Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسلحة من حقبة الحرب العالمية الثانية للدفاع عن كييف

كل ليلة تقريباً، تستهدف أوكرانيا جحافل من مسيرات "شاهد" الروسية إيرانية الصنع، ومن واجب الجنود، بعتادهم المدفعي العائد للحرب العالمية الثانية، إسقاطها من الجو.

يعتمد الجنود الأوكرانيون على مدافع رشاشة ثقيلة تركية الصنع من عيار .50، مثبتة على مقطورات زراعية تجرها شاحنات بيك أب، بهدف إسقاط المسيّرات الروسية (اندبندنت)

ملخص

تستخدم أوكرانيا مدافع رشاشة تعود للحرب العالمية الثانية لمواجهة مسيّرات "شاهد" إيرانية الصنع، وسط استنزاف للمساعدات الغربية وقلق من تداعيات قرار ترمب بوقف الدعم العسكري، مما يهدد قدرة البلاد على الصمود.

قرقعة، فانفجارات مدوية تصم الآذان - مرتين على التوالي ثم مرة ثالثة - يتبعها ارتجاج زجاج النوافذ وعويل صفارات إنذار السيارات. لكن في مدينة تعيش تحت القصف المستمر، يكتفي مدخّن عند مدخل مبنى بنفض قليل من رماد سيجارته، قبل أن يسحب منها نفساً آخر.

وفي بهو أحد الفنادق، لا تحرك عاملة الاستقبال ساكناً هي التالية، بل تبقى غارقة في أوراقها على ضوء المصباح الكهربائي.

فالناس يدركون أن هذه الانفجارات ناجمة عن إطلاق صواريخ مضادة للطائرات بعيدة المدى من قلب العاصمة الأوكرانية، في محاولة لصد الهجمات المقبلة.

على رغم أن هذه الأصوات لا تدفعهم إلى التحرك، فإن هدير محركات تشبه تلك الموجودة في جزازات العشب في السماء يشعل سباقاً فورياً نحو الأقبية والملاجئ.

أما مصدر هذا الطنين، فهو جحافل مسيّرات "شاهد" الروسية، المصنّعة في إيران والتي تطلق في اتجاه أوكرانيا كل ليلة تقريباً. وهذه الطائرات التي يناهز عرضها المترين، تتميز بأجنحة على شكل مثلث وتحمل ما بين 30 و50 كيلوغراماً من المتفجرات. وهي تدار بواسطة نظام بدائي لتحديد المواقع (جي بي أس)، وزُوّدت بمحركات مزدوجة تصدر طنيناً مزعجاً.

ويقول رامٍ في وحدة صغيرة تشكل جزءاً من دفاع أوكرانيا الجوي، يُعرف بلقبه العسكري "لاكي": "ضرباتنا دقيقة للغاية، خصوصاً عندما تطير المسيّرات على علو منخفض لا يزيد على 200 متر فوق رؤوسنا".

 

وينتمي هذا الأخير إلى فريق جنود استخفوا، مثلهم مثل آخرين في البلاد، بأحدث مرسوم أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي وضع حداً لإرسال المساعدات الأجنبية إلى كل مكان تقريباً. وعلى رغم إصرار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على استثناء الدعم العسكري [المرسل إلى أوكرانيا] من قرار تجميد المساعدات، فإن بلدين فقط، هما مصر وإسرائيل، استُثنيا من الحظر المذكور، ولم تصدر عن إدارة ترمب أية إشارة إلى أن أوكرانيا ستستمر في تلقي الدعم الذي تعتمد عليه إلى أقصى الحدود.

والحال أن هذه المدافع الرشاشة الثقيلة، التركية الصنع، من عيار  50 مليمتراً التي جرى تثبيتها على مقطورات زراعية تجرها شاحنات صغيرة، تمثل رد أوكرانيا على مسيّرات "شاهد" الروسية، المصممة للقتل ونشر الدمار، والأهم من ذلك لتحويل الأنظار.

أما الهدف الروسي، فيتمثل في إنهاك الدفاعات المتطورة بأعداد هائلة من المسيّرات الرخيصة لأن جل ما تريده قوات بوتين هو خداع الأوكرانيين، وحثهم على إطلاق النار من أسلحة الدفاع الجوي طويلة المدى التي تكلف ملايين الدولارات، وعلى استخدام صواريخ "باتريوت" ضد مسيّرات يمكن تصنيعها في كوخ حديقة، مقابل 20000 جنيه استرليني (نحو 24800 دولار أميركي).

ومن جهتهم، يتحمل عناصر الأنظمة الدفاعية – الجنود على متن المقطورات – مسؤولية هائلة كل ليلة في مواجهة "جزازات العشب" الطائرة هذه، إذ يصوبون أسلحتهم الغالية الثمن على صواريخ روسية مدمرة وطويلة المدى، من بينها صواريخ "إسكندر" و"كاليبر" و"كينجال" الممكن تزويدها برؤوس نووية.

ولولا منظومات الرؤية الحرارية التي يمتلكها الفريق، والأجهزة اللوحية التي تمنحهم إنذاراً مبكراً بوصول الصواريخ، لما كانت أساليب الدفاع الأوكرانية اليوم لتختلف عن تلك التي اعتمدتها قوات المشاة في الحرب العالمية الثانية، أثناء تصديها لقاذفات القنابل الألمانية "شتوكا". فالسلاح الذي يستخدمونه هو، في جوهره، المدفع نفسه الذي استخدمه البريطانيون آنذاك.

 

استطراداً، تجمعت مجموعة صغيرة من الرجال في منتصف العمر داخل غابة عند أطراف كييف الجنوبية، ممن انضموا إلى الجيش منذ ثلاثة أعوام، عندما أطلقت روسيا غزوها الشامل على البلاد، وبدأوا يستعدون لليلة جديدة من القتال.

تخترق الرياح الجليدية الباردة بزاتهم العسكرية خلال نوبات حراستهم الممتدة على مدى 12 ساعة، بينما راح أعضاء الفريق المكون من ستة جنود يتفحصون السماء. قبل أيام، لقي ثلاثة أشخاص في الأقل مصرعهم قرب بروفاري، شمال شرقي كييف، بعد أن استهدفهم صاروخ أطلقته مسيّرة "شاهد"، مع أن الفريق كان نجح في إسقاط 50 مسيّرة أخرى.

"تترتب علينا مسؤولية ضخمة"، وفق ما أكده أحد الرماة، المعروف باسمه الحربي "أليان" (غريب). وأضاف: "ندرك جيداً أنه في حال وصلت مسيّرات ’شاهد‘ إلى أهدافها، أو حتى في حال أصبنا جانحاً منها وأسقطناها، فهي محملة بالمتفجرات وستؤدي إلى مقتل مدنيين".

ومن جهتهم، يقول جنود أوكرانيون منتشرون على امتداد الخطوط الأمامية الشرقية، من مشارف بولتافا إلى مقاطعة سومي شمالاً، مروراً بالمواقع العسكرية في مقاطعة كييف، إنهم منهكون، بيد أن اتفاق سلام مع بوتين من النوع الذي يقترحه الرئيس الأميركي الجديد ليس خياراً مقبولاً على الإطلاق.

ويعتبرون أن قرار ترمب بقطع المساعدات قد يدفع أوكرانيا إلى الدخول في مفاوضات قسرية، ويتسبب بقتل مزيد من الناس على الجبهات الأمامية، ويسمح لروسيا بمعاودة التسلح، مما يمكنها من الاستيلاء على ما بقي من البلاد أو مهاجمة البلدان المجاورة.

ومع ذلك، يؤكد الجنود أنهم سيواصلون الحرب بما يتاح لهم من وسائل قتالية.

وفي سياق متصل، يواصل بوتين استهداف قطاع الطاقة الأوكراني منذ أكثر من سنتين. وفي ديسمبر (كانون الأول) عام 2024، وافقت الولايات المتحدة على تمويل عمليات ترميم بقيمة تقارب 800 مليون دولار (650 مليون جنيه استرليني). بيد أن هذا التمويل أصبح اليوم محل تشكيك، بعد أن أجرى ترمب مراجعة لجميع المساعدات الأميركية الخارجية لمدة ثلاثة أشهر.

ويقول أحد الجنود: "يستهدف العدو بهجماته البنية التحتية المدنية، تحديداً الطاقة"، ومن ثم يضيف: "نعتمد عليها جميعاً، لا سيما اليوم، إذ أصبح معظم الناس يعتبرونها ضرورة لا غنى عنها. بالتالي، ما عاد المدنيون قادرين على الاستغناء عن الطاقة. والأمر سيان بالنسبة إلى الوحدات العسكرية، فكل شيء بات مرهوناً بالطاقة".

 

ومن المعلوم أن الولايات المتحدة أنفقت ما يقارب 60 مليار دولار أميركي على المساعدات العسكرية لأوكرانيا، مما يجعلها أكبر مانح لهذه الدولة الغارقة في القتال. ويشمل هذا الدعم صواريخ بعيدة المدى، ولكن بكميات محدودة، وصواريخ مضادة للطائرات، لكنها غير كافية، إلى جانب عدد من الدبابات والأسلحة المدفعية وملايين طلقات الذخائر.

وإلى جانب مساعدات الاتحاد الأوروبي البالغة قيمتها 52 مليار دولار، يستنزَف الدعم المقدم لأوكرانيا بوتيرة متسارعة في معركة الدفاع عن مدن البلاد، وعلى طول الجبهة الأمامية الممتدة على ما لا يقل عن 1300 كيلومتر مربع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد فريق الدفاع الجوي أن مطوري المسيّرات لدى بوتين باتوا يستخدمون اليوم طلاء أسود لإخفاء مسيّرات "شاهد" في ظلمة الليل، ويضيفون مسيّرات زائفة إلى أسطولهم لتشتيت انتباه فرق الدفاع وإرباكها على نحو أكبر.

وقد يكون استخدام المسيّرات الزائفة دليلاً أيضاً على أن الموارد الروسية بدأت تنضب. وفي سياق متصل، أكدت وحدات أخرى تحارب على الجبهة الأمامية في كورسك وعلى الجبة الشرقية أنها ترصد تراجعاً في كمية الأسلحة المدفعية وفي استعمال الآليات المدرعة في أوساط القوات الروسية.

وفي هذا الإطار، يقول ضابط رفيع في سلاح الجو في كييف: "نرصد مسيّرات محملة بأنابيب قديمة وعبوات بلاستيكية فارغة وبعض المتفجرات أحياناً، إلى جانب مسيّرات 'شاهد'".

© The Independent

المزيد من دوليات