ملخص
قال بيتر لودج مدير مدرسة الإعلام والشؤون العامة في جامعة جورج واشنطن إن "الرئيس ترمب خاض مسيرة رجل استعراض بمقاييس فائقة"، مشيراً إلى أن "الاستعراض هو بذاته الغرض، فيما يتراجع الواقع إلى المرتبة الثانية".
كثيرة هي الأفكار الغريبة التي أطلقها دونالد ترمب لمعالجة مشكلات العالم، من اقتراحه في ولايته الأولى حقن سائل معقم في جسم الإنسان للقضاء على فيروس كورونا إلى طرحه قبل يومين فكرة سيطرة بلاده على غزة وتهجير سكان القطاع الفلسطيني، لكن السؤال الأساس يقضي بمعرفة ما إذا كان ما طرحه الرئيس الأميركي خطة فعلية أم مجرد خدعة للمراوغة؟.
وغالباً ما يثير ترمب بمواقفه المتبدلة إرباكاً في أوساط معارضيه الذين لا يعرفون دوماً إن كان ينبغي أخذ مقترحاته على محمل الجد أو إن كان يراوغ أو يناور للتحكم بزمام الأمور.
آخر مثال على هذا الإرباك فكرته الغريبة بوضع حد للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، ولا شك في أن فرض الولايات المتحدة "السيطرة" على غزة لتحويل القطاع، وفق تصوره، إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" هي فكرة أثارت ذهولاً في أنحاء المعمورة كافة.
رجل الاستعراض
ورأى مدير مدرسة الإعلام والشؤون العامة في جامعة جورج واشنطن بيتر لودج أن "الرئيس ترمب خاض مسيرة رجل استعراض بمقاييس فائقة"، مشيراً إلى أن "الاستعراض هو بذاته الغرض، فيما يتراجع الواقع إلى المرتبة الثانية".
وأقرّ بأن تكتيكات ترمب لا تخفق أبدا في مرادها، فعندما لا تأتي تصريحاته الصادمة بأي مفعول، تقدم على أنها "نكتة أو تكتيك للتفاوض"، لكن عندما "يتبلور مخططه الغريب العجيب، يدعي أنه عبقري".
خارج عن المألوف
وآثر الملياردير الجمهوري الذي يحلو له إحداث صدمات إطلاق فرضيات خارجة عن المألوف، فخلال ولايته الرئاسية الأولى اقترح في خضم الجائحة أن تتم معالجة "كوفيد-19" بحقن السائل "المعقم" في جسم الإنسان أو باستخدام "ضوء كبير فوق بنفسجي".
وخلال حملته الأخيرة، زعم بأن في مقدوره أن يضع حداً للنزاع في أوكرانيا بحدود 24 ساعة من عودته للبيت الأبيض.
ومنذ عودته للمكتب البيضاوي، ما انفك قطب العقارات السابق يهدد بالاستيلاء على غرينلاند وقناة بنما، وإن بالقوة.
ذهول العالم
وأثار تصوره الجديد لغزة الذي يقتضي تهجير أكثر من مليوني فلسطيني من القطاع ذهول العالم أجمع.
لكن بعد أقل من 24 ساعة من الإعلان عنه، سعت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إلى تدوير الزوايا، وأوضحت أن الولايات المتحدة "لن تمول إعادة بناء غزة" ولا تنوي راهناً إرسال قوات أميركية، مضيفة أن نقل الفلسطينيين لن يكون سوى "تدبير موقت"، لكنها دافعت عن مهارات الرئيس في "الخروج عن الدروب المطروقة".
تأكيد الجدية
وعاد ترمب اليوم الخميس لتأكيد جدية مقترحه، مؤكداً أن "الولايات المتحدة ستتسلم من إسرائيل قطاع غزة بعد انتهاء القتال" وأنه "لن تكون هناك حاجة لجنود أميركيين" لتنفيذ هذه الفكرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أشاد بدوره أول من أمس الثلاثاء بمهارات ترمب الخطابية، موجهاً حديثه إليه بالقول "تتكلمون من دون مواربة، وترون ما يرفض آخرون رؤيته، وبعد زوال العجب، يحك الناس رؤوسهم ليتبين لهم أنه (ترمب) كان على حق".
غير أن الجهات الرئيسة الأخرى في الشرق الأوسط، كالأردن ومصر والسعودية، ما زالت ثابتة في موقفها الرافض لتصور ترمب، بحسب الخبيرة في معهد الشرق الأوسط ميريت مبروك التي قالت إن "هذه الفكرة ليست منطقية أو قابلة للتطبيق"، وذكّرت بأن ترمب لم ينفذ يوماً وعيده بأخذ نفط العراق خلال ولايته الأولى، وأردفت أن "المسألة هي أن أحداً لا يعرف" ما يتوقع من الرئيس الأميركي.
جس النبض
ولا شك في أن الملياردير الجمهوري يحلو له أن يراوغ لجس النبض إزاء أفكاره الغريبة، واعتبر ترمب العام الماضي أن "غزة يمكن أن تكون أفضل من موناكو". وسبق لصهره جاريد كوشنر أن قال إن "العقارات على الواجهة البحرية يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة" في القطاع الفلسطيني.
ويومها لم تؤخذ على محمل الجد تلك التصريحات التي تداولتها وسائل الإعلام على نطاق واسع.
ويبدو أن الرئيس "يسخر خبرته في مجال الأعمال في خدمة السياسة"، على حد قول مبروك.
وفي بعض الأحيان، "يجدي الأمر نفعاً. وشهدنا على ذلك في النزاع القائم حول الرسوم الجمركية"، بعدما قبلت كندا والمكسيك تعزيز أمن الحدود لتفادي حرب تجارية مع الولايات المتحدة.
وأيّاً كان مآل المخططات الجريئة لترمب في شأن غزة أو غرينلاند أو قناة بنما، فإن الغرض منها هو أيضاً مشاغلة الأميركيين الذين انتخبوه رئيساً كي يتصدى للتضخم في المقام الأول، بحسب مبروك التي لفتت إلى أنه "على رغم من التصريحات الطنانة الرنانة على الساحة الدولية، لم يتراجع في الواقع سعر البيض" في الولايات المتحدة.