ملخص
يأتي توقيع الأمر التنفيذي بعد أن عرقل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي جهوداً يقودها جمهوريون لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية، احتجاجاً على مذكرتي اعتقال أصدرتهما في حق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
تتوالى ردود الفعل الداعمة لاستقلالية المحكمة الجنائية الدولية رداً على عقوبات أميركية فرضها الرئيس دونالد ترمب على المحكمة، بسبب إصدارها أوامر اعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
وحذرت عشرات الدول اليوم الجمعة من أن استهداف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب للمحكمة الجنائية الدولية بعقوبات قد "يزيد من خطر الإفلات من العقاب في أخطر الجرائم ويهدد بإضعاف سيادة القانون الدولي".
وقالت 79 دولة تشكل حوالي ثلثي أعضاء المحكمة في بيان "إن العقوبات من شأنها أن تقوض بشدة جميع المواقف التي تخضع للتحقيق حاليا لأن المحكمة قد تضطر إلى إغلاق مكاتبها الميدانية".
دعم بريطاني وفرنسي
قال متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اليوم الجمعة إن بريطانيا تدعم استقلالية المحكمة الجنائية الدولية ولا تعتزم فرض عقوبات على مسؤوليها.
كان المتحدث يرد على سؤال في شأن المحكمة بعدما فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقوبات اقتصادية وحظراً على السفر يستهدف مسؤولين بالمحكمة يعملون في تحقيقات مع مواطنين أميركيين أو حلفاء للولايات المتحدة مثل إسرائيل.
وأفاد المتحدث للصحافيين بأن "هذا الأمر يخص الولايات المتحدة، أما بالنسبة إلى بريطانيا فإننا ندعم استقلالية المحكمة الجنائية الدولية، لذا ليس لدينا خطط لفرض عقوبات على مسؤولين بأعينهم في المحكمة".
وفي الإطار ذاته، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية الجمعة إن باريس تؤكد دعمها المحكمة الجنائية الدولية وستحشد جهودها مع شركائها حتى تتمكن المحكمة من مواصلة مهمتها بطريقة مستقلة ونزيهة.
تعاون إسرائيلي مدني
وفي المقابل قالت محامية تمثل مصابين وعائلات قتلى إسرائيليين في هجوم حركة "حماس" الذي أشعل الحرب في قطاع غزة إن موكليها سيواصلون العمل مع المحكمة الجنائية الدولية حتى بعدما فرض ترمب عقوبات عليها.
جاءت العقوبات رداً على إصدار المحكمة أوامر اعتقال في حق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الدفاع السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
ويحقق المدعي العام للمحكمة أيضاً في الهجوم الذي قادته "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وأسفر عن مقتل 1200 شخص، وفقاً لإحصاءات إسرائيلية.
وسعى المدعي العام إلى إصدار أوامر اعتقال لثلاثة من قادة "حماس" بتهم ارتكاب جرائم حرب، لكن جميعهم قتلوا خلال العملية العسكرية التي استمرت 16 شهراً في غزة، وفقاً لما أعلنته إسرائيل والحركة الفلسطينية.
وقالت المحامية يائيل فياس جفيرسمان اليوم الجمعة إن العقوبات ستعقد التعامل مع المحكمة، لكن العائلات الإسرائيلية ترغب في استمرار التعاون معها في إطار الجهود المبذولة لتحقيق العدالة.
عرقلة قنوات الاتصال
وأضافت في مقابلة مع "رويترز": "قد تعقد العقوبات قنوات الاتصال بين المواطنين الإسرائيليين والمحكمة، لكن الضحايا ملتزمون الاتصال المباشر بالمحكمة والسعي إلى تحقيق العدالة التي يستحقونها".
وتقول وزارة الصحة في غزة إن الحرب أسفرت عن مقتل أكثر من 47 ألف فلسطيني منذ أكتوبر 2023.
وتقول فياس جفيرسمان إن الإجراءات الأميركية التي تستهدف معاقبة المحكمة على التحقيق مع مسؤولين إسرائيليين يمكن أن تؤثر أيضاً في جهود المدعين "للتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها ’حماس‘"، وقالت "ستواجه المحكمة معضلة في ما يتعلق بكيفية التعامل مع المواطنين الإسرائيليين وتقييم ما إذا كان الاتصال بالمحكمة يعرضهم للخطر"، والولايات المتحدة والصين وروسيا وإسرائيل ليست أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.
"الوقوف متحدين"
ونددت المحكمة الجنائية الدولية اليوم الجمعة بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض عقوبات على موظفيها، وقالت المحكمة إن الأمر من شأنه أن يقوض عملها القضائي، وحضت الدول الأعضاء، البالغ عددها 125 دولة، على "الوقوف متحدين" من أجل العدالة وحقوق الإنسان.
وأكدت المحكمة أنها "تقف بحزم إلى جانب موظفيها، وتتعهد مواصلة تحقيق العدالة ومنح الأمل لملايين الضحايا الأبرياء للفظائع التي ترتكب في شتى أنحاء العالم، في جميع الحالات التي تنظر فيها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أعربت الأمم المتحدة الجمعة عن أسف شديد لفرض الرئيس الأميركي عقوبات على "الجنائية الدولية"، طالبةً منه العدول عن قراره.
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني "نعرب عن أسف شديد إزاء العقوبات الفردية التي أعلن عنها الأمس في حق موظفي المحكمة وندعو إلى الرجوع عن هذا التدبير".
في المقابل أشادت إسرائيل بالرئيس الأميركي، وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر على "إكس"، "أشيد بقوة بالأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس ترمب بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية المزعومة"، معتبراً أن قرارات الهيئة "لا أخلاقية وعارية عن أي أساس قانوني".
عقوبات ترمب
وصادق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس الخميس على فرض عقوبات اقتصادية وعقوبات سفر تستهدف الأفراد الذين يساعدون في تحقيقات للمحكمة الجنائية الدولية تتعلق بمواطني الولايات المتحدة أو حلفاء لها مثل إسرائيل، ليكرر بذلك إجراء سبق أن اتخذه خلال ولايته الأولى.
ويحظر النص الذي نشره البيت الأبيض دخول مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها وعناصرها إلى الولايات المتحدة، وكذلك أقرب أفراد عائلاتهم وكل من قدم مساعدة في تحقيقات المحكمة.
كما يلحظ المرسوم تجميد أصول جميع هؤلاء الأشخاص في الولايات المتحدة.
وتتزامن هذه الخطوة مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، وأصدرت الجنائية الدولية مذكرة اعتقال في حق نتنياهو ووزير دفاع إسرائيلي سابق وقيادي بحركة "حماس" على صلة بالحرب في قطاع غزة.
الموقف الأوروبي
من جانب آخر اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنه "يجب أن تكون المحكمة الجنائية الدولية قادرة على مواصلة مكافحة الإفلات من العقاب عالمياً بحرية"، مضيفة أن "الجنائية الدولية تضمن المساءلة عن الجرائم الدولية وتمنح الضحايا صوتاً في أنحاء العالم"، وأكدت أن "أوروبا ستدافع دائماً عن العدالة واحترام القانون الدولي".
كذلك حذر رئيس المجلس الأوروبي أنتونيو كوستا اليوم الجمعة من أن العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية تهدد المنظومة القضائية ككل، بعدما أصدر ترمب العقوبات على الهيئة.
وكتب كوستا على "إكس" أن "فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية يهدد استقلالية المحكمة، ويقوض المنظومة القضائية الجنائية الدولية بنطاقها الواسع".
وأعرب الاتحاد الأوروبي من جانبه عن أسفه للقرار الأميركي، "مع الاحتفاظ في حق اتخاذ تدابير" من جانبه، وفق ما قال متحدث باسمه من دون تقديم مزيد من التفاصيل حول هذه التدابير.
وصرح المتحدث باسم الاتحاد أن المحكمة الجنائية الدولية "تضطلع بدور محوري في صون العدالة الجنائية الدولية ومكافحة الإفلات من العقاب"، بما في ذلك في أوكرانيا.
واجتمع كوستا برئيسة المحكمة الجنائية الدولية توموكو أكاني أمس الخميس في بروكسل، وذكر في هذه المناسبة بـ"الدور الأساس" الذي تؤديه الهيئة "لإحقاق العدل لضحايا جرائم هي من الأفظع في العالم"، وفق ما جاء في منشور على "إكس".
ولم يتضح بعد مدى السرعة التي ستتحرك بها الولايات المتحدة، لإعلان أسماء الأفراد المشمولين بالعقوبات.
وخلال إدارة ترمب الأولى في عام 2020، فرضت واشنطن عقوبات على المدعية العامة آنذاك فاتو بنسودا وأحد كبار مساعديها على خلفية تحقيق المحكمة في جرائم حرب تواجه قوات أميركية اتهامات بارتكابها في أفغانستان.
ولم ترد الجنائية الدولية على الفور على طلب للتعليق، وتشمل العقوبات تجميد أي أصول لهؤلاء الأفراد في الولايات المتحدة ومنعهم وعائلاتهم من زيارة الولايات المتحدة.
والجنائية الدولية، التي تضم 125 عضواً، محكمة دائمة يمكنها محاكمة الأفراد بتهم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية و"الإبادة الجماعية" وجريمة العدوان على أراضي الدول الأعضاء أو من مواطنيها، والولايات المتحدة والصين وروسيا وإسرائيل ليست من أعضائها.
ويأتي توقيع الأمر التنفيذي بعد أن عرقل الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي جهوداً يقودها جمهوريون لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية احتجاجاً على مذكرتي اعتقال أصدرتهما في حق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت بسبب العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة.
وقالت مصادر لـ"رويترز" الشهر الماضي إن المحكمة اتخذت إجراءات لحماية الموظفين من عقوبات أميركية محتملة، إذ دفعت رواتب ثلاثة أشهر مقدماً واستعدت لقيود مالية قد تعرقل جهودها.
وفي ديسمبر (كانون الأول)، حذرت رئيسة المحكمة القاضية توموكو أكاني من أن العقوبات من شأنها أن "تقوض عمليات المحكمة في جميع المواقف والقضايا سريعاً، وتهدد وجودها ذاته".
وتأسست المحكمة في عام 2002 للنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجريمة العدوان عندما تكون الدول الأعضاء غير راغبة أو غير قادرة على فعل ذلك بنفسها.
ويمكنها النظر في الجرائم التي يرتكبها مواطنو الدول الأعضاء أو ترتكبها أطراف أخرى على أراضي الدول الأعضاء. والولايات المتحدة ليست عضواً في تلك المحكمة.
حرب أوكرانيا
من جهة أخرى قالت وزارة الخارجية الأوكرانية اليوم الجمعة إن كييف تعتقد أن عمل المحكمة الجنائية الدولية في ما يتعلق بجرائم الحرب المتهمة بها روسيا سيستمر، بعدما فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب عقوبات على المؤسسة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية جورجي تيخي في مؤتمر صحافي "نحن على قناعة بأن المحكمة الجنائية الدولية ستواصل الاضطلاع بوظائف مهمة في قضية أوكرانيا، وبخاصة مساءلة مجرمي الحرب الروس".
وأضاف تيخي "نعلم أن العلاقات بين الولايات المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية لها تاريخ طويل".