى ليتدبر شؤون عودته إلى أميركا، ومتابعة الإجراءات العنيدة والمزمنة في سبيل الحصول على الجنسية التي تتكلل، أخيراً، بزواجه من حبيبته الأميركية التي عادت إليه بعد انفصالها عن أميركي إسرائيلي "غاي"، وهو طاه أسس مطعماً شهيراً من خلال السطو على خلطات شرق أوسطية من بينها خلطة الفلافل بالتاكو وخلطة الحمص بالطحينية، وهو ما يفضحه "مو" كمعادل رمزي للسطو على التاريخ الفلسطيني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الاختراق الأكبر الذي حققه المسلسل بموسميه أنه توجه للعقل الغربي وخاطبه بأدواته، ونأى عن اللغة الخشبية المكتظة بالشعارات التي تكتفي بمقولة "أشبعتهم شتماً وفازوا بالإبل"، فالعمل الفني يحتاج إلى مهارات تتعدى تسجيل الموقف السياسي العابر، وترنو إلى إيقاظ الضمير الإنساني عبر مفردات مشتركة في العيش والتشبث بالهوية ومكافحة الظلم والعدوان والاحتلال، من دون التورط في الكراهية. وهذه مهمة صعبة، وقد أنجزها معدو المسلسل ذوو الانتماءات المتعددة بطريقة خلاقة، وهذا سبب أساس في وصول الرسالة والتنبيه إلى حتمية سيادة العدالة كي يسود السلام.

المسلسل يؤشر إلى أهمية الدراما الذكية في بناء التشابكات التضامنية مع القضية الفلسطينية. وهنا لا نشير إلى تشكيل "لوبي" فني مضاد للرواية الصهيونية ويتسلل ببطء وعمق إلى الوعي العالمي، وهذا طموح جريء لكنه ليس مستحيلاً، بل نحث في الأقل على الاستثمار في تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، وإعادة تعريف الاحتلال وفضح صورته القبيحة التي تنعكس على مجريات الوقائع اليومية للفلسطينيين، لا الاكتفاء بما تبثه وسائل الإعلام الموجهة التي ثبت زيف مزاعمها بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وعلى ذكر تلك الأحداث التي عصفت بقطاع غزة وحولته إلى جحيم في أعقاب "طوفان الأقصى"، فإن عملاً فنياً واحداً لا يكفي للكشف عن فظائع الإبادة الإسرائيلية التي ما زالت فصولها وتداعياتها المأسوية قائمة حتى الآن.

وإن لم تتقبل "نتفليكس" أن تعرض ذلك في عمل فني يكون امتداداً لموسمي "مو" Mo، فليبحث محمد عامر وشركاؤه عن خيار آخر خصوصاً أنه أصبح يمتلك ما يشبه "العلامة التجارية" أو البصمة الروحية للتأثير وصناعة الفارق، فلربما تنجح الدراما في ما أخفقت فيه السياسة، ولربما يبني الفن ما هدمته الدبابات وما دمرته الأسلحة الذكية والغبية، وما تستعد أن تبيده "أم القنابل" التي قيل إنها في طريقها إلى إسرائيل!

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة